يتم التحميل...

بناء سلطة قضائية وفق الرؤية الإسلامية سيزيل أكثر مشاكل المجتمع

النهوض والتقدم

بناء سلطة قضائية وفق الرؤية الإسلامية سيزيل أكثر مشاكل المجتمع

عدد الزوار: 86

من كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مسؤولي السلطة القضائيّة ــ 27/6/2012م.
بناء سلطة قضائية وفق الرؤية الإسلامية سيزيل أكثر مشاكل المجتمع

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إنّ أسبوع السلطة القضائية، وهذا اللقاء السنوي فرصة سانحة للتعبير عن إجلالنا لشهيدنا العظيم والعزيز الشهيد البهشتي، وشهداء السابع من شهر تير (حزيران)، حيث تفتخر سلطتنا القضائية - بحمد الله - بأنّ يومها هو في هذه المناسبة المليئة بالمعنى والمضمون. وكذلك نتشكّر ونقدّر بخالص محبّتنا المساعي الواسعة والمستديمة لأعزّائنا الفاعلين في السلطة القضائية، القضاة المحترمين والعاملين المختلفين والمديرين البارزين وشخص رئيس السلطة القضائية المحترم جناب الشيخ الآملي، الذي هو بحمد الله بلحاظ الفكر والعلم والنشاط والابتكار والكثير من الخصائص المهمّة في المديرين العامّين، بارزٌ. نجلّ ذكرى أعزّائنا، وخصوصاً الشهيد البهشتي الجليل، ونعرب عن احترامنا، فقد كان حقّاً وإنصافاً شخصية عظيمةً بارزة، وفي تلك المدّة المحدودة لإدارته للسلطة القضائية أشاد بنية محكمة وثبّتها، وسوف يبقى هذا باسمه، هو عبرة لنا لأجل أن نسعى بالجدّ والابتكار للاستفادة من الأوقات المحدودة لإنجاز أعمالٍ كبرى ومخلّدة. وكذلك أضيف صوتي وحديثي لحديث الرئيس المحترم للسلطة القضائية، لأتشكّركم أيّها العاملون المحترمون في السلطة، ومديري الرتب العليا والمتوسّطة والقضاة المحترمون والشرفاء على أمل أن تحقّق مساعيكم وهممكم القضية الأساسية للبلد, وهي إقامة العدالة القضائية في مختلف مناطقه.

الارتقاء بالسلطة القضائيّة تحقيقا للعدل القضائي
لو أردنا أن نختصر في جملة واحدة جميع أمانينا فيما يتعلّق بقضية القضاء في البلد، لكانت عبارة عن الارتقاء بالسلطة القضائية. فيجب علينا أن نرتقي بالسلطة القضائية بشكلٍ دائم. فكلّ هذه التقارير المرضية سواء التي سمعناها اليوم أم التي تصلنا بصورة تقارير مكتوبة أو شفهية، لها محلّها من التقدير والشكر، ولكن ما هو متوقّعٌ هو الارتقاء بالسلطة القضائية بمعنى تحقيق كفاية العدل القضائي في البلد، وهذا لن يكون ممكناً ولن يتحقق إلا عندما يشاهد المرء النتائج. فجميع هذه المقدّمات هي من أجل أن تتحقق في مجتمعنا تلك العدالة القضائية. فإذا تحقّقت، سوف تُقتلع المفاسد وتُقطع أيادي الأشرار من الوصول إلى المراكز الحيوية للمجتمع، ويصل الصلحاء إلى المراكز اللائقة بهم. هذا كلّه مربوطٌ بتمامية السلطة القضائية وكمالها. فلو استطاع النظام الإسلامي أن يصنع سلطة قضائية بحسب الرؤية الإسلامية، وبحسب ما هو مطروحٌ في مصادرنا الدينية والفقهية، وقام بتنظيمها على هذا الأساس، فإنّ أكثر مشاكل مجتمعنا ـ وكلّ مجتمعٍ ـ ستزول. وستزول المشاكل الناشئة من كل أنواع الطغيان والأنانيات والاعتداءات والتعدّيات.

لهذا فإنّ الهدف يجب أن يكون عبارة عن الارتقاء بالسلطة القضائية. ولا ينبغي أن نقنع بأي حدٍّ حتى نصل إلى المستوى المطلوب. فيجب أن نصل إلى هذا السقف - وبرأيي - وإن كان الطريق طويلاً، لكن يمكن الوصول إليه. ولا ينبغي أن نقول إننا ندعو أنفسنا والآخرين إلى أمنية غير قابلة للتحقّق، كلا، إنّ ذلك ممكن الوصول إليه. أنتم تقدرون. وفي بلدنا يوجد مثل هذا الاستعداد والإمكان. ويجب طيّ هذا الطريق والتقدّم عليه بالسعي والابتكار، وعدم إظهار التعب، وبإعمال الطاقات والأشخاص والشخصيات الكفوءة، ومن ذوي الاستعداد.

ولأجل مجموع هذا الأمر، توجد أجهزة ودوائر تحتية، قد أشار إلى الكثير منها رئيس السلطة المحترم. وإنّني راضٍ لأنني أرى وجود توجّه إلى هذه النقاط الضرورية، وتوجد مساعٍ تُبذل من أجل القيام بها ـ كما كان مشهوداً في هذا التقرير, وما أحسن أن يُجعل هذا التقرير وأمثاله أمام الرأي العام، ليُعلم أنّ هذه الأعمال يتم إنجازها أو أنها أُنجزت ـ لكنّني أريد أن أؤكّد على نقطتين أو ثلاث.

أساليب تطوير السلطة القضائيّة
أوّلها: وضع خطة شاملة والسهر على تنفيذها
إنّ قضية الخطة الشاملة التي أُشير إليها1. فلو لم يكن للسلطة القضائية خطة شاملة وكاملة ودقيقة ومستوعبة لجميع الأبعاد من أجل ارتقائها ووصولها إلى الهدف الذي تقصده، فإنّ سلوك هذا الطريق، إمّا أن يكون غير ممكنٍ أو أنّه سيواجه تناقضات مختلفة، أو أنّه سيكون أمراً صعباً جداً. لهذا من الضروري وجود خطّة شاملة. وهذا عملٌ كبير، ورئيس السلطة المحترم في بداية قبوله لهذه المسؤولية، ذكر هذا الأمر وأعلنه. وبالطبع، في آخر التقرير الذي قُدّم لي، قيل أخيراً إنّه تمّ إعداد برنامج لخمس سنوات (خطّة خمسية)، ولكن الآن سمعنا في كلمته أنّه قد تمّ الاتفاق على إعلانه. ولا ينبغي تأخير هذا العمل, فهو مهمٌّ جداً. فإنّ الخطّة الشاملة (البرنامج الجامع) هي من أكثر الأعمال ضرورةً وأهميّة.

النقطة الأساسية هي أنّ إعداد هذه الخطة الشاملة هو قضية، وأن شق الطرق أمام تطبيقها وإجرائها قضية أخرى. فلا ينبغي أن نشعر بالراحة، بمجرّد أنّ الخطة قد أُعدت وأُعلنت، ونقول حسناً لقد أُنجز هذا العمل الكبير. كلا، إن الخطة الشاملة هي نسخة، ويجب أن يتم تفصيل هذه النسخة وتحديد مسؤولية ووظائف كل أجزائها

بشكل دقيق وعمليّ. وفي الأقسام المختلفة يجب متابعة هذا الأمر لكي يتحقّق هذا البرنامج ويصبح عملياً.

برأيي، يجب المسارعة في جعل هذه الخطة عملياتية، وكذلك كل ما هو متضمنٌ فيها، حيث إنّني سأشير إلى عدّة نقاط فيه. إنّني لا أوصي بالعجلة، فالمسارعة هي غير العجلة، بل أن يكون ذلك بعناية ودقّة ودون تأخير. أي أنّ "عدم التأخير" ينبغي أن يكون أصلاً في الأعمال. ولا ينبغي أن يحصل أي تأخيرٍ. وطبق الاصطلاحات الرائجة في الأخلاقيات الإسلامية لا ينبغي وجود أي تسويف "سوف أفعل، سوف أفعل", عندما نصل إلى نقطة التشخيص والتحقيق يجب أن نقدم على التنفيذ دون أي توقّف ولا ينبغي أن يحصل فيه أي تأخير.

ثانيها: إتقان الأحكام القضائيّة
نقطة أخرى أذكرها فيما يتعلّق بالارتقاء بالسلطة القضائية ـ وبالطبع، تمّ التأكيد عليها مراراً فيما سبق ولكن لأهميتها نكرّرها ـ وهي قضية إتقان الأحكام. فالأحكام القضائية يجب أن تكون أبعد ما يكون عن التساهل. فأنتم كقضاة محترمين عندما تصدرون حكماً يجب فيما لو عُرض على آراء المتخصّصين في الأمور الفقهية والحقوقية أن لا يكون فيه أية إشكاليات، فلا يكون لديكم أي هاجس من هذا الأمر، وتكونون واثقين تماماً بالحكم الذي أصدرتموه. فالقاضي عندما يتمتّع بالعلم الكافي، ويراقب عمله وحكمه، يجب أن يكون عندما يصدر هذا الحكم مستعداً لعرضه على جميع آراء المتخصّصين والخبراء ويتمكن من الدفاع عنه. هكذا ينبغي إتقان الحكم. فأيّ هزالٍ وضعفٍ في الحكم سيوجّه ضربةً إلى بنية الجهاز القضائي بأسره. لقد ذكرنا فيما مضى أنّ النقض المكرر للأحكام القضائية الابتدائية في محاكم الاستئناف أو في الديوان الأعلى للبلد يدلّ على أنّ في الأحكام القضائية الابتدائية نقصاً، ولا تتمتّع بالإتقان أو أنّها باللحاظ الشكلي ناقصة ولا تُراعى فيها المقرّرات اللازمة. فالتأكيد على هذا المعنى يجب أن ينتشر في كل أنحاء هذه السلطة ليذعن الجميع ويقبلوا ويتابعوا, لأنّ الأحكام ينبغي أن تكون متقنة.

ثالثها: الحبس، والتوقيف المؤقّت لأقصر مدة ممكنة
مسألة أخرى ذات أهمية في قضايا السلطة القضائية هي قضية السجون. فالسجن هو جزاءٌ. وحبس أي إنسان وتقييده، من العقوبات الموجودة في قانوننا الجزائي وموجودة أيضاً في بعض موارده في الفقه الإسلامي، فلا إشكال في ذلك. يجب علينا أن نعمل ليكون هذا الشيء بعنوان عقابٍ ومجازاة للأفراد، وفي غير العقاب لا ينبغي أن يحصل أبداً. بالطبع، في القانون موارد يتمّ فيها الاعتقال المؤقّت في حال توجيه الاتّهامات لوجود دلائل، لكن في هذه الاعتقالات يجب مراعاة كونها مؤقّتة بالمعنى الدقيق للكلمة وبذاك المعنى الموجود في روح القانون. من الممكن أن يقول أحدٌ: حسناً أيّها السيد، خمسة أشهر وستة أشهر هي "مؤقتة". أجل، إنّ عشر سنوات أيضاً تعني مؤقّتاً، لكنّ ذاك القانون الذي قيّد "المؤقّت" بالاعتقال قد أدرج قصر المدّة في ذلك أيضاً, أي إنّه لعلّة الاضطرار الحاصل من هذا الاتّهام ووجودالدلائل المختلفة وراء هذا الكلام يجب الاعتقال والحبس قبل إثبات الجريمة، لكن يجب أن يكون ذلك في أقصر مدّة ومع رعاية الشروط القضائية. فهذه النقطة يجب الالتفات إليها.

وفي الموارد التي تكون المشكلات فيها مالية، ويوجد إعسارٌ ـ وأحد الأبحاث التي أجريناها مع الأصدقاء هي: هل يجب إثبات الإعسار لأجل المجازاة؟ فلهذه القضية مشاكل تتبعها ـ ففي مثل هذه الموارد التي لم يحصل فيها جرمٌ بالمعنى الدقيق للكلمة لا ينبغي أن نستخدم السجن. فاعملوا في مجموع السلطة على أن يكون الاعتقال في السجن بحدّه الأدنى، ومثل هذا يحتاج إلى تدبير. بالطبع، كان هناك تدابير قد اتّخذت بعضها صحيحٌ وبعضها غير صحيح ـ ونحن هنا لا نريد أن ندخل في الجزئيات والقضايا ـ ولكن من حيث المجموع فإنّ السجن هو ظاهرةٌ غير مطلوبة. مشكلات السجن وتبعاته والتبعات التي تقع على عاتق السجين والعوائل، والتبعات التي تلحق ببيئة العمل. لهذا اجعلوا سياسية السلطة القضائية على هذا الأساس وتابعوا الأمر، فكّروا وليكن الأمر علاجياً، أحدها أن تُحل قضية السجن، سواء من ناحية أن لا تتبدّل الجهة أو البعد الجزائي للسجن إلى شيء آخر، والثاني أن تقلّ المجازاة أو عقوبة السجن إلى أقل قدر ممكن أو أن تتبدل إلى عقوبات أخرى لكي لا تصيب تبعات السجن هذا المجتمع.

رابعها: حفظ سمعة الأشخاص
مسألة أخرى مهمة بالنسبة للسلطة القضائية ـ وبالتأكيد ليس المخاطب في هذا الكلام السلطة القضائية فحسب، بل إنّ الأمر متوجّه أكثر إلى الأجهزة الإعلامية ـ وهي قضية سمعة الأشخاص. فيجب الالتفات كثيراً إلى حفظ سمعة الأشخاص. إنّ الشريعة الإسلامية قد جعلت عرض المؤمن إلى جنب نفسه. ولا ينبغي للسلطة القضائية والأجهزة والمحاكم والأجهزة الإدارية للسلطة القضائية أن تقع تحت تأثير ضوضاء الإعلام وتأثيراته. حسناً، للأجهزة الإعلامية مشاكل في هذا المجال، خصوصاً فيما يحدث الآن، في مواقع الإنترنت، حيث إنّ الكثير من الأمور التي يلزم رعايتها لا تتم رعايتها، وحقيقة الأمر هي هذا، وهذه من عيوب حياتنا ونقائص أعمالنا. حسناً، لهذا علاجٌ في محلّه فمعالجة قضية الشائعات والأعمال التي تحصل في الإعلام والمنشورات هي مقولة أخرى، لكن السلطة القضائية لا ينبغي أن تقع تحت تأثير هذه الأمور، وإن كانت جميع المنشورات وكلّ مواقع الإنترنت التي تثير الأجواء وتصنع مناخات وآراء عامّة وتوجّهها نحو جهة خاصة، فإنّ السلطة القضائية سواء في المحكمة الخاصة أم تلك المحكمة المسؤولة عن متابعة أي ملف يجب أن تقوم بعملها دون أن تقع تحت تأثير أي شيء. فهذه القضية مهمّة جداً. فذكر أسماء المتّهمين قبل إثبات الجرم، أو عدم ذكرها، ولكن تبيين الأمر كأنهم ذكروا الاسم، فيه إشكال، فمثل هذه تؤدي إلى حصول خللٍ في ارتقاء السلطة القضائية وأجهزة القضاء في البلد. فهذه مسألةٌ يجب الالتفات إليها حتماً.

خامسها: إعداد الكادر الكفء
مسألةٌ أخرى، موجودة في السلطة القضائية ـ ورأيت أنها مورد اهتمام رئيسها المحترم, لكن ينبغي العمل عليها بشكل أكثر جدّية ـ هي قضية إعداد الكادر المناسب لمواقع الإدارة، والمناصب العليا في السلطة القضائية. إعداد الأفراد المناسبين وخصوصاً للمواقع الإدارية، وإن كان بالنسبة لكل جهاز السلطة أمرٌ مهمٌ جداً، وضروري. يجب الاستفادة من الحوزات والجامعات. فالشخصيات البارزة ليست قليلة بحمد الله، والطاقات المستعدة النابضة في مجتمعنا ليست قليلة. وهذا أمرٌ يجب الالتفات إليه. وإن شاء الله يتم العمل عليه وبذل الرأسمال المناسب والبرامج المطلوبة.

سادسها: التعاون بين السلطات
توجد نقطة هي بنظري أساسية، وإن كانت لا ترتبط بعمل السلطة القضائية، لكنها مع ذلك متعلقة بالحركة العامة للسلطة القضائية ومسيرتها ـ وهي مسألة تعاون السلطات فيما بينها، وهذا ما يحتاح إليه البلد في يومنا هذا.


1- رئيس السلطة القضائية.

 

2017-02-24