العدالة هدف الأديان النهائي وهي محور الأنموذج الإسلامي للتقدم
النهوض والتقدم
العدالة هدف الأديان النهائي وهي محور الأنموذج الإسلامي للتقدم
عدد الزوار: 82
كلمة
الإمام الخامنئي دام ظله في الملتقى الثاني للأفكار الإستراتيجية بموضوع العدالة
المناسبة: الملتقى الثاني للأفكار الإستراتيجية. الحضور: المشارکون في الملتقي.
المكان: طهران.الزمان: 17/05/2011م.
العدالة هدف الأديان النهائي وهي محور الأنموذج الإسلامي للتقدم
العناوين الرئيسية
• مسائل حول العدالة
1ـ الدور الإستثنائي للأديان في مجال العدالة
أ ـ العدالة هدف الأديان النهائي:
ب – الأنبياء يقاتلون إلى جانب المظلوم في وجه الظالم
ج – العادلة ، خاتمة الحركة التاريخية للانبياء
2- الموقع المُميّز للعدالة في الثورة الإسلامية الإيرانية
3- استخراج نظرية الإسلام في "العدالة" من المصادر الإسلامية
ــ خلاف للرؤية الغربية ؛ العدالة في الإسلام تنشأ من " الحق "
4 - تعدّد الآراء وتضاربها يقصر الطريق إلى الصواب
ــ أهمية الاستفادة من تجارب الآخرين في الجانب التطبيقي
5 - إدراج بحث العدالة كفرع علميّ في الحوزة والجامعة
6 - تحديد شواخص العدالة
7- تشخيص العلاقة بين التقدّم والعدالة
• من وحي البحث
محورية الاعتقاد بالمبدأ والمعاد في قضيّة العدالة
عدالة الإنسان مع نفسه
بسم الله الرحمن الرحيم
أوجّه شكراً كبيراً للحضور المحترم،
الإخوة والأخوات الأعزّاء وكذلك لمقيمي هذا اللقاء المفيد والغني بالمضمون، وبالأخص
للدكتور واعظ زاده1 الذي أدار اللقاء إدارة جيّدة. أشكركم لإيجاد هذه
الفرصة لطرح هذه الأبحاث وإن شاء الله سيكون لها استمرار. وأحمد الله المتعال
والرّب العزيز الحكيم الذي منّ بالوقت والأمن والإمكانات والنشاط على الجمع الحاضر
والذين دعموا تشكيل هذا اللقاء حتّى تمكّنوا من إنجاز هذا العمل. لو لم يكن لطف
الله، ولو لم يكن هناك راحة بالٍ عند المفكّرين والأساتذة والعلماء، لما تمكّن
النظام من الحصول على هذه الفرصة. هذه فرصة مهمّة، لحسن الحظ، جعلها الله بأيدينا.
ما تمّ إنجازه اليوم في هذا اللقاء يمثّل بداية، ونحن نأمل بمتابعتها أن تكون لها
استمرارية لائقة تتبعها عاقبة مباركة. أشعر بوجود استعداداتٍ بشرية واسعة في هذا
البلد من أجل متابعة هذا البحث المهمّ بحث العدالة وإيصاله إلى غايته.
كما أنّ أصحاب الرأي والخبراء الذين لم يحضروا اللقاء هم بنظرنا شركاء هذا البحث.
وحتماً، هناك لحسن الحظ على مستوى البلاد وفي الجامعات والحوزات والمؤسّسات
التحقيقية الممتدّة على مدى البلاد، من أصحاب الرأي من لديهم تحقيقات في هذه
المقولة وهذا البحث، أو أنّهم مستعدّون للقيام بالأبحاث. نحن نعدّهم شركاء في هذا
البحث.
لتحويل بحث العدالة إلى مقولة نخبوية
يجب أن يتحوّل بحث العدالة إلى مقولة نخبوية. يجب علينا المضيّ بهذه
القضية وأن لا ندع متابعة هذا البحث؛ حيث إنّ الأرضية مهيّأة جداً، والحاجة ملحّة
للغاية. وقد استشعرنا من كلمات الأصدقاء جانباً من هذا الاحتياج.
إنّ هذه الأبحاث التي قمتم بها والتي ستكون في المستقبل إن شاء الله، سيكون نتاجها
للجيل الحاضر والأجيال المقبلة نتاجاً قيّماً ومورد حاجة شديدة. ولعلّه من الضروري
أن نستفيد لاحقاً من أصحاب الرأي في العالم الإسلامي أيضاً. ولعلّه يوجد في الدول
الأخرى أصحاب رأيٍ يمكنهم أن يعينونا في الاستنباط النهائي وفي إيصال بحث العدالة
إلى غايته.
إنّني راضٍ ومسرور لأنني شعرت بأنّ الأصدقاء قد اهتموا بأبحاث بعضهم بعضاً. فهذه
المحاور المتعلقة بالنقد والإشكال التي أدغمها الدكتور واعظ زاده في هذا اللقاء
كانت بنظري من أكثر الأبحاث جاذبية؛ وكانت تشير إلى أنّ الحاضرين قد اعتنوا
بالأبحاث. وهذا الأمر يُؤدّي إلى إيجاد التضافر. جميعكم لديه آراء، وقد فكّرتم بهذه
المقولة وسوف تفكّرون أكثر؛ لكن عندما يأتي الجميع ويتباحثون في مثل هذا التجمّع
ويتبادلون الآراء فإنّ ما كنّا نفكّر به يصبح أكثر عمقاً وأوسع وأكثر جامعية وفي
النهاية بمشيئة الله يوصلنا إلى نقطة نهائية سوف أشير إليها.
لن أدخل في المضمون، فالبحث المضموني قد بدأ اليوم من خلالكم ويجب أن يستمرّ بإذن
الله في هذا المركز الذي أشار إليه السيّد واعظ زاده؛ حيث إنّ ذاك البحث وتلك
النتيجة النهائية ستكون مليئة بالمحتوى المثمر من أفكار وآراء ونتاجات علمائنا
ومفكرينا. لهذا لن أدخل في تلك المسألة، إنّما أذكر عدّة نقاط فقط.
مسائل حول العدالة
1ـ الدور الإستثنائي للأديان في مجال العدالة
إحدى هذه النقاط أنّ العدالة كانت همّاً دائماً للبشر عبر التاريخ.
ونتيجة الشعور بالحاجة إلى العدالة التي عمت جميع الناس على مرّ التاريخ وإلى يومنا
هذا، دخل مفكّرو البشرية والفلاسفة والحكماء في هذه المقولة وأضحت مورد اهتمامهم.
لهذا تمّ البحث بشأن العدالة والعدالة الاجتماعية من الأزمنة القديمة وإلى يومنا
هذا بهذا المعنى العام، وقُدّمت النظريات، لكنّ دور الأديان كان دوراً استثنائياً.
أي أنّ ما ذكرته الأديان عبر الأزمنة حول العدالة وأرادته واهتمّت به كان منقطع
النظير واستثنائياً. ومثل هذا الاهتمام الذي أولته الأديان لا نشاهده في آراء
الحكماء والعلماء.
أ ـ العدالة هدف الأديان النهائي:
الميزة الأولى أنّ الأديان جعلت العدالة هدفها بشهادة القرآن
(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا
مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)2.
من المؤكّد أنّ هذه الآية تحكم بأنّ هدف إرسال الرسل وإنزال الكتب ومجيء البيّنات -
أي الحجج المتقنة التي لا تقبل الشكّ ممّا عرضه الأنبياء؛ والكتاب يعني منشور
الأديان بما يتعلّق بالمعارف والأحكام والأخلاقيات؛ ؛والميزان يعني ما يحدّد وضع
المعايير- هو القيام بالقسط؛?لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ?.
وبالطبع، لا شكّ بأنّ القيام بالقسط وكلّ ما يتعلّق بالحياة الدنيوية والاجتماعية
والفردية للنّاس، هو مقدّمة لذاك الهدف المتعلّق بالخلق (
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون) 3
، أي العبودية. في الأساس هدف الخلقة صيرورة الإنسان عبداً لله، حيث إنّ هذه
العبودية نفسها تُعدّ أعلى الكمالات. إلاّ أنّه للوصول إلى ذاك الهدف، الذي هو هدف
النبوّات وإرسال الرّسل، ومن جملتها ذاك الشيء الذي تصرّح به هذه الآية. بالطبع،
هناك بيانات أخرى أيضاً في آيات القرآن تشير إلى بقية أهداف إرسال الرسل، حيث يمكن
جمعها معاً. فإذاً، أضحى الهدف هو العدالة؛ هدف بناء النظام؛ هدف الحضارات وغاية
حراك البشر في المحيط الاجتماعي هو العدالة. ومثل هذا لا يوجد في أي مذهبٍ آخر؛ فهو
من مختصّات الأديان.
ب – الأنبياء يقاتلون إلى جانب المظلوم في وجه الظالم
الخاصّية الثانية للأديان هي أنّ الأنبياء كانوا على مرّ التاريخ إلى
جانب المظلومين؛ فقد جاهدوا عملياً من أجل العدالة. لاحِظوا؛ لقد صرّح القرآن
الكريم أنّ الأنبياء يواجهون الطواغيت والمترفين والملأ؛ حيث إنّ هؤلاء جميعاً من
الطبقات الظالمة؛ المترَف والمترِف من جهتين ينطبقان على طبقة خاصة، وكلاهما صحيح.
بالطبع، ما ورد القرآن هو "المترفين"؛ لكنّ المترِف صحيح أيضاً. فالمترفون يقفون
مقابل الأنبياء،( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن
نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ)4.
فما نجد من نبيٍّ إلا وكان في مقابله مُترَفون وكان النبيّ يُحاربهم، وهكذا كان حال
الممسكين بالقدرة وأصحاب السلطة. والطاغوت له معنى يشمل جميع هؤلاء. لهذا فإنّ
الأنبياء كانوا دائماً إلى جانب المظلوم في الصراع بين الظالم والمظلوم؛ فكانوا
ينزلون إلى الميدان من أجل العدالة ويُحاربون؛ وهذا ما لا نظير له. لقد تحدّث
الحكماء عن العدالة، ولكنّهم في أوقات كثيرة كانوا مثل كثير من المفكّرين المختلفين
الذين يكتفون بالكلام ولكنّهم لا ينزلون إلى الميدان عندما يحين دور العمل. وقد
شاهدنا مثل هذا في مرحلة المواجهة [ضد الشاه] وأيضا شاهدناه بعد ذلك في مرحلة
الدفاع المقدّس. وهذا ما نشاهده تقريباً اليوم أيضاً. لم يكن الأنبياء هكذا، بل
كانوا ينزلون إلى الميدان ويُعرّضون أنفسهم للخطر. حتى أنّه في الوقت الذي كانوا
يقولون لهم لماذا تقفون إلى جانب الطبقات المظلومة: انفَصِلُوا عنهم؛ كان الأنبياء
يواجهونهم.
فالآية الشريفة، (وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي
أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا)5 تتحدّث عن
جواب النبي نوح لمعارضيه ؛ هي في هذا المجال أيضاً. لذا، فأولئك الذين كانوا
محرومين من العدالة كانوا أوّل من يُؤمن بالأنبياء أيضاً.
ج – خاتمة الحركة التاريخية للانبياء ؛ العادلة
الخاصّية الثالثة هي أنّ جميع الأديان تتّفق على أنّ نهاية هذه الحركة
التاريخية العظيمة هي نهاية مليئة بالأمل بالعدل. إنّها تقول بشكل قاطع إنّه سيأتي
عصرٌ يكون عصر العدل وهو عصر استقرار الدين الكامل. وقد جاء في الدعاء الذي يُقرأ
بعد زيارة آل ياسين، "يَملأ اللهُ بِهِ الأَرضَ قِسطَاً وَعَدلاً" أو "عَدلاً
وَقِسطَاً" حيث تختلف في مواضع عديدة "كَمَا مُلِئَت ظُلمَاً وَجَورَاً"، وفي مواضع
أخرى "بَعدَمَا مُلِئَت ظُلمَاً وَجَورَاً". فجميع الأنبياء وكلّ الأديان وجميع
النبوّات أشارت إلى هذه النهاية وأكّدت عليها وأصرّت وقالت إنّها في طور السير إلى
تلك النهاية. لهذا فإنّه في المبدأ وفي المسير وفي المنتهى، كان استناد النبوّات
إلى العدل، وهذا ما لا نظير له.
2- الموقع المُميّز للعدالة في الثورة الإسلامية الإيرانية
النقطة الثانية هي أنّ العدالة في ثورتنا الإسلامية التي كانت حركة دينية كانت بشكل
طبيعي في موقع ممتاز، والآن هي كذلك. وهذه الموقعية المميّزة مشهودة في الشعارات
الشعبية، وفي الدستور، وفي كلمات الإمام الراحل قدس سره ، وفي الخطابات المقطعية،
وفي الأزمنة المختلفة، وفي المواقف المختلفة التي أعلنتها الجمهورية الإسلامية.
لنفترض في زمن الدفاع المقدّس[الحرب المفروضة]، فقد كانوا يضغطون ويطرحون شعار
الصلح من أجل إخراج الجمهورية الإسلامية من الميدان. هناك طرحت الجمهورية الإسلامية
شعار الصلح العادل. حسناً، إنّ الصلح ليس قيمة مطلقة، هو قيمة نسبية، ففي بعض
الأماكن يكون الصلح جيداً، وفي أماكن أخرى يكون سيئاً والحرب جيّدة. لكن العدالة
ليست كذلك، فالعدالة قيمة مطلقة، أي إنّه لا مكان لدينا تكون العدالة فيه سيّئة.
هكذا كانت الوضعية في الجمهورية الإسلامية، فقد كانت [العدالة] على رأس اهتمامات
النظام منذ بدايات الثورة؛ ففي الجانب الإجرائي للعدالة، فإنّه - إنصافاً- أُنجز
الكثير من الأعمال، لكنها غير مُرضِية. بعض الأصدقاء قدّموا معطيات وأرقاماً مهمّة
في توصيف الإنجازات؛ ولعلّ معلوماتي أكثر في مجال الأعمال التي أُنجزت. أنا أعلم
أنّه قد أُنجز الكثير من الأعمال منذ بداية الثورة، لكنها ليست مرضية مطلقاً. ما
نحتاج إليه ونسعى نحوه هو العدالة بحدّها الأكثري لا مجرّد حد مقبول؛ كلا، نحن نسعى
نحو العدالة في حدّها الأكثري، نريد أن لا يكون هناك أي ظلم في المجتمع. وللوصول
إلى هذه المرحلة توجد مسافة طويلة، لهذا يجب السعي من أجل ذلك.
ــ الهدف من طرح موضوع العدالة
والشيء الذي ينبغي أن أذكره ويتبع هذا الأمر هو أنّنا عندما نقوم اليوم
بالمباحثة حول العدالة وطرح موضوع العدالة فإنّه تتمّة لذلك الهمّ الأساس؛ ولا يعني
أنّنا طول السنوات المتمادية لم نكن نعرف العدالة أو أنّ نظام الجمهورية الإسلامية
لم يكن يمتلك أي تعريف عن العدالة وأنّه لم يتحرّك بهذا الاتجاه. كلا، هناك تعريفات
إجمالية وكلّية، وحدٌّ بالقدر المتيقّن كان موجوداً دائماً؛ وكان الجميع على إطلاع
عليه، وهناك أعمالٌ كثيرة كما ذكرت قد أُنجزت.
أ - إحياء مقولة العدالة
لكنّنا اليوم نطرح هذا، أولاً بسبب أنّنا نريد أن تكون مقولة العدالة
حيّة دائماً وحاضرة في الساحة، بين النخب والمسؤولين والناس وخصوصاً الأجيال
الجديدة حيث يجب أن يكون عنوان العدالة وقضية العدالة مطروحة بعنوان قضية أساسية
بشكل دائم، وهذا أحد أهداف هذا الملتقى والهدف من طرح العدالة فيه.
ب - تجاوز مرحلة التجربة والخطأ في تطبيق العدالة
الأمر الآخر هو أنه إذا أردنا أن نقلّل المسافة بين ما هو ضروري وواجب
من العدالة وبين الوضع الحالي - الوضع الذي نحن عليه الآن - يجب أن نتوصّل إلى
أساليب وطرق عمل جديدة ومؤثّرة. يجب أن نعلم ما هي الأساليب التي نطبق فيها
العدالة؛ أي أن نتجاوز مرحلة التجربة والخطأ. فعلى مدى هذه السنوات الثلاثين كان
عملنا في الكثير من الموارد عبارة عن التجربة والخطأ، سواء في العقد الأول مع ما
كان فيه من توجّه حيث أشار الأصدقاء إلى ذلك وما بعده. في النقطة المقابلة، في
العقد الثاني وأثناءه حيث شاهدنا أساليب ومناهج مختلفة. لم يعد من الصلاح أن نعمل
بهذه الطريقة. يجب أن نجلس ونكتشف الأساليب المتقنة والمبنية على الحدود المتقنة
ونشخّصها ونستقر عليها ونتحرّك.
ج - تشخيص العلاقة بين التقدّم والعدالة
الجهة الثالثة هي أنّ البلد يتطور اليوم بقفزات متسارعة ؛ فهذه واقعية.
لحسن الحظ، حركة البلد نحو التطوّر بالمعنى العام هي حركة سريعة. فلا يمكن أبداً
مقارنة اليوم مع ما كان قبل عشرين سنة. إنّنا اليوم نتحرّك نحو التطوّر بشكل قفزي.
وفي هذا الوضع الذي تكون فيه التحرّكات نوعية (طفرة ) تكون هناك حاجة إلى اتخاذ
قرارات كبرى. يجب اتّخاذ القرارات الكبرى. حسناً، لو أنّ عنصر العدالة بقي مغفولاً
عنه في هذه القرارات الكبرى، فإنّ الأضرار والخسائر التي ستحدث لن تحصى. لهذا،
اليوم خصوصاً، يجب أن يكون هناك مزيد من التوجّه إلى العدالة، وبالأخص تشخيص
العلاقة بين التقدّم والعدالة. أُشير إلى استحداث مركزٍ لأجل متابعة قضية أنموذج
التقدّم المرتقب وقد أُنجزت مقدّماته؛ وإن شاء الله يجري العمل بجدّية. إنّ بحث
العدالة يجب أن يُتابع هناك إن شاء الله.
3- استخراج نظرية الإسلام في "العدالة" من المصادر
الإسلامية
النقطة الثالثة هي أنّ ما نريد أن نصل إليه في المرحلة النظرية هو
النظرية الإسلامية في باب العدالة. بالطبع، ينبغي أن يكون ذلك برؤية تجديدية
ابتكارية تُراجَع فيها المصادر الإسلامية وتُستخرج من متن المصادر الإسلامية، في
أُطُرها العلمية والفنية التي أشار إليها بعض الأصدقاء. إنّنا نمتلك المناهج
والأساليب العلمية والمجرّبة والمحسوبة بدقّة للاستنباط، يجب أن نستفيد منها. لهذا
في المرحلة النظرية والتنظير يجب أن نتوجّه إلى المصادر الإسلامية ونحصل على
النظرية الأصيلة في باب العدالة من المتون الإسلامية. ومستندي في هذه النكتة هو
أنّه لا نريد أن نستخرج نظرية أو أن نُنتجها من خلال التجميع والتركيب من النظريات
المختلفة للمفكّرين والحكماء الذين تحدثوا في هذا المجال. إننا في هذه القضية يجب
أن نحترز تماماً من الالتقاط. ففي موارد متعدّدة وقعنا في الخطأ. ودون أن نريد ذلك،
زلّت أقدامنا في مستنقع الالتقاط. وإخراجها سيكون صعباً جداً. كلا، يجب علينا في
الحقيقة أن نبحث في المصادر الإسلامية، وهذه المصادر كثيرة جداً وقد أشار إليها
الأصدقاء أيضاً. في القرآن والحديث ونهج البلاغة والمدوّنات الفقهية والكلامية
والحكمية توجد أبحاث كثيرة، يمكنها جميعاً أن تُمثّل مصدراً مفيداً لاكتشاف النظرية
الإسلامية الأصيلة.
بالطبع، فإنّ التعرّف إلى آراء الآخرين - مثل كل الموارد الأخرى- يمكنه أن يساعدنا
في فهم المتون الإسلامية. وهذا الأمر واردٌ في جميع المجالات وفي الأبحاث الحقوقية
والفقهية أيضاً. عندما نتعرّف إلى رأيٍ أجنبي ويتّسع ذهننا بطريقة صحيحة، فإنّنا
سنستفيد بشكل أفضل وأكمل من مصادرنا الإسلامية؛ والأمر هنا كذلك. لكن ينبغي أن نكون
جادّين للوصول إلى النظرية الإسلامية الأصيلة وأن نحترز من الالتقاط. وبالطبع من
البديهي أن سبب قولنا إن النظرية الإسلامية ينبغي أن تكون خالصة وأصيلة هو أنّ قضية
العدالة مبنية على أسس ومباني معرفة الوجود وعلم المعرفة والأركان الأساس؛ وإذا
أردنا أن نعتمد على النظريات الغربية والتي هم عمدتها فإننا نكون في الواقع قد
اعتمدنا على المباني الفلسفية التي لا نقبلها وهي الآراء المتعلقة بمعرفة الوجود.
ــ خلاف للرؤية الغربية ؛ العدالة في الإسلام تنشأ من "
الحق "
المكمّل لهذه النقطة هو أنّ توجّه الرؤية الإسلامية إلى العدالة يختلف
مع توجّه النُظُم والنظريات الغربية. ففي الإسلام تنشأ العدالة من الحق. كما أشار
الأصدقاء لحسن الحظ قد طُرحت في هذا الملتقى كلمات جيدة تجعل هذا العبد مستغنياً عن
المزيد من الإيضاح والتوسّع في الكلام. وبالإضافة إلى هذا يوجد في العدالة
"الوجوب"، أي أنّ التوجّه نحو العدالة في الإسلام يُعدّ وظيفة إلهية، في حين أنّ
الأمر في المذاهب الغربية ليس كذلك. في المذاهب الغربية تُطرح العدالة بأشكالٍ
مختلفة : ففي الاشتراكية بنحو وفي الليبرالية بنحو آخر مع كلّ التطوّرات والأشكال
المختلفة لهذه المذاهب. وفي جميع هذه المذاهب لم يكن النظر إلى العدالة نظراً
بنيوياً وأساسياً ومبنياً على القيم الأصولية كما هو الحال في الدين والإسلام.
4 - تعدّد الآراء وتضاربها يقصر الطريق إلى الصواب
النقطة الرابعة هي أنّنا نحتاج في ميدان الفكر والتنظير إلى تعدّد
الآراء وتضاربها. أي عندما نقول يجب أن نصل إلى نظرية ونكشف عن النظرية الإسلامية
الأصيلة، فإنّ هذا مبنيٌّ على مقدّمات طويلة نسبياً وواسعة؛ حيث إنّ من أهمّ هذه
المقدّمات هو أن تتضارب آراء المفكّرين وتُطرح الآراء المختلفة، فهذا أمرٌ ضروري
وهذا هو النشاط العلمي. لا ينبغي تصوّر أنّ لدينا حكماً مسبقاً، وأنّ هناك شيئاً قد
اتخذناه من قبل ونريد أن نصل إليه حتماً؛ كلا، نحن نريد من خلال تضارب الآراء أن
نصل إلى ما هو حقٌّ وصواب. لهذا فإنّ تضارب الآراء لازم، ولا يقف عند حدّ. أي بعد
وصولنا إلى الرأي النهائي والمختار لهذا المقطع من الزمان؛ كذلك فإنّ احتمال طرح
آراءٍ جديدة ونقاط مُستَحدثة في المستقبل موجودٌ أيضاً. فلا مانع من ذلك. لكن، هناك
حاجة في كلّ الأحوال لأن نصل إلى استجماعٍ قويّ تتشكّل على أساسه البرامج البعيدة
المدى في البلاد. لهذا فإنّ تضارب الآراء ضروري. لكن في النهاية تحتاج إدارة البلاد
إلى الوصول إلى حصيلة قوية ومُتقنة ومُستدلّة في باب العدالة الاجتماعية يُمكن على
أساسها التخطيط للبرامج البعيدة المدى.
ــ أهمية الاستفادة من تجارب الآخرين في الجانب التطبيقي
بالطبع بعد وصولنا إلى هذه الحصيلة نعود ونشرع بالأبحاث الجديدة من أجل
اكتشاف الأساليب؛ أي الأبحاث التطبيقية. لقد لاحظت اليوم أنّ بعض مقاطع الأبحاث
يرتبط بالأبحاث التطبيقية وهو أمرٌ حسنٌ جداً ومجاله واسعٌ جداً. وبعد وصولنا إلى
نظرية مُتقنة ومستجمعة في باب العدالة، تظهر الحاجة من جديد لاكتشاف أساليب إجرائية
وتنفيذية في المجتمع، من خلال الأبحاث التطبيقية، وهو ما يستتبع بذاته أبحاثاً
كثيرة. وهناك يمكننا أن نستفيد من تجارب البشر.
إنّني أقبل ما ذكره أحد السادة من أنّ المناهج تتأثّر بالأهداف. لا شكّ في ذلك.
لكنّ هذا لا يعني أنّه لا يمكننا أبداً الاستفادة من مناهج وتجارب الآخرين. كلاّ،
لا شكّ أنّه يمكننا ذلك؛ فهنا في قسم الأبحاث التطبيقية يأتي دور الاستفادة من
التجارب التي قام بها الآخرون. لنفرض في مجال القطاع المصرفي أو أي مجال آخر في
القضايا الاقتصادية، أو في الأبحاث الاجتماعية بشكل آخر، أو في الأبحاث القضائية
بنحو مختلف، تجربة خاضها شعبٌ ما وبقي عليها مدّة من الزمن وآثارها أيضاً أصبحت
واضحة، فهنا يمكننا أن نستفيد منها، لا إشكال في ذلك. لهذا، ينبغي الاستفادة من
تجارب الآخرين.
5 - إدراج بحث العدالة كفرع علميّ في الحوزة والجامعة
النقطة الخامسة: إنّ أحد أهم الأعمال في الميدان النظري هو أن نعرّف بحث
العدالة في الحوزة وفي الجامعة كفرعٍ علميٍّ محدّد. وهذا غير موجود اليوم، لا في
الحوزة ولا في الجامعة. فلا إشكال في أن نفرض في الحوزة أنّ أحد المواضيع التي يتمّ
بحثها من قِبل فقيهٍ أو أسلوب فقهي هو قضية العدالة. وهنا، فإنّ قاعدة العدل
والإنصاف نفسها التي أشار إليها السادة يجب تنقيحها. فهي غير منقحة، وسبب عدم
تنقيحها هو أنّ المرء يرى في الفروع الفقهية المختلفة الاستنادات إلى هذه القاعدة
حيث لا يتمّ ذلك. أي إنّها ليست قابلة للاستدلال مثلما يُقال في المجالات المختلفة.
فما هو الإشكال في أن يكون في الحوزة العلمية - وهنا بحمد الله يشاركنا فضلاء
مميّزون في هذا الملتقى- أحد المجالات التي يُتابعها الفقيه في درس الفقه
الاستدلالي الذي يُعطيه،"قضية العدالة"؛ "كتاب العدالة"؟ وهذا غير بحث العدالة الذي
أشاروا أنّ الشيخ رحمه الله قد ذكره؛ هو بحثٌ آخر، أي أن يكون البحث في باب العدالة
الاجتماعية بحثاً فقهياً قويّاً. فليُستحدث في الجامعة فرعٌ علميٌ متوسطٌ ويتم
تعريفه؛ يُبحث فيه ويُعمل عليه وتُوضع له ميزانيات مستقلّة. برأيي إنّ هذا عملٌ
ضروري في الميدان النظري؛ فهذا ما يوسّع من نطاق التنظير ويُعِدّ الطاقات المقتدرة
في هذا الميدان.
6 - تحديد شواخص العدالة
هناك عملٌ آخر مهمٌّ هو وضع الشواخص، تحديد شواخص العدالة. إنّ أحد
الأعمال النظرية المهمّة التي ينبغي أن نقوم بها هي أن نكتشف شواخص العدالة. حسناً،
الشواخص التي يطرحها الغرب اليوم يمكن قبولها بشروط، فبعضها ليس شاخصاً بالمطلق،
وبعضها شواخص ناقصة، وبعضها يمكن أن يكون شاخصاً في بعض الظروف. علينا أن نجلس
ونكتشف بشكلٍ مستقل شواخص العدالة وعوامل استقرارها في المجتمع. وأحد الجوانب
المهمّة للعمل هو هذا. بالطبع، في ميدان العمل ينبغي إنجاز الكثير من الأعمال،
وأحدها أن نضع للعدالة معياراً أساسياً في التشريع. فهذه النقطة ينبغي أن تكون مورد
عناية النوّاب المحترمين لمجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور، بحيث يتم الالتفات إلى
قضية العدالة في التشريع بالخصوص، وكذلك رصدها دوماً.
نقطتان من وحي البحث
الأولى: محورية الاعتقاد بالمبدأ والمعاد في قضيّة العدالة
في النهاية، أطرح نقطتين مختصرتين وهما بالطبع خارجتان عن متن البحث، لكنّ التنبّه
إليهما وتذكّرهما لا بأس به.
النقطة الأولى، أنّ الاعتقاد بالمبدأ والمعاد في قضية العدالة له دورٌ أساس لا
ينبغي أن نغفل عنه. فلا ينبغي أن نتوقّع استتباب العدالة في المجتمع بمعناها
الحقيقي دون أن يكون هناك اعتقاد بالمبدأ والمعاد. فأينما انعدم هذا الاعتقاد تصبح
العدالة كشيءٍ مفروض وإجباري لا أكثر. وهذا هو السبب أنّ بعض الأطروحات الغربية
الجميلة في باب العدالة لم تتحقّق مطلقاً لأنّه لم يكن لديها ركائز اعتقادية.
الكلام جميل على الأقلّ بظاهره وإن لم يكن برهانياً كثيراً لكن في العمل، في
المجتمعات الغربية، في الحياة الغربية، لا خبر عنه ولا أثر. أساساً لا يُشاهد المرء
تحقّقه، بل الموجود هناك هو اللاعدالة المطلقة. وسبب ذلك أنّه لا وجود لركيزة
الاعتقاد بالمبدأ والمعاد فيه. فالاعتقاد بالمعاد، والاعتقاد بتجسّم الأعمال،
والاعتقاد بتجسّم الملكات في القيامة له تأثير كبير.
أن نكون عادلين، ومُطالَبين بالعدالة، ونمدح العدل ونسعى لأجله؛ كلّ هذه ستتجسّم
يوم القيامة. هذه هي النقطة المُقابِلة للغرب. هذا الاعتقاد يمنح الإنسان النشاط
والطاقة. فليعلم الإنسان أيّ بلاءٍ جلبه على نفسه جرّاء سلوكه الظالم بل حتى فكره
الظالم على صعيد تجسّم الأعمال في القيامة، فمثل هذا يقرّبه إلى العدالة طبعاً.
يا من مزّقتم قميص يوسف انهضوا من نومكم ذئاباً
فمن اعتقد بهذا: أنّ من كان سَبُعياً هنا سيتجسّم هناك بذئبٍ نهض من
سُبات الموت، هذا سيكون له تأثير كبير. لهذا لا ينبغي الغفلة عن هذه النكتة في
الأبحاث المتعلّقة بالعدالة.
الثانية: عدالة الإنسان مع نفسه
النقطة الثانية والنهائية التي لا بأس أن أذكرها هنا هي العدالة بين
الإنسان ونفسه والتي لا ربط لها بالعدالة الاجتماعية. في القرآن تكرّر ظلم النفس في
آيات عديدة. حسناً، الظلم هو النقطة المقابلة للعدل. في دعاء كميل نقرأ: "ظَلَمتُ
نَفسِي"، وفي المناجاة الشعبانية الشريفة نقول: "قَد جُرتُ عَلَى نَفسِي بِالنَظَر
لَهَا، فَلَهَا الوَيلُ إِن لَم تَغفِر لَهَا". الذنوب والزلاّت والسعي وراء
الشهوات واتّباع الأهواء والابتعاد عن الذكر والخشوع لربّ العالمين هو ظلمٌ للنفس.
وهذا يُعدّ ميداناً مهمّاً. عندما نقوم بالبحث في باب العدالة - في العلاقات
الاجتماعية وفي تشكيل النظام الاجتماعي- لا يُمكننا أن نُغفِل العدالة مع النفس.
فلا ينبغي أن نَظلِم أنفسنا. بل أن نكون عادلين مع أنفسنا. والنقطة المقابلة لـ
"قَد جُرتُ عَلَى نَفسِي" هي هذا العدل. فلا نجور بل نَعدِل. إذا وفّقنا الله تعالى
لاجتناب هذا الظلم [ظلم النفس] فإنّ هذا العبد لديه أملٌ كبير أن نُوفَّق إن شاء
الله بإقامة العدل في المجتمع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1- رئيس المجلس الأعلى لمركز
النموذج الإسلامي الإيراني للتقدّم.
2- سورة الحديد،الآية 25.
3- سورة الذاريات، الآية 56.
4- سورة سبأ،الآية 34.
5- سورة هود، الآية 31.