يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي في كبار المقرئين‎ والأساتذة وحفظة‎‎ القرآن‎ الكريم

2007

التلاوة مقدمة لتكريس الروح القرآنية وتعميم الثقافة القرآنية

عدد الزوار: 110

كلمة الإمام الخامنئي في كبار المقرئين‎ والأساتذة وحفظة‎‎ القرآن‎ الكريم. الزمان: 22/6/1386هـ. ش ـ 1/9/1428هـ.ق ـ 13/9/2007م.
التلاوة مقدمة لتكريس الروح القرآنية وتعميم الثقافة القرآنية

بسم الله الرحمن الرحيم

يطيب لي في البداية أن أقول لهؤلاء القراء الأعزاء:
طيب الله أنفاسكم إن شاء الله.

لقد أدخلتم على قلوبنا السرور اليوم بهذه التلاوة الحسنة والتراتيل الخلابة، فما تلاه هذان الشابان وما سمعناه يُتلى بصورة جماعية كان شيئاً جيداً للغاية، كما أن تلاوة قرائنا الأعزاء تجعل المرء يشعر بالرضا وأن قافلة التجويد وقراءة القرآن الكريم عندنا تسير من حسن الى أحسن، فإذا ما عقدنا مقارنة بين الوضع الآن والوضع قبل الثورة فإننا سنجد الفرق شاسعاً، حيث كانت الانطلاقة من الصفر، بل وما دون الصفر، حتى بلوغ مراتب ممتازة والحمد لله، وهذا ما يُدخل علينا الفرحة والإحساس بالغبطة والسعادة.

التلاوة مقدمة لتعميم الثقافة القرآنية في مجتمعنا
على أنّ ثمة إشكالات لابد من استعراضها: فالأول هو أننا نتصور أن تلاوة القرآن والأنس بالقرآن ونشر القرآن هو هذا فحسب ولا شيء سواه.وهذا يمثل إشكالاً خطيراً حيث لا ينبغي أن يكون فهمنا خاطئاً لهذه الدرجة.

إنني أومن إيماناً جازماً بهذه التلاوة، ولقد تحدثت عن السبب في لقاءات سابقة، فلا داعي لإعادته وتكراره، كما أنني أشعر بالفخر والاعتزاز بقرائنا الأفاضل والأساتذة البارعين في التلاوة، ولكن كل هذا ليس سوى مقدمة لتكريس الروح القرآنية وتعميم الثقافة القرآنية في مجتمعنا. أي أنكم أيها الشباب والرجال والنساء والأطفال المسلمون لابد لكم أن تأنسوا بالقرآن وأن تتلوا آيات الله وكأنكم المخاطبون بها أمام الله تعالى بكل معنى الكلمة، وأن تتدبروا القرآن الكريم وتأخذوا منه عبراً ودروساً.

وأما المرحلة الثانية، فهي مرحلة العمل والفعل. ولكني أقول بأن مرحلة ما قبل العمل هي مرحلة تعلم القرآن وفهم معارفه ومعانيه والتدبر في آياته وكلماته المجيدة.

إنّ هذه الكلمات تمثل آخر كنوز الوحي الإلهي التي منحها الله تعالى للبشرية، وهي ما يجب أن تكون نبراساً لهداية الإنسان الى أبد الآبدين وإرشاده الى سبل السعادة والفلاح والاخلاص، فهي كلمات زاخرة بالمعارف الحقة وينبغي فهمها والتدبر في معانيها.

إشكال عدم إمتلاك لغة القرآن يمكن التغلب عليه
ولكننا للأسف نعاني من حجاب اللغة، وهو ما ينقصنا نحن الشعوب غير العربية.إنّ الذين يتحدثون العربية بوسعهم فهم القرآن الكريم ولو بصورة غير كاملة، وباستطاعتهم تذوق ما فيه من بيان ومفصاحة وبلاغة رفيعة وإن لم يكن هذا بمقدور كل أحد. وبلا مقارنة، ومن أجل تقريب الصورة فأننا نقول مثلاً أن كتاب (گلستان) لسعدي الشيرازي كتاب بليغ في لغته الفارسية ويفهمه الجميع لدى قراءته، إلا أن دقائق وتفاصيل ما فيه تبقى أموراً لا يبلغ كنهها إلا الأدباء وأصحاب الذوق الرفيع.

فهكذا هو القرآن فيما لو حاولنا تكبير هذه الصورة آلاف الأضعاف.

إنّ المتحدث العادي باللغة العربية ربما لا يكون بوسعه تذوق ما في القرآن من بدائع وصور أدبية ومعنوية رفيعة، إلا أنه يستطيع فهم كلماته، فيرقّ قلبه، وتغرورق عليناه بالدموع لدى الاستماع الى تلاوة القرآن الكريم لأنه يدرك العبرة والموعظة الإلهية.

إنّ هذا هو الحجاب الذي نعاني منه، وإن كان هناك حل لهذه المشكلة. إنه لا ينبغي لأحد أن يتعلل قائلاً بأن هذا غير ممكن، ولا داعي الآن له، فهذه أمور محبطة.

إنّ غالبية المفردات والألفاظ القرآنية باتت متداولة في اللغة الفارسية، وإننا نفهمها ونستخدمها في الحديث والكتابة، فعندما كنت أقيم في مدينة مشهد قبل الثورة كنّا نعقد جلسات قرآنية، وكنت أتحدث لشباب ذلك اليوم ـ الذين أصبحوا اليوم كباراً ـ وأقول لهم على سبيل المثال تعالوا نقرأ هذه الآية معاً : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}1.

إنّ المتحدث باللغة الفارسية يفهم جميع مفردات هذه الآية الشريفة إلا قليلاً، فمثلاً كلمة {لنبلونكم} ربما لابد من ترجمتها، وأما كلمات: شيء، خوف، جوع، نقص، أموال، أنفس، وثمرات، فهي ألفاظ مفهومة بالنسبة لنا، بل ونستخدمها في الفارسية.

إذاً فإن فهم آيات القرآن وحروف الربط وتراكيب الألفاظ والأنس بالقرآن والرجوع للترجمات ليست أموراً شاقة.

ومن حسن الحظ فإن لدينا اليوم العديد من الترجمات الجيدة، على العكس من تلك الأيام، حيث لم تكن هناك حتى ترجمة واحدة جيدة للقرآن الكريم لكي يرجع إليها الراغبون بثقة واطمئنان.

وأما الآن فهناك ترجمات كثيرة جيدة والحمد لله، فيمكنكم الرجوع لهذه الترجمات، وستجدون أن هذه هي الحقيقة.

إذاً فهذا إشكال ينبغي التغلب عليه، أي مشكلة فهم معاني آيات القرآن الكريم.

لإختيار نغمات للتلاوة تساعد في إظهار المعنى
ضوأما الإشكال الثاني، فهو أن يتصور قارئنا أن كل مهمته تتلخص في مجرد التلاوة بصوت عذب وتعلم مقامات الترتيل والتجويد بدقة وجودة، وهذه مشكلة لها عواقبها إذا ما وُجدت.

إنّ على قارئينا أن يتلوا القرآن وكأنه يتنزل على قلب السامعين والمخاطبين.

إنّ هذه السمة الممتازة تتوفر في بعض القراء المصريين دون البعض الآخر، فليس المشاهير جميعاً يتميزون بهذه الصفة.

وأما أنتم فلا علاقة لكم بكل ذلك، وكل ما عليكم هو تلاوة القرآن الكريم وكأن تلك المفاهيم القرآنية والآيات الكريمة تتنزل على قلب المخاطب، وعليكم أن تجمعوا بين اللفظ والمعنى في الأداء. وأن تستخدموا النغمات للمساعدة على إظهار معنى ومضمون الآية.

إنّ ميزة هذه الألحان والأنغام تتركز في كونها عاملاً مساعداً على إبراز المعنى وترسيخه في ذهن المخاطب، فعلى قرائنا الاهتمام بكل هذه التوصيات.

لقد تحدثنا كثيراً حول الموسيقى والألحان والانغام القرآنية وكذلك حول الوقف والقطاع الوصل في التلاوة، والآن فإن هذه الأمور تتكرر كثيراً في أذهان وبيان القراء.

أهمية التلاوة في تأثيرها على المستمعين والنفاذ إلى قلوبهم
إنّ العديد من القراء باتوا يولون أهمية كبيرة للترجمة مع مراعاة الملاحظات الأخرى التي لا داعي لاعادتها، إلا أن الشيء الفائق الأهمية هو أن يهتم القراء بضرورة التأثير في المخاطبين وإثارة مشاعرهم.

إنّ الهدف لا ينبغي أن يكون تشجيع قارئ القرآن، بل يجب أن يكون في كيفية تأثيره في نفوس السامعين، وخصوصاً الآيات التي تدور حول التوحيد كما فعل القراء قبل قليل، ولعل ذلك كان من قبيل الصدفة.

إنّ قلوب السامعين ستخفق إذا ما تلوتم القرآن بالطريقة التي أوصيتكم بها، ولربما كانت التلاوة بهذا الأسلوب مساوية في التأثير لما يفعله كتاب مؤلف حول التوحيد، وهذا هو تأثير التلاوة الجيدة.

وأما الإشكال الثالث فهو أنه لا ينبغي لنا أن نغلق القرآن ونقبّله ونتركه جانباً بعد أن عشنا معه شهراً كاملاً هو شهر رمضان المبارك والذي هو شهر قراءة القرآن وشهر نزوله وشهر إقامة الأمسيات القرآنية في المساجد والندوات المختلفة، فهذا ما لا يليق بكتاب الله.

ضرورة الأنس بالقرآن على الدوام لا في مناسبات محددة
إنّ علينا إلا نفترق عن القرآن، بل يجب أن نعيش معه ونأنس به على الدوام، وأن أحد المعايير لهذه المعايشة هو أن نداوم على قراءة خمسين آية من القرآن كل يوم على الأقل كما جاء في الروايات، فإن لم نستطيع فلنقم بتلاوة عشر آيات، وذلك بالطبع غير ما نتلوه أو نسمعه من إمام الجماعة في الصلاة في سورتي الحمد والإخلاص مثلاً وسواهما مما نقرأه عادة في الفرائض والنوافل.

إنّ من شأن المؤمن أن يفتح القرآن الكريم كل يوم يشغف وحضور قلبي، ويقرأ ما تيسر منه، سواء أكان ذلك عشر آيات أو عشرين أو خمسين أو مائة آية، مع عدم إهمال التدبر والفهم وتوخي الفائدة.

التلاوة الحقة أن نقرأ القرآن كخطاب مباشر لنا
إنّ البعض يقرأون القرآن كثيراً ولكن بلاد تدبر أو تأمل، إلا أن هذا النوع من التلاوة يكاد ألا يكون شيئاً مذكوراً مع كل مافيه من الفائدة.

لقد كانت أرى سابقاً أن تلاوة من هذا القبيل لا أثر لها على الإطلاق، ولكنني غيرت رأيي بعد إعادة النظر في هذه المسألة.

وهناك البعض الآخر ـ كأمثالنا ـ مما يتلو القرآن بحثاً عن موضوع يطرحه على المنبر أو يؤسس عليه خطبة أو فكرة يقدمها في المحافل والندوات، وهذا أمر لا غبار عليه، مع أنه ليس النوع المطلوب.

إنّ التلاوة الحقة هي أن نقرأ القرآن وكأننا نستمع إليه من الله سبحانه وتعالى، وكأننا مخاطبين مباشرة بهذه الآيات الكريمة منه جل شأنه، أو كأن خطاباً وصلنا من أحد الأعزاء أو أحد العظماء.

إننا نبادر عادة بفتح الرسالة وقرائتها، فلماذا نقرأها؟

لكي نعرف ما فيها. فهكذا يتوجب علينا أن نتلوا القرآن الكريم، إنه رسالة وصلت إلينا من الله تعالى بوسيلة أعظم الخلق طرًّا صدقاً وأمانة وإخلاصاً، فعلينا أن نعقلها ونستفيد منها. ولهذا فقد ورد في الروايات أنه لا ينبغي لنا أن نقرأ السورة القرآنية منتظرين بلوغ نهايتها بفارغ الصبر، بل المطلوب هو أن نعقل القرآن ونتدبره حتى ولو لم نبلغ آخر السورة أو الجزء أو الحزب مكتفين بالوصول الى وسطه أو قراءة ما تيسر لنا من آياته.

فهكذا ينبغي لنا أن نقرأ القرآن الكريم لأننا إذا شعرنا بحلاوته فلن نفارقه أبداً ولن نهجره على الإطلاق.

دعوة للشباب لاستثمار قدرتهم على حفظ القرآن
وأما الملاحظة الأخيرة، وهي معادة ومكررة، فتدور حول حفظ القرآن.

إنّ حفظ القرآن نعمة كبرى، وإن على الشباب والمراهقين استثمار القدرة على حفظ القرآن الكريم. أنكم أيها الأعزاء في سن تمكنكم من حفظ القرآن دونما نسيانه.

إننا أيضاً لدينا القدرة على الحفظ، فهذا متيسر في أعمارنا، ولكنه لا يبقى في الذاكرة وسرعان ما يتعرض للنسيان. ومع ذلك فهو أمر ممكن، حتى في السبعين أو الثمانين من العمر.

لقد سمعت أن المرحوم آية الله الخوئي حفظ القرآن في السنوات الأخيرة من عمره.

إنّ من المهم جداً أن يحفظ القرآن رجل في الثمانين من العمر. إنه شيء ممكن، وأن كان يتبخر من الذهن.

إنها ثروة وذخر عظيم أن تحفظوا القرآن الكريم في ريعان الشباب كمثل هؤلاء القراء الشباب الذين عطرّوا المكان الآن بتلاوتهم.

إنّ التدبر في القرآن بالنسبة للحفظة أكثر يسراً من سواهم.

إنه يحدث أحياناً أن يقرأ المرء آية من القرآن وكأنه يراها للمرة الأولى، وأما بالنسبة للحفاظ فالأمر مختلف. ونسأل الله تعالى أن ينفعنا بكل ما قلناه وكل ما سمعناه.

اللهم أحينا بالقرآن، وأمتنا مع القرآن، واحشرنا مع القرآن، وزدنا معرفة بمعارف القرآن.

اللهم أحي قلوبنا بالقرآن، ونوّر قلوبنا بالقرآن، واجعلنا من حفاظه بكل ما للكلمة من معنى.

واجعل مجتمعنا قرآنيا.

اللهم اشمل بلطفك وعنايتك ورعايتك قراء القرآن ومحبيه والأساتذة الذين جمعتنا بهم في هذا اللقاء، وزد في عددهم وفي علمهم، وأرض عنا قلب الإمام الحجة المنتظر ولي العصر أرواحنا فداه، وقلب إمامنا العزيز الراحل وأرواح شهدائنا الأبرار الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل القرآن الكريم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


1- سورة البقرة، الآية: 155.

 

2017-02-14