يتم التحميل...

حول الحكومة الإسلامية

الحكومة الدينية

حول الحكومة الإسلامية

عدد الزوار: 202

حول الحكومة الإسلامية
إن "الحكومة الإسلامية" تعتبر من أهم القضايا الراهنة للعالم الإسلامي، بل وحتى للعالم غير الإسلامي، فهي أدق المسائل وأكثرها إثارة.

وعندما يكون اسم الإسلام مقروناً بالحكومة والنظام السياسي وتشكيل مجتمع ما، فإنه يكون مثيراً بالنسبة للمسلمين، وفي نفس الوقت مرعباً ومخيفاً لأعداء الإسلام.

ومنذ أن بدأت النهضة الإسلامية (أي منذ بداية القرن التاسع عشر الميلادي)، فإن العالم غير الإسلامي والقوى السياسية العظمى في العالم، التي كانت ـ آنئذ ـ في بداية تكوينها، أحسّت جميعها بالخطر، خاصة وأن استعادة الإسلام لحياته؛ أو بتعبير أدق الإسلام الذي يدّعي الحكومة والنظام الاجتماعي، ظهر أول ما ظهر في المناطق التي كان الاستعمار باسطاً سلطته عليها، والتي كانت تواجه مطامع السياسات السلطوية العالمية.

إن الفكر الإسلامي الثوري الذي يدعو الى الاستقلال وحاكمية الإسلام ظهر خلال القرن الأخير في الهند، ثم في بعض دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط التي كانت تعاني من الظلم والإضطهاد، ومن هنا بدأ الاستعمار يحسب حساباً لتلك المناطق.

إن الاستعمار البريطاني العجوز ـ وللمحافظة على شبه القارة الهندية ـ ارتكب في تلك المنطقة جرائم لم يكن لها مثيل. وقد لا نبالغ إذا قلنا إن مبادرة بريطانيا لإقامة سلطة لها في بعض مناطق أفريقيا والشرق الأوسط، جاءت لحفظ سلطتها على الهند.

وتزامناً مع الاهتمام الذي كان يوليه الاستعمار البريطاني للهند، سُمِعَت في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي صيحات بعض القادة الدينيين لتلك المنطقة الذين كانوا يدعون الى الجهاد والشهادة، فأدخلت الرعب في نفوس الإنجليز. ولذلك وحتى بعد مرور 50 عاماً على الانطفاء المؤقت للشعلة التي أوقدها كبار علماء الهند في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، مثل السيد أحمد عرفان والشاه عبد العزيز دهلوي، كان عملاء الإنجليز يحاولون تشويه صورة تلك الشخصيات أمام الشعب الهندي وإثارة الناس ضدهم، كما أوجدوا ديناً مأجوراً ليتحدى الدين الإسلامي. لذلك ليس من العجب أن نرى أنه عندما يحمل السيد جمال الدين راية الإسلام في إيران والهند ومصر وأوروبا وتركيا، ويدعو الناس الى الإسلام، فإن ردود فعل المستعمرين في ذلك الوقت، تشكل في الحقيقة جزءاً من أكبر ردود الفعل التي تواجه أي حركة ثورية. وإلا فهل كان السيد جمال يعمل شيئاً آخر في مصر وبقية الدول الأخرى عدا دعوته الناس الى الإسلام؟!

سحق الانتفاضات الإسلامية
وخلال مئة عام، أي منذ بدء النهضة الإسلامية الحديثة، كان الاستكبار العالمي والذي كان ـ آنئذ ـ متمثلاً بالاستعمار الإنجليزي يقضي على كل حركة من جانب العلماء المسلمين، تحمل اسم الإسلام ولها دوافع إسلامية، وكمثال على ذلك سحق الحركات الإسلامية في الهند ومصر وبقية الدول الإسلامية.

هذه المسائل إنما تبين مدى تخوّف العالم الاستكباري والسلطات العالمية من اسم الإسلام الذي يدعو الى الحاكمية وإدارة حياة أتباعه.

وبديهي أن هناك قانوناً عاماً، وهو أن أهل الحق لو صمدوا في دعوتهم لانتظروا وانسحب العدو، وهذا ما حصل بالفعل. لذا فإن أول نموذج لمثل هذا التراجع نراه في مقابل "نهضة التنباك" في إيران التي قادها الميرزا الشيرازي والذي كان يناضل ضد السلطة الاقتصادية لبريطانيا.

فالمرحوم الشيرازي حرك بخطوته تلك الشعب الإيراني، معتمداً على الإيمان الديني لأفراد الشعب، بحيث استطاع في نهاية الأمر أن يهزم العدو.

وبعد أعوام على تلك النهضة، انطلقت "الثورة الدستورية"، حيث تحرك الناس في ذلك الوقت بفتوى وقيادة المراجع الدينيين وعلماء الإسلام، وأجبروا السلطة الاستبدادية على التراجع، كما أفشلوا السياسات العالمية التي كانت تدعم الاستبداد، واستطاعوا أن يشكلوا حكومة تستند الى أحكام الإسلام؛ لكن تلك الثورة فشلت بعد انتصارها، وذلك بسبب أحابيل الاستعمار.

وبعد عدة سنين حدثت في إيران مجدداً انتفاضة مسلحة باسم "انتفاضة الغابة" يقودها أحد علماء الدين المسلمين وبعض المسلمين المجاهدين، يدعمها أكثر علماء الدين.

وفي نفس الوقت، أي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بدأت في العراق أكبر ثورة لعلماء الدين ضد الاستعمار البريطاني.

وكانت تلك الثورة تعكس ـ في الحقيقة ـ المقاومة العظيمة للحوزة العلمية في النجف الأشرف أمام سلطة بريطانيا على العراق.

وخلال تلك الانتفاضات، حقق المسلمون بعض الانتصارات، وتلقَّوا في نفس الوقت بعض الضربات.

والتجربة التي مر بها المسلمون وغير المسلمين طوال هذه المدة، أثبتت الحقيقة التالية وهي أن الإسلام إذا ما تحرك في نقطة من العالم بهدف إقامة نظام إسلامي، فستكون له القدرة على تعبئة وتشكيل القوى وتحدي القوى الاستعمارية. وقد مررنا نحن بهذه التجربة وخرجنا بهذه النتيجة وهي أنه أينما ظهرت حركة إسلامية شعر الاستكبار العالمي بالرعب منها وحاول التصدي لها.

بديهي أننا نعتقد أن الحق يخرج نتصراً في كل صراع يخوضه ضد الباطل، بالضبط كما يعد القرآن الكريم بذلك {أم يقولون نحن جميعٌ منتصرٌ. سيهزم الجمع ويولون الدبر} (القمر، 44 ـ 45).

وعلى أي حال فإن البحث حول "الحكومة الإسلامية" بحث مهم للغاية بنظر المسلمين، كما هو باعتقادنا أهم بحث يلزم ـ اليوم ـ طرحه في العالم الإسلامي.

وهنا أريد أن أُلفت انتباه الإخوة الأعزة المشاركين في هذا المؤتمر (مؤتمر الفكر الإسلامي) والذين يتدارسون المسائل المتعلقة بالحكومة الإسلامية، الى بعض الأمور:

مسؤولية المفكرين الإسلاميين
منها أن بعض الأشخاص من بين المجتمعات الإسلامية، ومن بين المؤمنين بالإسلام ـ وبتأثير من الدعايات الثقافية المغرضة للأعداء ـ حصلت لهم هذه القناعة وهي أن الإسلام يفتقر الى نظام سياسي وحكومي، وفي نفس الوقت ساق هؤلاء الجماهير المسلمة نحو مثل هذا الاعتقاد.

وإن أهم وظيفة ملقاة على عاتق المفكرين الإسلاميين هي إزالة هذه التصورات الباطلة من الأذهان.

إن الاعتقاد بالتوحيد ووجود الله يعني الاعتقاد بالحياة النوعية الاجتماعية للإنسان، فأصل الاعتقاد بالله وبالأنبياء يقتضي أن ينتخب الإنسان شكل حياته الخاصة بإرشاد من الأنبياء.

والقرآن الكريم يشير الى هذه المسألة في عدة آيات منها {لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط...} (الحديد، 25).

ونفهم من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أرسل الرسل وأنزل معهم الكتاب ليقيموا القسط، وليقيم الناس بدورهم القسط في المجتمع.

إذاً، فالسؤال هو: ما هي القواعد التي يجب أن تقام الحكومة على أساس منها؟ هذا سؤال مهم.

إن الحكومة تشكل العمود الفقري لحياة المجتمع. إذاً فبواسطة أي شخص، وعلى أساس أي قاعدة مبادئ، وبأي صورة يجب أن تشكّل؟ وهذا سؤال أساسي آخر.

إن جميع المذاهب تجيب عن هذا السؤال، فهل يمكن أن نتصور الأنبياء يتركونه بلا جواب؟

{وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتّبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولَّوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون. أفحكم الجاهلية يبغون ومَن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} (المائدة، 49 ـ 50).

هذا هو جواب الأنبياء، وهذه الإجابة لا تقتصر على الإسلام فقط، إذ أن جميع الأنبياء جاؤوا ليجيبوا عن السؤال المذكور.

والنظام الذي يظهر على أساس من الاعتقاد الإلهي، له بُعد سياسي يتمثل بالحكومة، كما أن بُعده الاقتصادي قائم على إقامة القسط في المجتمع، كما وله أيضاً بُعد أخلاقي، ونظام سياسي ألا وهو نظام الحاكمية والتشريع وإدارة البلاد، والذي يسمى بـ "الحكومة الإسلامية".

إذاً علينا أن نعمل للقضاء على الأفكار التي تقول إن الإسلام لا يدعو المسلمين لإقامة حكومة إسلامية، لأن كل شعب يؤمن بالإسلام عليه أن يطالب بحكومة إسلامية؛ ولا يمكننا أن نتصور أناساً يؤمنون بالإسلام دون أن يؤمنوا بالحكومة الإسلامية.

إن عدم الاعتقاد بالحكومة الإسلامية، مصيبة كبرى قائمة في العالم الإسلامي.

والمسألة الأخرى هي أن العادة قد جرت بتشكيل حكومات مزيفة بدلاً من الحكومة الإسلامية الحقيقية. فكثير من الذين حكموا باسم الإسلام لحد اليوم، إنما كان وجودهم بمثابة تهمة موجهة الى الإسلام.

فعلى العالم الإسلامي ـ اليوم ـ أن يعرف ما هي الحكومة الإسلامية؟ وما لم يعرف ذلك، فمن المحتمل أن تترك الإدعاءات الباطلة لأعداء الإسلام تأثيرها في هذا المجال.

عندما تكون هناك في زاوية من العالم دولة غنية مثل إيران، تسلَّط عليها الاستكبار العالمي وخاصة أميركا لفترة طويلة، وكان يعتبرها معقلاً قوياً لحفظ مصالحه، وتحدث فيها ثورة على أساس الإسلام، وترحب الجماهير بالحكومة الإسلامية، وتحكّم القرآن في جميع أمورها، فإن هذا الأمر يشكل خطراً على الاستكبار العالمي. ثم إن الاستكبار العالمي لن يتمكن ـ والحال هذه ـ من أن يدّعي بأن الدين هو أفيون الشعوب.

لقد كان هذا الإدعاء قائماً لعشرات السنين، حتى أن البعض قد آمن به. ولكن أي شخص يستطيع ـ اليوم ـ أن يعتقد بأن الدين هو أفيون الشعوب؟ وعندما تقوم أكثر الأفكار الاستكبارية والرأسمالية رجعية بمهاجمة الجمهورية الإسلامية بأحدث الأسلحة، فكيف يمكن اتهام نظامنا بالرجعية؟ وهل يمكن للنظام الذي يدعو الناس الى الاستقلال والحرية، أن يكون رجعياً؟ وهل يمكن للنظام الذي يدعو الناس الى الاستقلال والحرية أن يكون رجعياً؟ وهل يمكن لأعدائنا أن يدّعوا بأن نظام الجمهورية الإسلامية الذي يقف على رأسه إنسان زاهد، إنسان متّقٍ، يجسد حياة الأنبياء، نظام طاغوتي وملكي؟ وهل يمكن لمثل هذا النظام أن يتبع الأهواء والشهوات الدنيوية؟

كيف يريد أعداء الإسلام أن يتحدَّوا نظاماً يدعمه الشعب بكل ما يملكه من طاقات؟

قد يستطيع هؤلاء ـ عبر أحابيلهم ـ أن يوجدوا أنظمة مشابهة، ولكنها تظل مزيفة.

إن خطر تشكيل أنظمة إسلامية مزيفة في العالم الإسلامي اليوم بات كبيراً، وعلى المسلمين أن يأخذوا هذا الأمر بنظر الاعتبار. ومن هنا فإننا نعتقد بوجوب تحديد مفهوم الحاكمية في الدين.

حاكمية الدين
ترى ما معنى حاكمية الدين؟ هل أن الحاكمية تعني السلطة المطلقة لشخص أو فئة معينة على الناس، أم تعني تحمل مسؤوليات كبيرة من قبل بعض الأشخاص الذين يتساوَون مع الآخرين من حيث الحقوق؟ ما هو منشأ هذه الحاكمية؟ وإذا ما تقرر أن يكون هناك شخص أو عدة أشخاص على رأس الحكومة الإسلامية، فبأي المقاييس يمكن لهؤلاء أن يحددوا المسؤوليات لأنفسهم؟

إن الإسلام قد أعطى أجوبة لمثل هذه الأسئلة، فهناك مقاييس فيما يتعلق بمسؤولي الحكومة الإسلامية كي لا يتمكن الأشخاص الذين يفتقرون الى تلك الخصائص من ترشيح أنفسهم للمناصب. فالإسلام لا يسمح بأن يشغل الفاسدون والمستبدون والأوغاد مناصب لهم عبر الحصول على آراء الناس.

إن رأي الناس أمر لا بد منه، إلا أن الشخص الذي له المؤهلات المطلوبة، عليه في نفس الوقت أن يكون تقياً عادلاً وعارفاً بالإسلام. فالشخص الذي يريد إدارة المجتمع، يجب أن يعرف الإسلام معرفة كاملة {أفمَن يهدي الى الحق أحق أن يُتّبع أمّن لا يهدِّي إلا أن يُهدى فما لكم كيف تحكمون} (يونس، 35).

نعم، من الضروري أن يكون الحاكم الإسلامي عارفاً بالدين وواعياً، ومَن يملك هذه الشروط ويتميز بالتقوى وضبط النفس يستطيع أن يرشح نفسه. ثم يصل الدور الى الناس ليبدوا رأيهم فيه، فإذا لم يوافقوا عليه، فلن يكون حكمه شرعياً، إذ أن الإسلام لا يقبل بفرض أية حكومة على الناس.

إن حكومة الله في النظام الإسلامي ممزوجة بحكومة الناس، ولذلك فعندما نقول "جمهورية إسلامية" فهذا يعني أن حفظ القوانين والأحكام الإسلامية لا يتناقض ونظام الجمهورية وانتخاب الناس.

والسؤال المطروح هو: كيف يجب أن تكون أخلاق الحاكم، ونوع الحكومة؟

إن التقرب الى الناس والتحدث معهم والعيش مثلهم، هي من المقاييس الأخرى لمسؤولي الحكومة الإسلامية. وأينما سُمِع اسم للحكومة الإسلامية فيجب البحث عن هذه المقاييس، وكلما روعيت هذه المقاييس اقتربت تلك الحكومة من الإسلام.

ومتى ما اقترنت حاكمية الكفر والفسق وسلطة المستكبرين العالميين وحفظ المصالح النفطية وغير النفطية لناهبي الشعوب، باسم الإسلام، فإن اسم الإسلام ـ آنئذ ـ لن يتعدى التزوير.

نحن لا نقبل بأي شكل من الأشكال أن تكون هناك حكومة إسلامية في ظل حاكمية أميركا والإتحاد السوفياتي وبقية القوى العظمى. لذلك فإن الحكومة الإسلامية (أي القسم الأساسي من الكيان السياسي للعالم السياسي) والتي تراعى فيها كافة السياسات الإسلامية الأخرى ومن بينها {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً} (النساء، 141).
 
ومن جملة السياسات الأخرى {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم...} فهذه السياسات يجب أن تكون قائمة، لنتأكد من أن الحاكمية هي حاكمية إسلامية.

ومن الأساليب الأخرى، التي يلجأ إليها أعداء الإسلام والمتسلطون على العالم كسلاح ضد حاكمية الإسلام، هو تجريد الإسلام والفكر الإسلامي من الإخلاص والنزاهة والأصالة الإسلامية، فمتى ما ظهرت حركة إسلامية حقيقية قائمة على الإيمان والفكر الإسلامي، وضع الى جانبها تيار إسلامي آخر، ولكن بأفكار التقاطية؛ ومن هنا كان على المسلمين أن يأخذوا هذه المسألة بنظر الاعتبار.

ولو راجعنا تاريخ الحركات الإسلامية منذ القرن التاسع عشر والى اليوم، لرأينا أن مثل هذه التيارات كانت موجودة. على سبيل المثال إن الإنجليز أسسوا مدرسة إسلامية ذات اتجاهات غربية، مقابل مدرسة دار العلوم في الهند التي كانت مبلِّغة حقيقية للإسلام. ومثل هذه الأمور حدثت في بلادنا أيضاً، فمثلاً نجد الذين أنهَوا دراساتهم في الغرب، مزجوا الإيمان الإسلامي بالثقافة والإيديولوجية الغربية، وهذا ما خدم النظام الحاكم آنذاك والذي كان يخاف الإسلام الأصيل.

إن التيار الإسلامي في بلادنا والذي يستند الى الكتاب والسنّة، يتعرض اليوم لهجوم القوى العالمية. ولو لم يكن ملتزماً بالكتاب والسنّة لما كان يواجه مثل هذا الهجوم من قبل الأعداء.

لقد بذلنا منذ انتصار الثورة الإسلامية، جهوداً كثيراً لحفظ الإسلام المستنبط من الكتاب والسنّة، وصونه من التيارات الالتقاطية (الشرقية منها والغربية). فلن نقبل الإسلام الممزوج بثقافة الأجانب، ونعتقد أن مثل هذه الأفكار لن تشكل خطراً على الاستكبار.

وعلى أي حال، فمن الأجدر بالعالم الإسلامي ـ اليوم ـ بنفوسه البالغة ما يقارب مليار شخص، أن يفكر بالحكومة الإسلامية على أنها فكر عملي وجدي.

الجمهورية الإسلامية تحقيق عملي للإسلام
أيها الإخوة الأعزاء، إذا كان الأمل للمفكرين الإسلاميين قبل 50 عاماً متمثلاً بتأسيس عدد من الجامعات الإسلامية، وإذا كان هدف المفكرين الإسلاميين في يوم ما المشاركة في المؤتمرات العالمية بغية طرح الأفكار الإسلامية، فإن الوضع يتباين اليوم بدرجة كبيرة.

فاليوم تقوم في نقطة حساسة من العالم، حكومة على ضوء الكتاب والسنّة، وإن أمل تشكيل الحكومة الإسلامية لم يعد أملاً بعيداً. لذا فإن الشعوب الإسلامية لو دُعيت لتشكيل حكومة إسلامية، لما كان لها الحق في التزام السكوت وإظهار العجز.

إن الشعراء والخطباء والعلماء والكتّاب والفنانين الذين لهم دوافع إسلامية في قلوبهم، لا يحق لهم ـ اليوم ـ أن يلجأوا الى مكان آخر غير الإسلام، ويرووا عطشهم وعطش مخاطبيهم من ينبوع آخر غير ينبوع الإسلام، ذلك أن تحقق الإسلام أمر عملي، وإن الجمهورية الإسلامية في إيران هي نموذج لذلك.

نحن لا ندّعي تشكيلنا حكومة أشبه بحكومة الرسول الأكرم (ص)، ولكننا ندّعي بأننا نمضي الى الأمام نحو حكومة الرسول الأكرم (ص).

إن عالمنا الراهن هو عالم المجاميع، حيث أن القوى العظمى والدول الصغيرة في أجزاء متعددة من العالم تجتمع معاً لتحقيق أغراضها وأهدافها. وعلى هذا الأساس توجد في العالم اتحادات ومجالس ومعاهدات وأحلاف كثيرة، وإن أكثر تلك المجاميع ضعفاً هي منظمة المؤتمر الإسلامي.

ماهية منظمة المؤتمر الإسلامي
إنني وباعتباري رئيساً لدولة عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي أصرح من هنا بأن هذه المنظمة هي أكثر المنظمات العالمية ضعفاً وهزالاً وأكثرها فقداناً للتأثير الدولي، لها لا تدافع عن حق المسلمين، ولا تفكر في إيجاد الحلول لمشاكل العالم الإسلامي، كما ولا تتخذ أي مواقف تجاه أعداء الإسلام، ولا تبلّغ للإسلام.

إن الدولة الوحيدة التي ترفض الدستور والموازين العرفية في حالة تناقضها مع الفقه الإسلامي، تتمثل اليوم بالجمهورية الإسلامية، وإن النظام الوحيد الذي يستند في أحكامه وقوانينه الى الكتاب والسنّة هو نظامنا.

إن مجلس الشورى الإسلامي لن يصادق على أي قانون لا يتفق والفقه الإسلامي، على أنه حتى لو تمت المصادقة عليه، فإن مجلس صيانة الدستور يرفضه.

ترى ما هو الدعم الذي قدّمته منظمة المؤتمر الإسلامي (التي تضم مجموعة من الدول الإسلامية) الى الجمهورية الإسلامية التي تعمل لتطبيق الأحكام الإسلامية؟! وإذا كانت هذه المنظمة تدافع عن الإسلام حقاً، أليس من الأفضل لها أن تدافع عن بلاد يقوم نظامها على الأحكام الإسلامية؟! ولماذا لا ترد هذه المنظمة على الأجهزة الإعلامية العالمية التابعة للصهاينة والتي تتآمر على الثورة الإسلامية في إيران؟!

إن ما يقارب الـ 90 % من مجموعة أجهزة الإعلام العالمية المعروفة، هي ـ اليوم ـ في قبضة الصهاينة، وتتآمر على الجمهورية الإسلامية، وتتمثل إحدى وظائفها الأساسية مقابل المبالغ التي تتسلمها، بترويج الدعايات السيئة حول الثورة الإسلامية.

استمعوا الى إذاعات العالم لتعلموا كيف أنها تبث سمومها ضد الثورة الإسلامية، وكيف أنها تشوه الحقائق.

وإذا كانت الدول الإسلامية صادقة في ادعائها بأن منظمة المؤتمر الإسلامي جاءت للدفاع عن الإسلام، فلمَ لا تتصدى هذه المنظمة للدعايات المغرضة التي تقوم بها الصهيونية ضد الجمهورية الإسلامية؟

حسناً إننا لا نطلب من المنظمة أن ترد على هذه الدعايات، ولكن لماذا تحالفت وسائل إعلام أكثر الدول الإسلامية مع أعداء الإسلام، وراحت تطلق الدعايات ضد الثورة الإسلامية؟!

إن جميع المسلمين الحريصين على الإسلام والمؤمنين بالجمهورية الإسلامية، ملزمون بالتصدي لمثل هذه المؤامرات التي تحاك في العالم الإسلامي.

وأنتم أيها المفكرون والعلماء الإسلاميون، طالبوا بالتصدي لجميع المؤامرات التي تحاك في الدول الإسلامية ضد الجمهورية الإسلامية في إيران.

إننا على حق، وإذا كان من الممكن أن تقضي هذه المؤامرات على الجمهورية الإسلامية، لكننا قد متنا ـ الى اليوم ـ سبع مرات.

هذا ونحن في كل يوم يمر على عمر هذا النظام نحقق مكسباً جديداً، ونعلم بأن هذه المنجزات إنما تتحقق بفضل الله وعونه وتضحيات هذا الشعب الشجاع.

وعلى هذا الأساس فإن الاعتقاد بحاكمية الإسلام يجب أن يكون متزامناً مع الدفاع عن الجمهورية الإسلامية.

إنني آمل أن يتوصل الإخوة الأعزاء المشاركون في هذا المؤتمر الى نتائج جيدة بعونه تعالى.

إن هذا المؤتمر لهو ساحة جيدة للتدارس حول الحكومة الإسلامية. وإننا رغم تشكيلنا للحكومة الإسلامية، ما زلنا بحاجة لمثل هذه البحوث.

نسأل الله أن تتحقق الحكومة الإسلامية في الدول الإسلامية الأخرى. نحن أول تجربة في هذا المجال، ونأمل أن تغنينا التجارب القادمة.
 

2017-02-22