كلمة
الإمام الخامنئي دام ظله في مسؤولي بعثة الحج بمناسبة موسم الحج لعام 1427هـ
الزمان: 1/9/1385هـ.ش، ـ 1/ 11/1427هـ.ق ـ 22/11/2006م
أبعاد وآثار فريضة الحج
إنّ المقاصد والنوايا في إقامة مراسم الحج يجب أن تكون أسمى من تلك
المقاصد العادية والصغيرة التي عادةً ما نُبتلى بها نحن بني البشر. والسبب في ذلك
يعود إلى أنّ أفق الحج يعتبر من الآفاق العالية والرفيعة.
إنّ الحج فريضة واسعة الأبعاد, بحيث لو أدّيناها طبقاً لمقاييس الشارع المقدس في كل
زمان ومكان وبما يتناسب مع ظروف العصر، سيكون لها آثار دولية, فضلاً عن الآثار
الفردية والقومية.
فأي فريضة وأي واجبٍ لدينا يمتلك هذه الخصوصيات؟
إنّ هذا المنسك وهذه الفريضة تضفي نوعاً من الصفاء على قلوب وأرواح وبواطن الحجيج،
وتبعث فيها الضياء، وتجعلها قريبة من الله تعالى، وتوقفها على إدراك عمق الاستغفار
والتضرع والمناجاة الإلهية، كما تؤثّر على قضايا الأمم والشعوب, حيث إنّ المرء
عندما يسافر حاملاً في وجدانه هدفاً من الأهداف ثم يعود من هذا السفر فإن آفاقه
المعرفية تتسع تلقائياً ويرتفع مستوى شخصيته المعنوية وأخلاقه الوطنية.
وهناك علاوة على ذلك أبعاد عالمية, حيث إنه كما توجد قواسم مشتركة بين الشعوب توجد
أيضاً بعض الفوارق التي تفرّق بينها, بل ولربما سببت الشقاق بينها، ولكن الحج يساعد
على تذويب هذه والفوارق تقوية القواسم المشتركة بين مختلف الشعوب؛ ولهذا فلا يوجد
لدينا فريضة بمثل هذه الأبعاد الواسعة والعظيمة.
ولهذا فقد أمرنا الشارع الحكيم بأداء هذه المناسك جميعاً وفي وقت واحد
{في أيام معدودات}، {في أيام معلومات} وفي نفس
الميقات، وكأنه أراد أن يكون لهذه الآثار أبعاد عالمية، ولولا ذلك لاستطاع كل شخص
أن يحج وأن يأتي بالمناسك في أي وقت شاء على مدار العام.
إنّ هذا ممكن في أداء العمرة؛ لأنها من المستحبات، ولكن الحج ليس كذلك.
إنّ الحج لابدّ وأن يكون في وقت محدد؛ حتى يجتمع الحجيج معاً. فلماذا يجتمعون معاً؟
لكي يتخاصموا؟ {لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}.
إذاً فَهُم لا يجتمعون لكي يتخاصموا، ولا يشعر كل منهم بالاغتراب إزاء الآخر.
إذاً.. فلماذا؟ من أجل الشعور بالاتّحاد والوحدة، ومن أجل خلق هذا الشعور في الذات
وفي الآخرين.
إنّ الدنيا والآخرة متمثّلتان في فريضة الحج، هذه الفريضة الواسعة الأبعاد
والمتعددة الفوائد والإمكانيات التي يمكن الاستفادة منها أيما استفادة.
إنه لو استطعنا أنا وأنتم ـ كلّ منّا ـ أن نتعرّف على هذا البعد في أحد جوانبه, وأن
نستفيد منه؛ لكان لنا الأجر والمثوبة.
ولهذا فإن هذا العمل فائق الأهمية، وعلى القائمين بشؤونه أن يشعروا بالفخر
والاعتزاز.