كلمة الإمام الخامني في لقائه مسؤولي البلاد في رحاب شهر رمضان
2007
إننا لسنا ضعفاء: المواجة العسكرية معنا سترتد وبالا على المعتدين
عدد الزوار: 107
كلمة
الإمام الخامني في لقائه مسؤولي البلاد في رحاب شهر رمضان. الزمان: 31/6/1386هـ. ش
ـ 10/9/1428هـ.ق ـ 22/9/2007م.
إننا لسنا ضعفاء: المواجة العسكرية معنا سترتد وبالا على المعتدين
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة
والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين وصحبه
المنتجبين سيّما بقية الله في الأرضين.
قال الله الحكيم في كتابه: بسم الله الرحمن الرحيم
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ
ذِكْرًا كَثِيرًا*وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا* هُوَ الَّذِي يُصَلِّي
عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ وَكَانَ
بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا* تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ
لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا }1.
إنها لفرصة ثمينة، حيث يشارك في هذا اللقاء المهم جميع المسؤولين الذين تقع على
عاتقهم مسؤولية إدارة البلاد.
لقد تفضّل رئيس الجمهورية الموقّر بإعطاء تقرير عن مجريات الأمور في البلاد كما
يحدث دائماً، وهو شيء ضروري.
ذكر الله يصون القلوب من ظلمات الأهواء والشهوات
ولكنني أحببت أن أغتنم هذه الفرصة إلى حد ما؛ وذلك للحديث عما له
الأولوية دون الاستنتاجات والتوضيحات والقرارات السياسية، وهو حديث القلب الذي ينبع
من إيماننا الصادق, والذي باستطاعته أن يقوم بدور الروح في البدن, أو النور في
الظلمة, أو بثّ الحياة في الأجسام الساكنة.
ولهذا فقد وقع اختياري على هذه الآيات لنتأمّلها معاً حسب الفرصة السانحة.
إنني أجد من اللازم إعادة وتأمّل وتدبّر قوله تعالى {
اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}2
وأشعر بالحاجة الماسّة إلى ذلك فضلاً عن العمل به.
ولأنني أحسست بحاجتي إلى ذلك فقد بدا لي أنكم وأننا جميعاً في أمسّ الحاجة أيضاً
إلى تدبّر هذه الآية الشريفة والعمل بها.
يقول تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ويأتي
هذا الخطاب بعد تأسيس المجتمع المؤمن وتعرّضه للابتلاءات وامتحانات عديدة.
إنّ هذه الآيات هي آيات من سورة الأحزاب، وقد نزلت بعد السنة السادسة للهجرة، أي
بعد غزوة بدر وأُحد وسواهما من الغزوات، إلى أن جاءت غزوة الأحزاب. وفي مثل هذه
الظروف نجد أنّ القرآن الكريم يخاطب المسلمين بالقول:
{اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} وذلك بدلاً من الغفلة والنسيان.
إنّ الانغماس في الأحداث والنوائب المختلفة والابتعاد عن القضية الأصلية يمثّل
مشكلة عويصة بالنسبة لنا نحن البشر، والله تعالى ينهى عن ذلك، ويأمرنا بذكره
سبحانه، بل بذكره ذكراً كثيراً.
ولعله من المناسب هنا أن أذكّر بهذه الرواية عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
(ما من شيء إلا وله حد ينتهي إليه، إلا الذكر، فليس له حد
ينتهي إليه). ثم يوضّح عليه السلام قائلاً:
(فرض الله عزَّ وجَلْ الفرائض، فمن أدّاهنّ فهو حدّهنّ) ثم يقول:
(وشهر رمضان، فمن صامه فهو حدّه، والحج، فمن حجّ فهو
حدّه).
ونلاحظ هنا أنّ تعبير (فهو حدّه) أتى في الفرائض (إلا
الذكر، فإن الله عزَّ وجَلْ لم يرض منه بالقليل، ولم يجعل له حداً ينتهي إليه)
ثم تلا عليه السلام قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} فهذه هي أهمية
الذكر.
ثم يقول الله تعالى في الآية التالية {هُوَ الَّذِي
يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ}.
وفي تفسير هذه الآية يقول المرحوم العلامة الطباطبائي(رضوان الله عليه) في الميزان:
إنّ قول تعالى {هو الذي يصلي} ورد في مقام
التعليل لفعل الأمر{اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}.
ولا تقتصر الصلاة على المؤمنين على الله عزَّ وجَلْ وحده، بل إنّ ملائكته أيضاً
يصلّون عليكم أيها المؤمنون{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي
عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} والصلاة من الله تعالى بمعنى الرحمة، ومن
الملائكة بمعنى الاستغفار للمؤمنين، وفي هذا يقول القرآن الكريم
{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}.
فما هي العلة إذاً في هذه الصلوات وهذه الرحمة وهذا الاستغفار من الحق جلّ شأنه ومن
الملائكة الإلهيين نزولاً من عالم الغيب ومن الملأ الأعلى عليكم أيها المؤمنون؟
أجاب سبحانه قائلاً{لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلى
النُّورِ} وفي هذا كلام يقصر عنه المقام. ولكنها ظلمات الفكر والقلب
والأخلاق، وذلك في مقابل النور.
إنّ العمل أيضاً يمكن أن يكون ظلمانياً، ويمكن أن يكون نورانياً، وكذلك فكر الإنسان
وعقله وعقائده، وأيضاً أخلاقه وصفاته، وكذلك في نفس السياق تكون حركة الشعوب، فهي
إما أنْ تتجه نحو الظلمة، وإما نحو النور.
إنّ الشهوات والعنف الحيواني والجشع وحب الدنيا إذا ما تمكّنت من الفرد أو المجتمع
أو السلطان فإنها تكون ظلمة، وحركة ظلمانية، واتجاهاً ظلمانياً، وهدفاً ظلمانياً.
وأما إذا ما غلبت عليه المُثُل والقيم المعنوية والعقيدة الدينية والصفات الإنسانية
والفضائل الأخلاقية وحب الخير والصدق والإخلاص، فإن هذه هي النورانية، وهو ما
يدعونا إليه القرآن.
إنّ الله تعالى وملائكته يجهّزوننا للخلاص من تلك الظلمات والدخول بنا إلى ساحات
النور، وكل هذا بفضل ذكر الله تعالى ذكراً كثيراً.
على أنّ الذكر الإلهي لا يقف عند حد، بل له مراحل متعالية، ولكل منّا نحن البشر
مرتبتهُ ومنزلته، فلسنا جميعاً على وِزَانٍ واحد.
إنّ البعض يتمتع بمرتبة ساحقة من الناحية الروحية كالأولياء والأنبياء والصالحين
وأصحاب القلوب الوالهة والقرب الإلهي.
وأما البعض الآخر، كأمثالنا، فلا حظَّ لهم في تلك الدرجات العُلَى، بل إنّ بعضنا لا
يدري حتى ما تحفل به تلك المنازل، ومع ذلك فالذكر لنا ولهم أيضاً، ولكن الذكر لهم
فهو كما جاء في رواية عن أمير المؤمنين(عليه الصلاة والسلام) حيث قال:
(الذكر مُجالسة المحبوب) فلذّةُ الذكر بالنسبة
للأولياء تتمثل بالمجالسة.
ثم يقول عليه السلام في رواية أخرى (الذكر لذّة المحبين)
وهذا هو حال المحبّين والعشّاق الإلهيين.
هنيئاً لكم إذا ما انطلقت شرارة أو أضاء قبس من هذا الشعاع في حياتكم، ولاسيّما في
مثل هذه الأيام والليالي، وهو ما قد يحدث أحياناً، ولكنه دائم الوقوع لأولئك
المقرّبين (طوبى لأولئك الذين هم دائماً في صلاة)
فهذا من نصيب هؤلاء، ومع ذلك فقد تقدح شرارة لمن دونهم في الدرجة والمنزلة، وهو
بحدّ ذاته فضل عظيم.
إنّ هذه إحدى مراحل الذكر، وهي خاصة بالمحبّين وأصحاب العشق الإلهي، ولكن هناك
فوائد جمّة للذكر تعود علينا نحن الذين لم نبلغ تلك المرتبة الشامخة، وقد دوّنت
ملاحظات حولها، ومنها: (التغلب على الرغبات المادية
والأهواء المضلة).
إنّ الذكر يحمي نفوسنا ويدفع عنّا هجمات تلك النزوات الطائشة، ولاسيّما تلك التي
تستهدف القلب، فهو سريع الاستجابة لها.
إنّ قلوبنا وأرواحنا سرعان ما تصاب بسهام الأهواء.
إنّ الأشياء التي تؤثر فينا عادةً ما تجذب القلوب بمختلف أنواع الجاذبية.
إنّ القلب منزل الذات الإلهية المقدسة، وفيه يتجلى المولى سبحانه، وإنّ قلب الإنسان
يحتل أرفع منزلة في الكيان والوجود الإنساني، أي عمق وحقيقة الوجود الإنساني، فلابد
له من حامٍ إذا ما أردنا الإبقاء عليه سليماً معافى، وهذا الحامي والحارس هو الذكر.
إنّ الذكر لا يدع القلب هدفاً سائغاً تنال منه هجمات الأهواء النفسية الضارية.
ذكر الله أحد ركني النصر في سوح القتال
وإنّ الذكر يحول بين القلب والانغماس في الفساد والغوص إلى مستنقع
الشهوات المدمرة. لقد صادفتُ رواية رائعة في هذا الصدد تقول:
(الذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارّين).
ففي ميدان الحروب نجد مقاتلاً يستميت في الدفاع، ويُفرغ كل طاقاته لتوجيه ضربة
قاصمة للعدو وصدّ هجماته، كما نجد جندياً آخر قد يلوذ بالفرار، ولا يحتمل ضراوة
المعركة، فيتخلى عن ساحة القتال للعدو.
إنه لتشبيه بليغ ذلك الذي أوردته هذه الرواية، حيث جاء تشبيه الذكر بالمقاتل،
فالمقاتل يصد هجوم الأعداء، والذكر يدرأ الأخطار عن الثغور، ويحمي حدود القلوب في
مواجهة أعتى المُضلاّت.
ولذلك يقول الله تعالى في الآية الشريفة، وهي من آيات الجهاد:
{إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا}3
ثم يقول {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} حيث رتّب
النصر والفلاح على الثبات وذكر الله تعالى.
فلماذا ذكر الله؟ لأن الذكر يقوّي القلوب، فإذا قويت القلوب رسخت وثبتت الأقدام.
إنّ القلوب الهزيلة تفرّ في معارك القتال قبل أن تفرّ الأقدام وتنسحب الجيوش،
فالأفئدة هي التي تدفع الأبدان إلى التقهقر، فإذا ما ثبتت القلوب ثبتت الأبدان.
إنّ عليكم بذكر الله في ساحات الحروب، عسكرية كانت أو سياسية أو اقتصادية أو
إعلامية، فذلك يؤدي إلى التوفيق والفلاح.
إنّ ذكر الله هو ضمانة ثبوت الأقدام.
وعلى هذا، فإن الذكر يساعدنا على السير في ذكر الصراط المستقيم وتحقيق السّبْق
والتقدم.
نحن "المسؤولون" أشد حاجة للذكر من سائر الناس
إنّ الهدف الذي رسمناه لأنفسنا كمسلمين ومؤمنين وأتباع لدين كامل نتوق
لتشييد ذلك الصرح الشامخ الذي يُنبئ عن ازدهار الحضارة الإسلامية في غد الأيام،
لابد لنا فيه من ذكر الله؛ حتى يتسنّى لنا المضيّ قُدُماً على هذا الطريق.
إنني وأنتم أشدّ حاجة للذكر من سائر الناس، ويعود السبب في ذلك إلى أنّ ثمة فرقاً
كبيراً بينكم وبين الآخرين، وهذا ما دعاني إلى القول في البداية بأن علينا اغتنام
فرصة هذا اللقاء، ويتجسّد هذا الفرق في تحمّلكم المسؤولية للدفاع عن سواكم من
المواطنين والحفاظ على حقوقهم، وهي مسؤولية مؤثرة.
فإذا ما أحكمتم قبضتكم على الأخذ بزمام هذه المسؤولية، أو ضعفتم في الحفاظ عليها،
أو تخلّيتم عنها بصورة نهائية، فإن الظروف والأوضاع ستختلف عن أولئك الذين لا تقع
على كاهلهم مسؤوليات كبرى وأساسية.
إذاً فأنتم أحوج ما تكونون للذكر قبل الآخرين.
إنّ ذكر الله الذي يتحكّم في قلوبنا سيترك أثره بلا ريب على سلوكنا وأخلاقنا,
والقيام بواجباتنا, وتحمّل مسؤولياتنا, والاجتناب عن الخطايا والذنوب, وكل ما يأتي
بالوزر والوبال ويستوجب الغضب الإلهي.
الذكر أن تذكر الله عندما تهم بالمعصية
حسناً، فما هو الذكر إذاً..؟
هناك روايتان، إحداهما عن أبي عبد الله الإمام الصادق(عليه السلام)، والثانية عن
أبي جعفر الإمام الباقر(عليه السلام) وهي ما لفتت انتباهي. يقول الإمام الباقر(عليه
السلام): (ثلاث من أشدّ ما عمل العباد).
فالأولى (إنصاف المؤمن من نفسه). بمعنى أنّ
الأمر يدور بين غمط الحق من أجل المصلحة الذاتية، أو تجاهل المصلحة الذاتية من أجل
إحقاق الحق، فيختار الثاني. أي إنصاف الخصم من أنفسنا وإحقاق حقوقه إذا كان الحق في
جانبه، حتى ولو استوجب ذلك الحقارة والإحراج، وهذا سلوك شاق، ولكنه مهم.
ولهذا وصفه الإمام الباقر(عليه السلام) بأنه من أشدّ ما عمل العباد. وبالطبع فإن
الانجازات الكبرى لا تتحقق إلا بالجهد الشديد.
والثانية(ومواساة المرء أخاه). وهناك فرق بين
المواساة والمساواة، فلا تشابه بينهما.
إنّ المواساة تعني مساندة المؤمن للمؤمن في كل شؤونه، ومدّ العون له في جميع
الأحوال من فكرية أو مالية أو بدنية أو اعتبارية. فهذه هي المواساة.
وأما الثالثة، فقوله(عليه السلام): (وذكر الله على كل
حال) ويوضّح الإمام(عليه السلام) ذلك بقوله:
(وهو أن يذكر الله عزَّ وجَلْ عند المعصية يهمّ بها) فيحول الذكر بينه
وبين ارتكاب المعاصي بأنواعها من الكذب والغيبة والجحود والظلم والإهانة وأكل مال
الناس وبيت المال والضعفاء وغمط حقوق الآخرين.
فالذكر هنا يقوم بدور المانع والحاجب له عن اقتراف هذه الآثام أو الاقتراب من تلك
الخطايا.
يقول الإمام الباقر(عليه السلام): (فيحول ذكر الله بينه
وبين تلك المعصية، وهو قول الله عزَّ وجَلْ إنّ الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من
الشيطان تذكروا) وعندئذ، وهم لم يرتكبوا المعصية بعد
{ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} وهذا هو معنى
(ذكر الله على كل حال).
وأما الرواية الثانية، والتي جذبت انتباهي أيضاً، فعباراتها تكاد تكون مشابهة
لعبارات الرواية السابقة.
فالإمام الباقر يقول في الرواية السابقة(وذكر الله على كل
حال).
ويقول الإمام الصادق في هذه الرواية الثانية (وذكر الله
في كل المواطن) إلا أنّ المثير للانتباه في هذه الرواية فهو توضيح
الإمام لذكر الله بالقول: {أَمَّا إنَّي لا أقول سبحان
الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وإن كان هذا من ذاك) فما
المراد إذاً...؟ يقول عليه السلام: (ولكن ذكره في كل موطن
إذا هجمت على طاعته أو معصيته) فالتعبير بالقول (هجمت) ورد في الرواية
التي طالعتها، وإن كنت أظن أنه تصحيف عن (هممت) وهو الأرجح باعتقادي.
إنّ الأذكار والأدعية والأوراد الواردة في رواياتنا، وكذلك تسبيحات الزهراء (عليها
السلام) تعتبر جميعاً من وسائل وأدوات ذكر الله، وأيضاً ما سوى ذلك من أذكار، فعلى
الإنسان أن يجريها على لسانه عارفاً بحقائقها في أعماق قلبه ومدركاً لمعانيها حتى
يتحقق المراد.
مثال القيم المعنوية في أجلى صورها شباب "الدفاع المقدس"
إنّ المقولات في هذا المجال لا تكاد تنتهي، حتى وإن تحدّثنا حولها ساعات
وساعات فإن ذلك لن يكون كثيراً على تلك المفاهيم المعنوية الرفيعة.
إنني أقول لكم بصدق: إننا متخلّفون كثيراً، وإننا لم نُعطِ التربية الإسلامية بقدر
ما يقتضيه النظام الإسلامي.
إنّ البعض يقولون: بأنه كان باستطاعتنا إحراز المزيد من التقدم في مقولات البناء
والتكنولوجيا وسواهما من مشاريع التطور العلمي والتقني، ولكننا لم نفعل.
إنّ الحقل الذي كان يجب علينا التقدم فيه أكثر من سواه ولكننا لم نفعل هو حقل القيم
المعنوية وبناء الذات وتطهير القلوب وتهذيب الأخلاق.
إننا متأخرون جداً في مثل هذه الميادين.
إننا إذا ما بحثنا عن النموذج المطلوب في هذا المجال، لتجلّى لنا واضحاً في مرحلة
الدفاع المقدس.
إنّ أولئك الشباب الذين كانوا يقاتلون في الجبهات، وأولئك الآباء والأمهات الذين
بعثوا بهم إلى الجبهات، وتلك العوائل التي كانت تساند الجبهات بكل حب وشوق، كانت
تتفجّر في صدورهم أنبل المشاعر والأحاسيس.
إنها نماذج جيدة وممتازة، ولكننا لا نقول بأنها مثالية. لقد كان يجب علينا أن نسير
على ذلك المنوال، فلم نفعل.
إنّ بعضنا يكاد ينسى ذلك أحياناً، بل وينكره بعضنا للأسف الشديد!
والأسوء من ذلك أنّ البعض يعتبره نوعاً من الخطأ! وهو ما يتجاهرون به في بعض
التصريحات.
إنّ بعض تلك التصريحات الهوجاء والبعيدة عن الرصانة التي تتردد هنا وهناك أحياناً،
تقوم حتى بتخطئة تلك السلوكيات الرائعة والمقدسة التي كان يتحلى بها مقاتلونا
وشبابنا في أيام الدفاع المقدس.
إننا غالباً ما نجهل تفاصيل وجزئيات ما كان يحدث لمقاتلينا من حالات روحية في جبهات
الحرب، حتى القادة، وحتى إنّا لا نستطيع الادّعاء بأننا نعلم بكل ما كان يحدث لهم.
لقد تغيّر ميزان التحوّل والارتقاء في مدارج الصفات السامية والفضائل الإنسانية
بصورة لا يمكن تصديقها.
لقد طالعت أخيراً كتاباً يشرح وقائع بضعة أيام لإحدى هجماتنا على العدو، وذلك على
لسان أفراد قلائل كتب لهم البقاء من بين العديد من أفراد فرقة أو كتيبة أو لواء أو
فيلق، فقاموا بتقديم جانب من تلك الأحداث.
إنّ مؤلف هذا الكتاب، والذي يتمتع حقيقة بقلم جذّاب وذوق رفيع، قام بتسجيل تفاصيل
تلك الوقائع التي سمعها من لسان أولئك الأشخاص، فأخرج لنا كتاباً جذّاباً بلغ
ستمائة أو سبعمائة صفحة تقريباً.
ولنأخذ مثلاً عمليات الفاو. إننا لا نعرف إلاّ أنّ مقاتلينا عَبَروا نهر أروند،
وحرروا الفاو، واستولوا على مصنع الملح، وهكذا، أي أننا لا نعرف سوى المشهد
الإجمالي لتحرير جزيرة الفاو، وأما التفاصيل فلا علم لنا بها.
إنه لمشهد فنّي رائع أبدعته أصابع فنان ماهر، فوقفنا نتطلع إليه من بعيد بدهشة
وإعجاب دون أن نقترب منه قليلاً لنقف على حقيقة هذا الإبداع العظيم.
لقد قدّم البعض هذه الروائع، وما شاهدته ليس سوى واحد منها، وكلنا أمل أن تعود تلك
المشاهد الرائعة إلى آفاق حياتنا من جديد.
لقد كان ذلك تقدّماً على نطاق الأخلاق، وهنا يدرك المرء مدى تأثير التعاليم الإلهية
والإسلامية والإيمان بالغيب على حياة الإنسان.
لقد كان من اللازم تكريس تلك الأخلاقيات، وهو ما لم يحدث كما ينبغي، فلابد أن نعمل
على تهذيب أنفسنا أكثر من ذلك.
تاريخنا تاريخ الحكومات الإستبدادية الجائرة
وبعد هذا فإنني أريد أن أقول لكم: أيها المسؤولون الأعزاء، يا من حملتم
على كاهلكم مسؤولية المضيّ قُدُماً بالحكومة والسلطة القضائية والقوات المسلحة
وسائر المؤسسات الحكومية، لقد حققتم إنجازاً كبيراً أنتم ومن سبقكم من مسؤولي
النظام والجمهورية الإسلامية منذ قيامها وحتى الآن. وكتبتم صفحات رائعة من التاريخ،
وسجّلتم سبقاً عظيماً.
إننا لو ألقينا نظرة على تاريخنا المدوّن والممتد على طول آلاف السنوات من بدايته
وحتى الآن لوجدنا أنّ شعبنا كان يرزح تحت نير حكومات ديكتاتورية وأنظمة استبدادية
تقوم على حكم الفرد بلا إيلاء أدنى أهمية لصوت المواطنين.
لقد كان هذا هو تاريخنا، وكانت تلك هي حكوماتنا. وحتى أولئك السلاطين الذين نُكنّ
لهم الاحترام، من الغزنويين والسلاجقة, ومن بعدهم الصفويين بما فيهم الشاه عباس
والشاه إسماعيل والشاه طهماسب، كانوا جميعاً على ذلك المنوال.
إنّ هؤلاء هم مُلوكنا الجيّدون، ولكن كيف كانوا يحكمون هذا البلد مع كونهم جيّدين؟
وكيف كانوا يعينون الحكومة ويديرون المؤسسة الحكومية؟ لقد كان هناك شخص واحد فقط
يأخذ بمقاليد السلطة، والباقون يقدّمون له فروض الطاعة. وبهذا كانوا يمتصّون دماء
الشعب دون أن تكون للجماهير أهمية تُذكر.
لقد كان السلطان يخاطب وزراءه قائلاً: أيها العبيد. وكانوا عبيداً له حقاً.
إنّ ناصر الدين شاه ومحمد شاه وفتحعلي وسواهم مَنْ جاء خلفاً لهم كانوا يقولون
للوزراء ولرئيس الوزراء: إنكم عبيد صالحون. لقد كانت تلك هي الثقافة السياسية في
بلادنا.
وإذا كان الوزراء ورئيس الوزراء عبيد للسلطان، فما بالنا بمن دونهم من المسؤولين،
بل وما بالنا بالمواطنين العاديين؟
لقد كانوا هباءً منبثا وكأنه لا أثر لهم ولا وجود.
يقول الشاعر:
عندما يباع الجمل بسعر الأوزة
فلا قيمة عندها للحمار..!
أما حاضرنا فنظام ديمقراطي حقق إنجازات كبرى للشعب
لقد كان يسيطر على مقدرات البلاد عدد معدود من ذوي السلطة، بل كان
يتحكّم فيها فرد واحد. فهذا تاريخنا.
وأما أنتم أيها المسؤولون فلقد جعلتم من هذا البلد وهذا الشعب وهذه الثورة نظاماً
يديره جميع أفراد الشعب وتنتخبه الجماهير.
إنّ الانتخابات الحرة هي التي تتحكّم بتعيين القائد ورئيس الجمهورية ونواب
البرلمان.
إنّ أصوات الجماهير هي التي تحدد مصير المؤسسات التي تخضع للانتخابات. وكما تعلمون
فإن مؤسسات من قبيل القوات المسلحة والسلطة القضائية لا تخضع لنظام الانتخابات وهذا
معمول به في كل بلاد العالم.
وأما المؤسسات الأخرى فلها معايير مختلفة، فكان لابد من وجود الانتخابات لتحديد
مسارها.
إنكم أنتم من أسّستم مثل هذا النظام.
إنّ الانتخابات هي صاحبة الكلمة الأولى في هذا البلد منذ ثمانية وعشرين عاماً. ومع
ذلك فإن النقد يطال الانتخابات في بلادنا. وهل ثمّة حقيقة في هذا العالم سَلِمت من
النقد؟
لقد طال النقد حتى الذات الإلهية المقدسة، ولم يسلم من لذعات لسانه حتى الأديان
السماوية. فهل ثمة ديمقراطية أفضل وأظهر من ذلك؟ حسناً، لقد كان هذا فيما يخص
ماضينا التاريخي، وهي مرحلة مفصلية.
وأما الآن، فانظروا إلى أوضاع العالم. إنكم تقدّمون اليوم حقيقة جديدة لهذا العالم،
لقد ظل العالم يخضع لنظام الحاكم والمحكوم ولاسيّما بعد ظهور ظاهرة الاستعمار التي
جرّت بالكثيرين إلى أتون الحرب العالمية في القرن الماضي.
إنّ بعض القوى والحكومات تفرض سيطرتها على بلدان أخرى، وترى أنّ هذا من واجباتها!
وأنّ على الآخرين أن يخضعوا لهذه السيطرة. وكما يقول ذلك الكاتب وعالم الاجتماع
الغربي المعروف والذي يوجّه نقده للسياسات الغربية والأمريكية فإن أثرياء البلدان
المتسلطة هم في الحقيقة أغنياء البلدان السلطوية.
إنّ السلطة في أيديهم، ولكن المال ليس لتلك البلدان جميعاً، وعلى أثرياء البلدان
الخاضعة لسلطتهم أن يخضعوا هم أيضاً لسيطرتهم، وهذه هي الحقيقة، وهذا تحليل صحيح.
لقد قمتم أنتم باستنكار هذا النظام العالمي السلطوي الجائر، ولم تحيدوا عن ذلك،
وهذا هو المهم.
{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ
اسْتَقَامُوا}.
لقد رُفعت في العالم شعارات كثيرة، وظهرت حكومات وثورات شعبية متعددة، ولكن أن
تستطيع ظاهرة ثورية الحفاظ على نفسها، وتعميق أصولها، وصدّ هجمات أعدائها، وتحقيق
انجازات جمّة على مدى ثمانية وعشرين عاماً، وتحدّي معارضيها المستكبرين المتغطرسين
الذين ينظرون إليها على أنها ليست سوى دولة من دول العالم الثالث كما يقولون، فإن
هذا دليل على أنكم بدأتم مرحلة تاريخية جديدة.
فعليكم ألاّ تستهينوا بهذا الانجاز وهذه المسؤولية الجسيمة.
مسؤوليتكم مواصلة المسيرة حتى بلوغ الأهداف
حسناً، فما هي نتيجة تقدير هذا الموقع وهذه المسؤولية؟ لا شيء سوى
مواصلة المسيرة حتى بلوغ الهدف. ليس لكم أن تشعروا بالإنهاك أو تتوقفوا في منتصف
الطريق، وعليكم أن تكتشفوا عوامل الفشل والخضوع وتتغلبوا عليها.
إنّ هناك أسباباً نعرفها ويعرفها الجميع تؤدي إلى هزيمة الشعوب. ومن ذلك اختلاف
الكلمة، وإعطاء الفرصة للمستغلين وأصحاب النفوذ من الأعداء، والتساهل والاستهانة،
والشعور باليأس من تحقيق الأهداف، والاستهانة بالعدو وغضّ الطرف عن ممارساته.
إنّ تلك الأمور جميعاً تُعدّ من عوامل الضعف والفشل والهزيمة، فعليكم بتجنّبها.
ومن عوامل الفشل أيضاً الاستجابة للأهواء الشخصية الضئيلة، أي أن يقع أحد المسؤولين
الكبار في فخ خادع وهو يظن أنه في صالحه. إنّ الارتشاء من المصاديق الواضحة لتلك
الحالة.
ولكن هناك ما هو أدق وأخفى، وإن كانت الحقيقة واحدة.
إنّ من الضروري عدم الاستجابة لتلك الأهواء التافهة، وينبغي ألاّ يعيرها المرء
اهتماماً إنّ هناك أوهاماً قد تنتاب المرء وهو ماض على الطريق ، فتفلّ من عزيمته،
وتوحي إليه بأنه لن يستفيد شيئاً إذا ما واصل الطريق، بينما سيحقق المكاسب الكبرى
إذا ما توقف وأسلم القيادة لأهوائه النفسية.
إذا ما أقرنها بما يطمح إليه من الآمال العظيمة والمكاسب الراقية. وهناك أمثلة
كثيرة يمكن استعراضها في هذا المجال.
إنجازات ومكاسب نظامنا الإسلامي
اعلموا أنّ نظامكم نظام فاعل وبارز.
إنّ أعداءكم يبذلون مساعيهم القصوى لإيهامكم بعدم جدوى هذا النظام. كلا، إنّ هذا
النظام في الواقع يتمتع بمصداقية وفائدة كبرى. لقد أفصح هذا النظام عن جدارته في
مختلف الميادين. إنه لا توجد أدنى مقارنة بين إيران اليوم وإيران الحقبة الطاغوتية
على صعيد الخدمات العامة واتساع نطاقها.
إنّ هذا أحد المجالات النشطة والفاعلة ويتضمن أمثلة ونماذج عدة، ولديكم إحصائيات
دقيقة بهذا الصدد، فما أجمل أن تُطلعوا الجماهير على هذه الحقائق وتبادروا إلى
إعلانها والإفصاح عنها.
ومن ذلك أيضاً موضوع الثقة الوطنية بالنفس الذي عبّر عن نفسه في المجالات العلمية
والسياسية والتكنولوجية.
إنّ المهندس في بلادنا لم يكن يجرؤ على الحديث حول بناء محطة للطاقة الكهربائية أو
إقامة أحد السدود أو بناء أحد المطارات، زعماً منهم أنّ هذا من شأن الأجانب دون
سواهم.
لقد كان منتهى طموح المهندس الإيراني أن يشارك ببعض النشاطات الجزئية إذا ما قبلت
به تلك الشركات الأجنبية، وكان بعضها يتذرع بالرفض.
لقد قمت بالإشارة إلى هذه القضية بإسهاب في حديث لي عند (سد كرخة) منذ نحو أربع
سنوات، وقارنت بين (سد كارون3) ـ وليس (سد كرخه) ـ وبين (سد دز) الذي تمّ بناؤه في
عهد الطاغوت.
وأما (سد كارون3) فقد بُني في عصر الجمهورية الإسلامية، وهناك تشابه بين هذين
السدّين.
إنهما سدّان من الآجر متماثلان في الطاقة المائية والكهربائية. لقد سَخَروا كثيراً
من الإيرانيين لدى بناء (سد دز) وشوّهوا سمعة المهندسين الإيرانيين، وأراقوا ماء
وجوه المستثمرين الإيرانيين وأصحاب رؤوس الأموال الإيرانيين، وأما عند بناء هذا
السد فإن المهندسين الإيرانيين والشباب الإيرانيين هم الذين قاموا بانجاز هذا
المشروع المعقّد، والذي يعتبر أشدّ حساسية وأهمية من (سد دز) من حيث العمل الفني
وتصنيع الآجر ووصله ببنية الجبل، وهي تفصيلات أوضحوها أمامنا.
إنّ مهندسينا هم الذين تولّوا بناء محطة الطاقة الكهربائية، وبناء السد، وأعادوا
شقّ طريق تحت الماء بعد اندثاره، وأضافوا طولاً للجسر المعلق الهوائي، وذلك بكل عزة
وافتخار.
لقد تفجّر منهم العرق، ولكنهم رفعوا رؤوسهم عالياً بعزة وافتخار.
إنّ هذا ليس بالأمر الهيّن، فعليكم بتعميم ذلك في شتى المجالات.
إنّ المهندسين والدارسين والأطباء والعسكريين الإيرانيين يستطيعون اليوم تفجير
طاقاتهم في البناء والإنتاج والعمل أفضل من الآخرين على النطاق العملي.
إنهم لم يكونوا يجرؤون على مجرد التفكير في ذلك آنذاك، ولدينا العديد من الأمثلة
التي لا يتسع لها المجال.
فهذه هي انجازات هذا النظام، وهو الذي حقق كل هذه المكاسب.
لقد أعاد هذا النظام الحياة للزراعة، وحوّل الصناعة من حرفة بدائية إلى تقنية
للطاقة النووية الحساسة المعقدة.
وإنّ هذا النظام يقف في الصفوف الأولى تقريباً ويتحرك في سباق مع منافسيه في مجال
الصناعات الحديثة ـ والتي أسماها السيد رئيس الجمهورية بـ(نانوتكنولوجي) وسواها من
الصناعات المتقدمة في العالم. فهذه هي مكاسب النظام.
والأهم من كل ذلك، ربما يمكن القول: إنّ هذا النظام حقق إنجازاً عظيماً على صعيد
ترسيخ الديمقراطية.
لقد استطاع هذا النظام تحقيق الديمقراطية مع ما لهذا البلد من ماض سيّئ وتجربة
سلبية في هذا المجال.
إنّ لدينا الآن عملية انتخابية واحدة في كل عام ـ وربما تقلّ هذه النسبة قليلاً
طِبقاً للقرارات الجديدة، ولكن الأوضاع كانت هكذا حتى الآن ـ حيث كان لدينا نحو
ثمان وعشرين عملية انتخابية في الثمانية والعشرين عاماً الماضية. ولقد أُجريت كلها
بهدوء ونزاهة ويُسر، مما يدل على نضج الديمقراطية في هذا البلد.
فمن الذي حقق ذلك؟ إنه هذا النظام.
وهذه كلها انجازات بالغة الأهمية.
ثم من الذي يستطيع إنكار موقعنا السياسي وكرامتنا الوطنية؟ ومن الذي يستطيع إنكار
تأثير حكومة الجمهورية الإسلامية اليوم على سياسات المنطقة والعالم؟
ومن الذي يمكنه إنكار شموخ الجمهورية الإسلامية بين شعوب وبلدان العالم الإسلامي؟
ومن الذي يستطيع أن يزعم أنّ رئيسه أو مسؤوليه الكبار يُستقبلون بحفاوة كبرى وترحيب
حار من قِبَل الجماهير عند زيارتهم للبلدان المسلمة الأخرى، وربما خلافاً لِمَا
تريده تلك الحكومات، غير الجمهورية الإسلامية؟
إنّ الجمهورية الإسلامية وحدها هي التي يتمتع رؤساؤها بامتداد معنوي وحقيقي وسياسي
لدى أبناء الشعوب الأخرى. أفليست هذه كلها انجازات؟! وهل يوجد ما هو أهم وأعظم من
ذلك في هذا الصدد؟
إنّ هذا النظام هو الذي خلق حواراً جديداً على المستوى الدولي الإسلامي، وهو الذي
عمّق حوار الهوية الإسلامية والاستقلال ورفض الخضوع والتسلط، ورشّد العلاقات بين
دول الجوار، وسوى ذلك الكثير مما يضيق عنه الوقت.
إنّ علينا أن نرفع من مستوى هذه الإنجازات بواسطة ثلاثة: العلم، والعقل، والعزم،
إنه لابد من العزم إذْ لا يمكن تحقيق شيء بالضعف والخضوع.
كما أنه لابد من استخدام العلم والعقل، وأن نجعل من العزم طاقة للحركة. وإنّ
باستطاعتنا زيادة هذه الانجازات.
إننا مظلومون، ولكننا لسنا ضعفاء.
إنّ الجمهورية الإسلامية حكومةً وشعباً تعاني من تحمّل المظلومية.
إننا مظلومون، ولكننا لسنا ضعفاء.
إننا كأمير المؤمنين(عليه الصلاة والسلام)، فلقد كان مظلوماً، ولكنه كان أقوى من كل
رجال عصره. وهكذا هم أصحاب الحق، فلقد كانوا مظلومين، وعانوا من الظلم والنكران،
ولكنهم لم يكونوا ضعفاء.
إننا لسنا ضعفاء، ولكننا مظلومون، ولن نبقى هكذا إلى الأبد، فلقد عقدنا العزم على
رفض الظلم. ولن يتمّ ذلك إلاّ بتقوية عقلنا وعلمنا وعزمنا، وهذا لن يكون إلاّ بذكر
الله كما أشرنا آنفاً.
المواجهة العسكرية مع إيران عواثبها وخيمة على المعتدين
إنهم يهددوننا، ولكن لا أهمية لذلك، وإنني أقول لكم:
أولاً: إنّ التهديد ليس جديداً علينا، فلقد ظلوا يهددوننا بالهجوم العسكري منذ
الحرب وحتى الآن ـ أي منذ عام 67هـ.ش والى هذه اللحظة ـ وإن الذين على علم بالأحداث
يعرفون ذلك، ولكم أن تعودوا لذاكرتكم.
إنني على علم بالتهديدات أكثر من أي أحد آخر؛ وذلك لأن هناك بعض المعلومات التي
تصلنا أحياناً دون الآخرين.
لقد كانوا يهددوننا دائماً. إننا لا نقول بأنهم لن ينفّذوا تماماً ما هددوا به، بل
من الممكن أن يفعلوا، وليس لهذا من نتيجة سوى أننا نرفع من مستوى استعدادنا.
ثانياً: إنّ على الذين يقومون بتهديدنا أن يفهموا، وهم الآن يفهمون، أنّ المواجهة
العسكرية مع إيران لم تعد ممكنة، فكل من سيهاجمنا سيرى جيداً ما لذلك من عواقب
وخيمة.
ثالثاً: إنّ هدف الذين يهددوننا هو إضعاف عزيمة المسؤولين والمواطنين، وإنني أقول:
إنّ عزيمة أحد لن تضعف، فلا عزيمة المسؤولين، ولا عزيمة أبناء الشعب.
بل إنّ هذا يحدو بالمسؤولين إلى رفع مستوى جهوزيتهم؛ لأن من واجبهم أن يأخذوا بعين
الاعتبار كل شيء، حتى الاحتمالات الضعيفة.
إنني عندما أتذكّر السنوات الماضية ـ ومن ذلك عام 75 هـ.ش(1997م) الذي كان من
الأعوام التي قويت فيها احتمالات الهجوم العسكري في عهد كلينتون ـ فإنني أجد أنّ
التهديدات كانت سبباً في رفع مستوى استعداد المسؤولين على شتى الأصعدة من فنية
وعسكرية وتكنولوجية.
فكلما كان هناك تهديد، ارتفع مستوى الاستعداد. إنه لا يفلّ من عزيمة الشعب
والحكومة، بل يزيد البلاد قوةً واستعداداً.
ولهذا فإن التهديد كان في صالحنا.
ورابعاً: إنّ هذه التهديدات تدلّ على أنّ الليبرالية الديمقراطية عارية عن المنطق.
فعندما قاموا بمواجهة (صدّام) كانوا يتّهمونه بالاعتداءات العسكرية، وكان هذا
صحيحاً، فلقد شنّ هجوماً على إيران، وعلى الكويت.
ولكن الجميع يعلمون بأن الجمهورية الإسلامية لم تهاجم أحداً، ولا تنوي أن تهاجم
أحداً فإنها ليست أهلاً للإعتداء على الآخرين.
إنّ حضور الجمهورية الإسلامية هو حضور المنطق والفكر والقيم المعنوية، وهم لاحظّ
لهم من ذلك، وليس بوسعهم المنافسة.
إنّ هذه القضية تشهد على أنّ الأجهزة الحكومية والسياسية القائمة على أساس
الليبرالية الديمقراطية تعاني من الفراغ الشديد، كذلك الأمّي الذي يواجه عالماً
فاضلاً، فإذا ما أفحمه الخصم لم يملك سوى أن يشدّ من عضلاته ويكوّر قبضتهز حسناً،
فمن الواضح ألاّ علم ولا شيء لديه. وهذا يشير إلى فراغهم الشديد.
إنّ الشعب الإيراني يتمتع بجهوزية عالية والحمد لله.
فعليكم برفع مستوى هذه الجهوزية، ولاسيّما الآن، والانتخابات تدقّ الأبواب.
إجعلوا من الإنتخابات وسيلة تصيب الأعداء باليأس والإحباط
إنني أناشدكم بأن تجعلوا من الانتخابات دائماً أداة لرفع مستوى القوة
والعظمة الوطنية، لا وسيلةً لإضعاف الحكومة والشعب.
إنّ الضجّة التي تثيرها أحياناً بعض الأحزاب والتجمّعات والتيارات السياسية
والأجنحة السيئة الأخلاق على هامش الانتخابات تُضعف من قوة البلاد والشعب والنظام.
إنّ على الأجنحة والتيارات والأطياف المختلفة أن تستنفر عناصرها بشوق وحب وحماس
لتجعل من الانتخابات هدفاً سامياً وطيّباً وجميلاً، وأن تجتنب الخصومات والفوضى
والإهانات والتلويح بالقبضات كل منها في وجه الآخر.
اجعلوا من الانتخابات وسيلة لإصابة الأعداء باليأس والإحباط، وإن شاء الله ستكون
هذه الانتخابات ـ كسابقاتها ـ سبباً في أن يزداد الإسلام عزةً ورفعةً وشموخاً. لقد
داهمنا الوقت، فأرجو المعذرة.
اللهم إنّا نسألك وندعوك بحق محمد وآل محمد أن تجعل كل ما قلناه وما سمعناه خالصاً
لك وفي سبيلك، وأن تتقبله منّا، وأن تجعلنا أكثر وعياً بحقيقة أنفسنا وحقيقة ديننا،
وأن تزيد من عزمنا وحزمنا في سبيل الأهداف الرفيعة.
اللهم احشر أرواح شهدائنا الأبرار وروح إمامنا الراحل(رضوان الله عليه) مع
أوليائهم، ووفقنا للسير على نهجهم، وأرض عنّا قلب وليّ العصر والزمان الإمام المهدي
المنتظر عليه السلام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1- سورة الأحزاب: الآيات 41 ـ
44.
2- سورة الأحزاب: الآيات 41 ـ 42.
3- سورة الأنفال: الآية 45.