يتم التحميل...

عوامل توهين تجربة " الجمهورية الإسلامية " وسبل مواجهتها

الحكومة الدينية

من كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة المناسبة: الاجتماع السنوي لأعضاء مجلس خبراء القيادة. الزمان:19 /12/1389 ه.ش. 05/04/1432ه.ق.10/03/2011م.

عدد الزوار: 174

من كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة المناسبة: الاجتماع السنوي لأعضاء مجلس خبراء القيادة. الزمان:19 /12/1389 ه.ش. 05/04/1432ه.ق.10/03/2011م.
عوامل توهين تجربة " الجمهورية الإسلامية " وسبل مواجهتها


الأعداء يجهدون لعدم تحول الثورة إلى نموذج للشعوب المسلمة
المستبدّون الفاسدون العملاء كانوا يُمسكون زمام الأمور في بعض الأماكن. وقد وعد الله تعالى:?سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُون?2 . مَكرُهُم لن ينفعهم شيئاً، إنّما بسبب نفس هذا المكر سيُصيبهم الله تعالى بالذلّة والهوان. هذا ما حدث أمام أنظارنا.

هذه من الأحداث الأخرى التي شاهدنا فيها آيات القرآن الإلهية أمام أنظارنا وجرّبناها، وهي حالة تنتمي لزماننا و تُعدّ قَيِّمة جدّاً. ما وعد به الله في القرآن نراه نصب أعيننا وفي تجاربنا.

جانب كبير من الإعلام المُعادي للجمهورية الإسلامية يُركِّز على هذه المسألة، أي على أن لا يتوفّر النموذج والمثال، ولا تغدو الجمهورية الإسلامية نموذجاً ناجحاً في أنظار الشعوب المُسلمة. أعتقد أنّ هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية ويجب أن نتنبّه إليها كلّنا. محاولات الأعداء مُنصَبَّة على أن لا تتحوّل الجمهورية الإسلامية إلى نموذج ناجح في أعين الشعوب، إذ حينما يتوفّر النموذج تتحرّك الجماهير نحوه، وحينما يعلم الناس بنجاح هذا النموذج فسوف يتشجّعون.

كتب أحد الكتّاب المصريين قبل خمسين أو ستين سنة في أحد كتبه: إننا إذا استطعنا أن نُدير منطقة من مناطق العالم بحكومة إسلامية لكان ذلك أكبر تأثيراً في تقدّم الإسلام من آلاف الكتب والحملات الإعلامية. وقد كان على حقّ. مع أنّ نموذجنا ليس كما نتمنّى من حيث تطابقه مع الإسلام - ولا تزال المسافة كبيرة للأسف بيننا وبين الشكل المنشود من تطبيق الإسلام - ولكن بهذا المقدار الذي استطعنا أن ننجح فيه، وأن نُدخل الإسلام إلى المجتمع والحياة، فإنّنا نشاهد آثار ذلك وما أدّى إليه من عزّة وقدرة وتقدّم واستقلال. هذه أحوال يشاهدها الناس. والأعداء لا يريدون انطلاق هذا النموذج، لذلك يحاولون تخريبه أمام أنظار المتلقّين. هذه من الممارسات التي دأبوا عليها منذ بداية انتصار الثورة حتى الآن. إذا كان لدينا نقطة ضعف ضخّموها أمام الأنظار، وإذا لم يكن لدينا ضعف اختلقوه لنا كَذِباً. هذه مسألة ينبغي أن نتفطّن لها. إنّها من الأمور الأساس التي يُركّز عليها العدوّ في إعلامه ضدّ الجمهورية الإسلامية، وجهوده كلّها منصَبَّة على هذا المعنى.

العوامل المُساعدة على إضعاف النموذج وسُبُل مواجهتها :

1ــ عيوبنا الداخلية واستثمار الأعداء لها
ثمّة عاملان يساعدان بعضهما بعضاً في إضعاف هذا النموذج، أحدهما العامل الداخلي، والمتمثل في النواقص الموجودة وتقصيرنا وتقاعُسنا وكَسَلنا والابتلاء بأمور مضرّة بالحركة - كالاختلافات والمُخالفات المتنوّعة والميل للدّنيا والانجرار إليها، والتعطّش للسلطة وعدم التدبير السياسي وما إلى ذلك - هذه أمور ناجمة عنّا ونحن الذين نُوجد هذه النواقص والعيوب. هذا العامل الداخلي يضرّ بهذا النموذج.

العامل الآخر يرتبط بالعدوّ، وهو أن يعمل العدوّ على تضخيم نواقصنا مئات المرّات ويعرضها أمام أنظار الآخرين، مضافاً إلى اتّهامه لنا بالعيوب التي ليست فينا.

2ــ سبل المواجهة
فماذا يجب علينا أن نفعل الآن؟ علينا أولاً أن نهتم لوضعنا الداخلي ونتدارك تقصيرنا ونواقصنا. فإذا أصلحنا هذا الجانب سوف يكفينا الله تعالى العامل الثاني، أي إنّه تعالى سوف يُحبط إعلام العدوّ.

في مناجاة الشاكين المنسوبة للإمام السجاد ، نجد أن أوّل شكوى يبثّها الإمام هي شكواه من نفسه: "إلـهي إلَيْكَ أشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ أَمّارَة، وَإلَى الْخَطيئَة مُبادِرَة ". ثمّ بعد أن يشكو نفسه بعض الشيء يقول: "اِلـهي أشْكُو إلَيْكَ عَدُوّاً يُضِلُّني". الشكوى من أنفسنا أولاً، ثم الشكوى من العدوّ. ينبغي أن نُراقب ونحذر هذا الجانب.

أ ــ إجتناب الممارسات المنافية للأخلاق والشرع
حسناً، من الذي يُراقب وكيف نُراقب؟ الجواب هو: إنّ على المسؤولين والشخصيات البارزة والمثقّفين والعلماء ورجال الدين وأصحاب التأثير في محيطهم؛ يجب عليهم قبل غيرهم أن يراقبوا تصرّفاتهم في مجال طلب السلطة والسعي للدنيا والنزوع للخلافات، وإثارة القلاقل والضجيج والتحرّك بما يتنافى مع الأخلاق. وأريد هنا التشديد على التحرّك بما يتنافى مع الأخلاق.

إنّ إشاعة الإهانات وهتك الحُرُمات في المجتمع من الأمور التي يمنعها الإسلام. يجب أن لا يحدث هذا. إنّ إشاعة هتك الحُرُمات هو مخالف للشّرع وللأخلاق وللعقل السياسي. لا إشكال إطلاقاً في النقد والمخالفة والتعبير عن الآراء بجرأة، ولكن بعيداً عن هتك الحُرُمات والإهانات والشتم والسُبَاب وما إلى ذلك. والجميع مسؤولون في هذا الباب. هذه الممارسات فضلاً عن أنّها توتّر الأجواء وتسبّب اضطراب الأعصاب الهادئة للمجتمع - والهدوء اليوم مما نحتاج إليه - فإنّها تُغضب الله تعالى منّا. أُريد أن تكون هذه رسالة لكلّ الذين يتحدّثون أو يكتبون سواء في الصحافة أم في مواقعهم الإلكترونية الشخصية... ليعلموا جميعاً أن ما يقومون به ليس صحيحاً. المعارضة والاستدلال وإدانة الأفكار السياسية أو الدينية الخاطئة شيء، والابتلاء بهذه الممارسة المنافية للأخلاق والمخالفة للشرع والمتناقضة مع العقل السياسي شيء آخر. إنّنا نرفض هذا الأمر الأخير رفضاً كاملاً وقاطعاً، فهو شيء يجب أن لا يحصل. وللأسف فإنّ بعض الناس يفعل ذلك. إنّني أوصي الشباب خصوصاً وبعض هؤلاءالشباب هم بلا شكّ أفراد مُخلصون مؤمنون وصالحون، لكنّهم يتصوّرون أنّ هذا واجب، لا، بل أقول إنّ هذا بخلاف الواجب وعلى طرف نقيض من الواجب.

ب ــ الحذر من المندسّين وعدم الأخذ بالأكاذيب
طبعاً يجب أيضاً عدم الغفلة عن المندسّين وإغراءات الأعداء الشيطانية وتدخّلاتهم. وكما كان يقول الإمام الخميني مراراً: أحياناً يدخل هؤلاء الأفراد التجمّعات الحماسية الإيمانية المُخلِصة ويجرُّونها نحو اتّجاه معين. يجب عدم الغفلة عن هذه النقطة أيضاً، الغفلة الناجمة عن الانفعال العاطفي وعن عدم مشاهدة أيدي الأعداء. لذلك أطلب من الشباب خصوصاً أن لا يسمحوا باستمرار مناخ الغِيبة والتهم والشتائم والسُبَاب وهتك الحُرُمات. وإذا استمر هذا المناخ فسوف يسري وينتشر - كالمرض المُعدِي - وتجدون فجأة مثل هذه الأمور أحياناً في صلوات الجمعة، وهي أماكن للخشوع والذكر والتوجّه إلى الله، وهذا خطأ في خطأ. إذا كان الشخص يرفض خطيب صلاة الجمعة فلا يحضر خطبته أساساً ولا يقتدي به وليخرج؛ وحتى في الدروس أحياناً وفي المناخات العلمية والدراسية تُلاحَظ أمور من هذا القبيل، وهذا خطأ ومضرّ وبخلاف مصلحة الثورة. إنّها ضربات تُوجَّه، وتوجد شقاقاً وفواصل وتصدّعات في صرح النظام الإسلامي العظيم الشفاف الجليل الذي يسير ويتقدّم بكل اقتدار.

ولديّ نصيحتي للكبار أيضاً. كانت تلك نصيحتي للشباب، والكبار أيضاً بحاجة إلى نصيحة، وهم أيضاً يجب أن يتنبّهوا. اتّخاذ المواقف الصحيحة والتصريحات الصائبة وعدم التأثّر بالأخبار الكاذبة... هذا أيضاً واجب. هناك الآلاف في النظام الإسلامي يبذلون الجهود ويتحمّلون المشاقّ من أجل رضا الله، ويَشقُون على أنفسهم ليل نهار من أجل إنجاز الأعمال وإدارة النظام والنهوض بالواجبات الجسيمة جدّاً طبقاً للمسيرة الإسلامية، ثم يَسمَع المرء خبراً كاذباً فيُشكِّك في كلّ هذه الجهود وفي المسؤولين الحكوميين وغيرهم وغيرهم. هذا أيضاً ليس من المصلحة في شيء وهو خلافها. أولئك الشباب يجب أن يُراقِبوا وهؤلاء الشيوخ أيضاً يجب أن يُراقِبوا. إننا بحاجة للنصيحة في فترة شبابنا والآن أيضاً حيث بلغنا سنّ الشيخوخة.

نتمنّى أن يُعيننا الله تعالى جميعاً لنستطيع – بعونه تعالى - الحفاظ على هذا النموذج الناجح والعظيم جدّاً، وهو نظام الجمهورية الإسلامية، وتسليمه إن شاء الله للأجيال القادمة، فنكون بذلك مرفوعي الرأس عند الله تعالى.


2- سورة الأنعام، الآية 124.
 

2017-02-22