كلمة الإمام الخامنئي في الاجتماع الأول لرؤساء السلطات القضائية
2007
أحكام الشريعة الإسلامية الأجدى لمتطلبات الحياة العصرية
عدد الزوار: 126
كلمة
الإمام الخامنئي في الاجتماع الأول لرؤساء السلطات القضائية في البلدان
الإسلامية. الزمان: 14/9/1386هـ. ش ـ 24/11/1428هـ.ق ـ 5/12/2007م.
أحكام الشريعة الإسلامية الأجدى لمتطلبات الحياة العصرية
بسم الله الرحمن الرحيم
نرحّب أجمل ترحيب بضيوفنا الأعزاء
والأخوة والأخوات الذين شرّفونا بالقدوم من البلدان الإسلامية الى بلدهم ووطنهم
الثاني هنا في إيران.
إنّ إيران هي بلدكم، وأنتم هنا بين إخوانكم وأشقّائكم.
اللقاء فرصة ثمينة للتقارب والتعارف بين المسلمين
إنّ هذا الاجتماع الرفيع المستوى يعتبر في نظرنا فرصة ثمينة ينبغي على
الأمة الإسلامية اقتناصها الى أقصى الحدود.
إنّ أول ما يعود علينا من مثل هذه اللقاءات هو التقارب والتعارف؛ وهو ما يجب أن
نعتبره غُنْماً كبيراً.
لقد استغلّ أعداء الأمة الإسلامية غفلتنا نحن المسلمين على مدى عقود طويلة، فباعدوا
بيننا، وجعلوا بعضنا يجهل البعض، وبعضنا يسيء الظن بالبعض الآخر.
إننا إخوة وأشقّاء، ولكننا نتعامل كالغرباء، فلم يكن في وسع الأجانب إلا استغلال
مثل هذا الوضع الذي يسود الأمة الإسلامية. فعلينا بإصلاح هذا الوضع بكل ما استطعنا
من مقدرة، وعسى أن تكون هذه اللقاءات خطوة أولى على هذا السبيل.
التقارب يساعد على تحقيق آمال الأمة الإسلامية
إنّ للأمة الإسلامية أهدافاً وطموحات كتجمّع كبير وتكتل واحد وعظيم
وحيوي.
إنّ هذه الطموحات يتطلّع إليها كافة العالم الإسلامي، فهي لا تخص بلداً دون آخَر.
فعلينا بأن نتقارب ونضيّق الهوّة فيما بيننا، إذا أردنا تحقيق هذه الآمال وإنجاز
هذه التطلّعات، وإنّ على الحكومات الإسلامية أن تكون وسيلة لتقارب شعوبها، فإذا ما
تقاربت سهل عليها تبادل الخبرات والتجارب والعادات والتقاليد، وبالتالي فإن ما
سيعود على الأمة الإسلامية من نفع ومكاسب سيكون أمراً قيّماً وعظيماً.
فقهاء المسلمين مدعوون لاستعادة ثقتهم بأنفسهم أمام
الغربيين لدى إصدار الفتوى
إننا في العالم الإسلامي اليوم نواجه ضربات متوالية يسددها أعداؤنا من
القوى العظمى الى كافة الأمة الإسلامية دون استثناء بلد من بلد أو شعب من آخر، ومن
ذلك القضاء الإسلامي والحقوق الإسلامية.
لقد شرّع الإسلام قوانين قضائية راقية ومتطورة، وإنّ الجميع يشهدون بأن نظام القضاء
في الإسلام يعدّ من أكثر الأنظمة القضائية رقيّاً وتطوراً في العالم.
إننا لو نظرنا الى ما أنجزه العلماء المسلمون في كافة بلدان العالم الإسلامي طوال
قرون عديدة على صعيد الحقوق الإسلامية والقوانين الجزائية الإسلامية والنظام
القضائي، لوجدناه عظيماً ونفيساً.
لقد كان باستطاعتنا إحراز المزيد من التقدم في هذا المجال خلال القرون الماضية مع
الأخذ بالاعتبار قانون التحوّل والتطور، وهو ما لم يقع في عالمنا الإسلامي. لقد
تغلّبت السلطة والقوة الاستعمارية على المجالين الثقافي والحقوقي، كما حدث وتغلّبت
على الصعيدين السياسي والاقتصادي للأمة الإسلامية، وفرضت القوى الاستعمارية سيطرتها
على بلدان الأمة الإسلامية وشعوبها، فبات قضاؤنا فرنسياً غريباً بلا برهان أو دليل.
إنّ هذه هي تحدّيات العالم الإسلامي ومعضلاته.
إنّ العالم الإسلامي يفتقر اليوم الى الثقة بالنفس والتوكل على الله، فعلينا أن
نستعيد ثقتنا بأنفسنا.
إنّ بعض فقهاء العالم الإسلامي يفتقدون ثقتهم بأنفسهم لدى إصدار الفتوى، فيتراجعون
في مواقفهم أمام الهجمات الإعلامية المعادية للإسلام؛ بسبب فقدان الثقة بالنفس في
القضاء.
إنّ العالم الإسلامي في حاجة ماسّة اليوم الى الثقة بالنفس، سواء أكان ذلك على
الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الفكري، أو كافة الأصعدة الأخرى، بما في ذلك نظام
الحقوق والقضاء الإسلامي.
إنّ بعض الفقهاء لا يصرّحون ببعض الأحكام الإسلامية، بل وربما أنكروها؛ لأنها لا
تلقى هوى في نفوس الغربيين، وهذا من أسوأ الأمور.
إنّ لدينا معاييرنا، وهي معايير الكتاب والسنّة، وإنها لفي غاية الجودة والفائدة
على مستوى إدارة الحياة البشرية اليوم ونحن في القرن الحادي والعشرين.
أحكام الشريعة الإسلامية الأجدى لمتطلبات الحياة العصرية
إننا لسنا متأخرين، وإذا ما عدنا لتطبيق الأحكام والشريعة الإسلامية
لوجدناها أجدى وأنجع من الثقافة الغربية؛ لتلبية متطلبات الحياة العصرية للإنسان.
إنكم تشاهدون اليوم تراكمات سيطرة الثقافة الغربية وآثارها في كل العالم.
لقد انعدمت العدالة، وزال الأمن، وتضاءلت روح الأخوّة بين بني الإنسان، وساد العداء
والنفاق والحقد الى ما شاء الله في كل مكان، ولم يعد هناك حدّ لسيطرة القوى الكبرى
على مقدّرات العالم.
حسناً، فهذه كلها هي مخلّفات ونتائج الثقافة الغربية والسيطرة الغربية المفروضة على
عالم اليوم.
انظروا كيف يتعاملون مع الأقلّيات المسلمة اليوم في تلك البلدان التي تدّعي
المناداة بالحرية، وقارنوا ذلك بالمعاملة الإسلامية مع الأقلّيات الأخرى التي كانت
تعيش في البلدان الإسلامية على مرّ العصور.
لقد كان الفاتحون المسلمون يعاملون غير المسلمين بالحسنى والمحبة في البلدان التي
طالها الفتح في عصر الخلفاء الراشدين.
إنّ كتب التاريخ تنصّ على أنّ جاليات يهودية كانت تعيش في منطقة الروم الشرقية
والتي تشكّل اليوم مجموعة من البلدان الإسلامية، فلما انتصر الفاتحون المسلمون
ودخلوا تلك المنطقة أقسم اليهود بالتوراة، وقالوا: (والتوراةِ، لَعَدْلُكُم أحبّ
إلينا مما مضى علينا). فكان هذا منهم تقديراً لعدالة المسلمين.
وما زال الوضع هكذا حتى اليوم في البلدان الإسلامية.
إنّ معنا هنا في إيران يعيش اليهود والمسيحيّون والزردشتيون بحرية تامة، فلديهم
نواب في البرلمان، وهم يقيمون مراسمهم العباديّة ويؤدّون طقوسهم الدينية بكل حرية،
وهكذا هو الوضع في البلدان الإسلامية الأخرى. فهذا هو الإسلام، وما عليكم سوى
مقارنة الإسلام في تعامله مع الأقلّيات بما يتعامل به أدعياء الحضارة وحقوق الإنسان
مع الأقلّيات الدينية، ولا سيّما المسلمين، في بلدانهم.
إنّ عالمنا اليوم متعطّش للعدالة، والأمن، وعدم التفرقة العنصرية، وهو ما لا يتوفر
إلا بالإسلام.
لقد دلّت الثقافة الغربية وبرهنت حضارة الغرب على أنها عاجزة عن توفير العدالة
للبشرية. وما عليكم سوى إلقاء نظرة على الوضع السائد اليوم، وعلى ما يجري في
فلسطين.
إنّ المسؤولين الصهاينة يعلنون بصراحة تامة بأنّ قَدَر أفريقيا الجنوبية وما حدث
هناك في الماضي سيتكرر إذا ما تمّ إقرار المساواة بين الصهاينة والفلسطينيين في
فلسطين المحتلة، أي أنهم يعترفون بالتفرقة العنصرية.
إنّ العالم الخاضع اليوم للمدنية والثقافة الغربية يشهد كل هذه الأحداث دون أن ينبس
ببنت شفة أو يحرك ساكناً.
إنّ مثل هذا الوضع هو ما يدقّ نواقيس الخطر ويحذّرنا نحن المسلمين بأن علينا أن
نستعيد الثقة بالنفس، وأن نتوكل على الله، وأن نعلم بأن الله تعالى سيكون حليفنا
وناصرنا إذا ما اتّحدنا فيما بيننا ومضينا قُدُماً الى الأمام بحكمة وفكر وتدبير
طِبق ما تمليه علينا عقيدتنا الإسلامية.
إنّ علينا أن نحسن الظن بالله تعالى، فإنه سبحانه يذمّ الظانّين به ظنّ السَّوْء،
ويقول: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ
وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ
عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ
وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}1.
إنّ علينا أن نحسن الظن بالله تعالى ونجتنّب سوء الظن به سبحانه. فمتى حدث أنْ قمنا
بواجبنا وبذلنا سعينا ثم خَذَلَنا الله تعالى؟ لقد تغلّبت علينا المشاكل وأُصِبنا
بالخَوَرِ والهزيمة عندما تقاعسنا عن العمل وأداء الواجبات، وإنه لوعد إلهي:
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن
قَبْلِهِمْ}2 وسوى ذلك من الآيات القرآنية.
ضرورة العودة إلى المعارف الإلهية في منظومتنا القضائية
وأما فيما يتعلق بهذا النظام القضائي والحقوقي، فلابد من الأخذ بنظر
الاعتبار بشكل جدّي استقلالية القضاء الإسلامي والثقة بالنفس، وضرورة العودة الى
المعارف الإلهية والقرآنية في منظومة القضاء، وبالإمكان أن تكون هذه الندوات
والاجتماعات عاملاً مساعداً على بلوغ هذا الهدف.
ولحسن الحظ فإن لدى البلدان الإسلامية تجارب جيدة في هذا المجال، ولدينا نحن أيضاً
تجارب جيدة.
لقد اكتسبنا تجارب مفيدة على هذا الصعيد خلال ثلاثة عقود تقريباً مرّت بعد انتصار
الثورة، وبوسعنا جميعاً تبادل هذه التجارب والخبرات، وأن يساعد أحدنا الآخر على
بناء صرح منيع بمعنى الكلمة للقضاء الإسلامي.
لقد اطّلعت على ما طُرح في هذا الاجتماع من اقتراحات وآراء من قِبَل الضيوف
والمُضيّفين يوم أمس.
إنها اقتراحات بنّاءة وطيّبة، وإننا ندعم تطبيق هذه الاقتراحات وتأسيس مثل هذا
الاتحاد، وسنقدّم كل ما لدينا من عون، ولسوف يمدّ كل منّا يده للآخَر؛ حتى تستطيع
البلدان الإسلامية تحقيق ما تصبوا إليه من تقدّم في هذا الحقل إنشاء الله.
على أنني أريد التنويه هنا بأن ثمة مَنْ لا تروق له مثل هذه الاجتماعات، ولا يرغب
في أن نتعاون ونتآلف، وعليكم أن تعلموا بأن هؤلاء المعارضين لن يقفوا مكتوفي
الأيدي.
إنه لابد لنا من التصميم الأكيد على مواصلة التعاون بكل أخوّة وصدق بحول الله تعالى
وقوّته، وأن نسأله سبحانه العون والتوفيق، فهو كافينا ومُعيننا ولن يخذلنا إن شاء
الله.
أتمنى لكم جميعاً إقامة سعيدة في طهران وأن تعودوا إلى أوطانكم بذكريات طيّبة عن
إيران بإذن الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1- سورة الفتح, الآية 6.
2- سورة النور, الآية 55.