يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في اللقاء السنوي مع النخب الجامعية

2007

النهضة العلمية تمثل ضرورة من أجل إستقلالنا وكرامتنا ورفاهيتنا

عدد الزوار: 97

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في اللقاء السنوي مع النخب الجامعية. الزمان: 12/6/1386هـ. ش ـ 20/8/1428هـ.ق ـ 3/9/2007م.
النهضة العلمية تمثل ضرورة من أجل إستقلالنا وكرامتنا ورفاهيتنا

بسم الله الرحمن الرحيم

إنه لقاء طيّب، هذا اللقاء الذي يجمع بيننا أيها الشباب الأعزاء، فأنتم في الواقع بمنزلة أبنائي، وإنه ليسرّني أن أسمعكم تتحّدثون بهذه الأفكار النيّرة، وإنني لأشكر الله كثيراً على هذه النعمة وهي ازدياد مستوى الوعي يوماً بعد آخر في أوساط الشباب الواسعة.

إنّ ما تفضّلتم به في حديثكم، سواء فيما يتعلق بالعلوم الإنسانية، أو بالتربية والتعليم والأخلاق، أو بالعلوم والصناعة، أو بضرورة منح الفرص للنخب والكفاءات، يمثّل ما كان يراودني من آمال في الزمن البعيد، وهو ما كنت أكرره دائماً على مدى سنوات طويلة، وها نحن نجده الآن وقد تحوّل الى مطلب جماهيري.

إنني أتقدم لكم بشكري، ولكل من بذلوا جهودهم لعقد هذه الندوة الوطنية، كما أنني أوافقكم الرأي في كل ما تفضّلتم به، ولقد تمّ تدوين كل ما ذكر في هذه الندوة من كلمات وأفكار كما ذكر السيد الدكتور واعظ زاده، ولسوف تتم دراستها والعمل بها وإخراجها الى حيّز الوجود.

إنّ أسباباً مختلفة قد تعوقنا قليلاً على طريق تحقيق هذه الآمال، ومع ذلك فعليكم أن تعلموا أنّ هذه النهضة العلمية، وهذا الغليان والازدهار، وهذا التحليق وهذه الطموحات، كلها أمور لم تعد قابلة للتوقف أو التراجع، ولسوف تمضي قُدُماً إن شاء الله؛ لأنها ليست بالحركة الفردية.

لقد وُلدت هذه النهضة في بلادنا، وتجلّى هذا الوعي، ولسوف يواصل الركب مسيرته حتى بلوغ مبتغاه بإذن الله تعالى.

إنّ لقاءنا اليوم ناظر الى هدفين في تقديري:
الأول مثالي على المستوى العام والوطني: وهو أننا نسعى الى إقناع الجماهير وجعل الرأي العام الوطني يثق ويؤمن بجدّية هذه النهضة العلمية في البلاد، وهو ما يصبوا إليه المسؤولون، ويعملون على تحقيقه بكل جِد؛ ذلك أنهم يعطون قيمة كبرى للعلم والنخب العلمية وطلاب العلم، وهذا هو معنى هذه الحركة النموذجية وهذا اللقاء المثالي الذي يجمع بيننا اليوم.

وأما الهدف الثاني: فهو تذكير المسؤولين جميعاً من جديد بأن عليهم أن يواصلوا هذه النهضة، وأن يجعلوا من التقدم العلمي أولويّةً لا تراجع عنها ولا مناص في السياسات العامة والتنفيذية داخل هذا البلد.

فنسأل الله تعالى أن يكون كلا هذين الهدفين قد تحقق.

إنّ بودّي إبداء بعض الملاحظات.

النهضة العلمية تمثل ضرورة ملحة لبلدنا
لقد تحدّثتم في مواضيع شتى جيدة، ومنها ما لم يكن جديداً، وهو أنّ النهضة العلمية تمثل ضرورة ملحّة وأكيدة بالنسبة لبلادنا. فلماذا هي كذلك؟ لأن العلم يعمل على رفعة الشعوب وقوّتها وشعورها بالأمن والطمأنينة، وهو ما سوف أُبيّنه باختصار. فلماذا هي ضرورة ملحّة وأكيدة؟ لأنها كانت واجباً مضيّعاً على مدى نحو قرن من الزمان. وفي وقت من أفضل الأوقات، أي منذ أواسط العصر القاجاري ـ منتصف النصف الثاني من القرن التاسع عشر ـ عندما بات العلم ملازماً للاستعمار، حيث أخذ الغرب في استعمار العالم مستخدماً الوسائل العلمية.

لقد تعطّلت مسيرتنا العلمية منذ ذلك الحين الذي كان زمن صحوتنا ونهضتنا ـ أي طوال مئة عام أو يزيد ـ وتخلّف المسؤولون عن أداء هذا الواجب العظيم وتحمّل هذه المسؤولية الكبرى، وهي المتمثلة في مشروع النهضة العلمية, وذلك لأسباب متعددة، أهمها: الحكم الاستبدادي، وحكومات الطواغيت، والسلاطين العملاء الجبناء الغارقين في مستنقع الضعف والمهانة الذين أورثونا هذا التخلف. ولهذا فإن علينا أن نبذل جهوداً جبارة؛ لأن ثمة ضرورة، وهي ضرورة مضاعفة وأكيدة.

إنكم تعلمون أن العلم ضروري في هذا المجال، وإنني أقول لكم من جديد: إنّ بلداً لا حظّ له من العلم لن يكون باستطاعته تحقيق الكرامة والاستقلال والهوية الذاتية والأمن والرفاهية، وهذه هي طبيعة الحياة البشرية والتي تجري الأمور على مقتضاها.

إنّ العلم يمنح العزة والكرامة، وهناك جملة ذات دلالة عميقة في نهج البلاغة تقول(العلم سلطان) أي قوة واقتدار, ثم تقول (العلم سلطان، من وجده صال، ومن لم يجده صيل عليه).

تخلفنا العلمي مكن الأعداء المتسلحين بالعلم من نهب ثرواتنا
لقد لمس الشعب الإيراني هذه الحقيقة بكل حواسّه خلال فترة طويلة، وذلك عندما بسطوا نفوذهم علينا، وعاملونا بقوة وغطرسة، وانتهبوا ثرواتنا، وحرموا شعبنا من نعمة الرفاهية. لقد عانى شعبنا مرارة العيش والمحنة خلال قرن من تاريخه، وها نحن الآن نتحمّل عواقبها الوخيمة رغم نهضتنا وثورتنا التي غيرّت الأوضاع وبدّلت الأوراق.

إنّ بلدنا اليوم بلد قلّ نظيره فيما حققه من عزّة سياسية ودولية، وهو ما أقرّ به الأعداء.

إنّ شعبنا شعب واعٍ وشجاع، وبلدنا يتمتع بهوية ذاتية كريمة وشخصية قوية، ومع ذلك فإننا مازلنا نعاني عواقب تلك الفترة البائدة، أي أنّ أولئك الذين تقدّموا علينا قرناً أو قرنين على الصعيد العلمي ما فتئوا يمارسون الضغوط ضدّنا، وما قضية الملف النووي وتطورنا في المجال العلمي والتقنية النووية إلاّ مثال من تلك الأمثلة.

إنهم يقولون لنا بكل غطرسة: ( لا ينبغي لكم الحصول على التكنولوجيا النووية، فنحن لا ثقة لنا بكم). فمن هؤلاء الذين يقولون لنا: لا ثقة لنا بكم؟! إنهم أولئك الذين أشعلوا أتون حربين عالميتين خلال عشرين عاماً، وإنهم الأوروبيون الذين أحرقوا كل العالم بنيران الحرب.

إنّ الذين يصفوننا بأننا لسنا أهلاً لثقتهم هم أنفسهم أولئك الذين يرابطون بقوّاتهم العسكرية حيثما استطاعوا، وهذا هو العراق الذي يمثل نموذجاً بارزاً في العصر الحاضر، وأما النماذج القديمة فكثيرة، ومنها فلسطين التي تعتصر القلوب بأحداثها المفجعة، ومنها كذلك أفغانستان وكوسوفو، وقبل ذلك هيروشيما والعديد من الأمثلة الأخرى.

إنهم هم الذين دأبوا على إشعال فتيل الحروب في العالم واستعمار البلدان الأخرى في عصر النهضة الصناعية. ولكن إيران كانت مسالمة دائماً مع جيرانها وغير جيرانها ولم تطلق رصاصة واحدة على أحد من الجيران أو غير الجيران, ولاسيّما إذا ما تحدّثنا حول الأوضاع فيما بعد قيام الجمهورية الإسلامية.

إنّ الجمهورية الإسلامية لم تبدأ أحداً من جيرانها بقتال أبداً منذ تأسيسها.

فهذا ما يعرفه الجميع، ومع ذلك فإنهم يقولون لنا: لا ثقة لنا بكم!

إنّ هذه هي الغطرسة وفرض القوة. ومع ذلك فلسنا مثل ذلك البلد في شمال أفريقيا الذي يتراجع عن كافة مشاريعه بمجرد أن يقطبوا له جبينهم.

لقد صمد الشعب الإيراني وسيبقى صامداً في كل قضاياه العادلة وليس فقط في هذه القضية التي اكتسبت شهرة على المستوى الدولي.

لقد صمدنا في عشرات القضايا منذ انتصار الثورة وحتى الآن ولم نخضع لإرادة المستكبرين والمتغطرسين, ولم نُعر اهتماماً لضغوط وتهديدات القوى الكبرى العالمية؛ فأدركوا أننا لا نخشى الضغوط ولا ننحني أمام التهديدات.

ومع ذلك فإنهم لا يكفّون عن ممارسة أساليب فرض القوة. فلماذا؟ لأنهم مسلّحون بالعلم، فاعتبروا بذلك أيها الشباب.

إنّ حكومة عارية عن الأخلاق والقيم ولا تعير أدنى أهمية للقوانين الدولية كالحكومة الأمريكية تعطي لنفسها حق ممارسة الضغوط على الآخرين؛ لأنها تملك العلم وتوظّفه في حياتها وتستثمره في تحقيق تقدّمها التقني. فهذه هي الضرورة وكما جاء في نهج البلاغة: (من وجده صال، ومن لم يجده صيل عليه).

إنّ ضمير كل إنسان يفكر في نفسه وهويته وعائلته وأبنائه ومستقبله ومستقبل بلاده وشعبه وعقيدته لا يمكن له أن يبقى بمعزل عن هذه القضية.

ولهذا فإنني مازلت منذ سنوات أؤكد على مسألة النهضة العلمية وأوليها كل اهتمام ومتابعة.

إنّ العلم والتقدم العلمي هو أول ما تحتاج إليه بلادنا.

وعندما أقول العلم فإنني أقصد كل العلوم وليس العلوم التجريبية فحسب.

إنّ من الواجب البراعة في كافة الفروع العلمية، وبوسع بلادنا تحقيق ذلك.

إذاً فنتيجة النقطة الأولى هي أنّ بمقدوركم أنتم يا من تمثلون فئة النخبة الواسعة في إيران أن تقوموا بدور مؤثر في إيجاد القوة الوطنية وبناء البلاد وصناعة غدها ومستقبلها.

بلدنا يتوفر على المهارات والكفاءات اللازمة لنهضته العلمية
وأما النقطة الثانية: فهي أنّ بلادنا تتمتع بمستوى رفيع على صعيد المهارات الإبداعية وصناعة النخب، وهذا ما يجب أن يؤخذ بالحسبان.

لقد قلت ذات يوم في لقاءٍ لي مع المسؤولين في نفس هذا المكان: إنّ مساحة بلدنا الجغرافية تمثل واحد بالمئة تقريباً من مساحة كل العالم، وإنّ عدد سكاننا يمثل أيضاً نحو واحد بالمئة من مجموع سكان العالم، وبناءً على هذا فإن من حقّنا أن نمتلك واحداً بالمئة تقريباً من مجموع مخزون العالم من الثروات الطبيعية والمعدنية ولاسيّما المهمة كالحديد والصلب والنحاس والرصاص والعديد من المناجم والمعادن الأخرى، ولكن إيران تمتلك أكثر من ذلك، أي نحو ثلاثة أو أربعة بالمئة من مخزون العالم من الثروات المعدنية.

إن ترتيبنا واضح فيما يخصّ النفط، فنحن نحتل المرتبة الثانية في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج الفارسي الغنية بالنفط.

وأما بالنسبة للغاز فنحن في المرتبة الثانية على مستوى العالم. وهكذا فإن بلدنا يمتلك أضعاف المعدل العالمي من المصادر الطبيعية.

وأما الآن فإنني أودّ أن أوضّح أنّ نفس هذه الزيادة في النسبة تنطبق أيضاً على القوى البشرية، فبلادنا تضمّ أكثر من واحد بالمئة من نسبة مجموع النخبة في العالم.

ليس لديّ أرقام الآن لأننا لم نقم بإحصائيات دقيقة بعد، وهذا ما نأمل حدوثه في المستقبل إن شاء الله، ولكن ما قلته بالنسبة للمصادر الطبيعية فقد جاء طبقاً للإحصائيات. وعلى العموم فإن ثمة قرائن على ما أقول، ومن ذلك ما تقوله أبحاث ودراسات المراكز العلمية والجامعية في العالم.

لقد سمعت من البعض أنّ نسبة النخب الإيرانية في أفضل جامعات العالم تفوق نسبة البلدان الأخرى بضعفين أو ثلاثة أضعاف.

لقد كان المرحوم الدكتور الشهيد جمران من النخبة العلمية بكل صدق وتأكيد، فلقد درس في أفضل وأشهر الجامعات الأمريكية، وإنْ كان البُعد العسكري والجهادي والتضحوي في شخصيته قد أثّر وغطّى على البعد العلمي.

لقد قال لي: إنّ ثمة نُخباً في تلك الجامعات من كافة بلدان العالم، إلا أنّ النخبة الإيرانية كانت أكثر عدداً وأشد تألّقاً وبروزاً.

إنّ الدكتور جمران كان ينقل عن آخرين، ولكنني سمعت ذلك مباشرة من أشخاص كثيرين، ولديّ العديد من التقارير بهذا الخصوص.

إذاً، فإننا لن نعاني من نقص القوى البشرية في المستقبل.

إنّ الماضي أيضاً يشير بوضوح الى ذلك، وإن كنّا معزولين عن الماضي بكل أسف.

إنّ شبابنا ليست لديهم معرفة بتاريخنا العلمي، وهذه إحدى نقاط الضعف التي نصحنا بالتغلب عليها، وقد قيل لي: إنّ هناك جهوداً تبذل في هذا الصدد، وهي في طريقها للزيادة إن شاء الله.

لقد كان لدينا العديد من القمم العلمية البارزة في القرون الماضية، ولكن النسبة أخذت في التراجع بالتدريج؛ وذلك بسبب ضعف الحكام واشتعال أوّار الحروب الأهلية المختلفة، وإلاّ فإن بلادنا كانت دائماً تنجب النخب العلمية في كافة حقول العلم والمعرفة على مرّ القرون.

لقد كان عندنا ابن سينا ومحمد بن زكريا الرازي وأمثالهما، وذلك في القرنين الرابع والخامس الهجري، أي العاشر والحادي عشر الميلادي، وهي تلك الفترة التي كانت تسمّى بفترة القرون الوسطى، أي الجهل المُطْبق في أوروبا.

إنّ الأوربيين عندما ينظرون الى الماضي يتصورون أنّ فترة العصور الوسطى تنطبق على كل العالم، فَهُم الذين كتبوا التاريخ، وهذا التاريخ قد تمّ ترجمته ونشره في بلادنا للأسف الشديد!

إنّ فترة العصور الوسطى في أوروبا هي فترة الظلام والجهل والعزلة عن العالم، بينما كان لدينا آنذاك علماء بارزون من أمثال الفارابي وابن سينا والخوارزمي.

فما أبعد المسافة بيننا وبينهم!

لقد تحدّثت في أحد لقاءاتي مع الشباب عن كتاب (تاريخ العلم) لجورج سارتن، وكتاب (تاريخ العلوم) لمؤلف آخر لا أذكر اسمه، فَهُم كلهم أجانب، وتكلّمت حول التطور العلمي للمسلمين في تلك الفترة.

إننا لا نعاني نقصاً في النخبة، ولن يحدث ذلك في المستقبل إن شاء الله، فلابد من اكتشاف النخب العلمية وتنميتها.

نريد نهضة علمية من أجل خدمة الإنسانية وليس للتسلط عليها
وأما النقطة الثالثة: فهي أننا نريد أن نخطوا ببلادنا على طريق التقدم العلمي، ولكن دون تغريبها، فينبغي علينا تجنّب هذا الخطأ.

إنّ الغربيين الآن يمتلكون ناصية العلم، سوى أنهم خلطوا هذا العلم بقيم نرفضها نحن ولا نرتضيها.

إننا لا نريد أن نكون غربيين، بل علماء.

إنّ العلم الحديث يمثل خطراً داهماً على البشرية، حيث بات هذا العلم في خدمة الحروب والعنف والفحشاء والجنس والمخدرات والاعتداء على الشعوب الأخرى والاستعمار وإراقة الدماء والحروب الضارية.

إننا لا نريد مثل هذا العلم، ولا نريد أن نصبح مثل هؤلاء العلماء، بل إننا نريد علماً نوظفه من أجل خدمة الإنسانية والعدالة والأمن والسلام، وهذا هو العلم الذي أوصانا به الإسلام.

إنّ الدولة الإسلامية، ولاسيما إيران، لم تستعمر البلدان الأخرى في عصورها الذهبية المتقدمة، ولم تعتد على شعوب العالم، ولم تمارس ضغوطاً على أحد.

إنّ الإسلام يريد علماً ممزوجاً بالإيمان والكتاب والسنة والأخلاق المهذّبة والقيم المعنوية السامية.

لقد سعدت كثيراً بهذه الفقرة من المناجاة الشعبانية التي قرأتها الآن هذه الآنسة الفاضلة، وهي التي تقول (إلهي، هب لي قلباً يدنيه منك شوقه ولساناً يرفع إليك ذكره ـ أو صدقه ـ ونظراً يقربه منك حقه) فهذا ما يصبو إليه العاِلم المسلم، أي التقرب الى الله تعالى والتحلي بالقيم المعنوية والتخلق بالصدق والإخلاص، وعندئذ يكون العلم، ذلك الذخر العظيم وتلك الحربة المسنونة، في خدمة الدفاع عن الإنسانية وأمنها وعدالتها وإقرار السلام بين بني البشر.

إنّ هذا ما نتوق إليه، فليكن هدفاً لكم تعملون على تحقيقه.

العلم في الغرب أداة السيطرة على الشعوب ونهب ثرواتها
إنكم تشاهدون الآن طريقة أولئك الآخذين بزمام السياسة والثروة والعلم في هذا العالم والمتمثلين في الحكومات الغربية وعلى رأسها أمريكا.

إنّ التجمّعات والشركات الاستثمارية الكبرى تتحكّم في كرسي السلطة وسدة الحكم, متوسلة في ذلك بالتقنية والعلم.

إنهم يستخدمون الأسلحة عن طريق العلم، ويسخّرون الجاسوسية واختلاس المعلومات بوسيلة العلم، ويؤججون الصراعات في أماكن مختلفة من العالم بواسطة العلم.

انظروا كيف يتحدّث رؤساء تلك البلدان التي انحرفت بالعلم عن جادة الصواب. لقد سمعتم خطاب رئيس الجمهورية الأمريكي منذ عدة أيام، وكيف كان بغيضاً وعنيفاً وذا لهجة متعجرفة ومتكبرة.

إنّ هذا التكبّر والغرور هو الذي يغوص بهم الى أعماق المستنقع يوماً بعد آخر.

إنني أقول لكم من الآن: إنه سيأتي يوم بعد أن نكون قد رحلنا عن هذا العالم بينما أنتم باقون أيها الشباب، وسترون في ذلك اليوم كيف تغوص تلك الحضارة المنحرفة الى قاع المستنقع، وكيف أنها بلا أدنى شك تتجه لحظة بعد أخرى نحو الانحدار والسقوط.

إنّ هذا الغرور والتكبر الأحمق هو أحد عوامل ذلك السقوط الذي ينتظرهم بفارغ الصبر.

إنهم في طريقهم الى الهاوية لربما تمكن العجب منهم الآن والخيلاء، ولكنهم يتّجهون نحو الهاوية بلا علم لهم بذلك سوى الواعين منهم الذين مازالوا يدقّون لهم أجراس الخطر منذ سنوات ولكنهم سكارى لا يحفلون ولا ينتبهون.

سـكـرانُ سُكرَ هـوىً وسُكرَ مُدامــةٍ

أنّــَى يــفــيــق فــتى به سكرانُ!

إنهم سُكريْن، سُكر هوى النفس، وسُكر السلطة.

إنّ الإنسان عندما يكون في سُكر واحد فإنه يذهب بعقله، فما بالكم بمن أطبق عليه سُكرانز لقد ابتلعوا حَبْتَي مخدر وهلوسة. ولكنهم يمتلكون سلاح العلم، فلابد من التعقّل والحكمة حتى نأخذ بأعناقهم ونطرحهم أرضاً، ولسوف نتغلب عليهم إن شاء الله.

اعلموا أننا لا نطلب هذا النوع من العلوم، بل نطلب ذلك العلم الذي يسمو بقيمنا ويرتفع بإنسانيتنا ويقرّبنا الى الله، ويشقّ لنا طريقاً نحو جنة الخلد.

إنّ قلوبكم صافية أيها الشباب، وإنكم لأشدّ استعداداً للتأثّر بما أقول مع أنني من أقول. إنكم وحدكم الذين تستطيعون قطع هذه المسافة بفضل قلوبكم الشابة ومعنوياتكم الغضّة اليانعة.

وأما النقطة الرابعة: فهي أنّ مسألة النخبة يقع شقٌّ منها على عاتق الحكومة، والشقّ الآخر على عاتق النخب نفسها.

فأما واجب الحكومة فيتمثل فيما تفضّل به السيد الدكتور واعظ زاده معاون رئيس جمهوريتنا العزيز. فهذه هي واجبات الحكومة ولابد من أدائها، وإنني أؤكد ذلك ولسوف أقوم بمتابعته إن شاء الله. ولحسن الحظ فإن الحكومة أيضاً ترغب في تحقيق هذه المقاصد.

إنّ ما قلتموه: من أنّ النخب يجب أن تتواجد في المؤسسات النخبوية والمراكز المختلفة هو أمر لابد من تحقيقه.

وإنّ الأوضاع هي الآن على هذه الحال كما أعتقد.

إنّ أولئك الذين يديرون مؤسسة النخب وهذه المعاونية العلمية هم من النخبة الشباب.

إنهم لا يكبرونكم كثيراً، ولكنهم من تلك النخبة التي باشرت عملها والحمد لله, واستطاعت أن ترتقي حتى معاونية رئاسة الجمهورية وتأسيس المعاونية العلمية ومؤسسة النخبة، أي أنكم أنتم أيها الشباب النخبة هو من يقوم بإنجاز هذه الأعمال الكبرى، ولسوف تسير الأمور في المستقبل على نفس هذا المنوال.

وأما واجب النخبة، فإنّي أتحدّث إليكم أيها الحضور في هذا المكان، إلا أنني أوجّه خطابي لكل النخب في بلادنا، فالنخبة لا تنحصر بكم فحسب، بل إنّ لدينا الآلاف ومئات الآلاف وربما الملايين في هذا البلد من النخب ذات العبقرية والنبوغ التي لابد من اكتشافها.

نصائح
أ ــ حاذروا التكبر والإعجاب بالنفس
إنّ نصيحتي الأولى هي الحذر من أن يسيطر عليكم التكبّر والخُيلاء، وهذا ما تحدّث به شبابنا الأعزاء في كلماتهم التي استمعنا إليها هنا.

إنّ الخُيلاء والإعجاب بالنفس والتعالي على الآخرين ليست من حسن الصفات، بل إنها تستتبع أضرار فادحة عليكم.

إنكم أبناء هذا الوطن وهذا التراب، ولقد ضحّى آباءكم بشبابهم ليقيموا لكم هذا الصرح العظيم لتحتموا به، فلا تغمطوهم حقّهم، واحذروا من التّهكم على الكبار وإهانتهم وتجاهلهم. لا تقولوا: إنّ لكم حقاً في عنق هذا البلد وهذا الشعب. لقد أسلفت القول: من أنّ واجبات الحكومة والمسؤولين في القطاعات غير الحكومية معلومة وواضحة، ولكن من واجبكم أن تنظروا الى هذه النقطة من زاويتكم أنتم.

ب ــ لتكن طموحاتكم بحجم الوطن ومستقبله
وأما نصيحتي الثانية لكم أيها الأعزاء: فهي أن تحددوا لكم دوراً تاريخياً ووطنياً وليس دوراً شخصياً.

إنّ المرء عندما يختار لنفسه دوراً شخصياً ـ وهو من ذوي النبوغ ـ فإن هدفه سينحصر في بلوغ الثراء والشهرة وذيوع الصيت واكتساب احترام الآخرين.

فإذا ما تحقق له كل ذلك انطفأت عنده شعلة الطموح ولم يعد له ما يصبو الى العثور عليه، ولكن الأمور ستختلف عندما يحدد الإنسان لنفسه دوراً وطنياً ودوراً تاريخياً.

إنّ عليكم أن تأخذوا بالحسبان مستقبل بلادكم وتاريخها والنقطة التي ينبغي لها الوصول إليها وأين أنتم من كل ذلك الآن، وما هو الدور الذي لابد لكم من القيام به لتصلوا بالبلاد الى تلك الغاية في غد الأيام.

إنّ عليكم أن تسموا بأهدافكم وأن ترسموا لأنفسكم دوراً واضحاً ودقيقاً.

ج ــ وطنوا أنفسكم على بلوغ مقام المرجعية العلمية للآخرين
وأما نصيحتي الثالثة: فهي أن تكون لكم عزيمة راسخة. لقد قلت ذلك مراراً في لقاءاتي مع الشباب والنخب.

إن طموحكم لا يجب أن يتوقف عند مجرد إمكانية تصنيع ما صنّعه الآخرون لدى استيراده، فهذا ليس شيئاً يُذكر وإن لم يخلُ من كونه جيداً، ولكنه بعيد كل البعد عما نهدف الى تحقيقه.

اجعلوا طموحاتكم في أن تصبح بلادنا وشعبنا مرجعاً علمياً وصناعياً لكل العالم ذات يوم. لقد قلت مرة في حشد من الشباب النخبة: إنّ عليكم أن تجعلوا العلماء الراغبين في معرفة آخر النتائج والانجازات العلمية مضطرّين الى تعلّم اللغة الفارسية التي كتبتم بها تلك الأبحاث، كما هو الحال الآن بالنسبة لكم عندما تجدون أنفسكم مضطرّين الى تعلّم اللغات الأجنبية لمطالعة المصادر العلمية.

إنّ بوسعكم الوصول بالبلاد الى هذه الغاية، ولربما استغرق الأمر خمسين أو أربعين سنة أخرى، ولكنّ ذلك باستطاعتكم.

لقد كنّا كذلك ذات يوم في الماضي، فكانوا يترجمون مؤلفات العلماء الإيرانيين الى لغاتهم، بل كانوا يتعلّمون تلك اللغة ليحصلوا على المعرفة بلغتها الأصلية.

إنّ من اللطيف أن تعرفوا أنّ كتاب (القانون) في الطب لابن سينا قد تُرجم الى الفارسية منذ نحو خمسة عشر عاماً، أي عندما كنت رئيساً للجمهورية. وعندئذ أوليت الأمر أهمية وكلّفتُ البعض بمتابعة هذه المسألة، فعلمتُ أنّ مترجماً كردياً من ذوي الأسلوب الحسن والذوق الرفيع هو الذي أنجز هذه الترجمة التي مازالت باقية حتى الآن.

إنّ ابن سينا كان قد ألّف كتاباً باللغة العربية، ولم يترجم الى الفارسية، مع أنه تُرجم الى اللغة الفرنسية منذ عدة قرون. أي أنهم قاموا بترجمة هذا الكتاب لحاجتهم إليه.

فهذه هي المرجعية العلمية، بمعنى اضطرارهم لترجمة كتبنا أو تعلم لغتنا، فليكن هذا هدفاً لكم، ولتعقدوا عليه عزمكم.

إنّ عليكم أن تعقدوا العزم على التقدم العلمي وكسر الحدود والمقاييس العلمية، وهو ما يحتاج الى كلام سآتي لقوله في مقامه.

ضرورة إعداد خطة علمية شاملة للبلاد
إنّ علينا أن نعدّ للبلاد خطة شاملة ومتكاملة. لقد قلت هذا أيضاً في العام الماضي لدى لقائي بهذا التجمع العلمي، وإنهم يتابعون هذا الموضوع الآن في المجلس الأعلى للثورة الثقافية، ولكن الأمر يتطلب المزيد من الجدّية.

إنّ علينا أن نعرف ما معنى أن يكون للبلاد خطة علمية شاملة، والمقصود هنا بالعلم، وما هو المعيار، وفي أي مجال. لا ينبغي لنا أن نكون مثل رياضي يتدرب كل يوم على تنمية عضلاته حتى تصبح بارزة ومفتولة، بينما ساقاه وصدره وكتفاه تبدوا وكأنها لرجل نحيف. إنه لا جدوى من كل ذلك، إذ لابد من العمل بنسب متوازنة.

لقد تحدّث بعض هؤلاء الشباب عن العلوم الإنسانية.

إننا نسبق العالَم بأجمعه في هذا القسم من العلوم لعدة قرون، بل ونتقدم على أبرز البارزين اليوم في هذه العلوم، فلماذا لا نقتفي آثارهم؟ لأننا نسبقهم كثيراً في فروع العلوم الإنسانية المختلفة كالأدب والفلسفة والتاريخ والفنون وما إليها.

لقد وردت إلينا بعض العلوم الإنسانية من الغرب، إلا أننا إذا تحرّينا الدقّة فنسجد أنّ بذرتها، وهي عبارة عن العقل والتجربة، تحمل روح الفكر الإسلامي ـ الإيراني.

إنّ أوروبا عصرِ الخرافات لم يكن باستطاعتها منهجية علوم كعلوم البيئة والاقتصاد وإدارة الأعمال وعلم النفس وعلم الاجتماع على هذه الصورة.

إنها جميعاً نفحات علوم وتجارب الشرق، ولاسيّما إيران الإسلامية، التي طوّرها الغربيون حتى انتهى بها المطاف الى ما هي عليه الآن.

وعلى أية حال فإن علينا أن نتقدّم فيما نحن فيه متأخّرون، وأن نتّجه نحو الإبداع، دون الترجمة. إنّ الترجمة لها علينا عواقب وخيمة.

ولهذا فإن ثمة ضرورة لإعداد تلك الخطة العلمية الشاملة، بما في ذلك موقع العلوم المختلفة وأهميتها، وعدد الطلبة، ونوعيتهم، وجنسهم ذكوراً أو إناثاً، والمناطق المختلفة، فلابد من إيضاح كل ذلك حتى نعرف ما ينبغي علينا فعله. لقد اتخذنا الخطوات الأولى، لكن لابد من الجدّية في المواصلة.

ضرورة تلبية الأبحاث العلمية إحتياجات البلاد
إنّ قضية تطبيق الأبحاث والاختراعات التي تحدّث حولها بعض الشباب تُعدّ من القضايا التي أؤكد عليها.

فمن الممكن أن يكون لدينا الكثير من الأبحاث الجيّدة والباحثين الممتازين في العديد من المجالات دون المساهمة العلمية في تقدم البلاد وتطورها، أي العجز عن تحويل هذه الطاقات الى ثروة وطنية، وهذا لا يُجدي؛ لأن علينا أن نحوّل مهارتنا العلمية الى ثروة وطنية، وهو ما يحتاج الى الجهد والتخطيط.

ثم إنّ هناك نقطة أخرى تأتي في السياق، وهي ضرورة استكمال السلسلة العلمية والتقنية التي قد تُقطع بعض حلقاتها أحياناً، وذلك حتى نحصل على خط إنتاجي حقيقي وأن نبلغ بالعلم الى أهدافه الصحيحة على كافة المستويات.

إنّ رغبتكم وعزمكم وحُبّكم وجهود المسؤولين الذين أدعو لهم بالتوفيق هي إكسير كل هذه الأمور وماء حياتها. وعسانا نستمر في بذل هذه الجهود الحثيثة إن شاء الله ونشاهد هذا التيار العلمي وقد اشتدّ وأينعت ثماره.

لقد سعدتُ كثيراً بلقاء هذا اليوم، وأسأل الله تعالى أن يكون هذا اللقاء عاملاً مساعداً على بلوغ الأهداف الرفيعة التي تصبوا إليها البلاد وترفوا إليها جماهير الأمة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

2017-02-14