كلمة الإمام الخامنئي في جمع من الشعراء ومداحي أهل البيت
2007
في ذكرى ميلاد سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام.
عدد الزوار: 145
كلمة
الإمام الخامنئي في جمع من الشعراء ومداحي أهل البيت عليهم السلام.الزمان:
14/4/1386هـ. ش ـ 20/6/1428هـ.ق ـ 5/7/2007م.
في ذكرى ميلاد سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام.
بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك لكم جميعاً أيها الإخوة
الأعزاء هذا العيد الكبير وهذا الميلاد السعيد، كما أشكر جميع الحضور المحترمين،
وخصوصاً من شاركوا بفقرات في هذا الحفل، وعرّيف الاحتفال، والمدّاحين الأعزاء،
والشعراء الذين أبدعوا هذه الكلمات، فلقد أضأتم محفلنا وقلوبنا بمناقب ابنة الرسول
الأعظم وسيدة نساء العالمين على طول مراحل التاريخ البشري.
فاطمة الزهراء معجزة الإسلام
إنها لمعجزة الإسلام، وإنها فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) التي نالت
مقاماً رفيعاً وباتت سيدة نساء العالمين رغم سنوات عمرها القصيرة، وفاقت جميع
النساء عظمة وقدسية في تاريخ الإنسانية. فما هي تلك الطاقة، وما هي تلك القوة
الباطنية العميقة التي استطاعت خلال مدة قصيرة أن تجعل من هذا الإنسان محيطاً لا
حدود له من المعرفة والعبودية والقداسة والكمال المعنوي؟
إنّ هذه بحد ذاتها هي معجزة الإسلام.
فاطمة الزهراء دوحة الخير والعطاء النبوي لآل البيت (ع)
وأما البُعد الآخر، فهو النسل المبارك لهذه السيدة العظيمة, الذي يعتبر
مصداقاً حقيقياً لانطباق سورة الكوثر على فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)؛ حتى وإن
لم تأت الإشارة لذلك في آثارنا ومؤلّفاتنا الحديثة. فكل هذا الخير العميم والبركات
المستفيضة هي من أفضال الدوحة النبوية وأئمة الهدى (عليهم السلام) فهم خير كوثر
وعطاء.
إنّ العالم زاخر بالأنغام الفردية والاجتماعية والدنيوية والأخروية الشيّقة التي
جادت بها تلك الحناجر الطاهرة، من الحسين بن علي، وزينب الكبرى، والإمام الحسن
المجتبى، والإمام الصادق، والإمام السجاد، وجميع الأئمة الأطهار.
إنّ كلمات ودروس ومعارف أولئك العظماء كانت مصابيح ساطعة في عالم المعرفة والقيم
المعنوية وعلى طريق الهداية, فهؤلاء هم نسل فاطمة الزهراء.
إننا نحمد الله كثيراً على هذه النعمة السابغة، وهي نعمة ولاية فاطمة الزهراء
والصدّيقة الكبرى(سلام الله عليها) وهو ما نطقت به بعض القصائد التي أُلقيت في هذا
الحفل. فلنحمد الله على أننا عرفناها، ونشكره على تعلّقنا بأذيال عنايتها الطاهرة،
ونحمده تعالى على أن جعلنا ندرك قيمة نعمة وجودها عليها السلام، فتوسلنا بها،
واستلهمنا المعرفة من نبعها العذب، وأحببناها بكل ما أوتينا من عمق المشاعر
والعاطفة.
إنها نِعَمُ الله العظمى، وعلينا أن نحفظها ونرعاها.
لا حياة للمباني العقلية من دون الإيمان
وأما بالنسبة لدوركم أنتم أيها المدّاحون الأعزاء، فإنه مما لا شك فيه
أنّ أسس الدين هي العقلانية والفلسفة والاستدلال، ومع ذلك فإنه لا يمكن لأي من
المباني العقلية والفلسفية والحكمية أن ينمو ويتجذّر ويبقى خالداً في التاريخ دون
أن ينهل من المشاعر العاطفية والإيمان القلبي.
إنّ هذا هو ما يميّز الأديان عن المدارس والإيديولوجيات والفلسفات الأخرى، حيث إنّ
الدين يمسّ المشاعر ويثير العاطفة.
إنّ هناك فرقاً بين الإيمان والعلم، والإيمان والاستدلال، والإيمان والفلسفة،
فالإيمان عاطفة قلبية.
إنّ منزلة الإيمان هي بمنزلة العاطفة والإحساس، فالإيمان يعني المحبة والإخلاص
والعشق. ولهذا فالقلب يفي بدوره، والمشاعر تبقى حيّة متوقّدة على هذه الصورة في
تاريخ الأديان.
• المواقف والسلوكيات تصدر عن الإيمان وليس عن الأفكار
ومع أنه لا يمكن لأي من الفلسفات أن تصمد أمام فلسفة الأديان وفلسفة
التوحيد, ولاسيّما فلسفة كالفلسفة الإسلامية المدونة، إلا أن هذه ليست هي المشكلة
خلال تاريخ الصراعات الفلسفية، فثمة الكثيرون ممن يعرفون الأسس والمفاهيم
الإسلامية، ويدركون الحقيقة، سوى أنهم لم يَكْلَفُوا بهذه الحقيقة.
هل تتصورون أنّ كل من سمعوا تلك الكلمات من الرسول في صدر الإسلام حول مناقب علي بن
أبي طالب وأحقّيته كانوا جاهلين بهذه الأحقّيّة؟ لقد كانوا يعلمون.
إننا قرأنا في الأثر أنهم سمعوا بهذا الكلام من فم النبي(ص)، وكانوا على علم به،
سوى أنه كان ينقصهم الإيمان بما يعلمون والإقرار به، أي الحب والاعتقاد.
فما الذي يحول دون الإيمان؟ إنها أمور كثيرة، ولكن هذا باب واسع آخر.
مديح أهل البيت يقوي الإيمان ويوثق الإرتباط بهم (ع)
إنّ دور الفن، والشعر، والأدب، والحضور في الميادين العلمية والعمل على
ترشيد الروح الإيمانية، لمن أهم الأدوار البنّاءة والمؤثرة.
إنّ لكم أن تفكروا في دور مدّاحي وذاكري أهل البيت (عليهم السلام)، فهو دور يقوّي
الإيمان، وينمّي الثقافة، ويرسّخ المشاعر العاطفية بين الأحبّاء والمحبوبين. ولهذا
فهو دور في غاية الأهمية.
واجب المداحين أن يحدثوا تأثيرا في إيمان المتلقي
لقد كنّا مهتمّين جداً بانعقاد مثل هذه اللقاءات السنوية مع المدّاحين
المحترمين، وظل هذا الاهتمام مستمراً على مدى أكثر من عشرين عاماً منذ عقد
الستينيات وعندما كنت رئيساً للجمهورية، حيث كانت لي كلمة في كل لقاء حول مديح أهل
البيت (عليهم السلام)، ولا أبغي تكرار ما قُلته آنفاً في لقائنا هذا، ولكنني أودّ
أن أقول للأخوة المدّاحين: أن يدركوا قيمة وأهمية هذا العمل.
فإذا وقفتم عل الأهمية ستدركون المسؤولية، حيث إنّ الأهمية لا تنفكّ عن المسؤولية.
فماذا تعني المسؤولية؟ إنها تعني أننا سوف نُسأل. جاء في دعاء مكارم الأخلاق
((واستعملني بما تسألني غداً عنه)).
إذاً فلديكم مسؤولية، أي أنكم ستُسألون. فليكن عملنا استعمالاً بما نُسأل غداً عنه.
وعندما يتضح ذلك، فإننا نتساءل: ثم ماذا؟ وماذا نفعل؟ لقد تحدّث الكثيرون في هذا
الاجتماع من ذوي المسؤولية والكلمة في طائفة المدّاحين، وتحمّل الآخرون مسؤولية
إقامة هذا اللقاء بكل ما فيه من أعباء، وما كل هذا إلا جواب عن السؤال: فماذا نفعل؟
ومع هذا فهو سؤال عريض تحتاج إجابته الى مجلدات.
ولكننا إذا أردنا اقتباس بعض الكلمات من هذه المجلدات فإننا نقول: لنأخذ بالاعتبار
عندما نلقي شعراً أنّ هذا الشعر سيرفع من مستوى إيمان المخاطبين.
إذاً فليس كل شعر يُلقى، وكيفما اتُّفق، بل يجب أن يكون الشعر والأداء معاً مما
يُحدث تأثيراً لدى المتلقّي. في أي مجال؟ في مجال زيادة ما لديه من إيمان وعقيدة.
إنّ الكلام سهل، ولكن الصعوبة في العمل، حيث لا يمكن إصدار الأوامر من أعلى
المنصّة، فيتحقق المطلوب تلقائياً، فهذا أمر عسير. ولكنكم تستطيعون.
إنّ لديكم صوتاً عذباً، وحافظة قوية، وحيوية متدفّقة، وباستطاعتكم تحقيق ما قلناه.
قيمة التجديد في بنائه على القديم
أوصي الشباب بألا يتخلّوا تماماً عن أساليب القدامى، وألا يهملوها.
إنني أوافق على التجديد، فلا غبار عليه، ولكن إذا أردتم بلوغ الكمال في هذا
التجديد، فيجب أن يكون امتداداً لطريقة المتقدمين.
((العُلى محظورة إلا على مَنْ بنى فوق بناء السلف)) لقد شيّد السالفون طبقة،
فأضيفوا إليها أخرى، وعندئذ يرتفع البناء. فإذا ما هدمتم ما قد سلف، ثم جاء من يهدم
ما بنيتم، فإن النتيجة ستكون طبقة واحدة لا غير. تعلّموا محسنات الأساتذة والسابقين
وكل من أبلى حسناً في هذه الصنعة، ثم أضيفوا إليها مما عندكم.
إنّ الأساليب الجديدة إذا ما أُبدعت على هذا المنوال ستكون ممتازة.
ضرورة محفاظ الألحان على التراث الموسيقى الأصيل
لقد سمعنا قديماً من الموسيقيين ذائعي الصيت أنهم كانوا يقولون: إنّ
الذي حافظ على التراث الموسيقي الإيراني الأصيل هم المدّاحون وقرّاء المصائب
واللطميات لـ (علي الأكبر, والقاسم) في ذكرى شهداء كربلاء بأساليب النواح المشهورة.
لقد كانوا يعطون لكل منهم مقاماً وجهازاً وعليه أن يؤدي نَعْيَه على هذه الآلة،
وهذا ما أدى إلى أن تصلنا الموسيقى الإيرانية الشفهية ـ التي لم تكن مدوّنة ولم تكن
لها نوتة ـ فجاء المعاصرون ودوّنوها على النوتة بأدواتهم الجديدة.
فلا ينبغي أن يأتي شباب اليوم، سواء من المُنشدين في الإذاعة والتليفزيون ـ وهم في
وضع يُرثى له للأسف ـ أو من المُنشدين في جماعات بشكل عشوائي وخاطئ، أو يقتبس
موسيقى لأحد المطربين الغربيين أو لمطرب عربي كان يقلّد ذلك المطرب الغربي، ثم
يركّب عليها نظماً وكلمات بصورة أو بأخرى، ويعتبر نفسه مدّاحاً مشهوراً ومبدعاً..!
إنّ هذا ما كان يحدث أيضاً ـ للأسف الشديد ـ قبل الثورة.
لقد أضاعوا الموسيقى الإيرانية الأصيلة التي كان من الممكن أن تشتمل على الموسيقى
غير المحرمة، وللعلم فإن الموسيقى الأصيلة أو التقليدية منها ما هو محرّم، بلا فرق
في ذلك بين الإيرانية وغير الإيرانية.
إنّ الأوضاع تحسّنت في عصر الثورة، ولكن لا ينبغي أن يقوم أحد المدّاحين أو
المُنشدين في الإذاعة والتليفزيون بتقليد المطربين الغربيين أو الأداء على ألحان
موسيقى مجالس اللهو والفسوق بشكل خاطئ، وذلك في مجالس الإيمان والعقيدة والقيم
المعنوية، فهذا لا يجوز، وهو عمل خاطئ.
إننا مع التجديد، ولكن ليس بهذه الطريقة. وهذا فيما يتعلق باللحن والأداء.
ولا ريب أن الصوت الحسن يمكن أن يتحوّل إلى نشاز قبيح إذا ما أدّى لحناً قبيحاً. في
حين أنّ الصوت المتوسط الجمال يمكن تحسينه بأداء اللحن الجميل. فالمسألة كلها في
اللحن الموسيقي.
الشعر الجيد ما يترك تأثيرا في المخاطب
وأما الآن فلنا وقفة مع الشعر، والكلمات.
إنّ ألفاظ الشعر يجب أن تكون ألفاظاً جيدة، فليس باستطاعة كل واحد أن يتعرّف على
الشعر الجيد.
إنّ ما يعتبره الجهلاء شعراً جيداً لا يدلّ بالضرورة على جودته.
فالشعر الجيد لا يعرفه إلا المتبحّرون في الشعر وقضاياه.
فما هي فائدة الشعر الجيد؟ فائدته أن يكون تأثيره عظيماً في المخاطب دون أن ندري،
فهذا هو الفن بعينه.
إنّ الفن البديع هو الذي يترك أثره العميق على المتلقّي حتى ولو لم يعرف أنه بديع،
فهذه فائدته، وذلك دون الفن العادي.
وأما ألفاظ الشعر ومفرداته، فينبغي أن تكون قوية، وجذلة وجميلة، وأن تنمّ عن مفاهيم
جذابة، وأن تكون منتقاة وجديدة وليست بالمكررة، في حين يجب أن يكون الموضوع ـ وهو
بيت القصيد ـ تربوياً.
الشعر الجيد ما كان مضمونه تربويا وينطوي على جديد
إنّ هناك مقولة تسمّى بمقولة الموضوع، وهي غير الألفاظ والمحتويات
اللفظية. أي أنّ الذي تريدون بيانه يجب أن يكون تربوياً. ولنفترض الآن أنّ خطيباً
واعظاً يصعد المنبر، ثم يتحدّث طويلاً دون أن يضيف شيئاً إلى ما يعرفه الحضور عن
هذا الموضوع.
حسناً، لقد أضاع وقته ووقتهم معاً.
وهكذا هم المدّاحون، فما تؤدّونه من أشعار ومديح سيكون فيه إشكال، حتى ولو كانت
ألفاظه جيدة، وحتى لو كان حول الزهراء(سلام الله عليها)، إذا لم تكن فيه فائدة
للمستمع، وما لم يضف شيئاً إلى معلوماته عن هذه السيدة العظيمة ومنزلتها ومكانتها
الجهادية وسيرتها وسجاياها؛ ذلك لأنها معصومة، وحركات المعصومين وسكناتهم تعتبر
درساً وعبرة ونموذجاً يُحتذى.
إذاً .. فمسؤوليتكم جسيمة أيها الأعزاء. إنّ ما تقومون به ليس مجرد كلمات محفوظة
تؤدى بصوت جميل كما قد يتصور البعض، كلا، فالمسؤولية كبيرة للغاية.
فلابد وأن يكون عملكم فنيّاً ومؤثراً وهادياً ومرشداً.
قوى الهيمنة العالمية تجهد لاقتلاع جذور الإيمان من
مجتمعنا
إننا نواجه اليوم مشاكل جمّة، فلا يكاد يقتصر الأمر على أمريكا والطاقة
النووية مع ما له من أهمية، بل إنّ كافة مراكز وأقطاب القوى الفكرية والإعلامية في
العالم يخططون لاجتثاث جذور العقيدة الإسلامية القوية والممتدة في أعماق هذا البلد,
والقضاء على هذا الالتزام والتمسك الشديد بالإسلام والقرآن المترسّخ في حنايا هذه
القلوب المؤمنة.
إنكم جالسون ها هنا وتتصورون أنّ عجلة الحياة تدور من تلقاء نفسها هكذا. كلا أيها
السادة!
إنّ هناك صراعاً وحرباً حقيقية تدور رحاها الآن بين هذا المجتمع وهذا النظام بما
فيه من مفكرين وناشطين ـ وأنتم منهم أيها المدّاحون ـ وبين أولئك الذين يريدون
اقتلاع جذور هذا الإيمان المتأصّل في باطن هذا التراب المقدس وأعماق هذه القلوب
الطيّبة. حيث إنهم أدركوا أنّ مثل هذا النظام وهذا البناء الذي أقيم على مثل هذا
الأساس يتنافى مع ما يطمعون فيه من مصالح جشعة وسلطوية وتوسعية، وأنه لن يستسلم حتى
بمحاولات التسقيط والسيطرة الاستكبارية العالمية.
لقد أدركوا كل هذا، فباتوا يحلمون بالقضاء على هذا الفكر التوحيدي، وعقيدة الولاية،
وحب أهل البيت والقرآن، والتعصّب والغيرة للقيم الدينية، والإيمان بمكافحة
الجائرين، ورفض الرضوخ للظلم، وانكبّوا على محاولة اجتثاث كل هذه القيم من ضمائر
المؤمنين، مستخدمين في سبيل ذلك كافة أنواع الحيل والمؤامرات، دون تكتّم على ما
يفعلون.
لقد أعلن الكونغرس الأمريكي أنهم ينفقون ملايين الدولارات من أجل إشاعة الديمقراطية
في إيران! إنهم يسمّونها ديمقراطية! حسناً، فليسمّونها كما يشاؤون، فالحقيقة لا
تخفى على أحد.
إنّ ما يريدونه هو القضاء على الروح الفكرية المتغلغلة في أعماق هذا الشعب, والتي
تحدو به للسير على سواء السبيل. فهذا هو هدفهم، وهذا هو أملهم.
إنهم يريدون إنفاق أموالهم لبلوغ هذا الهدف. وهي أموال لا تنفق في حقيقتها كثيراً
على الأسلحة والرصاص، بل تُنفق بشكل أساسي على النشاطات الإعلامية والثقافية بوسائل
مختلفة، ونحن بدورنا نقابل ذلك بالردع والمقاومة بل بالهجوم. إنها حرب حقيقية
يتحمّل فيها مسؤوليةً جسيمةً أولئك الذين لهم صلة بإيمان المواطنين ومشاعرهم
وأفكارهم, والذين يتعاطون مع الأسماء المباركة لأئمة أهل البيت عليهم السلام.
فاعرفوا هذه المسؤولية أيها الأخوة الأعزاء، واستخدموها على أفضل وجه.
نحن مدعوون لعدم إثارة النعرات المذهبية سنة وشيعة
إنّ أخباراً سارّة تتنامى إلى أسماعنا والحمد لله، وإن كانت الأجواء لا تخلو من
همهمة.
ولكن ما أريد التأكيد عليه هو موضوع (الانسجام الإسلامي) الذي سبقت الإشارة إليه.
إنّ الانسجام الإسلامي يعني عدم إثارة النعرة العنصرية بين أتباع المذاهب
الإسلامية، فلا ينبغي أن تقوموا بما من شأنه تأليب الآخرين من المسلمين غير الشيعة
ضدّكم؛ لأن هذا هو ما يريدونه.
إنّ الأشقّاء يتناحرون الآن في فلسطين؛ فما الذي تحلم به إسرائيل أكثر من هذا؟.
إنهم من طيفين مختلفين يواجه أحدهما الآخر بدلاً من توجيه نيران بنادقهم نحو
إسرائيل. حسناً، فهذا هو ما يثلج صدور الإسرائيليين.
إنّ وضعا بهذا السوء يساوي ما ينفقونه من أموال طائلة. ولا مانع لديهم في العثور
على تيّارين مختلفين في لبنان ـ مثلاً ـ ودقّ إسفين الحرب فيما بين الأفرقاء.
فيالها من نعمة كبرى تتنزّل على إسرائيل وأمريكا. وهل هذا هو الأفضل, أو أنّ
تنظيماً مثل حزب الله يتقدم لهزيمة إسرائيل ومن خلفه الجميع، سواء منهم من ينبض
قلبه بالإيمان أو من يخشى الرأي العام؟ من الواضح أنّ الخلافات والأوضاع المتزعزعة
تناسبهم أكثر من أي شيء آخر.
وهكذا هو الحال في العالم الإسلامي، فما هو الأرجح بالنسبة لأمريكا، أن تخرج
الجماهير المسلمة في مصر والأردن والعراق وباكستان والهند وتركيا وسواها الى
الشوارع وتهتف لصالح الجمهورية الإسلامية، أو أن تعمل أمريكا على تكميم أفواه هذه
الشعوب، فيتحول بعضها ضد إيران الإسلامية إذا ما رفعت صوتها عالياً دفاعاً عن قضية
ما؟ من الواضح أنهم يفضّلون الخيار الثاني.
فكيف يتم ذلك؟ وكيف يمكن تحقيقه؟
إنه من السهولة بمكان؛ يعملون ما من شأنه إحياء الفتنة المذهبية بين الشيعة والسنة،
فيكذبون على السنة قائلين: بأن هؤلاء شيعة، وإنهم يسبّون الصحابة، ويسخرون من
مقدساتكم، علّهم يستطيعون إحداث الفرقة بين طوائف المسلمين، فهذا هو هدفهم.
إنّ من رفع نداء الوحدة بين الشيعة والسنة كان قد أخذ من البداية كل هذه الأمور
بنظر الاعتبار، فلماذا يتعامى البعض عن ذلك؟ لقد كان إمامنا العظيم الذي دعا الى
وحدة المسلمين أشدّ ولاءاً وإيماناً وحبّاً لأئمة أهل البيت(عليهم السلام) من كل
هؤلاء. فهل كان هو الأعرف بالولاية أم أولئك العوام الذين يرتكبون الجرائم باسم
الولاية ثم يطلقون الخطابات المتناقضة في المحافل العامة والخاصة؟ فعليكم بالحفاظ
على الوحدة.
اطردوا من مجالسكم كل من يتصرف خلاف ذلك، وجاهروا بمعارضتكم لهم، فهؤلاء يلحقون
الأضرار بالوحدة، ويوجّهون ضربة للإسلام والتشيّع والمجتمع الإسلامي، وهذه واحدة من
أهم القضايا.
إنّ الوحدة الإسلامية اليوم تصبّ في صالح النظام الإسلامي والجمهورية الإسلامية،
وكل من يتحرك خلاف ذلك فهو يعمل لصالح أمريكا والصهاينة, وجميع أولئك الذين كدّسوا
في خزائنهم دولارات النفط ولا يريدون أن تقوم قائمة لكيان كالجمهورية الإسلامية
والشعب الإيراني.
نسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً الى طريق الرشاد.
اللهم إنّا نسألك وندعوك أن تشمل بفضلك ولطفك هذه القلوب الطيّبة الطاهرة وهذه
الألسنة التي تلهج بالمدح والذكر والثناء.
اللهم بلّغ سلامنا وسلام شهدائنا وأمواتنا وإمامنا العظيم الى روح الصديّقة الطاهرة
البتول فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) وأرضها عنّا واجعلنا من أتباعها وأوليائها.
اللهم وتفضل على شعبنا بالعزة والرفعة والكرامة، وارضِ عنا قلب ولي العصر والزمان
الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
2017-02-14