خطاب الإمام الخامنئي(حفظه الله) في الذكرى السنويّة لنهضة 29 من بهمن
2017
ما بعد الثورة ليس كما قبلها: إنجازات عظيمة في زمن قياسي
عدد الزوار: 82خطاب الإمام الخامنئي(حفظه الله) في لقائه أهالي آذربيجان الشرقيّة في حسينيّة الإمام الخميني (قدس سره) ــ الذكرى السنويّة لنهضة التاسع والعشرين من شهر بهمن من العام 1356هـ.ش(19شباط1978)._15-2-2017
ما بعد الثورة ليس كما قبلها: إنجازات عظيمة في زمن قياسي
بسم الله الرّحمن الرّحيم1
الحمد للّه ربّ العالمين
والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين
الأطهرين المنتجبين لا سيّما بقيّة الله في الأرضين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
الإخوة والأخوات الأعزّاء، أرحّب بكم أشدّ ترحيب. إنّ يوم التاسع والعشرين من بهمن
من كلّ عام هو يوم من أيّامنا المفعمة بالحماسة والعظمة في هذه الحسينيّة، وذلك
بفضل حضوركم. وهو فرصة بالنسبة لي أيضاً، أنا المشتاق للقاء أهالي تبريز وآذربيجان
الأعزّاء، فإن لم أستطع زيارة كلّ أولئك الأهالي الأعزّاء، فإنّي ألتقي بجمع من
الشباب، والمسؤولين، والعلماء الأعلام، والشرائح المختلفة هنا في هذه الحسينيّة.
قدمتم خير مقدم . بلّغوا سلامي إلى باقي الأهالي الأعزّاء في تبريز ومدن آذربيجان
الأخرى؛ مندن سلام یتیرون سایر همشهری لَره2 3
آذربيجان وتبريز محور نضال وكفاح
إنّ حادثة التاسع والعشرين من بهمن ليست مسألة تاريخيّة صرفة؛ هي درس،
هي عنوان. أقول لكم هذا أيّها الشباب الأعزّاء: إنّ أهالي آذربيجان وأهالي تبريز
كانوا محوراً من المحاور الأساسيّة للنضال والكفاح، ليس فقط في الثورة، وحادثة
التاسع والعشرين من بهمن ــ حيث أصبحت حادثة التاسع والعشرين من بهمن محرّكاً
لانتصار الثورة في الثاني والعشرين من العام اللاحق [1979]. كانت المحرّك الذي مكّن
من القيام بهذا الأمر؛ كانت المسرّع ــ بل [كانوا] منذ ما يقرب من 120 أو 130
عاماً، في جميع قضايا التحوّل الاجتماعي في البلد والمسائل السياسيّة المهمّة.
فليعلم شبابنا الأعزّاء هذا الأمر. هذه هي هويّة آذربيجان. فسواءٌ في قضيّة
التنباكو والمرحوم الحاج ميرزا جواد مجتهد تبريزي، أو في قضيّة المشروطة -وأحداث
المشروطة في آذربيجان معروفة- أو في قضيّة النهضة الوطنيّة وفصل النفط عن
الإنكليز4؛ كانت آذربيجان واحدة من المناطق المهمّة والمؤثّرة. كذلك في الثورة
الاسلاميّة، وفي الحرب المفروضة، وكذا في الحوادث التي وقعت قبل الحرب، في تبريز
وآذربيجان نفسيهما، لعب أهالي آذربيجان دوراً مؤثّراً.
آذربيجان سد منيع أمام التفرقة القومية
ففي بداية الثورة بدأ البعض بتحرّك معادٍ للثورة بهدف إيجاد شرخ في صفوف
الشعب الإيراني الثوري وشقّ عصاه5. وتصوّروا أنّ المكان المناسب لهذا الأمر هو
تبريز - وكانت هذه دوماً من السياسات القديمة للانكليز والمعادين لإيران - فذهبوا
وبدأوا هناك بإثارة الفوضى. كنت حينها عضواً في مجلس قيادة الثورة، وجرى التباحث
حول المسألة في طهران. كان البعض قلقاً، [لكنّ] الامام قال: لا تقلقوا، فأهالي
تبريز يعرفون كيف يتعاطون مع المسألة. وهذا ما حدث. لم يحتاجوا إلى أحد غيرهم. هكذا
هم أهالي آذربيجان. في فترة الحرب، كانت "فرقة عاشوراء" واحدة من فرق الاقتحام. ولم
تكن تلك الفرقة [وحدها] فحسب، فعلماء آذربيجان، والشرائح المختلفة فيها، وأجهزة
الدعم، كانت جميعها في الميدان. هذا هو تاريخ آذربيجان. لقد وقفت آذربيجان دوماً
كسدّ منيع أمام أطماع من علّقوا الآمال على إيجاد التفرقة القوميّة في البلاد. وهم
اليوم يعملون على هذا الأمر.
العدو يتوسل التفرقة لزعزعة استقرار البلد
حسن، إنّ بلدنا يضمّ لغات مختلفة، وقوميّات مختلفة؛ فهناك التركي،
والفارسي، والعربي، والبلوتشي، واللوري، والكردي. هذا تنوّعٌ، وهذا التنوّع فرصة،
[لكنّ] العدوّ يأمل دوماً بأن يجعل هذا الأمر وسيلة للتفرقة. فالقوميّات الإيرانيّة
الكبيرة [وقفت]، والأفضل من الجميع –حتماً- وقف أهالي آذربيجان وتصدّوا لسياسات
الأعداء الخبيثة هذه. على شبابنا الأعزّاء في جميع أنحاء البلاد أن يلتفتوا إلى
هذه المسألة، وهي أنّ: العدوّ يراقب دوماً، ويريد الاستفادة من كلّ ثغرة يظنّ أنّ
بإمكانه من خلالها زعزعة الاستقرار. وذلك ليهدم أساس استقلال هذا البلد وأساس
الثورة. يريد الاستفادة من جميع الإمكانات، يفتّش ويظنّ أنّه سيجد الثغرات. والحال
أنّه لا وجود للثغرات؛ فالشعب منسجم ومتّحد.
حسنٌ، أنتم أهل تبريز وأهالي آذربيجان، تعون مشاعركم. هذا الشعر الذي ألقيتموه هنا:
"بیعتده وفاداروخ، بیز آنداولا قرآنا"6 نعلمه، وهو من المسلّمات. ولقد أثبت أهالي
آذربيجان هذا الأمر، ليس فقط بالقول، بل بالعمل، وأظهروا أنّهم وقفوا وثبتوا في وجه
العدوّ المخادع والباثّ للفرقة.
قوميات إيران جميعها نبذت التفرقة وناصرت الثورة
أعزّائي، من حسن الحظّ أنّ باقي القوميّات الإيرانيّة هكذا:
فالخراسانيّون هم كذلك - بالرغم من اختلاف المذهب في شرق خراسان- والكرد هم أيضاً
كذلك، والبلوتش كذلك. من بين البلوتش كان هناك علماء وقفوا في بداية الثورة بوجه
أعدائها. ولقد عشت لفترات هناك، وتعرّفت إلى العلماء هناك. دعوني أذكر بعضاً من هذه
الأسماء ليتعرّف الناس إليهم: المرحوم مولوي عبد العزيز ساداتي، من أهالي سراوان؛
شيخ كبير نحيل البنية، وقف بوجه المعادين للثورة والمنتقدين والمعارضين لها، ودافع
عنها؛ كان بلوتشيّاً ومن أهلّ السنّة. في كردستان، خطب المرحوم شيخ الإسلام في
سنندج خطاباً قويًّاً ومحكماً؛ كان من أهل السنّة الكرد من أتباع المذهب الشافعي،
لكنّه دافع عن الثورة، لأنّه رأى أنّ الثورة قد رفعت لواء الإسلام. فاغتاله
المعادون للثورة بسبب ذلك الخطاب، ونال الشهادة بسبب موقفه ذاك. في خوزستان وقف
الشباب العربي أمام هجوم نظام صدّام. فأولئك كانوا عرباً وهؤلاء كانوا عرباً، إلّا
أنّ هؤلاء العرب وقفوا [بوجههم]. فاسم الشهيد علي هاشمي -قائد الشباب العربي
الخوزستاني، [وهو] من أهالي الأهواز- وأسماء هؤلاء لن تُنسى؛ هؤلاء نهضوا. كان
[العدو] يتكلّم العربيّة، وهذا أيضاً كان يتكلّم العربيّة، لكنّه فهم الحقيقة، ووعى
مؤامرة العدوّ ووقف [بوجهها]. هكذا هو باقي القوميّات الإيرانيّة، متقدّمة على
الجميع، وأفضلهم أهل آذربيجان. والآن، فليحيكوا المؤمرات ما شاؤوا، وليعقدوا
الجلسات ما شاؤوا، وليتكلّموا ما شاؤوا، ولينفقوا الأموال ما شاؤوا، وليسحبوا
الدولارات النفطيّة من أكياس "قوارين" [الزمان]؛ ( جمع قارون) وينفقوها على بثّ
الفرقة في البلاد ما شاؤوا؛ لن يستطيعوا.
لا خصومة بين أفراد الشعب: الخصومة بين الشعب ومعارضي
الثورة
الشعب متّحد، ومتعاضد. سأتحدّث اليوم عن هذا الموضوع، وسأتحدّث عن
الثاني والعشرين من بهمن أيضاً، كما سأتحدّث عن المسؤولين ومسؤوليّاتهم؛.علينا أن
ننظر إلى هذه الأمور مجتمعةً.
إنّ الشعب الإيراني قد وقف (نهض)، وهو متعاضد. لقد تعلّم بعضهم عبارات وراح يردّد
"المصالحة الوطنيّة، المصالحة الوطنيّة". لا معنى برأيي لهذا الكلام. فالشعب متعاضد
ومتّحد مع بعضه بعضاً. فحيث يکون الکلام عن الإسلام، عن إيران، عن الاستقلال، عن
الوقوف بوجه العدوّ، يقف الشعب بكلّ وجوده. قد يختلف اثنان في مسألة سياسيّة، وهذا
ما لا يضرّ بالأمر. فلِمَ تتحدثون عن المصالحة؟ وهل هم متخاصمون ليأتوا ويتصالحوا؟
هذه العبارات تطلقها الصحف، ولا تلتفت إلى أنّها تثير الإشكالات. عندما تقول:
"المصالحة"؛ فهذه الكلمة توحي بأنّ هناك خصاماً. والحال أنّه لا خصام في البين.
نعم، إنّ شعبنا يخاصم أولئك الذين قاموا بتوهين يوم عاشوراء. الشعب يخاصم أولئك
الذين أتوا في يوم عاشوراء، ومن دون حياء، عرّوا شابّا تعبويّاً وراحوا يسخرون منه
ويضربونه بقسوة. إنّنا أيضاً لا نتصالح مع هؤلاء، ومع أولئك الذي يعارضون الثورة من
أساسها، ويقولون: هدفنا أساس النظام، ويقولون: الانتخابات حجّة وذريعة بالنسبة لنا.
وهؤلاء بالطبع قلّة قليلة ومعدودة. إنّهم قطرة أمام بحر الشعب الإيراني العظيم؛ ولا
شيء. هذا البحر منسجم ومتّحد؛ هذا الاتّحاد موجود، وينبغي أن يكون موجوداً وينبغي
تعزيزه.
لقد كانت النخب الآذربيجانيّة، بحمد الله، ملتفتة دوماً إلى هذه النكات. وكذا شباب
آذربيجان، وأهاليها من جميع الشرائح، كانوا ملتفتين إلى هذه المسألة، ووقفوا في وجه
مؤامرات العدو، وخدعه، وفعاليّاته (نشاطاته)؛ فدافعوا عن الوحدة الوطنيّة، وضحّوا
بأنفسهم في سبيله. علیكم أنتم في الدرجة الأولى، ومن ثمّ نحن وجميع المسؤولين وعموم
أفراد الشعب، أن نعرف قدر آذربيجان. آذربيجان نقطة قوّة للثورة وللنظام الاسلامي.
هذا هو المطلب الأوّل.
ذكرى انتصار الثورة: مسيرات "مليونية" باعتراف الأعداء
أمّا فيما يتعلّق بالثاني والعشرين من بهمن فأوّلاً، ينبغي أن أشكر جميع
أبناء الشعب الإيراني من صميم القلب. إنّ الثاني والعشرين من بهمن لهذا العام، كان
يوماً مشرّفاً للثورة وللنظام الاسلامي ولإيران الاسلاميّة. فتقديرات المسؤولين
والأشخاص الذين يقدّرون دائماً أعداد المشاركين في التظاهرات، تشير إلى أنّ عدد
المشاركين في المدن الكبرى و70% من المدن الأخرى، قد فاق في بعض المناطق عددهم
مقارنةً بالعام الفائت. وفي بعضها فاقهم بكثير، وفي البعض الآخر زاد إلى الضعفين.
هذا ما أفادته تقارير إحصائيّاتنا الداخليّة. ولم يكن هذا مفاد إحصائيّاتنا فحسب،
بل هو ما صرّح به المتابعون الأجانب، و[اعترف] به أعداء الثورة. أولئك الذين كانوا
كلّ عام يقلّلون من أهمّيّة مسيرات الثاني والعشرين من بهمن، ويقولون: بأنّ عدد
المشاركين لا يتجاوز بضعة آلاف؛ يقولون اليوم إنّها مسيرات مليونيّة.
نعم، هذا صحيح. فملايين الناس قد نزلوا إلى الشوارع في كافّة أرجاء البلاد. إنّ
لساني ليعجز عن شكركم. ومن أنا حتّى أشكركم؟ [فالثورة] هي ملك للشعب. علينا أن نشكر
الله تعالى ونحمده أنْ وجّه قلوب الشعب بهذا الاتّجاه.
أ ــ 22 بهمن؛ "ينظّف" أذهان الناس من المزاعم المضادة
للثورة
الملاحظة المهمّة هي أنّه طوال العام، كانت مئات وسائل الإعلام المدعومة
من جهاز الاستخبارات الأميركيّة (CIA) وجهاز الموساد والاستخبارات البريطانيّة
وأموال "قوارين الزمان" النفطيّة، تثير الدعايات المضادّة ضدّ الثورة. إنّهم يعملون
طوال العام ليل نهار؛ يفتّشون عن عشرات السياسيّين المفلسين الهاربين من إيران،
فيعطونهم المال ليجلسوا إلى طاولاتهم ويحلّلوا، ويكتبوا الأخبار، ويلقوا الخطابات
المعادية للثورة والنظام؛ ويقوموا بتوهين الجميع بدءاً من الإمام وصولاً إلى الشعب،
إلى فعاليّات الثورة المختلفة - حيث سأشير الآن إلى المسألة- ويكيلوا الاتّهامات
للثورة، وللنظام، ويعملوا على إضعافه. يعملون طوال العام، ومن ثمّ يحمل يوم الثاني
والعشرين من بهمن معه وابل الرحمة الإلهيّة هذا، وينهمر هذا الحضور الشعبيّ الهائل
كمطر: ينظّف هذا الجوّ الملوّث والعكر. ينطلق كسيل مبارك في الطرقات، ينظّف أذهان
الناس من الملوثات [التي يثيرها هؤلاء]. هذا هو يوم الثاني والعشرين من بهمن.
ب ــ مسيرات 22 بهمن: الثورة حيّةٌ
لدينا الثاني والعشرون من بهمن، ولدينا يوم القدس، ولكلّ منهما معنى،
وهدف. والشعب يدرك هذا المعنى جيّداً، وينزل إلى الميدان وهو ملتفت ومتوجّه إلى ذلك
المعنى. والآن، من هم الذين يتواجدون في الميدان؟ هذه مسألة مهمّة جدّاً. انظروا
أنتم في مدينة تبريز أو في المدن الأخرى، أو هنا في طهران، إلى هذه الأعداد الهائلة
التي تنزل إلى المظاهرات. أكثرهم لم يصل عمره إلى السابعة والثلاثين عاماً -وعمر
الثورة 37 أو 38 عاماً- أي أنهّم لم يشهدوا بداية الثورة، ولم يروا الإمام. ولم
يشهدوا مرحلة الدفاع المقدّس، ولم يشهدوا عهد الطاغوت وأيّام التضييق المرّة
والسوداء آنذاك، لكنّهم ينزلون إلى الطرقات؛ بذلك الحماس نفسه، وتلك المشاعر نفسها،
وتلك المعرفة، وذلك الفكر النيّر، وتلك البصيرة، يرفعون القبضات، ويطلقون الشعارات
ويهتفون. ما معنى هذا؟ معناه أن الثورة حيّة، وأنّها قد تنامت، وتصاعدت، وهؤلاء هم
نماءات7 الثورة الجديدة. هذا هو جيل الثورة الثالث والرابع الذي ينزل إلى الشوارع،
ويقف بوجه الأعداء ويقول كلمته الحاسمة.
ما بعد الثورة ليس كما قبلها: إنجازات عظيمة في زمن قياسي
إنّ العدوّ يسعى لأن يظهر الثورة غير مجدية. وحتماً ستبوء محاولاته
بالفشل. حسنٌ، لدينا بعض الخلل. فأيّ منطقة في العالم، وأيّ بلد حُلّت ورُتّبت جميع
مشاكله؟ فالخلل موجود في كلّ مكان، ونحن لدينا بعض الخلل أيضاً.وسأشير إلى هذا فيما
يأتي، ولا نغضّ الطرف عنه. لا شكّ في وجود الخلل. لكنّ العدوّ يحاول في مقابل هذا
الخلل، التغاضي عن كلّ إنجازات الثورة وتطوّراتها. لقد أنجزت الثورة والنظام
الإسلامي في هذه السنوات الـ 38 إنجازات عظيمة. توجد في حوزتي قائمة بأهمّ برامج
الثورة على امتداد هذه السنوات الثمانية والثلاثين، والتي تبيّن الأعمال التي
أُنجزت للبلد؛ ومثل هكذا أعمال لا تُنجزها الدول القويّة والنشطة في ظرف مئة عام.
أ ــ طفرة في تقدم البلد على الصعيد العلمي والبنى
التحتية
إذا ما قارنّا الحال بما كان عليه قبل الثورة؛ فإنّ تطوّر البلاد في عهد
الثورة على صعيد البنى التحتيّة -والتي هي مهمّة جدّاً بالنسبة لمستقبل البلد
وتطوّره- قد بلغ في بعض الموارد 1000%، أي عشرة أضعاف؛ وفي بعض الموارد 2000%، إلى
6000%، أي 60 ضعفاً. وإذا ما قارنّا عدد الطلّاب الجامعيّين، التقدّم العلمي، أعمال
البنى التحتيّة، القضايا الثقافيّة الكثيرة والعظيمة، شرف الشعب وعزّته، بمرحلة ما
قبل الثورة، بعهد الطاغوت، بعهد الهيمنة الأمريكيّة، بالعهد الذي كانت فيه طهران
مرتعاً للصهاينة. بحيث كانوا كلّما شعروا بالتعب، كانوا يأتون إلى هنا ويقضون
أوقاتاً ممتعة في "باغ شيان" والذي كان مكاناً مخصّصاً لاستجمامهم. فكانوا يمضون
هنا أسبوعاً، أو عشرة أيّام ومن ثمّ يعودون من حيث أتوا. إذا ما قارنّا هذه
[المرحلة] بتلك، نجد أنّ البلد قد تطوّر، وتقدّم، وحقّق طفرة.
ب ــ عزة ونفوذ على مستوى المنطقة
حينذاك، كان البلد يُدار من قبل حكومة ذليلة. فحكومة الطاغوت كانت حكومة
ذليلة؛ ذليلة لأمريكا، ذليلة للإنكليز، ذليلة للدول العظمى؛ وقد أّذلّت الشعب
وأهانته، وعطّلت طاقات البلد كلّيّاً. وقد سلّمت بعضهم أيضاً إلى العدوّ.
جاءت الثورة وفعّلت الكثير من هذه الطاقات. إنّ البلد اليوم عزيز. فعلى مستوى
المنطقة، وفي أغلب مشاكل المنطقة تقريباً، لن يتحقّق شيء طالما أنّ إيران لا توافق
عليه، ولا تريده، ولا يكون لها مشاركة فيه. لقد أظهر الشعب الإيراني أنّه شعب
مقاوم. هذا ما يصرّح به أعداؤنا في تحاليلهم، ويقولون إنّه لا يمكن مواجهة الشعب
الإيراني. فهو شعب مقاوم، يثبت ولا يستسلم للعدوّ. هذه هي العزّة. إنّهم يقيسون هذه
العزّة بعهد الذلّ الذي فرضوه هم على هذا البلد وهذا الشعب.
22 بهمن: تمسك بالنظام والإسلام والتبرؤء من المتخاذلين
نعم، من الواضح أنّ هذا مصدر سعادة وسرور الشباب الذين ينزلون إلى
الميدان. هذا هو الثاني والعشرون من بهمن؛ هو نعمة إلهيّة، فرصة إلهيّة ليعبّر
الشعب عن نفسه، ويعلن عن إرادته بصوت عال. وما يعتمل في قلوب أبناء هذا الشعب، يظهر
في شعاراتهم في الثاني والعشرين من بهمن في كلّ ناحية من نواحي هذا البلد. إنّنا
نسعى وراء التطوّر، وراء الإسلام، وراء النظام الإسلامي النابع من الشعب، والذي
يمكنه حلّ مشكلاته. هذا هو شعار الثاني والعشرين من بهمن لكلّ عام. وقد وقف الشعب
بقوّة، وكلّ مسؤول ارتأى عدم الوقوف إلى جانب الشعب وعدم الصمود والثبات، فإنّ
الشعب سينحّيه من دون تردّد. هذه هي قضيّة الثاني والعشرين من بهمن.
22 بهمن ليس مؤشرا ـ بالضرورة ـ على رضا الشعب عن
المسؤولين
أمّا المطلب الآخر الذي أريد الخوض فيه، فهو كلام موجّه إلى مسؤولي
البلاد المحترمين. أقول لهم: لا تعدّوا حضور الشعب في الثاني والعشرين من بهمن
مؤشّراً على عدم شكايتهم من أدائنا نحن المسؤولين. الشعب يشتكي؛ يشتكي من كثير من
الأمور التي تجري في البلد. إنّ الشعب يمقت التمييز. أينما رأوا تمييزاً شعروا بعدم
الارتياح والمعاناة. أينما رأوا تقصيراً، وعدم اكتراث للمشاكل، وعدم تقدّم في
الأعمال، استاؤوا وانزعجوا. إنّ الشعب يشتكي. وللثاني والعشرين من بهمن حسابه
الخاصّ؛ ووقوف الشعب في وجه العدوّ المتربّص لابتلاع إيران شيء ــ وهذا ما ظهر في
الثاني والعشرين من بهمن ــ وتوقعاته منّا نحن المسؤولين شيء آخر.
المسؤولون مطالبون بالإهتمام بمشاكل الناس وشكاواهم
حسنٌ، لقد طرحنا [هذا العام] عام "الاقتصاد المقاوم، المبادرة والعمل".8
[العام] يكاد يمضي. نحن اليوم في أواخر شهر بهمن، ينبغي للمبادرة والعمل أن يظهرا.
لقد قلت في بداية العام إنّه ينبغي للمسؤولين جميعاً -أكانوا مسؤولي السلطة
التنفيذيّة والحكومة، أو مسؤولي السلطة القضائيّة، أم مسؤولي المجلس؛ لا فرق بينهم-
أن يُظهروا في نهاية العام ماذا فعلوا من أجل المبادرة والعمل؛ لا تقولوا ينبغي أن
يُنجز هذا العمل، عليكم أن تقولوا لقد تمّ إنجاز هذا العمل. عليهم أن يبيّنوا هذه
الأعمال للناس.
الخروج من المشاكل ميسور: الحاجة فقط إلى الجد والجدية
إنّنا اليوم نعاني مشاكل. لا يمكن التغاضي عن مشاكل الناس وشكاواهم. على
المسؤولين أن يتعاطوا بجدّيّة. إنّ مشاكل كالبطالة، والركود، والغلاء هي مشاكل
مهمّة وموجودة. بالطبع، إنّ المسؤولين يعملون ويبذلون الجهود، ونحن نرى ذلك، لكنّ
الطاقات والاستعدادات أكبر من هذه الأعمال. وسأتناول الموضوع -إن شاء الله- في
الوقت المناسب. لكنّنا لسنا أمام طريق مسدود، وإنّنا في المسائل الاقتصاديّة لسنا
أمام طريق مسدود. المشاكل موجودة، من جانبين، ثلاثة، أربعة، لكنّ منفذَ الخروج من
المشاكل معلوم. كيف يمكن الخروج من هذه المشاكل؟ على المسؤولين أن يبذلوا جهداً.
الأولويّة اليوم للاقتصاد
لقد قلت قبل أربع أو خمس أو ستّ سنوات في خطاب بداية العام أنّ أنظار
أعداء الشعب الإيراني اليوم متوجّهة إلى المشكلة الاقتصاديّة9. إنّهم يحاولون
ممارسة الضغوط على اقتصاد البلد لكي يقع الشعب في المشاكل. وحين يقع الشعب في
المشاكل، يقلّ اندفاعه وييأس. هذا ما يريده العدو؛ يريد للشعب أن ييأس من ثورته، من
نظامه، من حكومته، من بلده؛ لذا فإنّه مارس ويمارس الضغوط في المسألة الاقتصاديّة.
وعلى المسؤولين الالتفات إلى هذا الأمر.
بالطبع، ليست مشكلتنا هي المشكلة الاقتصاديّة فقط. الجميع يعلم بأنّي حسّاس جدّا
للمسألة الثقافيّة، وحسّاس جدّاً لقضيّة العلم، لكنّنا حين ننظر للأولويّات في
المدى القريب، نجد أن المسألة الاقتصاديّة تقع في الأولويّة؛ لأنّ العدّو مهتمّ
بها؛ وهو اليوم.
حرب الأعداء الحقيقية ثقافية وإقتصادية
إحدى مكائد العدوّ، سواء في عهد الحكومة الأميركيّة السابقة، أو في عهد
الحكومة الأميركيّة الحاليّة، أنّهم دائماً يهدّدوننا بالحرب، وأنّ الخيار العسكري
مطروح على الطاولة وأمثال ذلك. وقد قال ذلك المسؤول الأوروبيّ لمسؤولينا أيضاً،
بأنّ الحرب على إيران كانت حتميّة لولا الاتّفاق النووي الذي حصل. وهذا كذب محض.
إنّهم يوحون لنا بالحرب من أجل صرف أذهاننا إلى الحرب، [لكنّ] الحرب الواقعيّة شيء
آخر. الحرب الواقعيّة هي الحرب الاقتصاديّة، والحظر، والاستحواذ على ميادين العمل
والنشاط والتقنيّة داخل البلاد. هذه هي الحرب الواقعيّة. إنّهم يصرفون انتباهنا إلى
الحرب العسكريّة، من أجل أن نغفل عن هذه الحرب. الحرب الواقعيّة هي الحرب
الثقافيّة. كلّ هذه القنوات التلفزيونيّة والمواقع الالكترونيّة المختلفة تعمل من
أجل حرف قلوب شبابنا وعقولهم عن الدين والمقدّسات والعفّة والحياء وأمثالها. إنّهم
يعملون بجدّيّة، ينفقون الأموال على هذا الأمر. هذه هي الحرب الحقيقيّة.
على المسؤولين أن ينتبهوا. لقد طلبت من رئيس الجمهوريّة المحترم أن يذكّر المدراء
[وزراء ومسؤولين] بأن تكون الإدارة مصحوبة بالشفافيّة، والإشراف. على المدير أن
يراقب، ويتابع الأعمال. فالعمل لا يتحقّق بمجرّد أن نقول "فليُنجز العمل الفلاني،
ويجيب الطرف المقابل بكلمة سمعاً وطاعة". ينبغي للعمل أن يكون واضحاً في الميدان
وعلى الأرض ليُنجز. هذه هي الأمور التي نحن بحاجة إليها والتي ينبغي الالتفات لها.
أعدوا لهم ما استطعتم من قوة
أقول إنّ الاحتمال الأكبر لما هو المراد من الآية الشريفة " وأعدّوا لهم
ما استطعتم من قوّة"10، ليس القوّة العسكريّة فقط. بالطبع، إنّ القوّة العسكريّة
مطلوبة، ولكن ليس فقط القوّة العسكريّة. أعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة؛ تعني اسعوا
قدر استطاعتكم في سبيل زيادة قوّتكم الذاتيّة. هذا هو معنى تقوية البنية الداخليّة
للبلد الذي أتكلّم عنه دوماً. قوّوا أنفسكم في الجوانب العلميّة، والتقنيّة، ومن
حيث الإنتاج الداخلي، ومن حيث النفوذ والتأثير في الأسواق الخارجيّة، من حيث الكشف
عن الطاقات الكثيرة الموجودة في هذا البلد، والتي لم تتمّ الاستفادة منها إلى الآن،
واستفيدوا من هذه الطاقات واستخدموها. لقد أعلنّا في السياسات [العامّة] أنّ معدّل
النموّ في البلاد ينبغي أن يصل إلى 8%. البعض قال: إنّ هذا غير ممكن. جاء بعض
المختصّين والخبراء وقالوا: إذا ما لاحظنا الاستعدادات والطاقات، يمكن لمعدّل
النموّ في البلاد أن يزيد عن 8%. ولا يعني النموّ أن نزيد من بيع النفط -بالطبع،
هذا الأمر مفيد، ولكنّه ليس الشيء الذي نقصده- [بل ما نقصده هو] زيادة الإنتاج
وتثبيت وتعزيز الاقتصاد الداخلي للبلاد؛ أي ذلك الاقتصاد المقاوم الذي أكّدنا عليه
وذكرناه مرارا.
معارضو النظام وخدماتهم للعدو
قد يأتي أشخاص ويشيرون إلى النقائص، ويبالغون ويضخّمون المسائل،
ويتغافلون عن ذكر الإنجازات، ولا يقدّمون الحلول. هؤلاء هم أنفسهم من وجّه العدوّ
وهداه إلى فرض الحظر على إيران. وهؤلاء أنفسهم هم الذين يركّزون أكثر من الجميع
-الأقليّة في الداخل، والأكثريّة في الخارج-على نقاط الضعف.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، الشباب الآذربيجاني، أيّها الشجعان في الميادين
الصعبة الذين فزتم في الامتحان، أقول لكم: إنّنا إن سرنا على هذا المنوال،
وبالتعبير الدارج، تقدّمنا بناءً على هذا الأمر، سيكون النصر المؤكّد حليف الشعب
الإيراني. ليفكّر الجميع، وليعملوا، وليبذلوا الجهود، ولينظروا إلى المستقبل،
وليجعلوا المبادئ نصب أعينهم، وليسيروا نحوها، وليحافظوا على هذه الشعلة المقدّسة
حاميةً في قلوبهم.
نشكر الله تعالى أن أبقى على شعلة الأمل في قلوبنا حيّة، بحيث لم نيأس لحظة من
مستقبل بلدنا، وحقّقنا بحمد الله ما هو أفضل ممّا تمنّيناه وأكثر. لكنّ هذه ليست
كلّ أمنياتنا، وليست كلّ مطالبنا، كما أنّها ليست كلّ ما يطلبه الله منّا. لقد
تقدّمنا خطوة صغيرة. علينا أن نخطو خطوات أوسع ونمضي لنحقّق ما وعد به النظام
الاسلامي من تشكيل المجتمع الإسلامي العادل الرائد والمقتدر والعزيز والقوي إن شاء
الله تعالى، وأنا على يقين بأنّنا (من أننا) سنصل إليه، بإذن الله ومشيئته. حفظكم
الله ورعاكم.
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1- في بداية هذا
اللقاء تحدّث آية الله محسن مجتهد شبستري (ممثّل الوليّ الفقيه في المحافظة وإمام
جمعة تبريز).
2- (بلّغوا سلامي إلى كلّ أبناء مدينتكم.)
3- باللغة الآذرية: (بلّغوا سلامي إلى كلّ أبناء مدينتكم.)
4- تاميم النفط. وقد حرصنا على ايراد نص الكلام كما هو.
5- معارضة أمر اتّفقت آراء جماعة عليه، والابتعاد عنهم.
6- هتافات الحضور: نقسم بالقرآن أنّنا سنبقى ثابتين على بيعتنا.
7- منجزات مآثر، نتائج، نجاحات..
8- إشارة إلى شعار العام 1395ه ش.
9- خطابه في حشود الزوّار والمجاورين لحرم الإمام الرضا (عليه السلام) في مشهد
المقدّسة 22/اذار/2011(1/1/1390).
10- سورة الأنفال، بعض من الآية 60.