يتم التحميل...

الولاية وتجلّياتها عند المنتظرين

الأخلاق والثقافة الإسلامية

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: طوبى للصابرين في غيبته! طوبى للمقيمين على محجّتهم! أولئك وصفهم الله في كتابه فقال:

عدد الزوار: 362

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: طوبى للصابرين في غيبته! طوبى للمقيمين على محجّتهم! أولئك وصفهم الله في كتابه فقال: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ1، وقال: ﴿أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ2".

مدخل
لقد تواترت الأخبار والروايات عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت عليه السلام التي تبشِّر بظهور المهديّ في آخر الزمان، لينشر العدل، وينصر المستضعفين في العالم، ولهذا يعتقد المسلمون أنّ قضية المهدوية ضرورة من ضروريات الإسلام على مستوى كون إمامته امتداداً لنبوّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكونه الإمام المفروض الطاعة، وذلك على قاعدة أنّ الإمامة رئاسة عامّة في أمور الدين والدنيا، ووظائفها مستمَدّة من النبوّة، لناحية قيادة المجتمع وإدارة شؤون الأمة والدولة، ومرجعية دينية، وولاية أمر عامّة للمسلمين كافة.

وإن ما يعزّز عقيدة المسلمين بالمهديّ مجموعةُ الأخبار التي أكّدت أنّ الأرض لا تخلو من حجة لله عليها، فقد ذكر الشيخ الكلينيّ في الكافي عدة روايات تتحدّث عن أن الأرض لا تخلو من حجة، نذكر منها قول الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله أجلُّ وأعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل"3. وقد حدّدت الروايات المقصودَ بالحجّة وأنه الإمام المهديّ، فعن الإمام الكاظم عليه السلام قال: "إن الحجّة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام حتى يعرف"4، وورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "إن آخر من يموت الإمام، لئلا يحتجّ أحدٌ على الله عزّ وجل أنه تركه بغير حجّة لله عليه"5.

الولاية وانتظار الفرج
نعيش في عصرنا الحاضر تحت فيء إمامة المعصوم الرابع عشر وولاية الإمام الثاني عشر من الشجرة الطيبة، ونقتات من مائدة ولايته. وإذا كانت يدنا قاصرة عن الوصول إليه، فهل يمكن أن نقول: إنَّ كلمة التوحيد الطيبة فقدت شروطها؟ وهل يمكن أن نعتبر غيبة الولي ذريعة للتنصل من العمل تمهيداً واستعداداً لظهوره؟

لا ريب في أنَّ وظيفة الموالي انتظارُ الفرج، بل يمكن القول إنَّ انتظار الفرج هو أفضل تجلٍّ للولاية، ومن أفضل أعمال المسلمين، كما أشار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: "أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج من الله"6.

لقد عُدّ انتظار الفرج من أفضل الأعمال، ويُعلم من ذلك أنّ الانتظار هو عملٌ وليس بطالةٌ، فلا ينبغي الاشتباه والتصوّر أنّ الانتظار يعني أن نضع يداً فوق يد ونبقى منتظرين حتّى يحدث أمرٌ ما. الانتظار عملٌ وتهيّؤٌ وباعثٌ على الاندفاع والحماس في القلب والباطن، وهو نشاطٌ وتحرّكٌ وتجدّدٌ في المجالات كلّها. وهذا هو في الواقع تفسير هذه الآيات القرآنية الكريمة: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ7 و﴿إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ8. هذا الفرج سيتحقّق، وهو مشروطٌ في أن يكون انتظاراً واقعيّاً، وأن يكون فيه العمل والسّعي والاندفاع والتحرّك9.

فالانتظار الحقيقيّ هو الذي يمهّد الطريق لظهور الحجة عليه السلام، ومن عرَف حقيقة الانتظار، وأدرك تكليفه ووظيفته، وعمل بها، وأجهد نفسه في مسير الإعداد لصاحب الزمان، تعلّق قلبه بإمامه، وجسّد حقيقة الولاية، وكان مصداقاً من مصاديق المؤمنون بالغيب، كما ذكرهم القرآن الكريم.

حقيقة الانتظار وآثاره
لانتظار الفرج مفهومان:

الأول: مفهوم سلبي: يرتكز على مبدأ الاستسلام أمام الفساد والظلم والانحراف، واليأس من إصلاح العالم ونشر العدل قبل ظهوره، بل إن الفساد والظلم من أسباب الظهور.

الثاني: المفهوم الإيجابي للانتظار الذي يستند على أن الانتظار باعث على التحرّك لا الركود وعامل وعي ويقظة، ويطلق عادة على حالة من يشعر بعدم الإرتياح من الوضع الموجود، ويسعى لايجاد الوضع الأفضل والأصلح، وأنه يخلق روح المسؤولية، وباعث للأمل، ومصداق للعبادة، بل لقد تحدّثت الروايات عن أن الانتظار في توأم مع الجهاد. فقد سأل شخص الإمام الصادق عليه السلام: ماذا تقول فيمن مات وهو على ولاية الأئمة بانتظار ظهور حكومة الحق فقال عليه السلام: هو بمنزلة من كان مع القائم في فسطاطه - ثم سكت هنيئة - ثم قال: هو كمن كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ونقل هذا المضمون في روايات كثيرة منها: أنه بمنزلة المجاهد بين يدي رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم. وأنه بمنزلة من استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأنه بمنزلة من كان قاعداً تحت لواء القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف.

تجليات الولاية في عصر الغيبة
بناءً على ما مرَّ من معنى انتظار الفرج، يمكننا تحديد الوظائف الملقاة على عاتق المنتظِر تجاه إمام العصر والزمان، وتجليات الولاية بالصورة العملية، وفق الأمور الآتية:

1- معرفة الإمام:
أشار الدعاء الملكوتيّ الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام إلى أوّل واجبٍ من واجبات أهل الانتظار والولاية: "اللهمّ عرّفني نفسك، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك. اللهمّ عرّفني رسولك، فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك. اللهمّ عرّفني حجّتك، فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني"10.

إنَّ أوّل ما يجب على المؤمن من أهل الانتظار والولاية الالتزامُ به: معرفةُ الإمامة والإمام معرفةً ترتكز على أساس معرفة التوحيد ومعرفة النبوّة. إذ لو أدركنا أنّ النبي خليفة الله الذي يلزم علينا أن نعمل على أساس وحي كلامه، لزم علينا أن نعرف الإمام على ضوء معرفة النبي، وإلّا قد ينتهي بنا القول إلى أنّ الإمامة يمكن أن تتشكّل تحت لواء السقيفة.

لو أحاط المؤمن علماً بهذه الحقيقة النوريّة، فسوف يرتبط بالتوحيد عبر مسار الإمامة والنبوة، ولن يتمسّك بغير الدين في الفكر والعمل. وإن استطاع الوصول إلى هذه المرتبة، استطاع حلّ مشاكله العلمية والعملية كلّها. ففي المجال الاجتماعيّ لن يتبنّى الأنظمة غير الدينيّة، بل سيلتزم بالقانون المتمحور حول أمر الله، لا أمر الناس، ومن هذا المنطلق لن يسلّم إلّا بالقانون الإلهيّ الذي يسعى مقامُ النبوّة والإمامة الشامخ إلى بيانه وتفسيره.

2- الثبات على الدين في عصر غيبته عجل الله تعالى فرجه الشريف:
من أهم التكاليف الشرعية في عصر الغيبة هو الثبات على العقيدة الصحيحة بإمامة الأئمة الاثني عشر، وخصوصاً خاتمهم وقائمهم المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، كما يتوجب علينا عدم التأثر بموجات التشكيك وتأثيرات المنحرفين مهما طال زمان الغيبة أو كثرت ضروب المشككين، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "والذي بعثني بالحق بشيراً، ليغيبنّ القائم من وُلدي بعهد معهود إليه مني، حتى يقول أكثر الناس ما لله في آل محمد حاجة، ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه، ولا يجعل للشيطان إليه سبيلاً يشكّكه فيزيله عن ملّتي، ويخرجه من ديني"11.

3- تجديد البيعة والولاية له عليه السلام:
يعتبر دعاء العهد أحد أهم الأدعية المخصوصة بمنتظِري الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف والواردة عن الإمام الصادق عليه السلام. والدعاء يتضمن جملة من المعارف التوحيدية، ويؤكد على ضرورة الارتباط الدائم بإمام العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ولزوم الاستقامة والدفاع عنه، مع الإشارة إلى الخطوط العريضة لبرنامج حكومة صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف. والدعاء يصف حالات المنتظرين الحقيقيين، ويشير إلى عقد المؤمن العهد مع الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وإشهاد الله عليه، لغرض توكيد هذا العهد الذي على أساسه يكون الداعي في كلّ زمان ومكان من أنصار إمام العصر وأتباعه الذابين عنه والعاملين بسنتّه وسلوكه، سائلاً الله أن يسدده ليبذل مهجته في هذا الطريق: "اَللّـهُمَّ إني أجدد لَهُ في صَبيحَةِ يَوْمي هذا وَما عِشْتُ مِنْ أيامي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ في عُنُقي، لا أحول عَنْها وَلا أزول أبدا،…"12.

4- الارتباط الروحيّ بإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف:
إنّ ما هو مطلوبٌ ومقدورٌ لجميع المحبين والمنتظرين هو إيجاد وحفظ الارتباط الروحيّ والمعنويّ مع الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهو ما يحصل إثر رعاية أدب الحضور والارتباط معه.

وعليه، فالدعاء للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، والقيام بالمستحبّات، والتزوّد بالأعمال الصالحة نيابة عنه، وإهداء ثوابها إلى الأرواح الطيّبة للعترة الطاهرة عليهم السلام، من أفضل السبل لتعزيز الارتباط مع وجوده المبارك، كما أنّ أرقى سبيل لهذه النيابة أن لا يطلب من الإمام مقابل عمله أمراً لنفسه، لأنّ ذلك ينقص من قدر عمله. والوجه فيه: أنّ طلبنا بقدر إدراكنا، كما أنّ إدراكنا في أكثر الأحيان محجوبٌ بحجاب أُمنيّاتنا، ما يكون معه مطلوبنا المترقّب بذلك محدوداً. وعليه، فالأرجح من باب الأدب أن لا نطلب من ذلك الوجود المبارك أمراً خاصّ، لوضوح أنّه من تلك السلالة التي سجيّتهم الكرم13. ومعه، فمن اللائق أن نوكل إليهم مسألة العطاء، نظراً إلى أنّ ما تقتضيه سجيّة الكريم في العطاء أن يكون عطاؤه مستمرّاً وافراً.

5- الاقتداء بسنّة النبي والأئمّة عليهم السلام وسيرتهم:
إنّ إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف هو محيي تعاليم القرآن الكريم النوريّة ومعارف النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة الهدى عليهم السلام، فسيرة إمام العصر هي السيرة النابعة من الإسلام الأصيل والمعارف السامية للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم التي هي من خزائن الله. وقد كان الأئمة المعصومون عليهم السلام الواحد تلو الآخر يبيّنون هذه الحقيقة النوريّة، ويحافظون على هذه السيرة الكريمة.

وعليه، فليس طريق إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف سوى طريق القرآن والعترة، وعلى منتظِر إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف والموالي أن يكون على اطّلاع وإحاطةٍ بالقرآن الكريم وبتعاليمه من جهة، وبسيرة وتعاليم العترة من جهة أُخرى، ليتمكّن من الاقتداء بأئمة الهدى والاستعداد لحضور إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وخدمته.

6- حسن التدبير وعلوُّ الهمّة:
وإلى جانب ما ذكرناه، يجب على أهل الانتظار أن يعزّزوا في أنفسهم روح التدبير على أتمّ وجهٍ، ويسعوا إلى تنظيم الأُمور الاجتماعيّة. وقد أشار الإمام الباقر عليه السلام في روايةٍ إلى جملة خصائص أتباع صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، ووصف علوَّ همتهم حيث قال: "أجرى من ليث، وأمضى من سنان"14.

وعندما يبلغ المجتمع الإسلاميّ درجةً من علوّ الهمّة والتدبير، تتجلى الولاية بأسمى صورها، وتتهيّأ الأرضيّة لظهور حجّة الله المطلَقة.

وختاماً، يمكننا القول: من أراد أن يمتحن صدق انتظاره وولائه، فعليه أن ينظر: هل هو متطلّعٌ ومشتاقٌ إلى إمام زمانه القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ هل يؤدي التكاليف والوظائف تمهيداً واستعداداً لحضوره المبارك؟ هل هو منتظرٌ حقيقيّ أم أنَّه أطلق على نفسه بلا حقٍ عنوان انتظار الحجّة؟!

7- سموّ الفكر والعقل:
يُستفاد من الروايات الواردة في بيان الوقائع والأحداث السابقة على عصر الظهور أنّ يد اللطف الإلهيّ ستنال الأُمّة، فتكتمل عقولهم، وتستعدّ لتلقّي الفيوضات. وهذا التطوّر والتكامل ليس أمراً هيّناً ليُقال بأنّه لا حاجة إلى تهيئة الأرضيّة له، إذ معه ينقلب المرء من جَهولٍ مطبقٍ إلى ذي علمٍ غزيرٍ.

إنّ تعالي مستوى الفكر، والتعقّل والعلم والفهم العامّ، أوّل خطوة في طريق تهيئة الأرضيّة اللازمة لغرض إدراك رسالة الإنسان الكامل، وظهور وليّ الله المطلق. وهذا الأمر الجليل من أغلى وأسمى واجبات ووظائف منتظري الإمام عليه السلام. والسرّ فيه: أنّ المجتمع الذي يكون له مستوى فكريّ رفيع، يتمكّن من أن يدرك حقيقة المعارف الإلهيّة التي يفيض بها الإمام عليه السلام، ويكون أقدر على الوقوف في وجه أمواج الجهل والتجاهل والحسد والرذيلة.

8- طاعة الفقيه الجامع للشرائط طاعة لإمام الزمان:
في عصر الغيبة الكبرى لصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف تتجلى الولاية عملياً من خلال طاعة الولي الفقيه الجامع للشرائط، نائب الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، فطاعته والتسليم لأمره طاعةٌ وتسليمٌ للإمام المعصوم عليه السلام، لأنَّ بحث ولاية الفقيه، كما مرَّ معنا في الدروس السابقة، مرتبطٌ بشكل جذريّ ببحث الإمامة. من هنا، فإنَّ المنتظر الحقيقيّ لا بدَّ أن يكون طوعَ أمر الوليّ، ويؤدّي التكاليف الملقاة على عاتقه على أتمّ صورة ووجه.

9- النشاط والسعي المطلوب في عصر الغيبة:
يقتضي الإدراك الصحيح لمعنى الانتظار والولاية أن يكون للمؤمن الموالي حركة دائمة وسعي دؤوب بقصد تهيئة نفسه ومجتمعه لظهور الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف. والحديث الملكوتيّ الوارد عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام القائل: "ليعدّنّ أحدكم لخروج القائم، ولو سهماً"15 مصباح ينير هذا الطريق الرحب.

ثمّ إنّ اللحظة السعيدة لظهور الغائب تبعث فينا الأمل لنعيش لحظات الانتظار على أحرّ من الجمر، بانتظار الطلعة البهيّة لوجوده المبارك. وهذا الانتظار يدفعنا عقلاً في ضوء الكلام النوريّ لصادق آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم نحو السعي والحركة الدؤوبة لإعداد العدّة وتهيئة الأرضيّة المناسبة لظهوره، ولو كان ذلك بإعداد سهمٍ. وهذا السهم تارةً يكون سهم بيانٍ، وبنانٍ وأُخرى يكون سهماً في المجال العلميّ والعسكريّ. وإن شئتَ قلت: إمّا أن تكون لنا القدرة على شرح وبيان المعارف الإلهيّة وبسطها ونشرها وتبليغها، مع تمييز العقل عن الحسّ والقياس والوهم والاستحسان والخيال والمغالطة، سعياً إلى صيانة هذا المصباح المنير، وإمّا أن نسخّر قوانا وملكاتنا في مختلف الفنون الصناعيّة والمجالات العلميّة، لا سيّما في مجال الدفاع الحربيّ والاستعداد لمواجهة ومجابهة الذين يتوهّمون أنّ مصباح الهداية الوحيانيّ قد خمد وانطفأ، وإن كان الأولى الجمع بين هذين السلاحين.

ومن حسب نفسه أنّه في حال انتظار دون أن يحرّك ساكناً بقصد إعداد العدّة وطيّ مسير المجاهدة - متوهّماً أنّ من لا يعدّ العدّة يمكن أن يكون من بين منتظري الموعود الموجود - فقد وقع في خيالٍ باطلٍ، وليس لانتظاره ثمرةٌ عمليّة منشودةٌ، ولا لموالاته حقيقةٌ وواقع.

10- الولاية ومجاهدة النفس والتحلّي بمكارم الأخلاق:
إنّ المعنى الحقيقيّ للانتظار والولاية يكمن في توفير شروط حضور وظهور صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، فمن لم يجاهد نفسه في هذا السير، لا يُعقَل أن تكون ولايته خالصة صادقة.

ولا شكّ في أنّ منتظري الوجود المبارك لصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف ممّن تخرّج في مدرسة الولاية قد تعلّموا بكلّ صدقٍ درس الصلاح والإصلاح، فعليهم، مضافاً إلى قراءة دعاء الفرج بألسنتهم، قصد تعجيل إمامهم، أن يذكروا ذلك بلسان حالهم، مع إعداد العدّة له. وعلى هذا الأساس، فمن كان انتظاره حقيقيّاً وترقّبُه صادقاً، أمكنه أن يسأل الله سبحانه من أعماق فؤاده، بلسان الحال والمقال، تعجيل الفرج السعيد الميمون لإمام زمانه.

ولنيل هذه المرتبة، ينبغي على المنتظِر أن يعمل بما لديه من علمٍ ومعرفةٍ، وأن يستفهم ما أُشكل عليه فهمُه، كما يلزم عليه أن يرجو الخير لسائر عباد الله، من دون أن تكون له أيّة ضغينة تجاه غيره، وذلك أنّ القلب المشوب بالحقد لا يليق لأن ينال بذرة معرفة صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف ومحبّته.

كما ينبغي على المنتظر الحقيقيّ أن لا يتّكل إلّا على الله، ولا يعقد على غيره الأمل، كما عليه أن يراقب فضاء قلبه، فلا يبيع هذه البضاعة النفيسة بثمن بخس في قبال الشهوة والغفلة، إذ إنّ مَن عرض هذا الثمن وتعرّض له، ما كان إلّا عدو الإنسان، أي: إبليس, لوضوح أنّ هذه المعاملة لا تهدف إلّا إلى الاستئثار بالثمن والمُثمَن، فلا يعود للإنسان سوى الخسران والغبن والضرر.

ومن باع أخلاقه ودينه من الشيطان، استحوذ على تمام هويّته الإنسانيّة، ومن كان كذلك، سعى إلى سلوك طريق ومسير مشفوع بالخسران والفساد، فيكون مصداقاً بارزاً لقوله تعالى: ﴿خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ16.

ثمّ إن ترك التعلّق بالمظاهر الدنيويّة المذمومة مقدّمة لإيجاد الأرضيّة الملائمة لطهارة الروح وصفاء الضمير بالنسبة إلى المنتظر، وعند ذلك يصير بلطفٍ من الله صاحب شامّة يشمّ بها عطر حضور مولاه17. ولا يحصل بهذه الشامّة استشمام الروائح العطرة فحسب، بل تُستكشف الروائح العفنة الناشئة عن الميول الدنيويّة وحبّ الدنيا والنفاق والتفرقة بين المتحابّين، فتنجي صاحبها من الوقوع في هذه المهالك.

* كتاب أنوار الحياة، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- سورة البقرة، الآية 3.
2- سورة المجادلة، الآية 22.
3- الكافي، ج1،ص 178.
4- الكافي، ج1،ص 180
5- الكافي، ج1،ص 180 .
6- كمال الدين:2:357، الباب:55، وبحار الأنوار:52:128، الباب 22.
7- سورة القصص، الآية 5.
8- سورة الأعراف، الآية 128.
9- الامام الخامنئيّ، إنسان بعمر 250 سنة، ص: 374،375.
10- الكافي، 1: 337، باب في الغيبة.
11- كمال الدين ج 1 ص 51، ،بحار الأنوار ج 51 ص 68 ح 10.
12- مصباح الزائر ص 169، البلد الأمين ص 82، مصباح الكفعميّ ص 550.
13- حسبما جاء في الزيارة الجامعة الكبيرة التي ورد فيها أنّ الأئمّة عليهم السلام عادتهم الإحسان وسجيتهم الكرم البلد الأمين: 302، ومن لا يحضره الفقيه، 2: 615-.
14- بصائر الدرجات، 24، الباب 11، وبحار الأنوار، 52: 318، الباب 27.
15- الغيبة، النعمانيّ، 320، الباب 21.
16- سورة الحج، الآية 11.
17- وإلى هذا المعنى أشار الشاعر بابا طاهر في القسم الأوّل من ديوانه قائلاً:
سحر از بسترم بوي گل آيو
أي: لقد هبّ أريج الورد من مرقدي عندما أقبل المحبوب بطلعته -.

2017-02-15