الجمهورية الإسلامية أحبطت أهداف الإستكبار في المنطقة
تربية دينية (مناسبات)
الجمهورية الإسلامية أحبطت أهداف الإستكبار في المنطقة
عدد الزوار: 119
كلمة
الإمام الخامنئيّ بمناسبة ذكرى المبعث النبويّ الشريف 20/07/2009
الجمهورية الإسلامية أحبطت أهداف الإستكبار في المنطقة
بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك هذا العيد الكبير، وهو عيدٌ
لكلّ البشريّة وليس للأمّة الإسلاميّة فقط، وأتمنّى أن يبارك الله هذا العيد عليكم
أيّها الحضور المحترم، وأيّها الضيوف الأعزّاء وأيّها الشعب الإيراني العزيز، وجميع
الشعوب المسلمة والبشريّة بأسرها.
أبعاد البعثة
إنّ قضيّة بعثة النبي المكرّم التي قالت ألسنتنا وأذهاننا القاصرة حولها
الكثير -وقال الجميع حولها ما قالوا- هي في الحقيقة، ميدانٌ عظيمٌ ليس بالإمكان
بيان أبعاده في القريب العاجل. كلّما تقدَّم الزمن ومرَّت الأيّام، وأدركت البشريّة
بتجاربها المختلفة نواقصَ حياتها والآفات التي تهدّدها [كلّما حصل ذلك] تجلّت لها
الأبعاد المختلفة لبعثة النبي الكريم (ص). هذه البعثة في واقع الأمر هي دعوة الناس
إلى ميدان التربية العقلانيّة والتربية الأخلاقيّة والتربية القانونيّة. هذه هي
الأمور التي تحتاجها الحياة البشريّة الهادئة والمتّجهة نحو الكمال.
1-التربية العقلائيّة
التربية العقلانيّة بالدرجة الأولى؛ بمعنى استخراج قوى العقل الإنساني
وجعلها سائدة على أفكار الإنسان وأعماله، وحمل الإنسان لمشعل العقل البشري كي يمكنه
بهذا المشعل تشخيص الطريق والسير فيه. هذه هي المسألة الأولى وهي المسألة الأهم.
إضافةً إلى أنّ قضيّة العقل مطروحة بالدرجة الأولى في بعثة الرسول، وكذا قضيّة
العلم فإنّه كلّما نظرتم في كلّ القرآن الكريم والتعاليم النبويّة غير القرآنيّة
وجدتم التشديد على العقل والتأمّل والتدبّر والتفكّر وما شابه. وحتّى في يوم
القيامة يقول القرآن عن لسان المجرمين: {لو كنّا نسمع أو
نعقل ما كنّا في أصحاب السعير}1؛ السبب في إلقائنا في نار
الجحيم هو أنّنا لم نراجع عقولنا ولم نسمع ولم نوجِّه قلوبنا؛ لذلك ابتلينا اليوم -
يوم القيامة - بمصيرٍ مريرٍ أبديّ.
الدعوة إلى العقل بالدرجة الأولى مشهودة في سير جميع الأنبياء وفي حيوات كل الرسل،
فهي غير مختصَّة بالرسول الخاتم. وهي طبعًا دعوة برزت بصورة أقوى وأوضح في الإسلام.
من هنا يقول الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) في تعليله بعثة الأنبياء:
"وليستأدوهم ميثاق فطرته".. إلى أن يقول:
"ويثيروا لهم دفائن العقول"2؛ يستخرجون كنوز العقل. كنوز
العقل هذه موجودة في دواخلنا أنا وأنتم. مشكلتنا هي أنّ مثلنا مثل ذلك الشخص النائم
على كنـز وهو لا يدري به ولا ينتفع منه فيموت من الجوع. هكذا هو حالنا. حينما لا
نرجع إلى العقل ولا نحكّمه ولا نربّيه وننضجه ولا نسلِّمه زمام النفس، فسيكون هذا
هو حالنا.
إنّه كنـزٌ موجود لدينا لكنّنا لا ننتفع منه. وعندما نعاني من كثيرٍ من المشكلات في
حياتنا الدنيا وفي حياتنا الآخرة فهذا نتيجة لا عقلانيّتنا ونتيجة جهلنا وتبعاته
العديدة. لهذا يقول نبيّ الإسلام الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديثٍ له:
"إنّ العقل عقال من الجهل".. العقل عقال الجهل. العقال هو الحبل الذي يشدونه على
أرجل الحيوانات -من إبل أو غيرها- لكي لا تتحرّك ولتكون تحت السيطرة. يقول: العقل
عقال الجهل. ثم يقول: «والنّفس كمثل أخبث الدوابّ».. نفس الإنسان كأسوء الحيوانات
وأخطرها؛ هكذا هي النفس. "فإن لم تعقل حارت"3،
حينما لا تعقلون النفس ولا تمسكون زمامها بأيديكم للسيطرة عليها فستحتار وتضيع
كالحيوان الوحشي الذي لا يدري أين يذهب. وهذا الضياع هو الذي يفرز المشكلات في
حياته الشخصيّة وحياته الاجتماعيّة وفي المجتمع البشري؛ هذا هو العقل.
إنّ أُولى مهامّ الرسول الكريم هو إثارة العقل؛ تحفيز القدرة على التفكّر [التفكير]
وتعزيزها في المجتمع. هذا هو حلّال المشكلات. العقل هو الذي يهدي الإنسان إلى الدين
ويدفعه نحو الدين، وهو الذي يحضّ الإنسان على عبودية الله. العقل هو الذي يصدّ
الإنسان عن الأعمال السفيهة والجاهلية والتكالب على الدنيا؛ هذا هو العقل. لذلك
كانت المهمّة الأولى هي تعزيز قوة العقل وتكريسها في المجتمع، وهذا هو واجبنا.
نحن أيضًا في المجتمع الإسلاميّ؛ اليوم حيث أردنا أن يكون مجتمعنا نموذجًا عن ذلك
المجتمع الإسلاميّ الذي أطلقه الرسول الأكرم، بكلّ ما نعانيه من ضعف وهوان وصغار
[مقارنةً] في قبال تلك العظمة الفذّة للرسول- [حين أردنا ذلك] سرنا بهذه الصورة
وأردنا أن نصنع نموذجًا لذلك المجتمع. في هذا المجتمع أيضًا يجب أن يكون العقل هو
المعيار والملاك.
2-التربية الأخلاقيّة
التربية الثانية هي التربية الأخلاقية حيث يقول (ص):
"بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق"4.
الأخلاق هي الهواء اللّطيف الذي إن توفّر في المجتمع البشري استطاع الناس أن يحيوا
باستنشاقه حياةً سليمة. إذا لم تكن هنالك أخلاق وإذا ساد انعدام الخلق، والحرص،
وأهواء النفس، والجهل، وطلب الدنيا، والضغائن الشخصيّة، والحسد، والبخل، وسوء الظن؛
حينما تتفشّى هذه الرذائل الأخلاقيّة- فستعود الحياة صعبة وستضيق الأجواء وستسلب من
الإنسان القدرة على التنفس السليم. من هنا يقول القرآن الكريم في عدّة مواطن
{يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة}5والتزكية
هي التربية الأخلاقيّة وهي مقدّمة على التعليم. وفي الرواية نفسها التي ذكرناها عن
الرسول الأكرم بخصوص العقل - بعد أن يذكر العقل - يقول إنّ الحلم يأتي من العقل
والعلم يأتي من الحلم. ليتنبّه الإنسان إلى ترتيب هذه الأمور: العقل ينتج الحلم
أوّلًا، والحلم يعني الصبر والتحمّل. وإذا توفّر الحلم توفرت الأرضية لاكتساب العلم
ومضاعفة المعلومات عند الشخص وفي المجتمع. أي إنّ العلم يأتي في مرتبةٍ بعد الحلم.
الحلم هو الأخلاق. وفي الآية القرآنية: {يزكّيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة}؛ يقدّم
التزكية. هذه هي التربية الأخلاقيّة. نحن اليوم بأمس الحاجة إلى هذه التربية
الأخلاقية. سواء نحن شعب إيران، المجتمع الإسلاميّ الموجود في هذه المنطقة
الجغرافيّة، أو كافّة العالم الإسلاميّ والأمّة الإسلاميّة الكبرى وجميع المجتمعات
المسلمة؛ هذه هي حاجياتنا الأولى.
3-التربية القانونيّة
ثمّ تأتي بعد ذلك التربية القانونيّة والانضباط القانوني. كان النبيّ
الأكرم بشخصه (ص) أوّل عامل بجميع أحكام الإسلام. يُروى عن أمّ المؤمنين عائشة
أنّها قالت حين سُئِلت عن الرسول وأخلاقه وسلوكه [قالت]:
"كان خلقه القرآن"6، كانت أخلاقه وسلوكه وحياته تجسيدًا للقرآن.
بمعنى أنّه لم يؤمر بشيءٍ7 ويغفل هو عنه. هذه كلّها دروس لنا. وهنا نحن
لا نبتغي مقارنة تلك العظمة بصَغَارنا وضِعتنا، فتلك هي قمّة ونحن نسير على الأطراف
والسفوح، لكنّنا نسير نحو القمّة، هذا هو المؤشر وهذا هو المعيار.
الجمهورية الإسلامية أحبطت أهداف الإستكبار في المنطقة
لقد اجتاز الشعب الإيرانيّ هذه الامتحانات بنجاحٍ ووصل إلى هذه العزّة.
حينما اكتفينا باسم "لا إله إلّا الله" ولفظ
"لا إله إلّا الله" وربّما فكرة
"لا إله إلّا الله" بقينا أسرى في قبضة الطاغوت.
وحينما خضنا في ساحة العمل وعرفنا الساحة العمليّة لكلمة
"لا إله إلّا الله" ودخلنا فيها؛ منحنا الله تعالى ومنح الشعب المسلم
هذه العزّة والقدرة والهويّة المميّزة المتألّقة. إذا وضعنا أقدامنا في الطريق
وسرنا فإنّ الله تعالى سيستجيب. إنّه سريع الإجابة.
خرج شعبنا مرفوعَ الرأس طوال ثلاثين عامًا من الامتحانات التي واجهته في الثورة
وأثناء مرحلة الدفاع المقدّس وسائر الامتحانات. لقد منَّ الله تعالى بتوفيقه بمقدار
ما عملنا وبمقدار ما تحرّكنا. وقد كان التوفيق كبيرًا جدًّا بالطبع:
{من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}8. منحنا الله تعالى عشرة
أضعاف سعينا وجهدنا. أين كنّا بين الأمّة الإسلاميّة وأمم العالم خلال عهد الطاغوت؟
كنّا معزولين، ومغمورين، ومنسيّين، منكفئين على أنفسنا؛ نفتقد المشاعر والحوافز
والشجاعة والهمم التي ترفع الأمم وتدفعها نحو العلى؛ هكذا كُنّا. واليوم يحمل
شبابنا وعلماؤنا وعمَّالنا ومزارعونا وكلّ واحد من أبناء شعبنا آمالًا كبيرة في
نفوسهم ويسيرون في طريق تحقيق هذه الآمال وتلاحظون نتائج ذلك. إنّ أكبر القوى في
العالم جعلت شعارها مواجهة الجمهوريّة الإسلاميّة. يتوهّمون أنّهم يرعبون الشعب
الإيراني ويهدّدونه بأفعالهم هذه. هؤلاء لا يدرون أنّ شعب إيران يشعر بالهويّة
حينما يرى أنّ أخبث القوى الماديّة في العالم وأكثرها ماديّةً ترى الشعبَ الإيراني
عقبةً تحول دون وصولها إلى أهدافها المشؤومة؛ هذا ليس بالشيء القليل. يقولون نريد
أن نفعل كذا وكذا في الشرق الأوسط ويخفون عشرة أضعاف أهدافهم المشؤومة هذه، والشعب
الإيرانيّ يحول دون ذلك وشعب الجمهوريّة الإسلاميّة يحول دون ذلك. هذا دليل عظمة
هذا الشعب وعظمة هذا النظام وعظمة هذه الحكومة حيث استطاعت أن تمنع مستكبري العالم
-في منطقة معيّنة من جغرافيا العالم على الأقل- من بلوغ أهدافهم. هذا ما أحرزه شعب
ايران [عندما] تحرّك في ظلّ وساحة الأحكام الدينيّة.
الإختلاف في الرؤى لا تحول دون الوحدة في القضايا الوطنية
كان الرسول نفسه عاملًا [بما آمن به]: {آمن
الرسول بما أنزل إليه من ربّه}9 والمؤمنون كانوا يسيرون خلف
الرسول. هو عامل والناس ينظرون إلى عمله ويجدون الطريق، وهذا هو دور قادة المجتمع
والنخبة فيه. علينا عدم الاكتفاء بالكلام. يوجد الكثير من مسؤولي البلاد بينكم.
بإمكان كلّ واحدٍ منكم أن يكون أسوةٌ في العمل والقدوة والنموذج لكلّ الذين ينظرون
إليه ويرونه. شعبنا شعب صالح وكبير، وفيٌّ ومتسامح. وقد شاهدنا نماذج ذلك في غضون
الأعوام الثلاثين المنصرمة.
وقد شاهدتم في هذه القضيّة الأخيرة دور الشعب في الانتخابات والأحداث التي أوجدوها
بعد الانتخابات. ثمّة أذواق مختلفة موجودة بين النّاس في ميدان الحياة الاجتماعيّة؛
أبناء الشعب يقولون كلمتهم ويبدي كلٌّ منهم وجهة نظره، ولكن حينما يشعرون أنّ
القضيّة قضيّة معاداةٍ للنظام وحيثما يشعرون أنّ هناك يدًا تتحرّك لتوجيه ضربة
للنظام فسوف ينكفئ الشعب عن هؤلاء10، حتّى لو كانوا يرفعون شعارًا يؤمن
به جميع أبناء الشعب، [عندما] يرون أنّه سيّئ النيّة فيسحبون أنفسهم؛ هذه قضية
مهمّة.
شعبنا غير غافل عن أعدائه
تعلّمنا الكثير من أحداث الأيام الأخيرة ولم يمر بنا يوم طوال هذه
الأعوام الثلاثين لم ندّخر فيه تجربة ولم نتعلّم شيئًا. أدركنا الكثير من الأمور
فكانت تجاربَ لشعبنا. أدرك الجميع أنّه حينما يقوم الشعب بتحرّكٍ كبير، [ولو كان]
باستقرار وهدوءٍ وثبات، فعليه أن لا يغفل عن عداء الأعداء الذين يخطّطون له. قال
الجميع: إنّ انتخابات يشارك فيها أربعون مليونًا تمثّل عظمةً نادرة منذ بدء الثورة
وإلى اليوم. وإنّ حضور الجماهير في الساحة بعد ثلاثين سنة والقدرة على استقطاب
الجماهير وتعبئتهم في الساحة لصالح النظام كانا عظمةً؛ يجب أن لا يغفلوا. أدرك
الجميع أنّهم يجب أن لا يغفلوا في مثل هذه الظروف عن العدو الذي اتّخذ كمائنه وراح
يراقب. وما إن يقال: "العدوّ الخارجي" [يفعل
كذا وكذا] حتى يتّخذ الأجانب موقف المظلومين ليقولوا: كلّا، كلّا، ليس لنا دخل في
الموضوع ولم نفعل شيئًا. هذا قلّة حياء، والكلّ يشهدون. دعك من الأعمال التي
تكتشفها الأجهزة الاستخباراتيّة وغيرها، فالشيء الذي يراه الجميع هو دور وسائل
الإعلام حيث كان لوسائل الإعلام الدور الأهمّ في تطوّرات [تحوّلات البلدان] والشعوب
خلال العقود الأخيرة.
كل من يدفع المجتمع إلى الفوضى ليس من الشعب
قلتُ ذات مرة هنا، قبل عدّة سنوات وحذّرت: إنّ وسائل الإعلام والأجهزة
الإعلاميّة والاستخباريّة التابعة للاستكبار هي الأدوات الأهمّ بيد أعداء استقلال
الشعوب من أجل بثّ التوتّر والاضطراب في الشعوب وبهدف صرفها عن الطريق الذي تسير
فيه؛ وضربت أمثلةً عن عدّة بلدان. واليوم تطوّرت وسائل الاتصال واتّسعت وتنوّعت
وازدادت شمولًا أكثر بكثير ممّا كانت عليه يوم أطلقنا تحذيرنا ذاك. يقوم الأعداء
بعمل ثمّ يقولون إنّنا لم نفعل شيئًا! يقومون ببثّ أوامرهم وتوجيهاتهم بنحوٍ علنيّ
إلى الجماعات الغافلة والجاهلة والمخرّبة عبر وسائل إعلامهم: اصطَدِموا بالشرطة
بهذا الشكل، وتكلّموا ضدّ "التعبئة" بهذا الشكل، ومارِسوا التخريب في الشوارع بهذا
الشكل، أشعِلوا النيران هكذا. أليس هذا تدخّل؟ هل هناك تدخّل أوضح وأكثر علانية من
هذا؟! هذا ما شاهده شعبنا بعينه. إنّها تجارب لشعبنا. من الخطأ أن يتصوّر أحد أنّ
جماعة معدودة في طهران يُحرقون مستوعبات النفايات -التي تطالها أيديهم أو يخرّبون
ممتلكات الناس- من قبيل دراجاتهم النارية وسياراتهم وبنوكهم ودكاكينهم- من الخطأ
التصوّر أنّ هؤلاء هم الشعب، كلّا، هؤلاء ليسوا [الشعب] من الشعب. أجل، أبواق
الاستكبار حين تريد دعمهم تقول إنّهم الشعب. أهؤلاء هم الشعب؟! الشعب هم أولئك
الملايين الذين ما إن شاهدوا هؤلاء المخرّبين المفسدين في الساحة حتّى أخذوا جانب
الاستنكار والشجب وأبدوا انزعاجهم واشمئزازهم، وراحوا ينظرون بغضب وانزعاج إلى
أولئك المخرّبين للأمن العام والاستقرار الاجتماعيّ.
أهميّة الاستقرار والأمن
كلّ من يدفع المجتمع اليوم نحو التوتّر وانعدام الأمن هو من وجهة نظر
عموم الشعب الإيراني إنسان مبغوض كائنًا من كان. إنّ أيّ هدف يريد هذا الشعب بلوغه
إنّما يبلغه في ظلّ الهدوء والأمن. إذا ما توفَّر الأمن كان هناك التحصيل الدراسي،
والعلم، والتقدّم والصناعة، والثروة، وكان الاستقرار على شتّى الصعد، وكذلك
العبادة؛ فالدنيا والآخرة إنّما تتحققان في ظلّ الأمن. حينما ينعدم الأمن تضطرب كل
هذه الأمور. إنّ زعزعة أمن شعبٍ هو أكبر خطيئة يمكن أن يرتكبها إنسان.
كل ما يساعد المخربون في الداخل هو مخالف للشعب
نحن طبعًا لا نخاطب الشخص المدسوس والمرتزق فهو لا يصغي لهذا الكلام؛ إنّما نخاطب
النخبة. فأبناء شعبنا واعون وعلى نخبتنا أن تتحلّى بالوعي أيضًا.
لتعلمَ النخبةُ: إنّ أيّ كلامٍ أو خطوة أو تحليل يساعد أولئك [المخرّبون] فهو تحرّك
في الاتّجاه المخالف للشعب. علينا جميعًا التحلّي بالدقّة؛ يجب أن نكون دقيقين
جدًا: دقيقين في كلامنا، دقيقين في مواقفنا، دقيقين فيما نقوله وفيما لا نقوله.
ثمّة أشياء يجب أن تقال وإن لم نقلها نكون قد تقاعسنا عن أداء واجبنا. وهناك أشياء
يجب أن لا تذكر ولا تقال وإذا قلناها نكون قد عملنا خلافًا لواجباتنا. النخبة الآن
هي في معرض الامتحان؛ امتحان عظيم؛ الرسوب في هذا الامتحان لا يعني التأخّر لسنة
واحدة فقط في الدراسة، بل يعني السقوط.
الألاعيب السياسية ليست من العقلانية في شيء
وإذا أردنا أن لا نُبتلى بهذا المعنى فالسبيل هو أن نجعل العقل الذي يدعو الإنسان
إلى العبوديّة معيارًا وملاكًا ومؤشّرًا.
ليس من العقل هذه الألاعيب والحيل السياسيّة الدارجة، فهذه مخالفة للعقل.
"العقل ما عُبِد به الرحمن واكتسب به الجنان"11العقل
هو ما يهدي الإنسان إلى سواء السبيل. يخطئ أولئك الذين يتصوّرون أنّهم يتصرّفون
بطريقة عقلائيّة إذا مارسوا الألاعيب السياسيّة. كلّا، العقل هو الشيء الذي يمهّد
الطريق لعبادة الله. ومؤشّر ذلك أن ننظر بيننا وبين الله هل نحن مخلصون في أقوالنا
هذه أو لا؟ هل نفكّر بالله أو لا؟ هل أتكلّم أنا لله ومن أجل رضا الله أو من أجل
لفت انتباهكم وجلب اهتمامكم؟ من أجل الله أو من أجل المستمعين وغير المستمعين؟ هذا
هو المعيار؛ لنراجع أنفسنا. أقضى القضاة بالنسبة إلى الإنسان هو الإنسان نفسه. لا
نخدعَنَّ أنفسنا؛ لنفهم ما نفعله، ولنفهم ما نقوله، وما الذي نقوم به.
المبعث عيدٌ.. ومنعطف!
لقد فتحوا لنا الطريق ويجب النظر إلى المبعث من هذه الزاوية. ليس المبعث
مجرّد حفل نحتفل فيه ونصفّق ونأكل الحلويات ونوزّعها ونفرح. ليس هذا وحسب؛ المبعث
منعطف وعيد. العيد معناه تلك المناسبة التي تشدّ انتباه الإنسان إلى حقيقة معيّنة.
إنّه عيد؛ ننظر إلى المبعث، وننظر إلى الرسول، وننظر إلى ذلك الجهاد العظيم، ثم
ننظر إلى ذلك التأثير العميق على مدى عشر سنوات -عشر سنوات في عمر الشعب كلحظة
واحدة- ما الذي فعله ذلك الرجل العظيم وعظيم العظماء في تلك الأعوام العشرة؟! أين
يمكن أن نجد عشر سنوات نقارنها بهذه السنوات العشر المباركة التي حكم فيها الرسول
الأكرم (ص)؟! أيّة حركة أطلقها في تاريخ البشريّة وأي طوفان أوجده، وأي ساحل آمن
دلَّ عليه البشريّة وراء ذلك الطوفان وكيف أشار إلى الطريق! وقد عمَّر ثلاثًا وستين
سنة. ونريد الآن بأعمار طويلة وبهذه التصرّفات الطفوليّة -أينما كان- السير في ذلك
الطريق. حينما يحصل مثل ذلك التحرّك بتلك الدرجة من الإخلاص والجهاد والهداية
الربّانيّة فستكون النتيجة ذلك الشيء نفسه الذي ترتّب على الأعوام العشرة لحكومة
الرسول وأفرز كلّ تلك العظمة.
ربّنا أيقظنا من غفوتنا. عرِّف قلوبنا حقائق الإسلام أكثر فأكثر. اللّهمّ أعن الشعب
الإيرانيّ في طريق الرشاد والثبات الذي اختاره. اللّهمّ أرضِ القلب المقدّس للإمام
المهديّ المنتظر عنّا.
والسلام عليكم ورحمة الله.
1- سورة الملك، الآية: 10.
2- نهج البلاغة، الخطبة الأولى.
3- تحف العقول، ص 15.
4- مجمع البيان، ج 10، ص 500.
5- سورة آل عمران، الآية 164، سورة الجمعة، الآية 2.
6- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 6، ص 340.
7- أو: لم يأمر بشيءٍ ويغفل هو عنه.
8- سورة الأنعام، الآية 160.
9- سورة البقرة، الآية 285.
10- حسب السياق المقصود: عن الذين يؤيّدونهم أو يقفون إلى جانبهم في الانتخابات
مثلًا
11- الكافي، ج 1، ص 11.