يتم التحميل...

العمل محوربقاء المجتمع وتقدمه واستقلاله ومكانته بين المجتمعات

النهوض والتقدم

العمل محوربقاء المجتمع وتقدمه واستقلاله ومكانته بين المجتمعات

عدد الزوار: 80

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في اليوم العالمي للعمّال المناسبة: يوم العمّال، وبداية عام "الإنتاج الوطني".
الحضور: حشدٌ من العمّال النموذجيّين من مختلف مناطق البلاد، وجمعٌ من عمّال الوحدات الصناعيّة. المكان: طهران - مصنع "داروبخش". الزمان: 29/4/2012م.

العمل محوربقاء المجتمع وتقدمه واستقلاله ومكانته بين المجتمعات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محّمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيّما بقّية الله في الأرضين.

العمل محور تقدم المجتمع وبقاؤه
أبارك أسبوع العامل، لا لشريحة العمّال الأعزّاء فحسب، بل للشعب الإيراني العاملة والأدمغة والمبدعين والطاقات البشرية الماهرة في أيّ مجتمع, فإنّ ذلك المجتمع سوف يسير في ركب التطوّر. أن يقوم نبيّ الإسلام المكرّم برفع يد العامل وتقبيلها, فإنّ ذلك لم يكن تقديراً لشخصٍ واحد. بل هو ترسيخ لقيمة ليكون درساً، فهو يقول لنا أنّ يد العامل والمنتج والطاقة الإنسانية لها من القيمة بحيث أنّ شخصاً كالنبيّ المقدّس ـ الذي يُعدّ قطب رحى عالم الخلقة ـ ينحني ويقبّلها, هذا درسٌ لنا.

إنّ العمل بالمعنى الواسع للكلمة يشمل العمل اليدوي والبدني والفكري والعلمي والإداري وهو في الواقع محور تقدّم وتحرّك المجتمع وحياته المستديمة، وعلينا جميعاً أن نعرف هذا. فلولا العمل، فلن تكون كل الرساميل والموارد والطاقات والمعلومات مفيدةً ونافعةً للإنسان. إنّ العمل يشبه الروح التي تُنفخ في الرساميل والطاقة والمواد الأولية وتبدّلها إلى شيءٍ قابلٍ للاستهلاك لكي يستفيد منها البشر، هذه هي قيمة العمل.

العمل في الإسلام مصدر القيمة لما عداه
والقضية هنا أنّ الجمهورية الإسلامية لا يوجد فيها مجاملة تجاه العامل.

في مقطعٍ من الزمان، قامت مجموعة بتشكيل دولة عمّالية بالإسم، وشغلوا العالم عشرات السنوات، ولم يصل إلى العمّال منهم خيرٌ ونفع. فمدراء الدول الاشتراكية والشيوعية حصلوا على الكثير من المكاسب من مجتمعاتهم، وبلغوا مراتب الزعامة والسلطة، وعاشوا في حياتهم كغيرهم من طواغيت العالم، كل ذلك باسم العامل. وهذا كذبٌ وخداع.

وفي عالم الغرب أيضاً فإنّ التأمين على العمل، ودعم العامل وغيرها، كلها في الأساس من أجل أن يعمل العامل حتى ينال ـ بحسب القول المعروف اليوم ـ 1% من اللذة والبهجة. فهم ليسوا صادقين، ولا صريحين مع العامل.

أما الإسلام فهو صادقٌ وشفّاف تجاه العامل، ولديه منطق. فإنّ العمل يخلق القيمة وهو قيمة بذاته. فقد ورد في رواية: "العلم يهتف بالعمل، فإن أجاب وإلا ارتحل"1. العلم مرهونٌ بالعمل. ففي هذه الرواية ـ وهي بيان نموذجي ورمزي ـ يقول أنّ العلم يدعو إلى العمل فإن أجاب العمل يبقى العلم ويتّسع ويزداد، وإن لم يجب العمل سيزول العلم. فانظروا ما أجمل هذا البيان, أي إنّ بدء العلم ووجوده وبقاءه وثباته وتطوّره مرهونٌ بالعمل. كل هذا يدلّ على المنطق وهو يشكّل المباني الفكرية، الإسلام هو هكذا، الإسلام يتعامل مع شريحة العمّال بصدقٍ.

العمل والرأسمال جناحا الإنتاج الوطني
بالطبع، إنّ هذه الأمور يجب أن تُترجم عملياً ويجب أن تظهر في التنفيذ والتخطيط, لقد بُذل الكثير من الجهد والعمل ويجب بذل المزيد. لهذا قلنا هذه السنة: دعم العمل والرأسمال الإيراني "العمل الإيراني والرأسمال الإيراني". فالرأسمال هو عدل العمل. لو لم يكن هناك رأسمال، فالعمل لا يتحقّق، فهما جناحان يحلّق الإنتاج الوطني بهما. فلرأسمال الإيراني احترامه، وكذلك العمل. وإنّ نتيجة الرأسمال والعمل عبارة عن الإنتاج الوطني، ويجب أن يتحقق.

لا إستقلال ولا كرامة للمجتمع من دون إنتاج وطني
كل سنة وبمناسبة أسبوع العامل، يأتي العمّال الأعزّاء إلينا في الحسينية وهناك نلتقي ونتحدث ببضع كلمات، وهذا العام لقد جئت إلى خدمة العمّال, وقد اخترنا هذا المصنع ـ شركة داروبخش ـ كمركز نموذجي. أنتم عمّال هذا المصنع، والعمّال الذين شرّفوا من المصانع الأخرى، التفتوا إلى أنّني هذه السنة ومن أجل أداء الاحترام والشكر للعمل والعمّال الإيرانيين عدّلت برنامج هذه السنة على هذا النحو.

ما لم نحترم العمل والرأسمال الإيراني، فلن يتحقق الإنتاج الوطني. وإذا لم يتحقّق الإنتاج الوطني، فلن يتحقّق استقلال البلد الاقتصادي، وإذا لم يتحقّق الاستقلال الاقتصادي لأيّ مجتمع ـ أي أنّه إذا لم يتمكن في مسألة الاقتصاد من اتّخاذ القرار بنفسه والوقوف على قدميه ـ فلن يتحقق الاستقلال السياسي لهذا البلد. وإذا لم يتحقّق الاستقلال السياسي لأيّ مجتمع فإنّ كلّ كلامٍ آخر لن يكون سوى كلام ليس أكثر، وإنّ أيّ بلدٍ ما لم يتمكن من تقوية اقتصاده والثبات فيه والاعتماد على نفسه والاستقلال فيه، فلن يتمكّن من أن يكون مؤثّراً على الصعيد السياسي والثقافي وغيره.

إنّ بلدنا يحتاج إلى اقتصادٍ قويٍّ وراسخ. وأنا منذ ثلاث أو أربع سنوات، وفي الخطابات التي ألقيتها على التجمعات العامّة الكبرى نبّهت شعبنا وأعزاءنا وشبابنا

ومسؤولينا وقلت: اعلموا أنّ مؤامرة العدوّ تنصبّ اليوم على اقتصادنا. والآن هل تلاحظون ذلك؟ ترون أنّ مؤشّرات هذه المؤامرة الكبرى التي خطّط لها، تظهر واحدة تلو الأخرى.

بالطبع، أنتم يا شعب إيران، بذاك العزم الراسخ الذي عبرتم به كلّ الموانع الأخرى، بمشيئة الله ستجتازون هذا المانع أيضاً. ومثل هذه الهمّة يبذلها العامل وصاحب الرأسمال والمدراء الحكوميّون، ومدراء القطاع الخاص، وأفراد الشعب كلّهم يظهرون عزمهم الراسخ فيما يتعلّق باستهلاك الإنتاج المحلي والوطني.

تطوير الإنتاج الوطني مسؤولية السلطات الثلاث
يجب القيام بأعمال أساسية، ولحسن الحظ فالعمل على قدم وساق. وكما أطلعنا الأعزّاء المسؤولون المحترمون في الحكومة، فمنذ بداية السنة انصبت اللقاءات وأعمال التخطيط والنقاشات على هذه القضية، وإنّني أؤكّد على هذا الأمر. يجب رفع العوائق. فلأجل أن يبلغ الإنتاج الوطني رونقه، ويحصل الاقتصاد المحلي على المتانة والثبات يجب على الجميع أن يبذلوا الجهود, وعلى المسؤولين بالدرجة الأولى بذل الجهد سواء في السلطة التنفيذية أو التشريعية أو حتى السلطة القضائية. فأحياناً قد ينتهي الأمر عند هذه السلطة القضائية. إنّ المسار السليم الذي هو محط الإهتمام والدقّة في اقتصاد البلد وفي العمل والإنتاج والاستثمار يحتاج إلى إشراف السلطات مجتمعه.

أبعاد تطوير الإنتاج الوطني
ويجب إنجاز أعمال متنوعة في الأبعاد المتعدّدة: قضية رفع مستوى المهارات في محل العمل، والأنماط الصحيحة للإدارة، وتأهيل القوى العاملة، وإشاعة الجو الآمن, سواء بالنسبة للعامل أو بالنسبة للمستثمر ـ أي البرامج والقوانين والأنظمة التي ينبغي تشعر العامل بالأمن والاستقرار وكذلك المستثمر ـ وقضية مواجهة المخالفات الاقتصادية بشكل صحيح، ومنها موضوع التهريب. ومن المخالفات الاقتصادية أنواع الاستغلال للثروات الوطنية, والثروات المرتبطة بالشعب في مصارف البلد حيث يأتي من يستفيد من التسهيلات في مكان ثمّ ينفقها في مكانٍ آخر، وهذه خيانة وسرقة. ففي بعض الأحيان تكون السرقة أن يؤخذ من جيب فلان، وأحياناً تكون من جيب الشعب وهو أسوأ، ويجب مواجهة هذه المخالفات.

قبل عدّة سنوات، عندما وجهت كتاباً إلى مسؤولي السلطات الثلاث حول الفساد الاقتصادي وأكّدت عليهم، خاف بعضهم وقال من الممكن أن يتراجع المستثمر بسبب هذه التحذيرات. وأنا قلت أن الأمر عكس ذلك, إنّ المستثمر الذي يريد أن يكون له نشاطٌ اقتصادي بالطريق الصحيح في هذا البلد ؛ عندما يرى أنّنا نحارب الفساد الاقتصادي والمفسدين الاقتصاديين، فإنّه سوف يسر ويطمئن. يجب علينا أن نتمكّن من إنجاز هذه المواجهة الصحيحة على المستوى القانوني. يجب علينا أن نلتفت إلى إيجاد الميزات التنافسية.

نحن نتحدّث عن الإنتاج المحلّي. وبالطبع ولحسن الحظ، فهناك تقدّمٌ ملحوظٌ على صعيد الإنتاج المحلي. وبالتأكيد ذاك المقدار المستقر في الذاكرة العامّة للشعب هو أقل مما أُنجز. وهذا الإنجاز الجديد والمميّز ـ والذي لحسن الحظ قد أُنجز في هذه الشركة وقد شاهدناه ـ له أهمية كبرى, التأسيس والإيجاد والإطلاق بواسطة الطاقات المحلية وبمدّة قصيرة، التصميم المحلّي والصناعة المحلّية والأدوات المحلية. لكن فيما يتعلّق بتقوية الإنتاج المحلّي فإنّ مسألة النوعية مهمة جداً. حيث يجب على إدارات الإنتاج والعمّال الأعزّاء أن يلتفتوا إلى هذه القضية. فكون الأسعار منافسة مسألة مهمة، ويجب الالتفات إليها، وهذا ما يتطلّب مساعدة الحكومة. هذه أعمالٌ كثيرة يجب إنجازها، وهي لا تنحصر بمسؤولية الحكومة, فالحكومة ومجلس الشورى الإسلامي والأجهزة الإدارية المختلفة والقطاع الخاص وأبناء الشعب وصنّاع الثقافة في المجتمع ـ أولئك الذين يصنعون بكلماتهم ثقافة الشعب ـ ودعايات الإذاعة والتلفزيون عليها جميعاً أن تكون في خدمة الإنتاج الوطني. وإذا نجحنا في إنجاز هذا العمل نكون قد وجّهنا ضربةً قاصمةً لأعدائنا الناهبين.

إنّ السياسات القائمة على محورية الإنتاج وترسيخ ثقافة استهلاك الإنتاج المحلّي، والارتقاء بنوعية المنتجات المحلّية والتطوير والابتكار في الآلات والمحاصيل والإدارة والصناعة، كلّها أعمالٌ يجب القيام بها، وأملنا بمشيئة الله أن تُنجز.

إنّني أعتذر من الأصدقاء والإخوة والأخوات الذين جلسوا تحت الشمس في هذا الجو الحار.

أملنا بمشيئة الله أن تكون حياتكم حياةً طيبة ومليئة بالنشاط والبهجة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


1- نهج البلاغة، الحكمة 363.

2017-02-24