يتم التحميل...

"الغدير" معلم من معالم جامعية الإسلام وشموليته

تربية دينية (مناسبات)

"الغدير" معلم من معالم جامعية الإسلام وشموليته

عدد الزوار: 103

كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة عيد الغدير الأغر وانتفاضة أهالي مدينة قم عام 1978م- 18/10/1385هـ.ش ـ 18/ 12/1427هـ.ق ـ 8/1/2007م
"الغدير" معلم من معالم جامعية الإسلام وشموليته

أ ــ الغدير: تدبير نبوي لحفظ الرسالة الإلهية
إنّ قضية (الغدير) ليست قضية تاريخية بحتة، بل إنها ملمح من ملامح الجامعية الإسلامية. وإذا ما افترضنا أنّ النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يترك للأمة منهاجاً لبناء مستقبلها بعد عشر سنوات أمضاها في تحويل ذلك المجتمع البدائي الملوث بالعصبيات والخرافات إلى مجتمع إسلامي راقٍ، بفضل سعيه الدؤوب، وما بذله أصحابه الأوفياء من جهود، لظلّت كل تلك الإنجازات مبتورة وبلا جدوى.

لقد كانت تراكمات العصبية الجاهلية على قدر عظيم من العمق، بحيث إنها كانت بحاجة إلى سنوات طويلة للتغلّب عليها والتخلّص منها.

لقد كان كل شيء على ما يرام على ما يبدو، وكان إيمان الناس حسناً، حتى ولو لم يكونوا على مستوى واحد من العقيدة، فبعضهم كان قد اعتنق الإسلام قبل وفاة الرسول الأكرم بعام واحد أو ستة أشهر أو عامين، وذلك بفضل هيمنة البُنية العسكرية التي أسّسها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مع ما رافقها من حلاوة الإسلام وجاذبيته.

إنهم لم يكونوا جميعاً من طراز المسلمين الأوائل؛ ولهذا فقد كان من الضروري اتخاذ ما يلزم من التدابير، بغية إزالة تلك التراكمات الجاهلية من أعماق المجتمع الجديد، والحفاظ على خط الهداية الإسلامية سليماً وممتداً بعد رحيل الرسول الأكرم(ص)، بحيث إنّ جهوده الجبارة خلال تلك السنوات العشر ستبقى بلا ثمار إذا لم يتمّ اتخاذ تلك التدابير.

وهذا ما صرّحت به الآية المباركة من سورة المائدة، وهي قوله تعالى?اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي?1 فهذه إشارة إلى أنّ هذه النعمة هي نعمة الإسلام ونعمة الهداية ونعمة إرشاد العالمين جميعاً إلى الصراط المستقيم. وهذا ما لا يمكن أن يتم بلا خارطة للطريق بعد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا أمر طبيعي.

ب ــ ولاية ألإمام علي (ع) أمر إلهي وتنصيب من لله
وهذا هو عين ما فعله النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في الغدير، حيث نصَّب للولاية خليفة ممتاز لا نظير له وهو أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ لِمْا كان يتمتع به من شخصية إيمانية فريدة، وأخلاق سامية حميدة، وروح ثورية وعسكرية متميّزة، وسلوك راقٍ مع جميع الناس، وقد بايعه المسلمون على الولاية بأمر من نبيّهم(صلى الله عليه وآله وسلم).

ولم يكن هذا من عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل كان هداية ربّانية، وأمراً إلهياً، وتنصيباً من الله تعالى، كما هو شأن كافة أقوال وأفعال الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) التي كانت وحياً إلهياً، وهو الذي لا ينطق عن الهوى.

لقد كان هذا أمراً إلهياً صريحاً للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) فقام بتنفيذه وإطاعته. وهذه هي قضية الغدير، أي بيان جامعية الإسلام وشموليته، والتطلّع إلى المستقبل؛ وذلك الأمر الذي لا تتمّ هداية الأمة الإسلامية وزعامتها إلاّ به.

ج ــ الإمام علي (ع) النموذج الأمثل لولي أمر المسلمين
فما هو ذلك الأمر؟ إنها تلك الأشياء التي تجسّدها شخصية أمير المؤمنين، أي التقوى والتديّن والرسوخ في الإيمان، وعدم التوكل إلاّ على الله، وعدم السير إلاّ في سبيله، والجِد والاجتهاد في طريق الحق، والاتّصاف بالعلم، والتميّز بالعقل والتدبير، والتمتع بقدرة العزم والإرادة.

إنه عمل واقعي ونموذجي في نفس الوقت. لقد نُصّب أمير المؤمنين(عليه السلام) لاتصافه بتلك الخصوصيات، التي باتت لازمة في كل زعيم للأمة الإسلامية ـ أيّاً كان ـ مدى الدهر، أي أنّ هذا هو النموذج الأمثل للقائد الإسلامي إلى الأبد؛ وهو ما تجسّد في الإصطفاء الإلهي لأمير المؤمنين(عليه السلام). والغدير هو هذه الحقيقة.

إننا نحن الشيعة وأتباع أهل البيت(عليهم السلام) نشكر الله تعالى آلاف المرّات على أن فتح عيوننا على هذه الحقيقة وجعلها راسخة في قلوبنا، وخصّنا بالميلاد والعيش في مجتمعات تعمّقت فيها تلك الحقيقة المطلقة، وهذه من النِعَم الكبرى.

التحذير من إتخاذ حادثة "الغدير" أداة لإضعاف الإسلام
إنّ من الضروري لأتباع أهل البيت(عليهم السلام) ولكافة المسلمين فضلاً عن ذلك ألاّ نتخذ من حادثة الغدير أداة لإضعاف الإسلام، وهي التي تدلّ على عظمة الإسلام وجامعيته.

إنّ من واجبي شخصياً في هذه الأيام أن أُلفت انتباه مواطنينا الأعزاء وجميع المسلمين في كافة أصقاع العالم إلى أنّ الأعداء يفتّشون اليوم عن مثل هذه القضايا، والتي تمثّل منشأ عظمة الإسلام؛ بغية استغلالها لضرب الإسلام، أي مسألة الشيعة والسنة، والقبول بالغدير أو إنكاره.

"الغدير"، باب للتآخي بين المسلمين لا سببا للفرقة والتنازع
إنّ الأعداء يأملون في أن تكون قضية الغدير سبباً في تناحر الأشقّاء وإشعال فتيل الحرب والخصومة فيما بينهم، في حين أنّ الغدير يمكن أن يكون وسيلة للتآلف والتآخي بين المسلمين. لقد كتب المرحوم الشهيد المطهري(رضوان الله عليه) مقالاً مطوّلاً ومعمّقاً قبل قيام الثورة حول كتاب(الغدير) للعلاّمة الأميني، وأثبت أنّ هذا الكتاب وسيلة لوحدة المسلمين.

إنّ بعضهم كان يتخيّل أنّ كتاب الغدير يمكن أن يكون سبباً في الفرقة، ولكن الشهيد المطهري يقول: إننا لو فكّرنا جيداً وسلكنا المسلك الصحيح والمتوازن لوجدنا أنّ كتاب الغدير وسيلة لوحدة العالم الإسلامي. وبمقدور الأخوة من أهل السنة أن يراجعوا مصادر الغدير بعقلية حيادية وبلا أحكام مسبقة، وحينئذ لهم حق القبول أو الرفض.

وفي كلتا الحالتين، القبول أو الرفض، فمن المسلّم به أنّ قضية الغدير لن تؤدي إلى احتراب أو خصومة أو خلاف على الإطلاق بين من يقبلون ومن يرفضون.

وهكذا هو الأمر بالنسبة للشيعة، فعليهم أن يحمدوا الله تعالى على أن منّ عليهم بنعمة معرفة الحقيقة والاعتقاد بأصل الغدير.

وأما الأخوة الذين لم يقبلوا بهذه الحقيقة، أو لم يراجعوا مصادرها، أو لم يطّلعوا عليها، أو لم يستطيعوا إقناع أنفسهم بها، فلا بأس من عدم اعتقادهم؛ وهذا ليس من شأنه أن يسبّب الفرقة والاختلاف.


1- سورة المائدة، الآية: 3.

2017-03-16