يتم التحميل...

لعدم تحويل المديح إلى عمل شكلي مبتذل خال من المضمون

تربية دينية (مناسبات)

لعدم تحويل المديح إلى عمل شكلي مبتذل خال من المضمون

عدد الزوار: 100

كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة ولادة الزهراء 24/06/2008
لعدم تحويل المديح إلى عمل شكلي مبتذل خال من المضمون


تعرفوا على أهل البيت (ع) منهم أنفسهم
الحق أن محبة أهل البيت مساحة مناسبة لإبداء الفن. ومحبة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) بين كوكبة النور هذه، هي والحق يقال موضع لإبداء الفنون والأذواق ودقائق الطباع والمواهب. فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) كلمة الله الزاخرة بالمضامين وهي كالبحر اللجّي العميق. كلما غار فكر الإنسان وذوقه والمواهب الدقيقة لأصحابها المواهب في هذا المجال أكثر، وكلما تدبّر وتأمل أكثر، كلما حصل على جواهر أكثر. طبعاً، توصيتنا الدائمة هي أن يكون التعمق في أقيانوس النور والمعنوية هذا بمساعدة أحاديث أهل البيت. وقد جاء هذا المعنى في أحد الأبيات الشعرية التي قرأها السادة حيث قال إن معرفة هذا البيت مودع عند هذا البيت نفسه، فلنأخذ معرفتهم منهم. لنجعلهم هم يعرّفون أنفسهم. لنتأمل وندقق كي نفهم هذه الكلمات والمعاني بنحو عميق. شعراؤنا الأعزاء، ومداحو أهل البيت (عليهم السلام) فخورون بقدرتهم على مراجعة كلمات أهل البيت ورواياتهم والتأمل والتدبر فيها والاستعانة بأهل البصيرة والمعرفة للتعمق فيها، ومن ثم توظيف أذواقهم ومواهبهم اللطيفة ودقة نظرهم وتعمقهم وأصواتهم الجيدة وحناجرهم القديرة لخدمة هذا البيت. هذا من أفضل الأعمال وأشرفها.

الفن خير وسيلة للتواصل مع الناس والتأثير فيهم
طوال السنوات التي انعقد فيها هنا هذا الاجتماع الشريف العزيز المغتنم، تحدثت كثيراً حول مدح أهل البيت والثناء على هذه الأنوار القدسية الطيبة ولا أرى ضرورة للتكرار، ولكن أقول فقط إننا كلما تقدمنا إلى الأمام تجلّى دور التواصل بالفن أكثر؛ التواصل مع أذهان المتلقين والناس وقلوبهم بمعونة أدوات الفن الكفوءة بامتياز. خير وسيلة يستخدمها اليوم من لديهم رسالة للناس ، سواء كانت رسالة رحمانية أو رسالة شيطانية - لا فرق في ذلك - هي وسيلة الفن. لذلك ترون أنهم في العالم اليوم يبدلون بمعونة الفن أشد الأفكار باطلاً إلى حق يبثوّنه في أذهان جماعة عظيمة من الناس، وهذا ما لا يمكن بدون الفن، لكنهم يفعلون ذلك بواسطة الفن وبمساعدة الأدوات الفنية. السينما هذه فن، والتلفاز هذا فن؛ يستخدمون شتى صنوف الفن وأساليبه من أجل نقل رسالة باطلة إلى الأذهان وكأنها حق. إذن، اكتسب الفن كل هذه الأهمية. لكن لنا نحن المسلمين وخصوصاً نحن الشيعة ميزة ليست لسائر الشعوب والأديان بنفس الدرجة، وهي التجمعات الدينية التي تقام وجهاً لوجه وبحضور الناس إلى بعضهم، وهذا ما نلاحظه بمقدار أقل في مناطق العالم الأخرى والأديان الأخرى. توجد هذه الظاهرة ولكن ليس بهذه السعة والتأثير والمضامين الراقية. مثلاً، تتلى آيات القرآن الكريمة وجهاً لوجه بصوت حسن لأناس لا يجيدون لغة القرآن. لهذا تأثير كبير جداً. ومن هنا تبدأ قصة المديح والثناء لدى مداحينا.

لعدم تحويل المديح إلى عمل شكلي مبتذل خال من المضمون
استخدام الفن لنقل المفاهيم السامية القيمة التي تنفذ إلى أعماق روح المتلقي.. هذه وسيلة... وسيلة جد قيمة.. أداة.. لكن هذه الأداة تكتسب من الأهمية بحيث ترتقي أحياناً إلى درجة المضمون نفسه؛ لأنها إن لم تكن لما أمكن نقل المضمون إلى القلوب. مديحكم من هذا القبيل. كلما كان أكثر فناً وأقرب إلى أدوات الفن والصوت الحسن والحنجرة الجيدة كلما كان أفضل، وكلما كان المضمون أكثر تعليماً وفائدة ومفهوماً أكثر من قبل المتلقي وأزخر بالدروس، وأكثر جدة وطراوة لإدارة أفكار المتلقين، كلما كانت قيمته أكبر. طبعاً في ضوء الفكرة التي ذكرناها في البداية، أي داخل إطار تعاليم أهل البيت ومعارفهم. لذلك ليس من المناسب التلاعب بقضية المديح. ليس من الجائز أبداً جعل المديح عملية سطحية، شكلية، ظاهرية، وبعبارة أخرى جعلها تقليداً لعمل غربي مبتذل. ينبغي التنبه لهذا، خصوصاً من قبل الشباب الذين يدخلون هذا الصراط. لا إشكال أبداً في استخدام أبيات شعرية بلغة الناس، ولكن بمضامين صحيحة. إذا استلهم مدّاح أهل البيت عليهم السلام عمله الشريف الطاهر المقدس ممن هم غرقى في بحار الحيرة والبؤس - ميدان الفن الغربي، خصوصاً فنونهم الموسيقية التي انحدرت نحو الابتذال - وفي وديان الضياع والحيرة الشيطانية وليس الحيرة الرحمانية، فهذا ليس بالأمر اللائق المناسب.

لتكن المضامين مما يقوي الإيمان والفضائل ويعزز الوعي الوطني
والنقطة الأخرى التي ذكّرنا بها دائماً وأقولها أيضاً هي أن تجعلوا المضامين مما ينتفع منه مستمعوكم: أن تكون منقبة ممكنة الفهم، أو فضيلة محفزة من فضائل أهل البيت (عليهم السلام) تقوّي عقيدة الإنسان وإيمانه. لاحظوا الأمور التي كان مدّاحو أهل البيت (عليهم السلام) في زمن حياة المعصومين (عليهم السلام) يشدّدون عليها: شعر دعبل، شعر الكميت، شعر الفرزدق - الشعراء الذين كان الأئمة (عليهم السلام) يشجعونهم - على ماذا كانوا يشددون؟ لاحظوا أن مضامين تلك الأشعار إما إثبات أحقية أهل البيت بالأدلة - الأدلة التي تعبّر عن نفسها بلبوس الشعر الجميل اللطيف؛ انظروا شعر دعبل - أو إفصاح عن فضائل أهل البيت (عليهم السلام)؛ الشيء الذي تكرر اليوم عدة مرات في أشعار هؤلاء المداحين الأعزاء. إشارة إلى حادثة "هل أتى"، إشارة إلى حادثة المباهلة، إشارة إلى أحاديث النبي المكرم بحق فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، أو ذكر الدروس التي يمكن استلهامها من تلك الشخصية العظيمة، والنموذج الطيب الكامل لذلك والقريب إلى زماننا هو الأشعار التي ظهرت خلال فترة الثورة - عهد ذروة النهضة سنة 56 و57 (1) - في محرم والمواكب الحسينية بمبادرة من المداحين وشعراء المراثي أنفسهم. الموكب الحسيني كان يسير في السوق والشارع وهو يلطم الصدور وينشد المراثي، ولكن كل من يسمع مراثيه كان يفهم ما الذي يجب عليه فعله اليوم، وفي أي اتجاه يجب أن يتحرك.

حينما توظفون هذا الفن؛ فن الصوت واللحن والنغم والشعر ــ وعملكم مجموعة من عدة فنون - لخدمة هذه المعاني، فتثبتون أحقية أهل البيت، أو تذكرون فضائلهم ومناقبهم التي تنير قلوب المستمعين، أو تفهمون معارف أهل البيت وتضيئون طريق الحياة لمخاطبكم، عندئذ سيكتسب عملكم أعلى قيمة وسيعادل مديحكم عدة ساعات من المحاضرات والدروس والاستدلالية.

ليست القضية قضية إثارة عواطف فقط، إنما هي هداية الأذهان. طبعاً أنا أرى اليوم ولحسن الحظ، سواء في هذه الجلسة أو جلسات العزاء والمناسبات حيث يأتي المداحون ويقرأون، أن هناك توجهاً جيداً ظهر خلال هذه السنوات والحمد لله، بيد أن الإمكانية هائلة جداً. أنتم الشباب من أهل القراءة والإنشاد والتعبير وإقامة البرامج انظروا إلى حاجة المجتمع الإسلامي الراهنة. لاحظوا كم يحتاج شعبنا وشبابنا ومجتمعنا في غمرة أعاصير الهجمات السياسية والثقافية وشتى صنوف الإيحادات والدعايات، إلى نظرة جديدة، وروح مفعمة بالأمل، وقلوب زاخرة بالتفاؤل للمستقبل، وفهم للطريق النيّر. هذا ما ينبغي للجميع القيام به؛ كلٌّ بنحو من الأنحاء. وبوسعكم أن يكون لكم نصيب وافر في هذا المجال. على كل حال بمقدور أساتذة المديح وروّاده أن ينهضوا بأعمال جيدة، وأتمنى أن ينجزوها إن شاء الله.

ذكروا الآخرين بتأثير الثورة المعنوي والسياسي في التحرك العالمي
نقطة أساسية أخرى هي أننا يجب أن لا ننسى الواقع الحالي للثورة أبداً، وندرجها ضمن مديات أقوالنا. يجب أن نذكّر الآخرين بتأثيراتنا.

2017-03-16