يتم التحميل...

النظام الإسلامي صنيعة العلماء لتجنيد الحوزات طاقاتها في خدمة النظام

النهوض والتقدم

النظام الإسلامي صنيعة العلماء لتجنيد الحوزات طاقاتها في خدمة النظام

عدد الزوار: 89

النظام الإسلامي صنيعة العلماء : لتجنيد الحوزات طاقاتها في خدمة النظام وقضايا البلاد
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء العلماء وطلّاب الحوزات في محافظة خراسان ــ الزمان: 10/10/2012م.

العناوين الرئيسية
• لعدم عزل العلماء انفسهم عن النظام الإسلامي
• ضرورة تجنيد الحوزات أنفسها لخدمة النظام
• النظام صنيعة العلماء
• العلماء، والمسؤوليّة الثقيلة
• للتعاون بين أئمة المساجد وتعبئة المساجد
• لاحترام أئمّة المساجد

لعدم عزل العلماء انفسهم عن النظام الإسلامي

ما ينبغي أن أذكره ـ وهو أهم من جميع هذه المسائل ـ هو العلاقة ما بين الحوزات العلميّة والثورة والنظام الإسلاميّ. لا يمكن لأيّ شخصٍ في عالم العلمائية أن يعزل نفسه عن النّظام الإسلاميّ، فيما لو جعل الإنصاف والعقل ميزاناً له. لقد أمّن النّظام الإسلاميّ إمكانات عظيمة للدّعاة إلى الله ولمبلّغي الإسلام. فمتى كان مثل هذا الشيء بمتناولكم؟ في يومنا هذا، يأتي طالبٌ فاضل إلى التلفزيون ويتحدّث لنصف ساعة ويستمع إلى كلماته عشرة ملايين، أو عشرون مليون مشاهد برغبةٍ وشوق. فمتى كان مثل هذا الشيء متحقّقاً لي ولكم، ومنذ تاريخ العلماء من بداية الإسلام وإلى يومنا هذا؟ ومتى كانت مثل هذه الاجتماعات الكبرى تعقد؟ ومتى وُجدت مثل هذه الجُمعات (صلاة الجمعة)؟ ومتى وُجد أمثال هؤلاء الشباب الرّاغبين والمتعطّشين للمعارف؟ في يومنا هذا، فإنّ هؤلاء الجامعيّين وغيرهم من الذين تشاهدونهم ـ وأنا الآن أقول الجامعيين ـ هم جميعاً تقريباً وتغليباً مشتاقون للتعرُّف إلى المفاهيم، والمعارف الإسلامية ليدركوا نواحيَ منها ويتفقّهوا. يجب علينا - أنا وأنتم - أن نهيّئ الأرضية كي نتمكّن من تلبيتهم. فمتى تحقّقت مثل هذه الفرصة للعلماء منذ البداية وحتى يومنا الحاضر؟ هذا بالإضافة إلى تلك الوسائل الميسّرة كالكمبيوترات، وشبكات الإنترنت، والفضاء الافتراضيّ، والسايبريّ الذي هو تحت أيديكم اليوم. لو تمكّنتم من تعلّم هذه الأمور يمكنكم أن توصلوا كلّ كلمةٍ صحيحةٍ تنطقون بها إلى آلاف المستمعين الذين لا يعرفونكم شخصيّاً. هذه فرصةٌ استثنائية، حذار من أن تضيع، ولو ضاعت فسوف يسألنا الله تعالى - أنا وأنتم - يوم القيامة: ماذا فعلتم بهذه الفرصة حيث كل هؤلاء الشباب، وكل هذا الاستبصار والميل والرغبة والتعلّم من أجل ترويج المعارف الإسلاميّة؟ إنّ النّظام الإسلاميّ قد قدّم مثل هذه الخدمة لنا نحن المعمّمين والعلماء. فهل يمكننا أن نعزل أنفسنا؟

ضرورة تجنيد الحوزات أنفسها لخدمة النظام
فليس مدعاةً للفخر أن يأتي شخصٌ من إحدى الزوايا يلملم عباءته، ويقول لا دخل لي بأعمال الدولة والنّظام، إنما هو عارٌ. يجب على العالم أن يرحّب بكلّ وجوده بمثل هذا النظام الذي رايته الإسلام وقانونه الفقه الإسلاميّ. وقد أخبرني مراجع التقليد الحاليون تكراراً: إنّنا قطعاً نحرّم إضعاف هذا النّظام بأيّ نحوٍ كان1. والكثير منهم بدافع الذوق قالوا إنّنا ندعو لكم دائماً. وهذا مؤشّر على تقدير النّظام الإسلاميّ. وإذا بنا نجد معمّماً يعزل نفسه عن النّظام بحجّة أنّ لديه انتقاداً. حسنٌ جدّاً، فليكن لديه مئة انتقاد، فمئات الانتقادات تتوجّه إلينا نحن المعمّمين، ألا يتوجّه إلينا نحن مثل هذا الانتقاد؟ فهل أنّ وجود انتقاد وعيب في فئةٍ ما يستوجب أن يغفل المرء عن كلّ تلك الحسنات ونقاط القوّة ولا يراها في تلك الفئة؟ فالأمر هو كذلك بالنسبة للعلماء، العيوب هي إلى ما شاء الله. وأنا العبد من هؤلاء، وأعتبر نفسي طالباً، وقد كنت طالباً من قبل سنّ البلوغ، وما زلت إلى الآن، فتعالوا لأكتب لكم الآن لائحة عن ظهر قلب، يوجد مئة إشكالٍ فينا! لكن هل إنّ هذه الإشكالات المئة تستوجب أن نعرض عن العلماء (العلمائية)؟ أبداً, ففي مقابل هذه الإشكالات المئة يوجد ألف نقطة حسنة. يمكن للمرء، بعد الحصيلة النهائيّة للمصالح والمفاسد، أن يدرك الخطّ المستقيم.

يجب على الحوزات العلميّة أن تعتبر نفسها من جنود النّظام, وأن تعمل للنظّام وأن يحترق قلبها عليه، وتتحرّك من أجل تقويته. وهذا بالتّحديد هو عكس ما تعمل عليه سياسات الأجهزة الأمنية لإنكلترا وأمريكا وإسرائيل وغيرهم وغيرهم. أولئك يسعون عساهم يتمكّنون من العثور على منفذٍ. فها هم يضخّمون كلام شيخٍ يجلس في زاويةٍ ويتحدّث بما هو، في الظاهر خلاف إرادة النّظام وفهمه وعقيدته العامّة. ولو كان هذا الرّجل صغير الحجم, فإنّهم يصنعون منه صورة كبيرة من أجل أن يكبّروا المسافة بين النّظام والعلماء، وتراهم يشيعون وجود مثل هذه المسافة. لهذا لا يمكن للحوزات العلميّة أن تكون علمانيّةً! فالقول إنّ لا دخل لنا بقضايا النّظام والحكومة هو العلمانيّة بعينها.

لا ضر في تحصيل العلم قبل حمل قضايا النظام
ولا يعني كلامي هذا أنّ على الجميع أن يعملوا أو يتدخّلوا في قضايا النّظام منذ البداية، كلا، يجب أن تدرسوا أوّلاً. أنا العبد كنت في أتون المواجهة منذ بدايتها. وكنت أدرّس المكاسب والكفاية في مشهد. وكان الكثير من تلامذتنا يشاركون في النّضال. وعندما كان يحمى وطيس المواجهات كانوا يتساءلون عن فائدة كلّ هذه الكلمات الموجودة في المكاسب واستدلالات الكفاية. وكنت أنا العبد دائماً أقول لهم: يا أعزائي، المرء دون ذخيرة يكون هشّاً، عليكم أن تحصلوا على الذخيرة. فلو حصلتم عليها لأمكنكم عندها القيام بمثل هذه الحركة العظيمة من تلك الموقعيّة نفسها التي كانت للإمام الخميني قدس سره الجليل.

النظام صنيعة العلماء
إنّ النّظام مرتبطٌ ومتّصلٌ ومتوّلدٌ من العلماء. فاعلموا أنّه لولا وجود العلماء لما كان هذا النّظام ليتشكّل، وما كانت هذه الثورة لتنتصر. أنا العبد، ومنذ ما قبل الثورة، كنت أحضر في محافل المثقّفين، وكان لي روابط قريبة مع الجماعات السياسيّة، وكنت أعرفهم جميعاً، وكان لي مباحثات وجدالات مع الكثير منهم، وأنا أقول هذا عن اعتقاد واستدلال: لولا العلماء لما انتصرت هذه الثورة ولو بعد مئة سنة. فمفكّرونا السياسيون الذين كان بعضهم من الأشخاص الجيّدين، والحريصين ـ إذ لم يكن الجميع من الأشخاص الضالّين والمنحرفين ـ ما كانوا بقادرين على ذلك، فهم لم يتمتّعوا بالمقبولية أو النفوذ والتأثير بين الناس، ولم يكن بإمكانهم أن يسيطروا على قلوب الشعب. فالذين كانوا يقدرون أولاً، على استيعاب البلد من حيث الانتشار، وثانياً على النفاذ إلى أعماق القلوب من حيث العمق والتأثير، هم العلماء الذين كانوا حاضرين في كلّ مكان. أنا العبد، حين قرأت يوماً ما، في بدايات الثورة هذه الآية الشريفة من سورة النحل: أعوذ بالله من الشيطان الرّجيم (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ)2 قلت أجل، إنّ هؤلاء الطلّاب الشباب كالنّحل، وقد كانوا يذهبون ليتغذّوا من رحيق أزهار المعرفة التي كانت تنمو من بيانات الإمام، ثمّ يسلكون فيما بعد إلى كلّ أنحاء البلاد، ويقدّمون العسل للنّاس ويلسعون الأعداء، ففيهم العسل وفيهم اللّسع معاً. وما كان لأيّ فئةٍ أو حزبٍ أو جماعةٍ أخرى غير العلماء أن تقوم بمثل هذا العمل، ولو لم يحصل هذا لما حدثت هذه الثورة الاجتماعيّة, في هذه الثورة، عندما كان يُطلق شعارٌ في طهران، في اليوم العاشر من أيّام عاشوراء، كان يُطلق الشعار ذاته، وفي نفس الوقت في "مظاهر"، القريةِ الصغيرةِ النائية الموجودة في محافظةٍ بعيدة، نفس الشعار، نفس الكلام، ونفس المطالب. هذا ما يُسمّى بالثورة الاجتماعيّة التي كانت نتيجتها سقوط مثل ذلك الحكم، وتشكيل مثل هذا النّظام. لقد كانت استقامة ورسوخ وتجذّر هذا النّظام بحيث يبقى ويستمر بتوفيق الله حتّى قرونٍ مقبلة.

الشهيد مطهّري وإحكام الأصول الفكريّة
أمّا المباني (الأصول) الفكريّة، فقد أعدّها العلماء أنفسهم، كأمثال الشهيد مطهّري، وأمثال العلّامة الطباطبائي، وعظماء آخرون من هذا القبيل، الذين أعدّوا المباني الفكريّة المستحكمة. إنّ هذه هي البُنى التحتيّة الفكريّة التي يمكن على أساسها أن يجلس الناس ويفكّروا ويفرّعوا ويوسّعوا ويؤمّنوا الحاجات الفكريّة لشباب اليوم. إنّ الكلمات القاطعة التي تمكّنت من استئصال الفكر الماركسيّ في بلدنا، بأن ضربتها ورمتها في الهواء كما يفعل المنجّد، هي نفس كلمات المرحوم مطهّري ـ الذي كان تلميذ العلّامة الطبطبائي ـ وتلامذة آخرين للمرحوم العلّامة الطبطبائي. لقد نشأ هذا النّظام وترعرع في مثل هذا الحضن.

العلماء، والمسؤوليّة الثقيلة
لهذا، فإنّ المسؤولية ثقيلة والعمل كثير. إنّ مسؤولياتكم كثيرة جدّاً. فعليكم أن تعدّوا أنفسكم من الناحية المعنويّة، ومن الناحيّة الأخلاقيّة، ومن ناحية التهذيب والتديّن، ومن ناحية التمسّك والالتزام بالفرائض والنوافل وتلاوة القرآن. وما أجمل تلاوة طالبنا العزيز هذا للقرآن3، وما أجمل هذه الآيات التي تلاها: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) 4، فلو كنّا ممّن يرجو الله واليوم الآخر فأسوتنا هو النبيّ، لا أن نقوم بما قام به ـ فهذا محال ـ لكن علينا أن نكمل طريقه. حينها، يتّضح حال المؤمنين بهذا النبيّ في الآية اللاحقة: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) 5. ففي معركة الأحزاب، حصل الهجوم من جميع الجّهات. بينما كانوا في معركة بدر مجموعة واحدة، وكذلك في معركة أُحد، وفي الحروب الأخرى، كانوا مجرّد قبائل صغيرة. لكن في معركة الأحزاب، جاءت كل القبائل المشركة من مكّة وغيرها، ومن ثقيف وغيرها واتّحدوا واستطاعوا أن يجيّشوا عشرة آلاف نفر. وقد ارتكب اليهود ـ الذين كانوا جيران النبيّ وأُعطوا الآمان من قبله ـ الخيانة، واتّحدوا معهم، وأعانوهم. لو أردنا أن نقارن هذا بيومنا، لوجدنا كيف أنّ أمريكا تعتدي، وإنكلترا تعتدي، والكيان الصهيوني يعتدي، والنّظام الفلانيّ النفطيّ الرجعيّ يعتدي. لقد جمعوا أموالهم، وحشدوا قواهم، وأوجدوا معركة أحزاب أرعبت القلوب.

وفي بدايات هذه السورة يقول: (وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) 6 لإخافة الناس، واليوم الوضع كذلك. فهم جماعةٌ يخيفون الناس، ويقولون لهم: هل تظنون أنّ المواجهة مع أمريكا مزاحٌ؟ لسوف يقضون عليكم، فها هي حربهم العسكريّة وحظرهم، وها هي أنشطتهم الإعلاميّة والسياسيّة. وفي آخر هذه السورة نجده يقول: (لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ)7 ها هم المرجفون. وفي مثل هذه الظروف، فإنّ وضع المؤمن هو هذا: (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ)8، فنحن لا نتفاجأ، فقد أخبرنا الله ورسوله أنّكم لو تمسّكتم بالتوحيد والإيمان بالله ورسوله، فسيكون لكم أعداء وسيأتون إليكم. أجل، لقد قيل هذا، وها هو الآن يتحقّق. لقد شاهدنا كيف أنّهم جاؤوا. (وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)9. فالمنافقون وضعفاء الإيمان والذين في قلوبهم مرض ـ وهم فئات مختلفة ـ يهتزّون عندما يرون العدوّ، كشجرة الصفصاف، ويبدأون بمعاتبة وأذيّة المؤمنين بالله، والمجاهدين في سبيله والضغط عليهم: لماذا تفعلون هذا؟ ولماذا لا تتنازلون؟ ولماذا لا تتّخذون مثل هذه السياسات، ويقومون بما يريده العدوّ؟ أمّا المؤمنون الصّادقون فيقولون في المقابل: إنّنا لا نتفاجأ، فلا بدّ لهؤلاء أن يعادوا، هذا ما وعدنا الله ورسوله.

وفي موضعٍ آخر يقول: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) 10. فما لم ترضخ لهم وتتّبعهم وتسلّم لهم، فسيبقى الكرّ والفرّ. قوِّ نفسك حتّى لا تلتفّ عليك حبالهم، وتحرّك قليلاً فسوف تتمزّق هذه الحبال. قوِّ نفسك. لماذا تُضعف نفسك حتّى تسلّم لهم، وتصبح ذليلاً صريع الأرض (وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) 11. كونوا هكذا أعزّائي وأبنائي، أيّها الطلبة الشباب، ادرسوا بنيّة صادقة من أجل أن تكونوا في الصفوف الأماميّة، ومن قادة ورواد هذا الميدان العظيم.

للتعاون بين أئمة المساجد وتعبئة المساجد
إنّني أوصي المراكز الثقافيّة الفنّية أن لا تنسى المساجد، وذلك طبعاً بالتعاون مع التعبئة. إنّه لأمر سيّئ أن يكون هناك اختلافٌ بين إمام المسجد وتعبئة المسجد. كلّا، فبتعاون التعبئة اجعلوا هذه المراكز الثقافية الفنّيّة تؤثّر في المساجد، واعملوا لأجل
ذلك. أجلسوا وفكّروا وادرسوا وأمّنوا الخطاب المتناسب مع حاجة الشابّ الذي يوجد هناك. أدرسوا، فالكتب التي يمكن الاستفادة منها موجودة. اذهبوا واسألوا وحقّقوا حول أولئك الذين هم أهلٌ لذلك. جهّزوا أنفسكم وتسلّحوا بسلاح المعرفة، واستدلّوا، وبعدها التحقوا بهذه المراكز الثقافيّة الفنّية، وكونوا مضيفي الشباب، ولتكن ضيافتكم بالبسمة والبشاشة والسماحة والمداراة؛ قيل: "وسنّةٌ من نبيّه"12، حيث إنّها بحسب الظاهر عبارة عن مداراة الناس.

للنهي عن المنكر بما لا ينفّر
من الممكن أن يكون الظاهر13منفّراً، فليكن. بعض اللواتي كنّ في استقبال اليوم14، وأنتم ـ سواء السيد مهمان نواز15 أم بقية السّادة ـ الذين كنتم تمدحوهنّ من على هذا المنبر، هنّ سيّدات، يُقال لهنّ بالعرف السائد سيّئات الحجاب، كنّ يذرفن الدموع، فماذا نفعل هل نردّهنّ؟ هل في ذلك مصلحة؟ وهل هو حقّ؟ كلّا، إنّ قلوبهنّ مرتبطة بهذه الجبهة، وأرواحهنّ عاشقة لهذه الأهداف والقيم، لكن فيهن نقصٌ. أليس فيّ نقصٌ؟ إنّ نقصهنّ ظاهرٌ، ونقائصي - أنا الحقير- باطنةٌ، ولا تُرى. قال (بيت شعر):

نعم يا شيخ كلّ ما تقوله هو فيّ، فهل كلّ ما يظهر منك هو أنت؟16

نحن لدينا نقصٌ، وهنّ لديهنّ نقص، فتعاملوا بهذه النظرة وبهذه الرّوحيّة. بالطبع، إنّ الإنسان ينهى عن المنكر، والنهي عن المنكر يكون باللسان الطيّب لا بإيجاد النّفور. لهذا، عليكم أن توجدوا رابطة مع شريحة الجامعيين.

لباس العلماء والحمل الثقيل
لقد ذكّر السيّد فرجام17بطريقة جميلة بشأن لباس العلماء (المشيخة). أولئك الذين تقدّموا بدراستهم بمستوىً معيّن؛ فليضعوا لباس المشيخة، لكن فليعلموا أنّ هذا اللباس يمثّل حملاً ثقيلاً. إنّ هذه العمامة التي تبلغ عدّة أذرع، وتضعونها على رؤوسكم هي ثقيلةٌ جدّاً، بمجرّد أن يروكم أصحاب عمائم يبدأ سيلٌ من الأسئلة والإشكالات وأمثالها. فإذا كنت لا تعلم، تقول لا أعلم، ثمّ تذهب وتحقّق وتعلم، ثمّ بعد ذلك تأتي إليه وتجيبه. حسناً، هذا جيّدٌ، أمّا إذا لم تكن، تعلم وقدّمت جواباً خاطئاً، أو لأنّك لا تعلم غضبت لأنّه سألك هذا السؤال، إنّ هذا ليس بالأمر الجيّد. فإذا كان من المقرّر أن يكون الإنسان هكذا، فالأفضل أن لا يضع العمامة.

لاحترام أئمّة المساجد
احترموا أئمّة الجماعة في المساجد، وعدّوه أمراً مهمّاً. فمن لديهم لياقة عليهم أن يعلموا أنّ إمامة المساجد مهمّة جدّاً. فعند كلّ صلاة، أو على الأقل كلّ يوم وليلة، في صلاة واحدة، تحدّثوا مع الناس وافتحوا عالم الأفكار، نوّروا القلوب بذكر حقائق الدين ومناقب الأئمّة عليهم السلام، فالقلوب تتنوّر.


1- انطلاق هتافات التكبير...
2- النحل، 68-69.
3- الآيات القرآنية التي تليت عند افتتاح اللقاء.
4- الأحزاب، 21.
5- الأحزاب، 22.
6- الأحزاب، 13.
7- الأحزاب، 60.
8- الأحزاب، 22.
9- الأحزاب، 22.
10- البقرة، 120.
11- الأحزاب، 22.
12- الحديث مرويٌ عن الإمام الرضا عليه السلام: "لا يكون المؤمن مؤمناً حتى تكون فيه ثلاث خصال ، سنّة من ربه، وسنّة من نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وسنّة من وليّه عليه السلام. فأما السنّة من ربه فكتمان السّر، وأما السنّة من نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فمداراة الناس، وأمّا السنّة من وليه عليه السلام، فالصبر في البأساء والضراء". الكافي، ج2، ص 241، باب المؤمن وعلاماته.
13- المظهر الخارجي لبعضهم، والمقصود بعض الناس غير الملتزمين.
14- في مراسم الاستقبال الشعبي عند وصول القائد إلى مركز المحافظة، وقد حضرت فيه حشود غفيرة من مختلف شرائح الناس ومن بينهم النساء غير الملتزمات بالحجاب الكامل، ويقال لهنّ بالفارسية "زنان بد حجاب".
15- آية الله مهمان نواز، ممثل محافظة خراسان الشمالية في مجلس الخبراء.
16- مثل يضرب لمن ينتقد غيره ولا يلتفت إلى نفسه: گفتا شيخا هر آنچه گوئى هستم/ آيا تو چنان كه مينمائى هستى؟
17- حجة الإسلام والمسلمين فرجام، المدير التنفيذي للحوزة العلمية في خراسان.

 

2017-02-24