يتم التحميل...

أبعاد مناسك وأعمال الحج

تربية دينية (مناسبات)

أبعاد مناسك وأعمال الحج

عدد الزوار: 123

كلمة الإمام الخامنئي في القائمين على شؤون الحج 05/11/2008
أبعاد مناسك وأعمال الحج


فرصة الحج بالنسبة للفرد المسلم هي فرصة دخول الإنسان إلى مناخ معنوي جد رحيب و واسع. ننتزع أنفسنا من ثنايا حياتنا العادية بكل شوائبها و إشكالاتها و نتجه صوب أجواء النقاء و الروح المعنوية والتقرب إلى الله والرياضة الاختيارية.
منذ بداية دخولكم هذه المراسم تحرّمون على أنفسكم الأمور المباحة لكم في حياتكم اليومية الدارجة.. إنه الإحرام.. أي تحريم أمور شائعة مباحة جائزة في الحياة العادية المألوفة، و الكثير منها مدعاةٌ للغفلة، بل إن بعضها سبب في الانحطاط.
 

تُنتزع منا جميع أسباب التفاخر الظاهري المادي، و أولها الثياب. تُستبعد جانباً المناصب، و المراتب، و الثياب الفاخرة و يرتدي الجميع لباساً واحداً.. لا تنظروا في المرآة لأن ذلك من مظاهر الأنانية و النرجسية. لا تتعطّروا بالعطور الطيبة لأن ذلك أداة من أدوات التظاهر و البروز. لا تهربوا من الشمس أو الأمطار إلى تحت السقوف - أثناء المسير - لأن ذلك من مظاهر طلب الراحة و الدعة. إذا مررتم بمكان تفوح منه روائح كريهة فلا تمسكوا أنوفكم، و كذلك سائر أعمال الإحرام.. تحريم الأمور الباعثة على الراحة وشهوة النفس والشهوات الجنسية خلال هذه المدة، سواء كانت سبباً في التفاخر، أو سبباً في التمييز؛ كل هذه تُرفع و تزول.
 

بعد ذلك يأتي الدور للدخول في فضاء بيت الله و المسجد الحرام و تلك العظمة و الجلال دون الابتعاد عن البساطة و عدم التجمّل، و الشعور بذلك بالعين، و اليد، و بكل الوجود. العظمة و الجلال و لكن ليس من نوع العظمة المادية و عظمة الأموال و الزينة المادية، بل من نوع آخر لا يمكن حتى وصفه للناس العاديين. و من ثم الدخول في هذا السيل الهادر الدوّار والتحرك حول مركز واحد، و بذكر الله، و الدعاء، و البكاء، و الخشوع، و الكلام مع الله تعالى. و كذا الحال بالنسبة للسعي بين الصفا و المروة بعد ذلك، و الوقوف في عرفات و المشعر، و فرائض أيام منى. هذا هو الحج.

أشار الأعزاء إلى أنني أوصيت براحة الحجاج و رعايتهم. نعم، هذا طبيعي، لكن هذه الراحة لا تعني الخمول و اللذائذ. لقد ذكرت للأعزاء القائمين على الحج دوماً طوال الأعوام الماضية أن هذه الراحة تعني فراغ البال لأجل هذا الهيام و الانجذاب و الانقطاع إلى الله. افعلوا ما من شأنه أن يفرغ بال الناس ولا يعيشوا هموماً معينة فيستطيعوا بذلك أداء هذه الفريضة على أفضل وجه. هذه هي الغاية. و إلا، ليس المراد الراحة الحيوانية و راحة الأكل و النوم و الأكل الأفضل و الأكثر، كلا، هذا ليس ذوقي، كي نتوخّى هذه الأمور و نجري وراءها.
 

ليس الحج سفرة ترفيهية إنما هو رحلة معنوية. إنه سفر إلى الله بالجسم والروح كلاهما. السفر إلى الله ليس سفراً جسمانياً بالنسبة لأهل السلوك، إنما هو سفر قلبي و روحي. و هذا السفر إلى الله هو بالنسبة لنا جميعاً نحن الناس سفر بالجسم و الروح معاً، و لا فائدة من أن نأخذ الجسم إلى هناك و لا نأخذ الروح. أو أن يتحول الحج لا سمح الله بالنسبة لبعض من تتكرر لهم هذه النعمة - حيث يوفّقون للذهاب إلى الحج بشكل متكرر فيشاهدون بيت الله ويزورونه - إلى شيء يبعث على اللاأبالية و عدم الاهتمام، فيعجزون عن الإيحاء لأنفسهم بتلك الثورة الداخلية أو وجدانها في نفوسهم. هذا ليس بالشيء الإيجابي.
 

رحمة الله على المرحوم الشيخ محمد بهاري - و من المقرر أن يقام له في هذه الأيام حسب الظاهر مراسم تكريم سنوية أو ملتقى تكريمي - الذي يقول في إحدى كتاباته أن الدعاء، و الذكر، و ربما الصلاة إذا تكررت من دون توجّه إلى الله فستؤدي إلى القسوة. نصلي و تكون الصلاة سبباً في قسوتنا! لماذا؟ لأن قلوبنا غير حاضرة و غير خاشعة أثناء الصلاة. إذن، هذه الصلاة إما أن تؤدّى بخشوع فتكون مدعاة رقة و قرب و لطف و نقاء، أو تقام بلا خشوع فتكون حسب قوله سبباً في قسوة القلب.

الحج تمرين تجريبي على العيش بعيدا عن حب الشهوات
كذلك الحج.. ينبغي أداء هذه الأعمال بتوجه و حضور..  «أياماً معدودات» 1 ...  «معلومات»  2 ... مجموع أيام الحج و العمرة ليس أكثر من عدة أيام. فرصة الحج الممتدة لعدة أيام تمرينٌ و تعليم تجريبي يرى من خلاله الإنسان أن بالمستطاع العيش على هذه الشاكلة أيضاً.. يمكن العيش بلا تفاخر و لا اكتراث للذائذ المادية. لا أننا نريد أن نعيش حياتنا كلها في حالة إحرام، ليس هذا المراد، ينبغي أن تصيبوا من طيبات الرزق التي أحلّها الله تعالى، إنما يجب تبديد التعلق و التعطّش و اختصار الحياة في هذه الأمور - و هذا ما نعاني منه حيث نظن الحياة هذه اللذائذ و الشهوات المادية و الأهواء الفارغة العبثية - كي نفهم أن بالإمكان تخصيص فصل من الحياة و جزء من الأيام، و ساعات من منتصف الليل لحالة النقاء و الانقطاع إلى الله هذه. هذا ما تتدربون عليه و تتعلمونه هناك. يتعلم الحاج أن بالمستطاع القيام بذلك. انظروا كم هي فرصة عظيمة.


1 - البقرة، 184.
2 - الحج، 28.

2017-03-16