أنموذج البلاد للتطور المنشود أنموذجٌ إسلاميّ وإيرانيّ لا غربي
النهوض والتقدم
أنموذج البلاد للتطور المنشود أنموذجٌ إسلاميّ وإيرانيّ لا غربي
عدد الزوار: 88
خطاب
الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه مع أساتذة الجامعات_06/08/2013
أنموذج البلاد للتطور المنشود أنموذجٌ إسلاميّ وإيرانيّ لا غربي
العناوين الرئيسية
· التقدم العلمي في البلاد حقيقة لا يمكن التشكيك بها
· الحال العلمية اليوم مقارنة مع ما كان قبل الثورة
· التحذير من الجمود في مسيرة قافلة العلم
· العلم قدرة حضارية وكرامة وطنية
· البعد العلمي أحد أوجه العداء للجمهورية الإسلامية
· التقدم العلمي في خدمة احتياجات البلد وتقدمة
· التخطيط لتحقيق التنافس العلمي بين الجامعات
· لإبقاء الجامعات بعيدا عن النزاعات السياسية
· التقدم العلمي في البلاد من بركات الثورة والإسلام
· لجعل اللغة الفارسية اللغة العلمية لبلدنا
· أنموذج إيران للتطور الحضاري المنشود
بسم الله الرحمن الرحيم
الغاية من
اللقاء
نشكر الله تعالى أن وُفقّنا لنشهد، مرة أخرى هذا اللقاء المحبوب والجميل
لكلّ سنة ولو في آخر أيّام شهر رمضان. الاجتماع اجتماع العلم، اجتماع الجامعة.
وأهميّة العلم والجامعة لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة والشّعب الإيرانيّ وبالخصوص في
هذا المقطع الزمنيّ الحالي من تاريخنا، واضحةٌ بالنسبة للجميع.
بالطّبع، إنّ هذا الاجتماع ليس مخصّصاً لكي أعرض ما عندي من مطالب ونقاط فيما
يتعلّق بالجامعة أو بالعلم والمجتمع العلميّ . لا شكّ أنّني سأعرض لمطالب، لكنّ
الاجتماع ليس لأجل ذلك. بل إنّ عمدة رأي هذا العبد فيما يتعلّق بإقامة هذا الاجتماع
ترتبط بأمرين:
الأوّل، احترام مقام أساتذة الجامعات. فهذا الاجتماع في الواقع هو اجتماعٌ رمزيّ
ونموذجيّ، وذلك من أجل أن يُعرف اهتمام نظام الجمهوريّة الإسلاميّة بمقام العلم
والعالم والأستاذ والجامعة ويبيَّن بهذه الصّورة الرمزيّة، وهو بحمد الله متحقّق.
الجهة الثانية، الاستماع إلى بعض المطالب الموجودة في أذهان أعزّائنا وأساتذتنا
المحترمين سواء في مجال قضايا البلد أو في مجال قضايا المجتمع والعلم وهو بحمد الله
متحقّق أيضاً.
بالطّبع، يردنا الكثير من التقارير وأنا أطالع الكثير من التقارير، وليست لقاءاتي
بالقليلة اللقاءات الخاصّة بأشخاص لهم ارتباط بالجامعة لكن لا شكّ بأنّ ما نعلمه
حول قضايا الجامعة في البلد لا يشمل كلّ قضاياها، وما أجمل أن يُعرض ما لا نعلمه في
مثل هذا الاجتماع ومن قبل هذه الشّريحة وعلى لسان النّخبة الجامعيّة، وهو بحمد الله
محقّقٌ لهذا الهدف، وقد تحقّق، وفي كلّ عامٍ الأمر كذلك. بالطّبع، إنّ الوقت المتاح
لا يسمح أن نستفيد من(الاستماع إلى) عددٍ أكبر من الأساتذة الأعزّاء، لكنّ هذا
المقدار الذي استفدناه هو فرصةٌ أيضاً.
ما بيّنه السّادة والسيّدات من مطالب اليوم كان جيّداً، وقد أضاف إلى معلوماتنا،
سواءٌ فيما يتعلّق بقضايا الجامعة أو ما يتعلّق بمزيد من الاطّلاع على الآراء
المتنوّعة الموجودة في الجامعة بالنّسبة للقضايا المختلفة.
حسنٌ، لقد لاحظتم أنّه في هذا الاجتماع كان هناك أحد الأعزّاء الذي يعتقد بضرورة
رصد تيّار التّرجمة داخل البلد وهو في الواقع يعني نوعاً من الإشراف على تيّار
التّرجمة في البلد وآخرٌ محترم أظهر ضرورة ترك أيادي المترجم وجهاز التّرجمة ونشر
التّرجمة، حرّة، وهو في الواقع رأيٌ مخالفٌ تماماً للرأي الأوّل. وكلا الكلامين
صحيحٌ مع توجيه وتبرير(إن تم تبريره وتحليله بشكل ما ). أي أنّه يمكن اختيار نهجٍ
وسلوكٍ يحقّق ما يريده الرأي الأوّل وكذلك ما يريده الرأي الثاني. لكنّني لست
واثقاً من أنّ الأخوين المحترمين صاحبي الآراء كانا يشيران إلى الطّريق الوسط.
فكلٌّ منهما له رأيه المستقلّ ويظهره وهو بالنّسبة لنا مفيدٌ، أي أنّ وجود الآراء
المختلفة هو بالنّسبة لي شخصيّاً متضمّن لموضوع جدير بالتأمّل. وقد كان هذا مثالاً
ذكرته ويوجد أمثلة كثيرة أخرى.
لقد دوّنت عدّة نقاط أريد أن أعرضها، وسوف أعرض ما يمكن إلى حين موعد الأذان.
التقدم العلمي في البلاد حقيقة لا يمكن التشكيك بها
النقطة الأولى هي أنّه منذ حوالي 12 عاماً بدأت حركةٌ علميّة جديدة
ومتجهة إلى التوسّع في البلد وقد استمرّت هذه الحركة وتصاعدت. أي أنّني هكذا أرى
وأفهم أنّ حركة إنتاج العلم والنّظرة الممتزجة بالجهاد إلى العمل العلميّ والسعي
العلميّ في البلد، والتي بدأت قبل 11 سنة وإلى اليوم، ليس أنّها لم تتوقّف فحسب، بل
اتّجهت نحو العمق والاتّساع، وتقريباً يمكن القول أنّ هذه الحركة موجودة في جميع
المجالات العلميّة مع اختلافٍ،في ناحية أقل وناحية أخرى أكثر وهو الشيء الذي نحن
بصدده، إنّه الجهاد العلميّ الضروريّ لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة ولبلدنا.
في هذه السّنوات الاثني عشر، كان معدّل النموّ العلميّ في البلد يصل إلى 16 ضعفاً
مقارنةً مع الفترة السابقة. وهذه إحصاءاتٌ تقريبيّة وقد وصلتنا من مراكز موثوقة،
الأمر الذي يعدّ مهمّاً جدّاً. وهذه الحركة العلميّة المتسارعة النمو والانتشار
أدّت إلى أن تقوم مراكز المعلومات العلميّة المعتبرة في العالم وتبدي رأيها وتقول
أنّ معدّل تطوّر العلم في إيران يفوق المعدّل العالميّ العام بـ 13 مرّة. فلنجعل
هذه الوقائع أمام أعيننا وهي نقاطٌ مهمّة جدّاً ولأنّنا نسمعها كثيراً فإنّنا
نكرّرها كثيرا، فتصبح بالنسبة لنا أمراً عاديّاً. وهذه الإحصاءات ليست محلّيّة
ليقوم بعضهم بعرضها فيقابله آخر بالرّفض والتشكيك، كلّا، إنّ الذي يصدر مثل هذه
الأحكام هي مراكز إخباريّة عالميّة رسميّة، وهم ليسوا على وفاق معنا، أي إنّني لا
أصدّق أنّ سياسات الهيمنة العالميّة قد رفعت يدها عن التدخّل في المراكز العلميّة.
وأمثال هذه المراكز(الإخباريّة)، لو كان بمقدورهم لأنكروا، مثلما أنّهم ينكرون
الكثير من (قضايا) تطوّرنا، لكنّهم مع ذلك يقدّمون لنا مثل هذه الإحصاءات. فهذه
المراكز العلميّة الإخباريّة تقول ما يُنشر في العالم ويُعرض على الجّميع بأنّه لو
استمرّ هذا التقدّم في إيران فإنّ إيران ستصل عام 2018، أي بعد خمس سنوات، إلى
المرتبة العلميّة الرّابعة في العالم وهو أمرٌ في غاية الأهميّة، أي ستكون بعد
الدّول الثلاثة الأخرى أمريكا والصّين وانكلترا بحسب ما ذُكر وهو أمرٌ في غاية
الأهميّة. بالطبع أنا لا أريد الادعاء أنّ هذه الإحصاءات هي إحصاءات يمكن للإنسان
أن يقسم عليها بأنها صحيحة 100%، كلا، لكنّ نهج جامعات البلد وحركتها اليوم هي على
هذا الطّراز، حركةٌ عموميّةٌ آخذةٌ بالتطوّر.
الحال العلمية اليوم مقارنة مع ما كان قبل الثورة
حسنٌ، لو قارنّا وضع الجامعة اليوم (في بلدنا) مع (وضعها خلال) المرحلة
الأولى للثّورة وهو إرث ما قبل الثّورة أي عصر الطّاغوت فهناك إحصاءاتٌ وأرقام أكثر
روعةً من هذه. ففي ذلك اليوم الذي انتصرت فيه الثّورة كان لدينا 78000 طالب جامعيّ،
واليوم لدينا 4 ملايين و400 ألف طالب جامعيّ في البلد، أي أنّ الأمر قد تضاعف 25
مرّة. في ذلك الوقت كان حمل التعليم ملقىً على عاتق خمسة آلاف أستاذ ومساعد أستاذ
ومعلّم وأمثالهم، واليوم لدينا 60 ألف أستاذ جامعيّ سواء في الجامعات أو في مراكز
الأبحاث . كلّ هذه تُعدّ قضايا مهمّة وتشكّل تطوّراً قيّماً. بالطبع، لقد دوّنت ها
هنا أموراً، لا حاجة لأذكرها بعد ذلك، فبعضها معلومٌ لديكم وقد سمعتموه، وبعضها
الآخر لا حاجة لعرضه.
إنّ المقالات العلميّة الموثّقة أي المقالات العلميّة التي تُنشر من قبل الباحثين
الإيرانيين ويتمّ الرجوع اليها والاعتماد عليها في العالم هي في ازدياد مستمرّ
يوماً بعد يوم. لقد قُدّم لي في هذا المجال إحصاءات دقيقة، لا أريد الآن أن أستند
إليها، لكنّ هذا يشكّل ظاهرةً مهمّة جدّاً، وعليه فإنّ الجهاد العلميّ قد تحقّق في
هذا البلد.
التحذير من الجمود في مسيرة قافلة العلم
يُطرح سؤالٌ ها هنا أنّه مع كل هذا التقدّم العلميّ الذي نشاهده في
المجالات المختلفة في البلد، هل أنّه علينا أن نتنفّس الصّعداء ونجلس جانباً ؟
حسنٌ؛ من الواضح أنّ الجواب سلبيّ. كلّا، نحن ما زلنا متخلّفين عن الخطّ الأماميّ
للعلم، فنحن في الكثير من العلوم التي تحتاجها الحياة نعاني من تخلّفٍ مزمن،
بالّرغم من كل هذا التطوّر الذي وصلنا اليه في بعض العلوم. فلأنّنا نعاني من كل هذا
التخلّف يجب علينا العمل، هذا بالإضافة إلى أنّ قافلة العلم في العالم لا تتوقّف
وهي تسير بسرعة. فالأمر عندنا لا يتوقّف على الحفاظ على موقعيّتنا الحاليّة، بل
علينا أن نتقدّم وكلّ ذلك يتطلّب سعياً وجدّا وجهاداً. لهذا فإنّ أوّل ما نقوله
لجامعات البلد وعلمائه ونخبه هو أن لا تسمحوا لهذه الحركة بالتّراجع، ولا تسمحوا
للحركة العلميّة للبلد بالتوقّف. فلا يمكن لأي مانعٍ أن يحول دون تكامل الجامعة في
البلد وتقدمها العلميّ.
العلم قدرة حضارية وكرامة وطنية
وإنّ اعتمادنا على العلم لا ينحصر بالاحترام المبدئيّ (المثالي) للعلم
الأمر الذي يُعدّ بحدّ ذاته نقطة مهمّة وقد أولى الإسلام العلم قيمةً ذاتيّة بل
بالإضافة إلى هذه القيمة الذاتيّة فإنّ العلم هو القدرة. فإذا ما أراد شّعب أن يعيش
براحةٍ وعزّةٍ وكرامةٍ فإنّه بحاجة إلى القدرة (القوة). فالعامل الأساسيّ الذي يمنح
الاقتدار لأيّ شعب هو العلم. العلم بإمكانه تحقيق الاقتدار الاقتصاديّ وإيجاد
الاقتدار السياسيّ أيضاً، وكذلك منح السّمعة والكرامة الوطنيّة لأيّ شعبٍ في نظر
العالم. لا شكّ بأنّ الشّعب العالِم والمتعلّم والمنتج للعلم هو شعبٌ حائزٌ على
الكرامة في نظر المجتمع الدوليّ وفي أعين النّاس. فالعلم إذاً، بالإضافة إلى
الكرامة والقيمة الذاتيّة يتمتّع بهذه القيم الفائقة الأهميّة التي تتعلّق بخلق
الاقتدار. لهذا، لا ينبغي لهذه الحركة الموجودة وهذا التّسارع الحاصل أن يتوقّف أو
يتباطأ بأيّ شكلٍ من الأشكال.
البعد العلمي أحد أوجه العداء للجمهورية الإسلامية
يوجد نقطةٌ أخرى إلى جانب هذا، وعلينا التصديق بها. فلقد قدّم الأعزّاء
نقاطا مهمّة في مجال المحاور السياسيّة في العالم، وهي نقاطٌ جديرة بالتأمّل
وصحيحة، ونحن لدينا اعتقادٌ بذلك. ولكنّ الأمر الذي ينبغي التوجّه إليه هو أنّه
يوجد فيما بين القوى العالميّة جبهةٌ عدو عنيد تقف مقابل نظام الجمهوريّة
الإسلاميّة. فهل هذه الجّبهة المعاندة المصرّة على عدائها للجمهوريّة الإسلاميّة
تشمل أكثر بلدان العالم؟ كلا. وهل هي شاملة لأكثر الدّول الغربية؟ كلا. بل هي
مرتبطة ببعض الدّول المقتدرة والتي تعارض وتعاند نظام الجمهوريّة الإسلاميّة
واقتداره لأسبابٍ خاصّة. وأحد هذه المخالفات والعداوات هي المتجهة إلى البعد
العلميّ. طرح بعض الأعزّاء قضيّة " الدبلوماسيّة العلميّة " و" الدبلوماسيّة
الجامعيّة "، وأنا العبد، أعتقد بذلك وقد حرّضت عليه، ولكن التفتوا إلى أنّ الخصم
في المقابل ملتفت إلى هذه النقطة بالخصوص وقد وضع لها خططاً. لقد وضعوا الخطط فيما
يتعلق بقضية " الدبلوماسيّة العلميّة " وهم يسعون وراء أهدافهم. فلو أنجزنا العمل
بتوجّهٍ ووعيٍ وبصيرةٍ فإنّني أوافق تماماً. هم ليسوا راضين عن تقدّمنا العلميّ
وإنّ بعض الأفعال التي تشاهدونها اليوم في مجال الحظر وأمثاله، ترجع إلى أنّهم لا
يريدون للمجتمع الإيرانيّ أن يحقّق هذا الاقتدار النّابع من الذّات، حيث أنّ
الاقتدار العلميّ هو اقتدارٌ ينبع من الذّات لهذا ينبغي الاستمرار في هذا التطوّر
والتقدّم.
لجعل التقدم العلمي في خدمة احتياجات البلد وتقدمة
حسنٌ، إنّ النّقطة التي أصرّ عليها، أنا العبد، أن تُطرح على هذا الأساس
في أذهان السّادة والسيّدات والأساتذة المحترمين هي أنّه يجب لمقولة " العلم
والتطوّر العلميّ " ، ومقولة " التقدّم العموميّ " في البلد أن تُحفظ في الجامعة أي
الدّافع لأجل مساهمة الجامعة في تطوّر البلد، وهي اليوم موجودة حتماً ولكن يجب
المحافظة عليها وتقويتها. فلا يجوز أن يعارضها أي شيء وعلينا أن نصرّ على وجود
الابتكار العلميّ في الجامعة والإصرار على جعل التطوّر العلميّ في خدمة حاجات
البلد، الأمر الذي يُعدّ من التوجّهات والمعايير الأساسيّة. في النّهاية، الإمكانات
محدودة سواء على الصّعيد البشريّ أو المالي والماديّ لهذا ينبغي الالتفات جيّداً
إلى ضرورة جعل عملنا العلميّ على طريق تأمين احتياجات البلد. لدينا حاجات مختلفة
يمكن للجامعة أن تؤمّنها وأن تملأ كل هذه الفراغات. وهذه هي تجربتنا.
لقد واجهنا الكثير من المشاكل في مرحلة الدّفاع المقدّس وكان لدينا عدد غير محدود
من الفراغات وما كانت تُسد، لقد نزلت الجامعات إلى الميدان بالتدريج، وبدأت تملأ
الكثير من هذه الفراغات التي ما كنّا نتصوّر أن يأتي زمان نتمكّن فيه من سدّها،
وذلك بواسطة همّة الجامعات وهمّة أساتذتنا وشبابنا وعلمائنا. إنّنا قادرون على سدّ
هذه الفراغات الموجودة في المجالات الاقتصاديّة والثقافيّة والسياسيّة والإداريّة،
و يمكن للجامعات أن تضع المواضيع البحثيّة في نظام عملها وأن تملأ هذه الفراغات.
لهذا، فإنّ من المعايير والضوابط الضروريّة جعل العمل العلميّ في خدمة تأمين حاجات
البلد.
الإصرار على تشبيك الأبحاث الجامعيّة مع الصّناعة والتّجارة، وهذا كلامٌ تحدثنا به
مرارا وتكرارا منذ 12 سنة، وقد قلناه للحكومات المتعاقبة، وكذلك للجّامعات، ولا شكّ
بأنّه قد تحقّق إلى حدّ كبير لكن ليس بصورة كاملة، وهذا الموضوع مفيدٌ للجامعات
وكذلك لصناعتنا وتجارتنا وزراعتنا.
التخطيط لتحقيق التنافس العلمي بين الجامعات
الإصرار على تحقيق منافسة بنّاءة في التطوير والابتكار. يجب تحقيق
منافسة قويّة وبنّاءة وجادّة في البلد على صعيد الابتكارات العلميّة وبتبعها
الاختراعات التكنولوجيّة. يجب إيجاد منافسة بين جامعات البلد وبين أساتذته ونخبه.
على أجهزة التعليم العالي التخطيط لإيجاد هذه المنافسة بين الجامعات العليا. فلو
فرضنا وجود مجموعة من الجامعات العليا في العلوم التقنيّة الهندسية وكذلك في العلوم
الإنسانيّة والفروع المختلفة والمجالات العلميّة المتعدّدة، فعلينا أن نطلق حركة
التّنافس فيما بينها وأن نمنح المكافآت للجامعات السبّاقة.
لإبقاء الجامعات بعيدا عن النزاعات السياسية
بالطبع، إنّ ما ذُكر هنا في مجال النّظر بعين اللامساواة إلى الجامعات
العليا والقويّة والجامعات الضّعيفة، لا نرفضه. وبرأينا إنّ هذا الكلام صحيحٌ بشرطه
وشروطه. فحيثما وُجدت الاستعدادات والإمكانات الأكبر كان من اللازم حتماً إيلاء
المزيد من الاهتمام والتوجّه. لهذا يجب على الجّميع أساتذة ومدراء وافراد مؤثرين في
الجامعات الالتفات إلى ألّا يتّجّه الجوّ الجامعيّ نحو القضايا الواهية، وأن يكون
جوّاً متجها نحو القضايا الأساسيّة والجوهريّة، وأن تبقى مقولة العلم والتطوّر
العلميّ ومقولة التقدّم العموميّ للبلد حاكمةً دوماً على الجّامعات. وبالطّبع، يوجد
هنا أعداءٌ يرغبون بتحويل القضايا المتعلّقة بالفئات في الجامعات باتّجاه القضايا
السياسيّة والنّزاعات السياسيّة ويجب اجتناب هذا الأمر. وليس من مفاخر الجّامعة أن
تصبح القضايا الأساسيّة فيها واقعة تحت ظلّ القضايا الصّغرى والقليلة الأهميّة
وأحياناً تحت تأثير التيّارات السياسيّة. إنّ الجوّ الجامعيّ ينبغي أن يكون جوّاً
يتمكّن فيه العلم والعالِم من أن يكون له حياته المناسبة.
التقدم العلمي في البلاد من بركات الثورة والإسلام
بالطّبع وما هو معلومٌ حتماً وعلى جميع الأعزّاء أن يلتفتوا إليه، أنّ
هذا التطوّر العلميّ، وهذه النّجاحات التي تحقّقت إلى اليوم في البيئة العلميّة
للبلد، إنّما كانت ببركة الثّورة الإسلاميّة وببركة الإسلام والثّورة. لو لم يتمكّن
هذا العامل الفعّال والمطوّر للثّورة والإيمان الدينيّ، من التأثير العام على أوضاع
البلد، ومنها ما يتعلّق بقضيّة العلم، يقيناً، لمَا كان شعاع نفوذ القوى المتسلّطة
ليسمح لدولةٍ مثل إيران التي يطمعون بها أن تتمكّن من تحقيق كل هذا التطوّر في مجال
العلم والوصول إلى هذه الثّقة والاعتماد على النّفس، ما كانوا ليسمحوا، كما أنّهم
يفعلون ذلك في مناطق أخرى حيث لهم التسلّط والنّفوذ. لقد كانت الثّورة الإسلاميّة
التي جاءت وحطّمت الجوّ السّائد وغلّبت الجوّ العلميّ. لهذا علينا جميعاً أن نعتبر
أنفسنا مدينين ونلتزم بحفظ مبادئ الثّورة وقيمها.
نقطة أخرى بيّنتها هنا، وقد أشير إليها في كلمات الأعزّاء وهي قضيّة الارتقاء
الكيفيّ (النوعي) في الجامعات. بالطبع، أنا لا أؤمن بأنّ التوسّع الكمّيّ أمرٌ قليل
الأهميّة، كلّا، فإنّه في نفسه حائزٌ على أهميّة فائقة. فأعداد طلّاب الجامعات في
ازدياد، وكذلك عدد الجامعات، وهذا الانتشار والتوسع البارز للمراكز العلميّة في
البلد، وأن يتمكّن الأطبّاء في مستشفيات المدن النائية من القيام بعمليّات جراحيّة
لم يكن إجراؤها ممكنا بتلك السهولة حتّى في طهران في الماضي غير البعيد في بدايات
الثّورة أو بطريق أولى قبل الثّورة كل هذه ليست بالأمر القليل بل هي باعثة على
الافتخار. لهذا نحن لا نرفض الاتّساع الكميّ، لكنّنا نؤكّد على أن يكون الاتّساع
الكمّيّ متلازماً مع الاتّساع الكيفيّ -عمق النوعية والجودة- لهذا، ينبغي، أوّلاً،
تحديد المستوى النوعي (مستوى الجودة) في جامعات البلد، أي أن تحدّد أجهزة إدارة
الجّامعات أيّ جامعة أو أي جامعات هي تحت خطّ معيار الجودة المعتبر، ثمّ تقوم بعدها
بالتخطيط للارتقاء بالبعد الكيفيّ في هذه الجامعات، فمثل هذا يُعدّ من الأعمال
الضروريّة جدّاً ويجب أن يتحقّق حتماً. فيجب العناية بقضيّة الكيفية والجودة
كموضوعٍ مستقلّ.
لجعل اللغة الفارسية اللغة العلمية لبلدنا
نقطة أخرى دوّنتها ومن الجيّد أن أكرّرها، وهي أن يُستفاد من التطوّر
العلميّ في البلد من أجل توسعة نشر اللغة الفارسيّة. اللغة أمرٌ مهمٌّ جدّاً أيّها
الإخوة والأخوات الأعزّاء. إنّ أهميّة اللغة الوطنيّة لأيّ بلدٍ ما زالت مجهولةً
بالنّسبة للكثيرين. يجب نشر اللغة الفارسيّة. يجب أن يزداد التأثير الثقافيّ للّغة
الفارسيّة على صعيد العالم يوماً بعد يوم، فاكتبوا بالفارسيّة وابتكروا المصطلحات
الفارسيّة ولنعمل على أن يأتي زمانٌ يضطرّ من يريد أن يستفيد من تطوّرنا العلميّ
لتعلّم اللغة الفارسيّة. ليس فخراً أن نقول بأنّه لا بدّ من أن تكون اللغة العلميّة
لبلدنا هي اللغة الأجنبيّة الفلانيّة. فاللغة الفارسيّة تمتلك من الإمكانيّة
والاستعداد ما يمكّنها من بيان أدقّ العلوم والمعارف. نحن نمتلك لغةً ذات إمكانات
واسعة. ومثلما لم تسمح بعض الدّول الأوروبّيّة للّغة الإنكليزيّة أن تصبح لغتهم
العلميّة كفرنسا وألمانيا وحفظوا لغتهم كلغة علميّة في جامعاتهم. فقضيّة اللغة
قضيّة مهمّة جدّاً وهي تحتاج في الواقع إلى أن نبذل لها مثل هذه الحميّة. وإنّ من
الاهتمامات التي توليها الحكومات الواعيّة والنّبيهة في العالم هي الاعتماد على نشر
لغتهم الوطنيّة في العالم. وللأسف، فإنّ هذا الأمر لم يتحقّق بسبب غفلة الكثير من
الدّول، حتّى أنّ اللغات المحلّيّة واللغات الأصليّة للكثير من الشعوب قد انقرضت
كلّيّاً، أو صارت تابعة. وأنا العبد ، كنت دوماً أتألّم قبل الثّورة ممّا كان يجري
في بلدنا على صعيد التّفاخر في استعمال المصطلحات الأجنبيّة وكأنّ استعمال العبارة
الأجنبيّة لبيان أيّ مطلبٍ يُعدّ مفخرةً. وللأسف، ما زال هذا الأمر حتى يومنا هذا!
إن الكثير من العادات السيّئة التي كانت سائدة قبل الثّورة انعدمت بالثّورة، لكنّ
هذا الأمر وللأسف لم ينعدم! فالبعض كأنّهم يفتخرون بعرض حقيقةٍ ما أو عنوان بمفردة
أجنبيّة، في حين أنّه يوجد لفظٌ مرادف له بالفارسيّة لكنّهم يحبّون أن يستخدموا
العبارات الغربيّة، ثمّ بعد ذلك سرى هذا شيئاً فشيئاً إلى النّطاقات الواسعة على
مستوى الطّبقات الدنيا وعامة الناس، الأمر الباعث على الألم. ولديّ في ذهني نماذج
لا حاجة الآن لذكرها.
أنموذج إيران للتطور المنشود
النّقطة الأخرى أيضا لعلّها الأخيرة ، وهي أنّنا لو كنّا بصدد التقدّم
ونعتبر التطوّر العلميّ شرطاً لازماً للتطوّر العام في البلد ؛
فعلينا أن نلتفت إلى أنّ مرادنا من التطوّر ليس التطوّر وفق النّموذج الغربيّ. إنّ
القانون الاساسي للحركة والعمل في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة هو اتّباع أنموذج
التقدم الإيراني الإسلاميّ. إنّنا لا نريد التطوّر على شاكلة ما يتّبعه الغرب وما
حقّقه. إنّ التطوّر الغربيّ ليس له أي جاذبيّة في يومنا هذا عند الإنسان الواعي.
فلم يتمكّن تقدّم الدّول الغربيّة المتطوّرة من القضاء على الفقر والتمييز، ولم
يتمكّن من إحلال العدالة في المجتمع، وعجز عن تثبيت الأخلاق الإنسانيّة.
فهو أوّلاً تطوّرٌ بُني على أساس الظّلم والاستعمار ونهب الدّول الأخرى. ها قد
رأيتم الآن ما ذكره بعض السّادة هنا فيما يتعلّق بهجوم البرتغال على إيران. حسنٌ،
لم تكن إيران لوحدها. ففي هذه المنطقة من شرق آسيا كان هناك أماكن مختلفة ذهب إليها
البرتغاليّون والهولنديّون. وهل كان لهولندا ذاك الطول والعرض الجغرافيّ والتاريخيّ
والعلميّ؟ أم للبرتغال؟ أم لإسبانياً؟ أم لإنكلترا؟ لقد هيمنوا على كل هذه القارّة
الآسيوية العظيمة وقارّة أفريقيا وعصروها. لقد كانت (هاتان القارتان) منابع
الثّروة. انظروا إلى ما كتبه نِهرو في "نظرة إلى تاريخ العالم"، فهو يبيّن ما كان
من تطوّر علميّ وتقنيّ في الهند ما قبل دخول الإنكليز. وأنا العبد، لم أكن مطلعاً
على هذه القضيّة قبل أن أقرأها من شخص مطّلع كنهرو التي كتبها في ذلك الوقت. فهناك
دولة كانت تتحرّك على مسار علميّ معقول وصحيح، ثمّ يجيء أولئك ويحتلّونها
بالاستعانة بالعلم والسّلاح ويذبحون أهلها بدمٍ بارد، ويستولون على مصادر ثروتها
ويفرضون أنفسهم عليها. يخرجون الثّروة من الهند ويكدّسونها في بلدهم. لقد تمكّن
الإنكليز من السيطرة على أمريكا بالمال الذي حصلوا عليه من الهند. فإلى ما قبل
سنوات استقلال أمريكا ــ حينما كان الإنكليز مهيمنين عليها ــ كان عمدة مداخيل
التّجّار الإنكليز من التّجارة التي يقومون بها بين الهند وسواحل أمريكا. إلى أن
انتهى عصر تسلّط الإنكليز من خلال رفض سكّان أمريكا لا السكّان الأصليين بل
المهاجرين الإنكليز والإسبانيين وغيرهم والحرب التي جرت ؛ ومن بعدها استقلال
أمريكا. على كلّ حال، لقد أسسوا حضارتهم منذ البداية من خلال امتصاص دماء الشّعوب،
ومن بعدها لم يتمكّنوا،مع كلّ هذا التطوّر، من القضاء على الظّلم في بلادهم أو على
التمييز وكذلك لم يتمكّنوا من إيصال المجتمعات الفقيرة إلى الاستغناء. انظروا اليوم
إلى الوضع الاقتصاديّ في هذه البلاد وإلى الوضع الاجتماعيّ كيف هو، وما هي حالة
الوضع الأخلاقيّ. هذا الانحطاط الأخلاقيّ، وذاك المستنقع الآسن للأخلاق الجنسيّة في
الغرب. إنّ تطوّر الحضارة الغربيّة هو على هذه الشّاكلة وبهذه الخصوصيّات ونحن لا
نحبّذه بأيّ شكل. إنّنا بصدد تحقيق أنموذجنا المنشود والمبدئيّ وهو أنموذجٌ إسلاميّ
وإيرانيّ وهو ينبع من هداية الإسلام ويستفيد من الحاجات والعادات الإيرانيّة وهو
أنموذجٌ مستقلّ. وبالطبع، يبذل اليوم الباحثون وأهل الفكر مساعٍ كثيرة من أجل تدوين
هذا الأنموذج.
أظنّ أنّ الوقت قد انتهى في حين أنّ الملاحظات التي دونتها أنا العبد لم تنتهِ.
ومثل كلمات الكثير من الإخوة والأخوات المحترمين التي ألقوها هنا، وبسبب ضيق الوقت
لم ينهوها إلى آخرها. أنا العبد مضطرٌّ إلى تجاوز بعض ما عندي حتّى إذا شاء الله
ومنحنا عمراً نعرضها عليكم مرّةً أخرى في اجتماعاتٍ ثانية في الجّامعات وفي
اللقاءات الأخرى.
اللهمّ! انزل بركاتك في هذا الشّهر على مجتمعنا الجامعيّ.
اللهمّ! لا تحرم قلوب المشتاقين في هذا الشّهر من رحمتك المطلقة.
اللهمّ! إن لم تكن قد غفرت لنا حتّى هذا اليوم من شهر رمضان، فاغفر لنا فيما بقي
منه.
اللهمّ! انجح شعب إيران في جميع الميادين وفي كلّ مجالات الحياة، وانصر هذا الشّعب
العظيم على أعدائه.
اللهمّ! امنح القدرة للنّوايا الصّادقة والقلوب العاشقة لتقدّم شعب إيران، والعاشقة
للحقيقة لكي تتمكّن من تحقيق أمنياتها السامية الكبرى.
اللهمّ! ارضِ عنّا روح إمامنا الجليل الطاهر، وأرواح شهدائنا الأعزّاء، واجعل دعاء
إمام الزّمان، عليه الصّلاة والسّلام وعجّل الله فرجه، المُستجاب، شاملاً لحالنا
وارضِ قلبه المقدّس عنّا.
والسّلام
عليكم ورحمة الله وبركاته