المعلم المؤتمن الأصيل على تربية الإنسان والقابض على مستقبل الأجيال
النهوض والتقدم
المعلم المؤتمن الأصيل على تربية الإنسان والقابض على مستقبل الأجيال
عدد الزوار: 90
من كلمة
الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء جمعٍ من معلّمي البلاد ــ الزمان: 2/5/2012م.
المعلم المؤتمن الأصيل على تربية الإنسان والقابض على مستقبل الأجيال
قيمة ودور المعلم
إنّ ما يضفي على المعلّم القيمة هو عدّة أمور, أحدها المادّة الخام التي
هي بيده ويريد إيصالها من خلال عمله وسعيه إلى النتاج النهائي وهذه المادة ليست بلا
روحٍ, إنها الإنسان وهذا أمرٌ مهمٌّ جداً. أحياناً يبدّل الإنسان مادةً جامدة من
خلال بذل الجهد والابتكار، والعرق وساعات العمل إلى نتاجٍ مطلوب، وهو أمرٌ قيّمٌ في
محلّه. وأحياناً تكون هذه المادّة التي بيدنا موجوداً إنسانياً بما يحمله من
استعدادات، وعواطف وأحاسيس، وقابلياتٍ هائلة. فهذا الفتى يمكن أن يصبح في المستقبل
مثل إمامنا الجليل، يمكن أن يصبح مصلحاً اجتماعياً، ويمكن أن يكون عالماً فذّاً،
ويمكن أن يصبح إنساناً صالحاً وسامياً. إنّ جميع هذه الاستعدادات موجودة في هذه
الفئة من الأطفال والأحداث, والتي توضع في تصرّف المعلّم. ونحن نريد نقل هذه
الاستعدادات إلى الفعلية, فانظروا كم هو مهمٌّ هذا العمل. وإنّ جلّ خطابي إلى عامّة
شعبنا وشرائح مجتمعنا المختلفة ليعرفوا قدر المعلّم ومنزلته.
وليعرف معلّمنا العزيز أهمية موقعيته، وعظم مسؤوليته، ومهمّته بشكلٍ صحيح، وليعرف
قدر نفسه, فليعلم أنّه إذا أدّى هذا الدور بهمة صحيحة، ونيّة صافية، وقصدٍ إلهي،
وجهدٍ متناسب، فكم سيضفي على هذا المجتمع من معنىً وقيمة. ومثل هذه القيمة المضافة
ليست أمراً عادياً, فهي أمرٌ استثنائي. لعلكم تعلمون أهمية تربية إنسانٍ صالحٍ
وعالمٍ ومقتدرٍ. كما أنه من الممكن أن يتبدّل إنسانٌ ما من بين هؤلاء الذين صاروا
بين أيادي المعلّمين إلى شخصٍ دنيويٍّ. فمن الممكن لهذا الطفل إذا لم يُربَّ بشكل
صحيح أن يصبح مثل هتلر أو جنكيزخان. هذه هي المسألة. إنّ أهمية عمل المعلّم، وسموّ
حركته وسعيه وحرصه وتفكيره الصحيح وعمله اللائق، تُعلم من هذه الجهة. كذلك، فإن
الخطاب يتوجّه إلى العاملين في مؤسسة التربية والتعليم, حسناً، فهؤلاء المعلّمون
يعملون في هذه المؤسسة، وضمن أنظمتها وبرامجها, ولهذا فإنّ على عامّة الناس،
والمعلّمين أنفسهم، وكذلك هذه المؤسسة الفاعلة أن لا ينسوا موقعية المعلّم.
فالمعلّم هو ذاك المنتج والعامل وصاحب الأنامل الماهرة التي تبدّل أفضل محاصيل
الخلقة، وأهم المواد الخام إلى أفضل النتاجات النهائية التي يمكن الاستفادة منها.
ولهذا، لنا الحق أن نقول هذه السنة أننا اجتمعنا هنا من أجل التعبير عن حبنا
للمعلّمين. نريد أن نقول أنّنا نعرف قدر هذه المنزلة الرفيعة والمرتبة العالية التي
لكم أيّها المعلّمين. فلو أنّ المعلّم عمل بشكل جيد وصحيح وتدبير وحرص، فسنرى أن
جميع مشكلات هذا المجتمع ستُحل. لا أننا نريد أن نقول أنه لا يوجد عوامل مؤثرة في
تربية شبابنا خارج محيط المدرسة، فالأسرة مؤثّرة، ووسائل الإعلام كذلك، والبيئة
الاجتماعية العامة ـ فلا شك في ذلك أبداً ـ لكنّ الصانع الأساسي واليد الماهرة
الأصلية التي يمكن أن تبني بناءً محكماًح لا يمكن أن تؤثّر فيه كل هذه العوامل
المختلفة تأثيراً جوهرياً، هي المعلّم، وهذه هي قيمة المعلّم.
أقول لكم أنّ هذه القيمة لها عند الله تعالى الكثير من الحسنات. فأنتم في محلّ
التعليم، وفي البيئة التعليمية، حيث تتفاعلون مع هؤلاء الأطفال والأحداث، اعلموا أن
الكرام الكاتبين الإلهيين يدوّنون كل لحظةٍ من عملكم حسنة. فكيف يمكن حساب هذا حين
يكون عمل الإنسان وحياته وشغله في كلّ لحظةٍ عبادة.
وبالطبع، إلى جانب هذه الأهمية الفائقة التي أشرنا إليها، يوجد نقطة أخرى وهي تظهر
أهمية هذا العمل وهي الجهد والتعب الذي يلقيه المعلّم على عاتقه. ففي غرفة الدرس
وأجواء التعليم يواجه المعلّمون الأطفال والأحداث بأخلاقهم المختلفة ومشاعرهم
المتنوّعة وفورانهم الشبابيّ، وعليهم أن يتحمّلوهم ويصبروا.. وهذا ما يرفع من قيمة
هذا العمل. لهذا فإنّ يوم المعلّم هو يومٌ مبارك، وإن شاء الله يكون مباركاً على
جميع المعلّمين، وكذلك على الشعب الإيراني.
لتطوير مؤسّسة التربية والتعليم
ونقطة أخرى تتعلّق بالتعليم والتربية. فإنّ التعليم والتربية منظّمة
واسعة الانتشار في هذا البلد. وأحد الفرص التي وُضعت بيد هذا البلد والثورة هي فرصة
مؤسسة التعليم والتربية. أنتم المسؤولون وكبراء التربية والتعليم لديكم مؤسسة تضمّ
عدّة ملايين، تنتشر كالجهاز العصبي في كل هذا الجسم الواسع, كعروق الدم التي تتحرّك
في بدن الإنسان. فهذه المؤسسة تصل إلى أعماق المدن والقرى. ولحسن الحظ، وخصوصاً بعد
الثورة، لعلّه لا يوجد نقطة في هذا البلد لا يكون للتربية والتعليم فيها تواجد.
فهذه المؤسسة عظيمة ونحن ليس لدينا مثلها من حيث الحجم والسعة في هذا البلد. فالناس
يأتون بأبنائهم برغبة وإرادة وأمنية، ويضعون أبناءهم تحت تصرّف هذه المنظّمة.
هذه المؤسسة مسؤولة عن أعمال كبيرة، ومثل هذه الفرصة السانحة تُعظِم مسؤوليتها.
وأنا أريد أن أؤكد على هذه القضية، وهي "مضاعفة المسؤولية". وكما أشار الوزير
المحترم مؤخراً، وأنا العبد على اطّلاع، وهناك جهود طيبة تُبذل على مستوى الوزارة
من حيث الوقت والسعي، والاجتماعات الكثيرة، وتبادل وجهات النظر وتوحيد الآراء، فكلّ
هذه مهمّة جداً، وإنّنا نقدّر هذه المساعي التي تُبذل، غاية الأمر التفتوا إلى أنّ
عظمة العمل هي بدرجة مهما بذلنا معها من جهد لا ينبغي أن نرضي أنفسنا ونقول: حسناً
لقد أتممنا عملنا.
ضرورة التخطيط لتحقق " التحوّل البنيوي " التربوي
لقد ذكرنا بعض المسائل في السابق بشأن التحوّل البنيوي. ولقد كنت دائماً
أكرّر في لقاءاتي مع المعلّمين والمسؤولين الثقافيين، والمجلس الأعلى للثورة
الثقافية وغيرهم هذا الأمر، ولحسن الحظ، قد وصل إلى نتيجة, بحيث إنّ "وثيقة التحوّل
البنيوي" قد أعدّت وصُوّبت. فاليوم لهذه المؤسسة "وثيقة" مدوّنة تحدّد منهج التحوّل
البنيوي في التعليم والتربية. وحسنٌ جداً، لقد تمّ إنجاز قسم من هذا العمل. غاية
الأمر أنّ هذه الوثيقة مثل الوصفة الطبّية. فإنّنا إذا ذهبنا إلى الطبيب، وأدّينا
حقّ المعاينة، والطبيب قام بالمعاينة أو التشخيص، وكتب لنا وصفةً ووضعناها في
جيبنا، ثمّ ذهبنا إلى البيت وظننّا أنّ الأمر قد انتهى، فهل يختلف هذا الأمر عن عدم
مراجعة الطبيب بشيء سوى أنّه قد أنفقنا المال وقطعنا مسافة على الطريق. ينبغي تناول
الدواء, ففي هذه الوصفة قد دُوّن اسم الدواء ومقدار ما ينبغي تناوله منه وفي أيّ
وقت، ويجب تنفيذ هذا وتطبيقه, ولو لم نفعل، فالذهاب إلى الطبيب وأخذ الوصفة كأن لم
يكن. حسنٌ، لدينا الآن "وثيقة
التحوّل البنيوي" في التربية والتعليم، وهذه الوصفة تحتاج إلى تخطيطٍ دقيق فيما
يتعلّق بكل بنودها. فإنّ الحديث هو حول التحوّل البنيوي لا الشكلي الظاهري.
كان الشكل الجديد للتربية والتعليم لدينا عبارة عن شيءٍ مزخرف ومستوردٍ وكانت له
غايات. حسنٌ، لقد عملنا بهذا الشكل لسنوات. وحتى لو كان ذاتياً ونابعاً من الداخل،
فإنّ المرء سيواجه بعد عدّة سنوات إشكالات, لهذا يجب القيام بالتحديث، ولهذا فإنّ
هذا التحوّل البنيوي عملٌ ضروري. لو أردنا تحقيق هذا التحوّل البنيوي في التربية
والتعليم، أي إنّ هذه الأموال التي تنفقونها والأوقات التي تقضونها، وكل هؤلاء
المعلّمين الذين ترسلونهم إلى مختلف أنحاء البلد، في المدارس ولأجل الطلّاب، لو
أردنا أن يكون تأثيرهم مضاعفاً، وأن يُستفاد منهم بالنحو الأمثل فيجب أن يتحقق هذا
التحوّل، وهذا التحوّل يحتاج إلى تخطيط, يجب وضع هذه الوثيقة موضع التخطيط خطوة
خطوة.
يجب أن يكون هناك خارطة للطريق. ولا يكون الأمر بحيث إنّ أي مسؤول أو وزير أو مدير
في أي قطاع يقوم اليوم باتّخاذ قرارٍ ثم يقوم في اليوم التالي بتغييره بحسب سليقته.
فكلّ هذا هو إهدارٌ للأوقات والطاقات. وهذه نقطةٌ أساسية. ويجب أن يكون هناك تخطيطٌ
محكمٌ ودقيقٌ لأجل هذا التحوّل البنيوي، يجب أن نضع بين الأيادي خارطةً للطريق،
وهذا ما ينبغي أن يقبل به الجميع ويؤيّدوه ويؤمنوا به ويُضمن فيه أنّ التربية
والتعليم ستسلك هذا الطريق حتى النهاية وطبق هذا البرنامج.
ضرورة متابعة الأعمال حتلى النهايات
وهنا يوجد نقطة ثانيةٌ وهي قضية عدم إيقاف العمل، وهي ترتبط بالنقطة
السابقة نفسها. فلا ينبغي ترك العمل. فيجب متابعته حتى الوصول إلى النتيجة
النهائية, أمّا إذا بدأنا عملاً ما، وأثرنا حوله الضجيج ففرح أناسٌ وأثنى آخرون
وانتقد غيرهم، ثم بعد مدّة خبت نيراننا، وبردت حركتنا، فإنّ النتيجة لن تتحقّق من
وراء العمل, وفي هذه الحالة فإنّ أساس العمل سيتلقّى ضربةً قاصمة. إنّني أذكر هذا
للمدراء والمدراء العامّين ومدراء الوزارة ومدراء المحافظات والمدن والمراكز.
حسناً، إنّ قضية الكتاب مهمّة جداً، وكذلك التخطيط والمقرّرات, وقضية المعلّم أهم
من الكل. لو أنّنا أردنا تحسين عمل المعلّمين فإنّ هذا يتطلّب التدريب وإقامة
الدورات اللازمة, فإنّها ضرورية لأنّها من الأعمال الأساسية والأوّلية, فيجب
إقامتها.
" التعليم والتربية " أهم قطاعات المجتمع
ومن بين هذه المطالب أريد أن أستنبط أهمية التعليم والتربية.فلو أن
الإنسان في الواقع أراد أن يقسّم أعمال البلد وقطاعاته المختلفة ويضعها بحسب
الأهمية، فإنّ التربية والتعليم توضع في أعلى اللائحة وعلى رأسها.
إنّ وضع شبابنا اليوم يرتبط بالتربية والتعليم، وكذلك أخلاقنا.
القدوة الصالحة من أهم شرائط تنمية الأخلاق
وهناك من يشكو لماذا لم نتقدّم على صعيد الأخلاق، وهذا بالطبع صحيحٌ،
ونحن نقول بأنّ علينا أن نتقدّم في المجال الأخلاقي, غاية الأمر أنّ من شرائطه أن
يكون لشبابنا قدوة. فإنّ بعض الأشخاص بسلكوهم وعملهم ومنطقهم، يصبح نموذجاً سيئاً
لشبابنا.إن صناعة النموذج القدوة هو من أكثر الأعمال ضرورة.
ونحن لدينا الكثير من هؤلاء. ففي هذا الزمان يوجد لدينا من الشباب الجيدين ومن
النماذج النورانية اليوم ـ تخلّد في التاريخ ـ بحيث يكفي، بمقدار تعريف كلٍّ منهم،
أن نضع نماذج مميزة وقدوة أمام شبابنا. هؤلاء شباب سبقوا من كان متقدما عليهم,
شبابٌ حضروا درس هذا العبد وأمثاله، لكنّهم سبقونا بمئة خطوة، نحن ذكّرنا وهم
عملوا، ولكن نحن لم نعمل. كم من هؤلاء الشباب، وكم من هؤلاء الشهداء من كانوا قد
تعلّموا من أمثالنا، ولكنهم أصبحوا أفضل منّا، وتقدّموا علينا، ومنحوا هذا البلد
عزّته، ونالوا عند الله المزيد من العزّة, "فلماذا وعدت
أنت، وهو أدّى"، نحن وعدنا وهو عمل. إنّ لدينا كل هؤلاء الشباب,
فاستحضروا كلّ واحدٍ منهم واجعلوه أمام أعين الجيل الحاضر، وعرّفوا هؤلاء الشباب -
من الجيل الحالي - على نخوة أولئك وهمّتهم وصدقهم وصفائهم وتضحياتهم ووعيهم
المميزّ، وسلوكهم الحسن مع الناس والزملاء والوالدين والأسرة والأصدقاء، كلّ هذا
يُعدّ ملهماً.
وعلى كلّ حال يوجد أمامنا أعمالٌ كثيرة، ينتظرنا الكثير من الأعمال، في التربية
والتعليم وفي الأجهزة الإعلامية والتبليغية وفي الإذاعة والتلفزيون وفي أجهزة
الدولة، وأمثالي المتلبسين بلباس هذا العبد، علينا القيام بالكثير من الأمور. نحن
مسؤولون، ويفترض أن تنحني عواتقنا تحت ثقل المسؤولية, فلنتحمّل المسؤولية ونعمل،
يجب على الجميع أن يعملوا.