موانع الزواج2
العلاقات الزوجية
المانع الرابع من موانع الزواج هو الوليمة، ولا أعني تلك الوليمة التي عدّها الإسلام من المستحبات مثل تلك التي عملها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ودعا فيها جميع فقراء المدينة احتفاءً بزواج الزهراء عليها السلام ...
عدد الزوار: 87
ولائم من غير حساب
المانع الرابع من موانع الزواج هو الوليمة، ولا أعني تلك الوليمة التي عدّها الإسلام من المستحبات مثل تلك التي عملها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ودعا فيها جميع فقراء المدينة احتفاءً بزواج الزهراء عليها السلام ـ بعد أن ذبح خروفاً لذلك ـ، وبعد الوليمة بعث الرسول الكريم ما تبقى من الطعام إلى المساكين والفقراء الذين لم يستطيعوا القدوم إلى منزله.
أما الولائم التي نراها ونسمع بها اليوم، فلا يعرف منها غير الأذى لأهل العروس، ولو قدّر لنا فتح صدر العروس الذي كان يتعذَّر دائماً حين يطلب إليه تزويج ابنته، لسمعنا صوتاً يأتي من خبايا ذلك الصدر يقول: لا استطيع عمل وليمةٍ بالشكل الذي عهده الناس عند هذا وذاك، لذا نراه يتحجج بشتى الحجج، ويتوسل بكلّ الأعذار، عن تزويج ابنته التي بلغت العشرين أو الخامسة والعشرين من عمرها، وبقيت أمامه يراها كلّ يوم.
إن الوليمة التي يصرف فيها والد البنت دم قلبه، لا يُثاب عليها كونها لا تجرّ عليه غير الضرر والخسران، ولا أعتقد أن هكذا ولائم تكون مباركة، لأن الله تبارك وتعالى نهى عن الإسراف، وذمَّ المسرفين، فأين هي من البركة؟
إن إحدى الأخطاء التي تمارس كلّ يوم هي تلك التي تشتمل على إقامة الوليمة في مراسم العزاء، فنرى على سبيل المثال فرداً يفكر في القروض التي اقترضها من هذا وذاك لإجراء وليمة على روح والده الذي توفي حديثاً، وينسى والده بالمرة، وهل أن الطعام سيكفيهم أم لا؟ فيصرف لذلك "200" ألف تومان أو "300" ألف تومان، وقد نسمع بأن فلاناً باع داره من أجل إقامة وليمة عزاء على روح والده، في الوقت الذي يقول الإسلام ما مضمونه: "من مات أبوه، لا تدعوه يشعل ناراً لمدة ثلاثة أيام، ولا تدعوه يجلس في داره، بل اذهبوا به إلى بيوتاتكم لإطعامه، لأن بقاءه في داره للطعام مكروه، وحتى شرب الشاي في داره مكروه".
جاءني قبل بضعة أيام شاب يقول: إن أباه توفي، وأنه قد تمكن من اقتراض "70" ألف تومان لإقامة وليمة العزاء، وأضاف بأنه حاول كثيراً أن لا يسرف ولا يبذّر في الطعام، ليصل به الأمر إلى اقتراض "70" ألف تومان فقط. ولو كان أسرف قليلاً في الطعام لحدثت الكارثة، وتطلب الأمر إلى اقتراض مبالغ أخرى.
أبوه يموت، وأول مصيبة تصيبه هي تلك التي يكون فيها مبتلىً بتهيئة الطعام لمدة سبعة أيام، إنه الجهل بعينه! لم يدفعوا الشمندر تحت التراب بعد؟.
هل تعلمون ماذا يعني هذا المثل؟ إنه يعني، إن ذلك الرجل المسكين يئن من قرضك في قبره، ويدعو عليك بالشرّ، لأنك صرت تبعاً للخرافات، ولعبة تافهة يدورونها حيثما أرادوا، ويلعن كلّ من جاء لهذه الوليمة التي تسبّب في إزعاج زوجه وابنه وابنته.
إذا أردت حقاً عمل وليمةٍ، فلا بأس من أن تمعن التفكير في أحوال الفقراء والمساكين، وتوصل إلى أولئك المستضعفين ما يمكن إيصاله لكي يعمّ الخير عليك وعلى أمواتك.
يقال إن إحدى النساء كانت تصنع في كل أسبوع طبقاً من الحلوى وترسله بيد ابنٍ لها إلى المقبرة التي دفن فيها زوجها من أجل أن يلعق الفقراء والمساكين ما يمكن لعقه من ذلك الطبق.
استمرت تلك المرأة على هذه الحال مدة من الزمن وفي أحد الأيام كان ابنها ذاك يرغب في تذوق تلك الحلوى، لأنه لم يذق مثلها منذ زمن بعيد، وما إن سلمته أمّه الطبق ليذهب به إلى المقبرة، انزوى به بعيداً وتناوله حتى آخره.
وفي تلك الليلة رأت المرأة في ما يرى النائم أن زوجها عليه الفرح والسرور وهو يقول لها: إن أطباق الحلوى التي كنت ترسلينها إليّ على مدى سنة لم يصلني منها شيء، باستثناء طبق واحد وصلني ليلة أمس حيث كان لذيذاً جداً.
وبناء على ذلك ينبغي القول بأن علينا أن نفكر في أبناء الميت وزوجته ومن كان في منزله، وإذا ما كنّا نسعى لخير الدنيا والآخرة فما علينا إلاَّ أن نساعد الفقراء والمساكين والمستضعفين، هذا إذا كان بالإمكان إقامة وليمة يمكن أن يطعم منها، من لم يطعم الطيّب منذ زمن، بعيداً عن إطعام الأثرياء والأغنياء والشخصيات المعروفة اجتماعياً.
وليعلم الجميع أن من الخطأ الفاضح دعوة الناس لوليمة عرس أو عزاء يكون فيها الرز قرضاً من فلان، والزيت قرضاً من علاّن، واللحم سندفع ثمنه بعد شهرين لتتفاقم القروض فوق بعضها فتكون سبباً في انفعالاتنا، وانزعاجاتنا.
وعليه يجب أن نجتث جذور هذه الخرافات من مجتمعاتنا المعاشة، لأن المولى تعالى لا يرضى بالضرر، ولن يكون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم راضياً عن مثل هذه الافعال والأعمال ولا الأمة الأطهار من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا الإمام المهدي بقيّة الله في الأرض.
تجهيز البنت
إن من ضمن الخرافات التي شاعت في زماننا هذا، هي خرافة تجهيز البنت بالوسائل المنزلية، وهو خلاف ما جاء في الشرع المقدّس، كونها من المسائل الكمالية والخرافية، وكونها تكون في أغلب الأحيان أحد موانع الزواج.
فالبنت التي بلغت سنّ الثلاثين، ولا تستطيع قبول من تقدم إليها، تمتنع عن الزواج بسبب عدم إمكانية وليّ أمرها من تجهيزها بالوسائل المنزلية وترفض الخُطّاب الواحد تلو الآخر، كونها لا تستطيع الذهاب إلى بيت الزوجية من دون أن تأخذ معها ما يجود به عليها والداها من وسائل ولوازم منزلية قد تكون في بعض أحيانها قاصمةً للظهر.
أجل، لا بأس بأخذ البنت لبعض الحاجيات من منزل أبيها إلى منزل زوجها، ولكن لا بالشكل الذي نراه هذه الأيام، هذا إذا استطاعت ذلك، وإن لم تستطع وجب على الدولة الإسلامية أن تلتزم بتهيئة تلك الحاجيات، وإن امتنعت الدولة الإسلامية لسبب من الأسباب عن تهيئة هذه الوسائل، وجب على جميع أفراد الشعب القيام بتوفير تلك المستلزمات، لأنها من ضروريات الحياة.
بعد أن تم الاتفاق على تزويج الزهراء البتول فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، بعث الرسول صلى الله عليه وآبه وسلم برجلين وامرأة لشراء بعض اللوازم للزهراء عليها السلام من السوق، ولقد اشتملت تلك اللوازم على "17" شيئاً كان ثمنها "63" درهماً.
وكانت هذه الأشياء تشتمل على عباءة، ولا أعني تلك العباءات التي نراها اليوم وكأنها لباس الشهرة، ولا تلك التي هي من الحرير الناعم، كلا إنها كانت عباءة سوداء تعلوها مقنعة.
هذا بالإضافة إلى قميصٍ، أعطته الزهراء عليها السلام قبل ارتدائه إلى إحدى المستضعفات لتبقى هي بقميصها القديم وتذهب به إلى دار زوجها، وعندما سألها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم التالي عما فعلت بذلك القميص؟ أجابت بأنها أعطته في سبيل الله تباركت أسماؤه، فقال: ولم أعطيت الجديد ولم تعط القديم؟ قالت: ألم يقل الله تعالى في محكم كتابه: ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾1.
وكان بساطها الذي تجلس عليه جلد خروف واحد، وفراشها الذي تنام عليه بدل القطن ليف من عراجين النخل، أما لوازم طعامها وشرابها فلا تعدو أن تكون بضعة أواني صينية، وقلّة خزفّية واحدة، وقدحاً من طين، وإجمالاً كانت تلك الحاجيات تُبكي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شوقاً حينما ينظر إليها.
لذا أطلب راجياً من الجميع، وبالخصوص السيدات أن يطلّوا بنظراتهم على هكذا حاجيات.
وبعد ذلك قال صلوات الله وسلامه عليه: اللهم بارك بهذه الحاجات التي يغلب عليها الطين.
لقد كانت تلك اللوازم على قدر ضرورة حاجة الزهراء عليها السلام، وهكذا ينبغي أن تكون لوازمكم على قدر ما تحتاجون، لا على قدر ما تظهرون للآخرين، فالتباهي والتفاخر باللوازم والحاجيات غير الضرورية ليس في مصلحتكم، ولا بأس عليكم لو تنتهون من تلك الخرافات التي لا فائدة منها ولا نفع.
إن بعض الأمهات تشعر وكأنها تُساق إلى قبرها حينما تجد صندوق جواهر ابنتها غير ممتلئ ليلة الزفاف، وكذا الأمر بالنسبة لأم العريس حينما ترى عدم إتيان العروس بلوازم كثيرة من دار أبيها، بل وقد يعلو صوتها إلى عنان السماء إذا لم تكن تلك اللوازم من الطراز الأول، وقد يصل الأمر ببعضهن وبلا حياء إلى إرجاع الوسائل والحاجيات التي جاءت بها البنت من دار أبيها ثانيةً، التزاماً بالخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان كي تبقي البنت أسيرة منزل أبيها بعدما كانت تلك الحاجيات سبباً في منعها من الزواج.
على أيّة حال إن لي طلباً وهو، أيها السيد المتمدن! وأنت أيها المتمكن! إذا أردت أن تعطي لابنتك وسائل ترفيهية، ولوازم منزلية لن يمنعك أحد من ذلك، ولكن بعيداً عن هذه الخرافات التي تحتم وتوجب على الأب تزويد ابنته بهكذا لوازم ثمينة.
إن ما نراه اليوم من إعطاء الأب لابنته العروس "المجمّدة" الفلانية أو الأثاث الإيطالي كونه ثريًّا لم يكن حينما شُرّع الزواج والنكاح، ولكن الأمر لا يعدو قيام أحد الحمقى الأثرياء بإهداء سجادات ثمينة أو حاجيات منزلية متطورة إلى ابنته العروس مما حدا بالآخرين إلى التشبّه به جهلاً، والقيام بمثل ما قام ظنًّا منهم بأن ما فعله صاحبنا هو الصحيح؛ لذا يتوجب عليهم أن يفعلوا مثل فعله.
أيها الثري! إذا أردت أن تعطي شيئاً لابنتك، لا تحاول أن تفهم الناس من خلاله بأنها عادة جارية، أو ضرورة يجب الإلتزام بها.
لن يقول لك أحدٌ شيئاً حينما تسجّل منزلك باسم ابنتك العروس، ولكن لا ينبغي لك التشهير بذلك على أن المسألة ترتبط بشرعٍ أو عرف يجب أن يلتزم به، ولا تفعل ما يسهم في إحراج الفقير حينما يريد تزويج ابنته، لأن هكذا أموراً تعتبر مخالفة للشرع، وأنها غير مباركة بالمرة.
إن هذه الوسائل والحاجات التي تهديها لابنتك، والتي تسبب الإحراج والضرر للآخرين لا خير فيها ولا بركة، وخاصة إذا كانت العروس بخيلةً وتحرّم على زوجها أن يمدّ يده على إحداها، ولو اتفق أن استعمل العريس الثلاجة التي أهداها والدها لها أو استعمل أي شيء آخر جاءت به من دار أبيها تراها تصرخ وتضجّ وتقيم الدنيا وتقعدها ظنًّا منها أن ما جاء به والدها آثار تاريخية مهمة لا ينبغي مسّها خوفاً من أن تتلف، وأنها يجب أن تبقى مائة عام أو مائتين.
المسكن
إن إحدى الخرافات المعمول بها في مجتمعاتنا هذا اليوم، والتي شملت حتى القرويين هي مسألة عدم قبول البعض للسكن المشترك، أي أن أم الزوج غير مستعدة للسكن مع عروس ابنها، وأن العروس ترفض السكن مع أم زوجها، وتفضّل استئجار منزل لوحدها على السكن مع أهل زوجها، وأن الزوج يشكو من معاشه الذي لا يتحمل استئجار دار، وعندها يشعر الزوج بضائقة مالية قد تقضي على استمرار حياته الزوجية.
وبناء على ذلك تكون مشكلة السكن من المشاكل الكبيرة التي تحول دون زواج الكثير من الشباب، لأن أغلب الفتيات يشترطن أول الأمر وجود سكن منعزل، وحينما يعلمن بأن الشاب لا يتأتى له ذلك يرفضن قبول الزواج!
إن أول سؤال يمكن أن يسأله أهل البنت للشاب الذي يتقدم لخطبة ابنتهم هو: هل لديك سكن؟
بالرغم من أن السؤال الأول ينبغي أن يكون: هل لهذا الشاب دين أم لا؟ هل هو إنسان يتحلّى بالأخلاق الفاضلة؟ لأنه إذا لم يكن من ذوي الأخلاق الفاضلة، فسيكون ذلك المنزل كالزنزانة بالنسبة للفتاة.
إن قضية السكن أضحت اليوم من المشاكل المهمة التي يجب الالتفات إليها، والسعي لحلّها بالطرق السليمة، وعلى ما أذكر لم يكن الناس في ما مضى على هذه الشاكلة، بل كان الرجل وزوجته يبني في داره أربعة أن خمسة حجرات ليسكن معهما أبناؤهما المتزوجين بشكل هادئ وطبيعي.
أما اليوم وبعد أن أضحى الناس يطلبون الراحة والدعة برزت مشكلة السكن بشكلها الذي نراه اليوم والتي تعدّ إحدى المشاكل الكبرى في إيران.
كان أحد علماء أصفهان الكبار يقول: جاءني أحد الشباب ليقول لي إن أمه لا ترضى بتزويجه وكذلك أبوه، وأنهما يعتبران أنفسهما من المريدين لي، وبعد ذلك طلب إلي أن أتحدث إليهما علّهما يعدلان عن عدم رضايتهما!
يضيف هذا العالم فيقول: ذهبت إلى منزل ذلك الفتى الذي يسكن مع والديه في صباح اليوم التالي، وبعد أن استقبلاني بحفاوةٍ وبأن عليهما التعجب والحيرة لزيارتي المفاجأة تلك لهما، قدّما لي إفطاراً شاركاني فيه بوجوهٍ سمحاء.
وبعد الإفطار شرعت بالتحدث إليهما بتلطف وتودد ـ وعلى حد قوله ـ قرأت لهما مجلساً كاملاً كالذي يُقرأ في المجالس الحسينية، فقلت، وقلت حتى مضت ساعة بالتمام والكمال، وما إن أتممت حديثي حتى قالت المرأة ـ والدة الفتى ـ أيها السيد! ما دمت على قيد الحياة لن أسمح لعروس أبني دخول منزلي هذا، عندها التفت إلى الشاب وقلت له: إذن ادع الله أن يميت أمك.
إلى هنا وصلت أوضاعنا، فوالدة الشاب لن ترضى دخول عروس ابنها إلى دارها، مثلما لن ترضى العروس بدخول منزل فيه أم زوجها!
أما المشكلة السابعة فهي مسألة تعلّم الفتيات والفتيان، وخصوصاً تعلّم الفتيان لأن التعلّم مسألة أساسية ومهمة في الحياة الزوجية.
يقول فردوسي2
في إحدى حكاياته الأسطورية: "عبر رستم الأقاليم السبعة بعد أن قتل العملاق الأول، ثم قتل الثاني والثالث حتى وصل في نهاية المطاف إلى ما يصبو إليه".
وهكذا الأمر مع ذلك الشاب، فلو استطاع عبور تلك الأقاليم السبعة، أو المعضلات السبعة الواحدة بعد الأخرى لتمكن من الارتياد بالبنت أو الزوجة التي يروم أن يحيا معها.
وهنا ينبغي لنا أن نسأل: هل ستنتهي جميع المشاكل إذا تمكن من عبور تلك الموانع، أم هناك مشاكل أخرى ستبدأ بانتهاء هذه الموانع؟
*الأخلاق البيتية، دار المحجة البيضاء، دار الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ط1، ص67-77.
1- آل عمران:92.
2- أحد شعراء إيران القدامى، وهو احب الشاهنامة المعروفة بين أهل الأدب.