يتم التحميل...

دور المجلس في تقدم البلاد

النهوض والتقدم

دور المجلس في تقدم البلاد ؛ بالإرتباط بالله والإنسجام مع أسس الثورة والعمل باستقلالية وشجاعة

عدد الزوار: 82

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء نوّاب المجلس التاسع المناسبة: انتخابات الدورة التاسعة. الزمان: 13/6/2012م.
دور المجلس في تقدم البلاد ؛ بالإرتباط بالله والإنسجام مع أسس الثورة والعمل باستقلالية وشجاعة

العناوين الرئيسية
· المجلس المرتجى: استقلالية وشجاعة وأمل بالمستقبل
· خصائص المجلس الفاعل:
أــ القانون الجيد والرقابة الصحيحة
ب ــ إبداء الآراء والمولقف في القضايا الخارجية
ج ــ الإنسجام مع أسس الثورة
د ــ استقلالية المجلس
هـ ــ الاتّحاد رغم الاختلاف في الرأي

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أرحّب بالإخوة والأخوات الأعزّاء، والنوّاب المحترمين والإخوة المنتخبين من شعب إيران الواعي والمؤمن.

المجلس المرتجى: استقلالية وشجاعة وأمل بالمستقبل
أشكر حضرة السيد لاريجاني على النقاط الجيدة والمفيدة التي ذكرها، سواء فيما يتعلق بتاريخ المؤسسة التشريعية و مجلس الشورى في البلاد خلال تاريخنا القصير، أم على صعيد ما يتوقّع من مجلس الشورى الإسلامي. النقاط التي ذكرها نقاط صحيحة. إذا برمج نواب المجلس المحترمون ونظّموا أعمالهم إن شاء الله - وهناك أمل ورجاء واثق بهذا الشيء - من نفس هذا الموقع، باستقلالية وحريّة فكرية ورعاية لمصالح البلاد وانطلاقاً من روحية الشجاعة مقابل العدوّ والأمل بالمستقبل، ونظّموها وتابعوها، فإنّ البلد سينتفع حتماً، وسوف نتقدّم على هذا الطريق.

التوكل على الله ييسر الحل لجميع المشاكل
توجد نقطةٌ أساسية هنا يجب علينا جميعاً أن نلتفت إليها ـ وأنا العبد أكثر احتياجاً منكم إلى هذا الالتفات وكذلك أنتم جميعاً بحاجةٍ إلى ذلك بما تقتضيه المسؤولية ـ وهي الشعور بالتكليف، الإخلاص في النية والعمل لله. فلو حصل هذا، فإنّ جميع مشاكلنا سوف تُحلّ، وسوف تُفتّح الأبواب والطرق. لو حصل ذلك ستشملنا رحمة الله وعونه، (إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً)1ـ نفس هذه الآيات التي تُليت2 . فلو حصل ذلك سيزول الوهم الخاطئ للانهزام مقابل العدوّ وتسلّطه. التوكّل على الله والارتباط به ـ الذي ينشأ من النية الخالصة ـ يحلّ جميع المشاكل. هكذا انتصرت الثورة. لو أنّ إمامنا الجليل ـ الذي كان قائداً بكلّ ما للكلمة من معنى ـ لم يكن لديه مثل هذا التوكّل وهذا الإخلاص لما كانت هذه الثورة لتنتصر حتماً. لو أنّ الناس الذين نزلوا إلى الميادين والنّخب التي جرّت الناس إلى وسط الميدان لم تكن تحمل هذا الإخلاص وهذا العمل لله، لما تقدّم العمل. وكان الأمر كذلك في مرحلة الدفاع المقدّس.

فليكن اهتمامنا بالسعي لكسب رضا الله
قيل إنّ عدداً كبيراً منكم كانوا في مرحلة الدفاع المقدّس. حسناً، هؤلاء الذين كانوا يعلمون عن قرب ماذا كان يحدث وكيف؟ وما هي الوقائع؟. السرّ الأساسي هو: فليكن اهتمامنا بالتكليف والسعي لكسب رضا الله. إذا نظرنا إلى الحياة نظرة تجارية لخلُصنا إلى نفس هذه النتيجة أيضاً. أنا العبد في السنوات السابقة كرّرت قائلاً: إنّ الشهادة في سبيل الله هي موت تجارة، أي إنّه موتٌ يتمحور حول النفع. وفي الواقع هو هكذا. فالذي لا يستشهد في سبيل الله ولا يقدّم هذه النفس التي أودعت في أيدينا كعارية3 في سبيل الله، فهو في النهاية لن يستطيع أن يحتفظ بها وسوف يقدّمها : "ما أجمل أن يكون هذا الزيت المراق قد جُعل نذراً لابن الإمام"4. ما أجمل أن يكون هذا الأمر الذي لا بدّ منه ـ حيث إنّ الموت حادثةٌ لا مفرّ منها بالنسبة لنا ـ وسيلةً لسعادتنا، ووسيلةً لتمتّعنا في الحياة الواقعية باللطف الإلهي. إنّ الشهادة في الواقع هي موتٌ كسبيّ (تجارة رابحة).

ونفس هذه القضية فيما يتعلّق بمساعينا الدنيوية. ولو أنّنا تجاوزنا المال والمتع والمتاع، وكل أنواع الأهواء العبثيّة والمحرمة، فإنّنا نكون قد قمنا بفعل التجّار وربحنا، لأنّ الله تعالى، ولأجل هذا الإيثار، يعطينا من الثواب ما يجعل كل ما يمكن أن نتمتّع به ونحصل عليه من متاع (الدنيا) صفراً وتحت الصفر بل لا شيء، إذا ما قورن به. فالعمل في سبيل الله هو هكذا. وبرأيي إنّ هذا هو أصل قضايانا.

العداء للمجلس عداء للقيم الإلهية التي يتبناها
أنتم كركنٍ أساسيّ ـ حيث إن مجلس الشورى الإسلامي هو ركنٌ أساسيّ ـ قد وجدتم أنفسكم في وسط نظام يعيش في عالمٍ مهووسٍ بالماديات، وهو (مجلس الشورى) يطرح في المقابل نداء المعنويات. ولهذا فإنّه يكشف عن خطأ مسار حركة العالم المادّية. حسنٌ، فمن الطبيعي عندها أن يواجه العداوات. ما يذكره بعض الناس من إشكالات ـ بالتلميح والتصريح ـ ويقول يا جماعة لا تجعلوا العالم كلّه يقف مقابلكم، برأيي هذا كلامٌ صادرٌ عن عدم تفكير. فأنتم عندما تكونون دعاة الحكومة المعنوية والدينية، وعندما تعلنون عن السيادة الشعبية الدينية أو الإسلامية، فهذا بحدّ ذاته بدء النزاع. إنّ مشكلة العالم هي مواجهة الدعوة الدينية.

وعندما نذكر العالم فمرادنا هو تلك الأجهزة التي تديره، وأولئك الأشخاص الذين تقوم هويّتهم وشخصيّتهم على أساس نهب البشر وتوجيه الضربات للإنسانية والقيم الإنسانية من أجل متعهم المادية. لقد سمعتم عن فراعنة التاريخ ورأيتم. حسناً، فراعنة التاريخ كانوا يقفون بوجه القيم الإنسانية والعالم بأيديهم. وفي مواجهة هؤلاء عندما تتمكّنون من إيجاد جهازٍ إداريّ وحكوميّ، دعوته عبارة عن التوجّه إلى المعنويات والدفاع عن القيم الإنسانية والقيم الإلهية ـ حيث إنّ روح القيم الإنسانية ومعناها هو هذه القيم الإلهية ؛ فمن الطبيعيّ أن تُواجهوا باعتراضات ومعارضات . حسناً، وفي طريق هذه المعارضة يجب أن تعتمدوا على قدرةٍ, وهذه القدرة ليست السلاح المادّي والقنبلة الذرّية وأمثالها، بل إنّها القدرة المعنوية والاتّكال على الله، هذا هو أساس القضية. أنا وأنتم ـ وأنا العبد أكثر منكم ـ نحتاج إلى أن نجعل نيّاتنا وقلوبنا وأهدافنا إلهية أكثر فأكثر. ولو حصل ذلك ستُحلّ مشاكلنا، ولو حصل هذا فسوف نتقدّم، ولو حصل ذلك فسوف ييأس العدوّ من التغلّب علينا.

العلاقة بالله مآلها النجاح
إنّ نقائص العدوّ كثيرة، ولهذا بحثٌ طويلٌ مفصّل ليس مكانه هنا. وأنتم بحمد الله جميعاً تتمتّعون بمستويات رفيعة من حيث الفكر والعلم والثقافة. ويمكنكم أن تدركوا المسائل جيداً وتحلّلوها. وواقع القضية هو هذا، فلو أنّ الإنسان استطاع أن يُحكم علاقته بالله في هذا النظام الإلهي، فإنّه بأي نسبةٍ نتقدّم على هذا الطريق فإنّه ستكثر نجاحاتنا ولا شك في مواجهة العدوّ، سوف ترتفع الموانع, يجب أخذ هذا بعين الاعتبار. وبالتأكيد هناك لكلّ منصبٍ أو عملٍ أو مهمّةٍ متطلباته وللمجلس بالطبع متطلباته، ولو كنتم في الحكومة لكان الأمر كذلك، وهكذا بالنسبة للأجهزة المختلفة أو حتى خارج الأجهزة الحكومية. يجب أن يكون الهدف هو أن نعمل لله. إنّ الكثير من الإشكالات التي تعترضنا اليوم ـ حيث إنّ الكثير منها يرد علينا ـ فإنّنا لو أصلحنا هذه النية وهذا التوجّه فإنّ هذه الإشكالات ستزول بنفسها.

خصائص المجلس الفاعل
وفيما يتعلّق بمجلس الشورى الإسلامي، فإنّ ما يمكنني أن أعرضه في جملتين تحت عنوان الجمع، هو أنّ على المجلس أن يكون حيّاً وسالماً، فهاتان الخصوصيتان ضروريتان في المجلس.

الخصّيصة الأولى: حياة المجلس
أ- القانون الجيد والرقابة الصحيحة
إنّ حياة المجلس هي في إظهاره للنشاط والتحرّك والحيوية النابعة من نفسه. فلو كان المجلس راكداً وخامداً وليس فيه أيّ ناتجٍ صحيحٍ ومناسبٍ في القطاعات المختلفة فهو ناقصٌ. فالتحرّك والنشاط علامة الحياة ودليل الحياة، كيف يمكن تجسيد هذا النشاط والحركية عملياً في الواقع؟ يجب إنجاز الوظائف بشكلٍ صحيح, القانون الجيّد. في ذيل هذه الكلمة "القانون الجيّد" يمكن تحديد 10 أو 15 مؤشراً ومعياراً: أن يكون منسجماً مع الزمان، وأن لا يكون تكرارياً، وأن لا يكون له معارض وغيرها وغيرها, هذه تحدّد القانون الجيّد. الثاني، هو الرقابة الصحيحة. فهاتان هما وظيفتا المجلس الأساسيتان. في الدرجة الأولى التشريع ومباشرةً تأتي قضية الرقابة الصحيحة. فالرقابة الصحيحة يمكن ترجمتها. ولها معايير محدّدة، فقوموا بتحديدها. وليس من الضروري أن أذكرها، فأنتم تعلمونها، وهي من معارفنا الواضحة. فالرقابة التي تنشأ من النوايا السيئة هي رقابة غير صحيحة. فالرقابة المنحازة لهذا أو ضدّ ذاك ليست من الرقابة الصحيحة. والرقابة التي ليس فيها تعمّقٌ ليست صحيحة، لهذا كان للرقابة الصحيحة معايير عليكم أن تحدّدوها.

ب- الحضورالدائم والفاعل للجلسات
والتواجد المفيد في بيئة العمل يُعدّ من علامات الحيوية. وبالتأكيد إنّ ما أذكره هنا يمثّل ما يُتوقّع من جماعة المجلس وهي بذاتها تعتمد على الأفراد. وكلّ واحدٍ بشخصه إذا لم يكن حاضراً أثناء عمل المجلس أو في الجلسات العلنية أو في اللجان، صحيحٌ أنّه سيقول إنّني واحدٌ من مئتين وتسعين لكن لهذا تأثيره, سواء على مستوى قدر الشخص أم تأثيره على الآخرين. أي أنتم الذين لا تحضرون، عدم الحضور في المجلس يكون سهلاً بهذه الدرجة, وغيركم ممن كان متقيداً بالحضور، يتوقّف عن الحضور. وهذه من مصائب المجلس. فاسعوا لإزالة هذه المصيبة من المجلس التاسع. فالحضور المفيد في بيئة العمل من علامات الحيوية.

ج- إبداء الآراء والمولقف في القضايا الخارجية
المشاركة السياسية في أجواء البلاد والعالم. إنّ المجلس يُعدّ واجهةً للثورة والرأي العام الشعبي والسياسات العامّة للبلد. تلك القضايا التي تحدث في المنطقة وفي العالم، يجب على المجلس أن يبيّن موقفه منها. وبالطبع، ولحسن الحظ، فإنّ المجالس الأخيرة كانت في هذا المجال فعّالة وجيّدة. فانظروا إلى المنطقة اليوم تجدونها مليئة بالاضطرابات. إنّ ما تبثّه وكالات الأخبار صدقاً أو كذباً فيما يتعلّق بالأخبار والمظاهرات الخارجية هو جزءٌ صغير من تلك الحادثة التي تقع الآن في المنطقة. فهذه المنطقة ليست جزءاً عادياً من مناطق العالم, إنّ هذه المنطقة هي قلب العالم, فهي محلّ اتّصال ثلاث قارّات، وهي منطقة نفطية مهمّة، وكذلك على مستوى السياسة الاستعمارية للغرب، مع وجود هذه الحكومة الصهيونية. فهي منطقة عجيبة. ولهذا فإنّ قضايا هذه المنطقة هي قضايا العالم. فليس الأمر كما نقول: إنّه يوجد في زاوية من العالم مشكلةٌ في أربع دول، كلا، هنا قلب العالم. حسنٌ، هنا مسائل تحدث فما هو موقفنا منها؟ فهذه قضايا مهمّة. إنّ حياة المجلس هي أن يكون له رأي ومشاركة في هذه القضايا. ولهذا الكلام تأثيرٌ. فاليوم من الممكن أن يكون لموقفكم تأثير في كلّ بلدٍ من هذه البلدان التي أشير إليها، بلدان المنطقة هذه. لو أنّنا فكّرنا جيداً واخترنا العبارات اختياراً صحيحاً وأطلقناها في الوقت المناسب، فسوف يكون لذلك تأثيرٌ على هذه التحرّكات التي تقع من جهتين في هذه المنطقة، سواء من جهة جهاز الغرب الشيطاني والمهاجم، أم من جانب الناس الذين هم أصحاب الحق. لهذا فإنّ الحياة هي هذه. إنّ المجلس الحيّ هو المجلس الذي يقدّم قانوناً في الوقت المناسب وبشكلٍ صحيح ويراقب ويكون له في قضايا البلد وقضايا المنطقة مشاركةٌ وعمل.

لا ينبغي الغفلة عن هذه اللجان، فهي مهمّةٌ، إنّها غُرف التفكير من أجل إنضاج القضايا في ساحة المجلس، وفيه يتمّ اتّخاذ القرارت التي تمسّ مصير البلد للسنوات الأربع التالية. قد تشرّعون قانوناً ويكون له تأثيرٌ في البلد على مدى عشرين عاماً، ويحدّد مساراً معيّناً.

الخصّيصة الثانية: سلامة المجلس
أ- الإنسجام مع أسس الثورة
وإلى جانب حياة المجلس، فإنّ قضية سلامته مهمّةٌ أيضاً. فيجب أن يكون حيّاً وسالماً. وذلك من جهاتٍ عدّة سياسياً وأخلاقياً ومالياً، فهذه قضايا تتعلّق بكلّ واحدٍ من أصدقائنا الأعزّاء، ونوّابنا المحترمين. فلو ظهر توجّهٌ في المجلس، يتنافى وبعض أسس الثورة ـ بالتأكيد إنّ مثل هذه التوجّهات عموماً، تكون توجّهات صغيرة أو محدودة، ولن تكون توجّهات عامّة وكلّية ـ فهذا دليل عدم السلامة. أو إذا زال هم وهاجس أداء الواجب في المجلس فهذا دليل عدم السلامة.

ب ــ تجنب الهدر المالي في الإنفاق
فلو استحكمت حالة اللامبالاة فيما يتعلّق بالقضايا المالية ـ أخذ المال وإعطائه والتبعية والواسطة وغيرها من الأمور الشائعة ـ فهذا مؤشّر عدم الصحة، فهذا مهمٌّ جداً. فالإنفاقات العبثية للمجلس هي عدم صحّة. لقد تحدّثنا في الأمس مع الأستاذ لاريجاني في هذا المجال حديثاً مفصّلاً. فينبغي أن يكون تحّول المجلس إلى قدوة للأجهزة المختلفة في موضوع تقليل الإنفاقات، من أعمال المجلس. المصارفات المتعلّقة بالأسفار التي لا طائل منها أحياناً، والمصارفات التي تتعلّق بالأمور الشخصية للنوّاب، حيث إنّ قسماً مهمّاً من هذا العمل يرتبط بهيئة رئاسة المجلس المحترمة التي عليها أن تشرف على الأمور وتراقب، وكذلك بكلّ النوّاب واحداً واحداً. بالطبع أنا أعلم ـ حيث إنّه لديّ اطّلاعٌ عام واطلاعٌ خاص ـ أنّه يوجد في الواقع بين النوّاب من المحتاطين والملتفتين عددٌ غير قليل. أفرادٌ يشعر الإنسان أنّ قلبه يمدحهم ويفرح بهم ويشكر الله على وجودهم في المجلس، إنّ القضية مهمّة.

ب- الرقابة الذاتية والتناصح
لقد ذكرت قبل نحو سنتين في نفس هذا اللقاء مع النوّاب المحترمين، مسائل تتعلّق بالمراقبة الذاتية في المجلس, وقد تمّت المصادقة على قانون في هذا المجال. انظروا هذه الآية التي تُليت هنا: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً)5 هو أمرٌ مهمٌّ جداً. فمن الممكن أن يريق البنزين في مبنىً، شخص واحد، ولا يراعي شروط السلامة ويشعل عود ثقاب، لكنّ من يحترق لن ينحصر بهذا الشخص فقط، من الممكن أن يثقب شخصٌ واحد سفينة ما، ولكن من يغرق لن يكون هو وحده. والقرّآن يقول اتّقوا مثل هذه الفتنة التي إذا حصلت لن تشمل فقط أولئك الذين أشعلوها ولن تنحصر بالظالمين, بل ستشمل الأبرياء وأولئك الذين لم يكن لديهم أية دخالة في إيجادها. "واتّقوا" أي اجتنبوا هذه الفتنة وراقبوا. فما هي لوازم هذا الأمر؟ إنها الرقابة الذاتية, أي أن نراقب بعضنا بعضاً، (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)6، فتواصوا بشكل دائم إنّ هذه من علامات الصحة والسلامة.

ج ــ إجتناب التعرض لسمعة الآخرين
من الأمور التي تدلّ على وجود السلامة في المجلس هو اجتناب التعرّض لسمعة هذا وذاك. حسناً، لقد أصبح لديكم منبرٌ وهو منبرٌ عمومي. فعندما تتحدّثون فإنّكم في الواقع تقفون خلف منبرٍ وطنيّ وهو يصل إلى أسماع الجميع. فلو وُجد في هذه التصريحات التي تصدر عنكم في المجلس أمورٌ تتعرّض لسمعة أيّ إنسان واتّهامه ـ ولو كان بنظركم مذنباً ولكن ذنبه لم يثبت ـ أو تتعرض لأمرٍ وهو قد حدث واقعاً ولكنه ليس من صلاحياتي وصلاحياتكم ــ كخصوصيات الأفراد ــ فلماذا ينبغي الإتيان على ذكر هذه الأشياء من على منبر المجلس؟ يجب اجتناب هذه الأمور بشدّة، وإذا تمّ اجتنابها فهذا من علامات السلامة.

د ــ تغليب المنطق وإجتناب المشاغبات أثناء الحوارات
لقد ذكرت في السابق هذه النقطة لبعض النوّاب المحترمين, والآن حيث إنّكم جميعاً حاضرون أقول لكم: إن مجلس الشوري هو مكان الحوارات الحكيمة والعقلائية. تقولون كلمتكم وتأتون بأدلتكم وبراهينكم، فيأتي شخص آخر ويقول إن كلامكم خطأ لهذه الأسباب وأدلتكم خاطئة واستدلالكم خاطئ، ثمّ تكون المسألة في النهاية أن تصوّت جماعة لهذا الرأي أو لذاك الرأي، هذا هو الصحيح. أما لو أنّه قام شخصٌ أثناء نطق شخصٍ آخر بمقاطعته والصراخ من أجل أن لا يصل صوته إلى المستمع، فهل هذا عملٌ حكيم؟! فيجب استئصال هذه العادة من المجلس عندما يكون أحد النوّاب أو وزيرٍ أو مسؤولٍ في الحكومة في معرض الحديث وينهض مجموعةٌ أو أربعة أشخاصٍ من زاويةٍ ويصرخون. إنّ هذا أمرٌ سيئٌ جداً، وللأسف إنّ هذا كان في المجلس الثامن، وأنا لا أعلم الآن هل كان ذلك في المجلس السابع أم لا. عندما واجهت هذه القضية في البداية تحيّرت: هل يمكن أن يحدث هذا؟! رأيت أنّه قد حدث في المجلس. ليس المجلس محلّ هذه الأمور. أجل، في التجمّعات العامّة يمكن لعامّة الناس أن يفعلوا ذلك، فيأتي شخصٌ يتحدّث ويصدر شخصٌ آخر أصواتاً. وقد كان هذا دوماً على مرّ التاريخ، ويقول القرآن: (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) 7. عندما كان النبيّ يتحدّث كان بعض الناس لا يدعون صوته يصل إلى أسماع الآخرين، فيعلو ضجيجهم، ولكن هذا لا يليق بالجمهورية الإسلامية، ولا بمجلس الشورى الإسلامي. إنّ مجلس الشورى هو محلّ الكلام، ولكلٍّ أن يعرض ما يريد إلى النهاية، فإذا لم يكن كلامه صحيحاً أو كان غير منطقيّ فليأتِ (الشخص المعني) ويستدلّ ويعترض وينفي وجود أيّ منطقٍ أو مبنىً فيه ويردّه فلا إشكال في ذلك.

هـ - استقلالية المجلس
إنني أولي أهمية بالغة لاستقلال مجلس الشورى، واعتقد أن المجلس المستقل هو حقاً من النعم الكبري. بعضهم يتصورون، وبعضهم يطرحون هذا في وسائل الإعلام، ويخالون أن علامة الاستقلال عن الحكومة هي التهجّم على الحكومة. ليس الأمر كذلك. ليس الكلام عن هذه الحكومة أو تلك. في كل الدورات طوال هذه الأعوام - وتعلمون أنه كانت هناك حكومات مختلفة - نبّهت دوماً إلى هذه النقطة. الاستقلال عن الحكومة ليس معناه أن يتهجّم المرء دوماً على الحكومة لسبب أو بدون سبب، ويعارض أعمالها.. الأعمال التي لا ضرورة أصلاً للاعتراض عليها. يمكن أن تسنّوا قانوناً بخلاف الاتجاه الذي تسير فيه الحكومة. على كل حال هذه أمور لازمة.

و - الاتّحاد رغم الاختلاف في الرأي
أعتقد أن من الأمور المهمة التي نحتاجها في البلاد راهناً هو الاتحاد. ولا يعني الاتحاد تساوي الأفكار وتطابقها. أنتم جميعاً والحمد لله في مستويات فكرية وعلمية عالية، وهذا ممّا لا يحتاج إلى كلام. إننا نحتاج لمن يذكّرنا حتى نعمل وإلا فإننا نعرف الكثير. اليوم يجب أن يكون الاتّحاد موجوداً. فالشقاق والاختلاف والتفرقة هي مظهر ضعف أي شعب وانحطاطه وانهزامه، فلا تسمحوا لهذا أن يقع. هناك اختلافٌ في وجهات النظر ولا مانع من إظهاره. أجل يمكن أن نختلف حول قضية ما ولكننا في نفس الوقت نضع يداً بيد. فيقول مثلاً أحدهم يجب القيام بهذا العمل، وأنا أقول إنه لا ينبغي. في النهاية، يوجد مرجع محدّد، فالمرجع إما هو القانون، أو الجهاز القضائي، أو مجلس الصيانة، أو أيةٍ جهة أخرى، فهذا المرجع سيحدّد المسؤولية, ولكن يجب أن لا نتنازع ونمسك بتلابيب بعضنا بعضاً. ينبغي أن يوجد هذا الاتّحاد. وفيما يتعلّق بالمصالح العليا للدولة، يجب أن يكون بين الأجهزة انسجامٌ ويجب أن يظهر. وبالتأكيد إنّ الجميع يقولون مثل هذا. وعندما يقوم أحدٌ بالدفاع عن شيءٍ ما بعصبيّةٍ، وينهض شخصٌ ليقول له لماذا تغضب هكذا، فيصرخ بكلّ تلك العصبية والغضب: إنّني لست غاضباً! والآن نجد من الأجنحة من يتحدّث دائماً عن الاتّحاد لكنّه في نفس الوقت يظهر علامات التفرقة ومظاهرها. إنّني أرجو أن تتوجّهوا إلى هذه القضية، سواء داخل المجلس فيما بين أعضائه، أم بين المجلس والسلطات الأخرى ـ التنفيذية والقضائية ـ حافظوا على هذا الاتّحاد وهذا التوافق ـ واعلموا أن هذا الشعب وهذا البلد وهذا النظام وهذا التوجّه مبشِّرٌ بالتوفيق والانتصار. هذا لطف الله، وهذا ما تقتضيه السنن الإلهية.

إنّ شعبنا شعبٌ طيّب ومؤمن، وشبابنا كذلك. إنّ شعبنا ولحسن الحظ هو شعبٌ شاب، والفكر الديني، والتوجّه الديني، والإسلاميّ هو بحمد الله محورٌ أساسيّ لحركة البلد. حسناً، إنّ نوّاب المجلس ومسؤولي الدولة وموظّفي الحكومة ورجال القضاء هم من المعتقدين بمباني الإسلام والثورة وهذه مسألةٌ فائقة الأهمية. الشعب متديّن وكذلك المسؤولون، وبمشيئة الله إنّ التوفيق الإلهي سيشملنا ونحن في حال تقدّم. في هذا العقد الزماني الذي هو عقد التقدّم والعدالة، بتوفيق الله، إن شاء الله، بإذن الله، سوف نحقّق تطوّراً ملموساً، ومع نهاية هذه المدّة إن شاء الله سوف نصل إلى مستوىً بارز من العدالة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


1- الأنفال، 29.
2- الآيات التي تليت في افتتاحية اللقاء.
3- العارية: مصطلح فقهي، من الإعارة أي إعطاء الشيء دون مقابل بهدف الانتفاع منه وإعادته إلى مالكه.
4- مثل شعبي يقال عند حالات البخل وإهدار فرص الخير والبذل.
5- الأنفال، 25.
6- العصر، 3.
7- الأنعام، 26.

2017-02-24