كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في ذكر السابع من تير
2007
دور السلطة القضائية: توفير الأمن الاجتماعي والأخلاقي للمواطنين
عدد الزوار: 151
كلمة
الإمام الخامنئي دام ظله في ذكر السابع من تير ويوم القوة القضائية الزمان:
7/4/1386هـ. ش ـ 13/6/1428هـ.ق ـ 28/6/2007م.
دور السلطة القضائية: توفير الأمن الاجتماعي والأخلاقي للمواطنين
بسم الله الرحمن الرحيم
نرحّب أطيب ترحيب بجميع الأخوة
والأخوات الأعزاء، وعوائل شهداء السابع من تير، ومسؤولي ومدراء السلطة القضائية.
حادثة السابع من تير تفضح منافقي الثورة الإسلامية
إنّ هذه المناسبة زاخرة بالمعاني والمفاهيم، فيوم السابع من شهر تير يوم تاريخي
ومهم للغاية؛ لأنه يُبيّن لنا لأهداف الإجرامية لأعداء الثورة الإسلامية, ويؤشّر
على أياديهم الآثمة التي لا تتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم، وهو من ناحية أخرى يوضّح
لنا مدى قوة وصلابة أسس الجمهورية الإسلامية وكيف أنها ثبتت راسخة لا تتزعزع أمام
الأحداث العجيبة والأزمات الخطيرة.
إنّ الذين نالوا درجة الشهادة في السابع من تير لم يكن لهم ذنب سوى أنهم من النخبة
الفاعلة. وكانت سياسة الأعداء القذرة الخبيثة تتمحور حول تصفية هذه الصفوة
وانتزاعها من قافلة الثورة.
إنّ الجميع يعرفون تلك الشخصيات البارزة مثل الشهيد الجليل المرحوم آية الله
بهشتي(رضوان الله عليه) الذي كان من الوجوه النادرة التي قلّ نظيرها، وكذلك العديد
من الشخصيات المعروفة التي التحقت بركب الشهادة في ذلك اليوم، ولكننا نقول: إننا
كنّا على معرفة وثيقة تقريباً بأولئك الشهداء فرداً فرداً، وبمقدورنا أن نقول ونشهد
بأنهم كانوا من الرجال الصالحين المتفانين، وأنّ كلامهم كان بمثابة قاعدة راسخة
لمستقبل النظام ولإقامة نظام الجمهورية الإسلامية في بلادنا.
لقد كانوا جميعاً من الشخصيات البارزة، الصالحة، ذات القابليات والمواهب العظيمة،
ولهذا فقد أراد الأعداء أن تخسرهم الجمهورية الإسلامية، وقد كانوا اثنين وسبعين
رجلاً.
لقد كان للمنافقين يد طولى في الإجرام، وكانوا لا يتورّعون أبداً عن قتل هؤلاء
الشهداء حتى ولو كانوا سبعمائة شخص، أي أنهم لم يكونوا يربأون بأنفسهم الخبيثة عن
ارتكاب المذابح والقتل وسفك الدماء، لعلهم ينجحون في تركيع نظام الجمهورية
الإسلامية.
وما أشبه اليوم بالبارحة، فلقد كانت الأوضاع هكذا دائماً، ومازالت حتى اليوم تسير
على نفس هذه الوتيرة.
يوم السابع من تير يبين قوة وصلابة أسس الجمهورية
الإسلامية
إنّ أعداء النظام الإسلامي لا يتورّعون عن ارتكاب أية جريمة من أجل تسديد ضربة
لنظام الجمهورية الإسلامية ؛مهما اتّصفت جرائمهم بالظلم والجور والبشاعة والنذالة
واللاإنسانية، ومهما تكللت مساعيهم بالفشل والخسران فلأنهم غير قادرين على أكثر
ذلك. وهذا من ناحية، وأما من الناحية الأخرى فلأن نظام الجمهورية الإسلامية يتّسم
بالصلابة والقوة.
فهل كانت مزحةً أن يفقد النظام في ساعة واحدة نحو سبعين من زبدة كوادره وشخصياته،
وفيهم وجوه بارزة كالشهيد بهشتي، وعدد من الوزراء الممتازين وأعضاء البرلمان
المتميزين، ونخبة من الناشطين السياسيين؟ ومع ذلك، فإن هذه الضربة نجحت في زيادة
حماسة وإيمان المواطنين واستحكام قواعد النظام, فضلاً عن أنها لم تترك أدنى أثر على
هوية وقوة وصلابة نظام الجمهورية الإسلامية.
دور السلطة القضائية في مسيرة نظام الجمهورية الإسلامية
إنّ هذه هي الأبعاد الفائقة الأهمية لحادثة السابع من تير. ومن هنا فإن سلطتنا
القضائية اتخذت من هذا اليوم، وعلى مدى أسبوع واحد، يوماً لها وللتذكير بأهمية
دورها في حياتنا، والعلاقة بينهما واضحة.
إنّ السلطة القضائية هي الجهاز الذي يتوقف على نشاطه وأسلوب عمله جزء كبير من مقاصد
وأهداف نظام الجمهورية الإسلامية. فمسألة العدالة، وإحقاق الحق، وتنفيذ القانون،
والوقوف بوجه الأشقياء والمعتدين والمستغلين، ومنح المواطنين الشعور بالأمن والهدوء
والطمأنينة في الحياة، ليست بالأمور التي يمكن غضّ النظر عنها في نظام الجمهورية
الإسلامية.
إنّ هذه هي واجبات السلطة القضائية وعليها العمل بالقانون حيالها.
إنّ مهمة إعطاء الأمن للمواطنين مسؤولية تقع في قسمها الأهم على عاتق السلطة
القضائية، يستوي في ذلك الأمن الاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي والذاتي.
إنّ الأجهزة التنفيذية الأخرى تشاطر السلطة القضائية في تحمّل هذه المسؤولية. كما
هو الحال في إقرار الأمن الاجتماعي, حيث تقوم أجهزة الشرطة بالتنسيق مع السلطة
القضائية لإحلال الأمن في المجتمع. هذا صحيح، ولكن ما هو دور السلطة القضائية
عندئذ؟
إنه التعامل مع الجاني بصورة يصبح معها عِبْرةً أمام الآخرين. ومن الصحيح أيضاً أنّ
الأجهزة التنفيذية هي التي تقوم غالباً بتوفير الأمن الاقتصادي ـ كوزارة الاقتصاد
والمالية والمصارف وغيرها ـ إلاّ أنّ دور السلطة القضائية هنا هو التعامل مع
المتلبّسين بالفساد الاقتصادي في تلك المؤسسات, بحيث يغدون عِبْرة أمام الذين
يحاولون نشر الفساد في الجهاز الاقتصادي.
وهذا في حدّ ذاته يعتبر من العوامل المهمة في توفير الأمن الاقتصادي.
السلطة القضائية توفر الأمن الإجتماعي والأخلاقي
للمواطنين
إنّ البعض يتصورون ـ أو يتظاهرون بأنهم تصوروا ـ أنّ الوقوف بوجه المفاسد
الاقتصادية يُخلّ بالأمن الاقتصادي. وهذا مناقض تماماً للحقيقة والواقع.
إنّ عقاب المفسدين الاقتصاديين من شأنه توفير الأمن الاقتصادي لغير المفسدين. فمن
هم غير المفسدين؟
إنهم السواد الأعظم من المواطنين.
إنّ المفسدين الاقتصاديين والاستغلاليين قلّة معدودة، فيجب إنزال أشدّ العقاب بهم؛
حتى يشعر الناشطون في المجال الاقتصادي بالأمان، وليس هناك طريق أفضل من توقّي
أولئك المفسدين. وهكذا هو الحال في مجالات الأمن الأخلاقي في المجتمع، والأمن
الثقافي، وأمن الأفراد والأعراض، فإن كرامة الأفراد في المجتمع الإسلامي لا يمكن
التلاعب بها على يد أولئك الذين لا يشعرون بالمسؤولية.
إنّ على الأجهزة المعنية أن تنشط في العمل.
إنّ المساس بالكرامة، وتوجيه التّهم للآخرين، وإثارة الشائعات والقيل والقال حول
الآخرين ـ مسؤولين كانوا أو غير مسؤولين ـ بلا حجة أو دليل، تعتبر كلها من الأعمال
المخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية والمناقضة للرؤية الإسلامية.
فلنفترض أنّ شخصاً وجّه لآخر تهمة الاستغلال المالي، فإن الأمر سيستغرق وقتاً
طويلاً حتى يُثبت المتّهم خلاف ذلك.
إنّ الشرف والكرامة والشخصية لمن القضايا المهمة في المجتمع الإسلامي، فلابدّ من
إيلائها الأهمية، وإنّ للسلطة القضائية دوراً في هذا المجال وفي إقرار هذا الأمن.
إنّ دور السلطة القضائية في كل مكان هو تطبيق القانون على الجناة مهما كانوا، ولهذا
أثر كبير على هيكلية النظام الإسلامي والحياة الصحيحة وبلوغ أهداف الجمهورية
الإسلامية.
إنّ من الضروري أن أتقدّم بالشكر إلى كافة العاملين في السلطة القضائية، وعلى رأسهم
رئيسها المحترم ـ فهو بحمد الله فقيه وعالم متبحّر وذو بصيرة ـ وإنني أقدّر كل ما
أنجزوه من أعمال.
لقد اطّلعت من خلال التقرير الذي وصلني على أنّ نشاطات واسعة قد تمّ القيام بها على
أصعدة مختلفة، وأنّ كل ما أرجوه ـ سواء من رئيس السلطة القضائية أو من المسؤولين
فيها ـ هو النظر إلى النتائج.
معيار نجاح السلطة القضائية ثقة الناس بنزاهتها وحزمها
إنّ من الممكن أن نبذل جهود كبيرة، ولكن بلا جدوى سوى القليل. فما معنى هذا؟ معناه
أنّ ما قمنا به كثير بالكمّ المطلق، ولكنه قليل بالكمّ النسبي، فلابد من مضاعفة حجم
العمل، إذا ما قال أحدهم إنه يعمل مئة ساعة في الأسبوع، فهذا كثير بالنسبة لشخصٍ
واحد، ولكنه قليل بالنسبة لبعض الأشخاص، وبعض الأعمال.
فينبغي ملاحظة الكمية النسبية، والسبيل إلى ذلك هو النظر للنتائج.
إنّ عليكم أن تقدّروا ما تمّ تحقيقه حتى الآن، وهل هو بمستوى تلبية ما طالبتُ به في
السنوات الماضية أم لا، وهو أن تصبح السلطة القضائية ملجأً وملاذاً للمواطنين، وأن
يطمئن الناس إلى ذلك بمشاعرهم وضمائرهم.
إنّ للجماهير أن تعقد آمالها على السلطة القضائية, بحيث لو شعر أحد بالظلم فإنه
يتوجّه للسلطة القضائية ويدقّ بابها لأخذ حقّه من الظالم.
إنّ ظاهرة كهذه إذا ما عمّت في المجتمع فمعناه أنكم بلغتم أهدافكم، وإلا فيجب عليكم
بذل المزيد من الجهد.
إذاً فلابد من ملاحظة النتائج، وأن تعملوا على أن تصبح السلطة القضائية ملاذاً
وملجأً للجميع من القاصي إلى الداني.
لا شكّ أنّ البعض سيبقى ناقماً على السلطة القضائية.
(وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ
مُذْعِنِينَ)1. وهكذا كان الوضع دائماً، حتى في عصر الرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم).
ولكن الناس تبقى على الدوام تشعر بالغبطة والرضا إزاء القضاء النزيه الحازم, الذي
يطبّق القانون على الجميع بلا انحياز أو مواربة, حتى لو كان المتّهم شخصاً من
المنتمين للسلطة القضائية.
وهذا ما يجب أن يكون عندنا، وبالطبع، فإن هذا يحتاج إلى إجراءات مختلفة، وينبغي
التغلّب على نقاط الضعف التي أُشير إليها في هذا التقرير.
إنّ من الضروري العمل بالآليات والأساليب الجديدة التي تمّ بيانها، وأن تكون في
متناول رجال القضاء والمسؤولين في السلطة القضائية؛ للاستفادة منها كلّما اقتضت
الضرورة.
كما وأنه لابدّ من المراقبة والإشراف، وهو ما أشرت إليه مؤكداً في لقاءات سابقة،
وأعني بالإشراف هنا الإشراف على خط سير السلطة القضائية. والأهم من كل ذلك إتّباع
برنامج دقيق ومنظّم، وأن تسير الإدارة في السلطة القضائية وفق قواعد منظمة ودقيقة.
ولحسن الحظ، فإن السلطة القضائية أحرزت تقدّماً ملحوظاً منذ بداية هذه المرحلة
الخمسية، وإنني أقول بإصرار: إنه لابدّ من المُضيّ قُدُماً خلال العامَين الباقيين
من هذه المرحلة، فلا يجب أن يكون أسلوب العمل في أول المرحلة مختلفاً عنه في آخرها.
وهذه هي الوصية التي مازلت أوصي بها جميع حكوماتنا المتعاقبة.
ضرورة التعاون بين السلطات الثلاث
إنّ على السلطة القضائية أن تجدد من نفسها دائماً, وأن تعمل بنشاط وحيوية، وأن تشقّ
طريقها للأمام بلا كلل أو ملل.
إنّ الوقت في صالحكم، ولديكم فرص جيدة.
إنّ هذا التعاون الحاصل بين السلطات الثلاث لمن النِعَم الكبرى، وهو ما حدث بعد جهد
جهيد. لقد كان يأمل البعض ـ ومازالوا يأملون ـ أن يبقى الصراع والنزاع والتحدّي
دائماً بين السلطات الحكومية في البلاد.
ولكننا اليوم ـ والحمد لله ـ نشهد تآلفاً وانسجاماً. ومع ذلك، فلا مانع أن تعمل كل
سلطة بما يمليه عليها واجبها.
إنّ على كل من السلطة القضائية والتنفيذية والتشريعية أن تعمل بواجباتها بحزم
وقاطعية، ولكن مع استمرار التآلف والتعاون فيما بينها جميعاً.
إنها لفرصة ذهبية، فعلى المسؤولين المحترمين والمدراء الكبار في السلطة القضائية
استثمارها قدر المستطاع، حتى نستطيع أن نجسّد في المجتمع نموذجاً من القضاء
الإسلامي الصحيح والمتكامل، بما في ذلك المحاكم الإسلامية وهيكلية الجهاز القضائي
الإسلامي الذي يشمل المحاكم وما يتبعها من مؤسسات كالسجون وغيرها.
ندعو الله سبحانه وتعالى أن يجزل لكم أجر ما قدّمتموه من أعمال مشكورة. وأن يرحم
شهداءنا الأعزاء، ولاسيّما شهداء السابع من تير، وخصوصاً الشهيد بهشتي(رضوان الله
تعالى عليه) مؤسس النظام القضائي والحقوقي الجديد، وأن يُرضي عنّا قلب ولي العصر،
وأن يشملنا بدعائه المبارك أرواحنا له الفداء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1- سورة النور، الآية: 49.
2017-02-14