يتم التحميل...

"البعثة" إنقلاب حضاري جذري من التوحش إلى رحاب الإنسانية

تربية دينية (مناسبات)

"البعثة" إنقلاب حضاري جذري من التوحش إلى رحاب الإنسانية

عدد الزوار: 96

كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة المبعث النبوي 30/07/2008
"البعثة" إنقلاب حضاري جذري من التوحش إلى رحاب الإنسانية


ليس استذكار البعثة بمعنى استذكار حادثة تاريخية. هذا ما ينبغي أن نتذكره دائماً حيال هذا الحدث الكبير وهذه الخاطرة البشرية والإنسانية. إنما التشديد على هذه الذكرى العظيمة هو في الحقيقة تكرار ومراجعة لدرس لا ينسى بالنسبة للأمة الإسلامية بالدرجة الأولى، سواء كل واحد من أبناء الأمة الإسلامية أو شخصياتها البارزة ونخبها: الساسة، والعلماء، والمستنيرون، وبالنسبة لكل البشرية بالدرجة الثانية. إنها مراجعة درس واستذكار حادثة زاخرة بالعبر.

أبعاد هذا الحدث متنوعة جداً، ولو أراد شخص التعبير ببيان بليغ - وإن على نحو الإجمال- عن جوانب مسألة البعثة، لوجب تحرير كتب بأكملها والتحدث ساعات طوال عنها. ولكن بمجرد أن يلقي الإنسان نظرة أولية على هذا الحدث يتعلم منه دروساً عديدة. لاحظوا أن الرسول الأكرم بهذه الرسالة المستوعبة لكل حاجات البشرية للكمال، ظهر وبدأ دعوته في مجتمع لم يكن فيه أي من تلك الكمالات المنشودة.

الرسول كان رسول العلم في ذلك المجتمع الخالي من العلم، وكان رسول العدل في ذلك المجتمع الذي لا تُشم فيه للعدالة رائحة، ويهيمن فيه الأقوياء والجبابرة والزعماء المتعجرفون على أرواح الناس وأموالهم. كان رسول الأخلاق والتسامح والصفح والإنصاف والمحبة في مجتمع عانى شحة وقحطاً حقيقياً في هذه الأحوال. كان مجتمعاً عنيفاً، متجبراً، خاضعاً لمنطق القوة، بعيداً عن الأخلاق والمعنوية والعلم، منشداً للأهواء النفسية والعصبيات الجاهلية وأنواع التكبر الفارغ غير المبرر. في مثل هذا المناخ المتحجر الصعب، وفي مثل هذا الوضع الصخري الخالي من أية مياه أو زروع نمت هذه الغرسة طوال ثلاث عشرة سنة في تلك الظروف العصيبة وانتهت تلك الأعوام الثلاثة عشر إلى تأسيس حكومة وتشكيل مجتمع يقوم على أساس العلم والعدل والتوحيد والمعنوية والأخلاق والكرامة. أبدل الذلة عزةً، وحوّل الوحشية إلى أخوة، والعصبية إلى تسامح وتعقل، والجهل إلى علم، وأوجد قاعدة متينة ولبنة محكمة استطاع المسلمون على أساسها ولقرون طويلة الرقي إلى قمة التحضّر في العالم والارتقاء إلى مراتب ومستويات غير مسبوقة في تاريخ الإنسانية.

ولم يستمر أمد هذه الحكومة لأكثر من عشرة أعوام. لاحظوا كم هو ثلاثة عشر عاماً مضافاً إلى عشر سنوات في عمر الأمم. إنها بمثابة ثانية واحدة أو ساعة عابرة. في مثل تلك الفترة القصيرة ظهرت حركة هائلة يمكن القول إنها شطرت التاريخ إلى شطرين: شطر ما قبل الإسلام وشطر ما بعد الإسلام. وأخذت بيد الإنسانية إلى الأمام ورسخت دعائم الأخلاق، وتركت للبشرية دروساً لا تنسى؛ انظروا لعظمة البعثة من هذه الزاوية.

2017-03-16