يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي في طهران بمناسبة حلول عام 1386 الهجري الشمسي

2007

(يا مقلب القلوب والأبصار، يا مدبّر الليل والنهار، يا محول الحول والأحوال، حوّل حالنا إلى أحسن الحال)

عدد الزوار: 96

كلمة الإمام الخامنئي في طهران بمناسبة حلول عام 1386 الهجري الشمسي الجديد الزمان: 1/1/1386هـ.ش، ـ 1/3/1428هـ،ق ـ 21/3/2007م
العام الجديد: فرصة لتجديد العزم الوطني على طريق تحقيق الأهداف

بسم الله الرحمن الرحيم

(يا مقلب القلوب والأبصار، يا مدبّر الليل والنهار، يا محول الحول والأحوال، حوّل حالنا إلى أحسن الحال)

اللهم صلّ على علي بن موسى الرضا المرتضى الإمام التقي النقي.

أبارك حلول أيام النوروز ومستهل السنة الشمسية الجديدة لجميع أبناء وطننا الأعزاء، وجميع الإيرانيين في كافة أنحاء العالم وحيثما كانوا، وكذلك كافة الشعوب التي تحتفي بهذه الأيام، كما أقدّم مباركة خاصة بهذه المناسبة لأُسر الشهداء الأعزاء، وجميع المضحين وأسرهم، وكافة الناشطين في خدمة الشعب.

عيد النوروز والتقاليد الأصيلة المفعمة بالرحمة والعاطفة
إنّ أيام النوروز بداية إيناع الطبيعة وانتعاش الأرض، وتجدد فضاء الإنسان وحياته الطبيعية، وما أروع أن يقترن هذا الإيناع، بصقل الإنسان لروحه وقلبه بذكر الله والاستعانة به، وزرع بذور الخير وطلب العافية والصلاح لجميع الأخوة والأخوات وكافّة الناس.

يحتوي النوروز على الكثير من التقاليد الجميلة، فمضافاً إلى أنّ جميع الإيرانيين أينما كانوا يبدأون هذه اللحظة من تحويل السنة باسم الله سبحانه، وهم يسألونه تعالى أن يوجد تحوّلاً جذرياً في حياتهم، تُعدّ سُنّة التزاور وصلة الأرحام وتوثيق الروابط والعلاقات الحميمة بين أفراد المجتمع، من أروع وأجمل التقاليد الموجودة في أيام النوروز.

ولو قارنّا ذلك ببعض الاحتفالات الوطنية للشعوب الأخرى ـ التي تقترن بأمور منافية للأخلاق والعفّة والتي لا تمتّ بصلة لهذه العلاقات الإنسانية ـ ندرك أنّ احتفالنا الوطني هذا وبداية عامنا الجديد، مضافاً إلى اقترانه بربيع الطبيعة يحتوي أيضاً على خصوصيات أصيلة مفعمة بالرحمة والعاطفة.

إنّ إدخال السرور على القلوب والابتسامة والتبريك والترحيب بالآخرين وترسيخ الأواصر الإنسانية، وتجديد بيئة الحياة من التقاليد الحسنة والمحبوبة التي دأب الإيرانيون منذ القدم وحتى هذه اللحظة على إحيائها. وهي بأجمعها تحظى بدعم الدين الإسلامي الحنيف وشرعه المقدس.

العام الماضي: إنجازات ونجاحات ملحوظة
في نظرة إلى العام 1385، ونحن في طريقنا إلى تجاوزه، وإطلالة إلى عام 1386، الذي نعيش لحظات بدايته. كان العام 85 قد تشرّف باسم النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد كان مشحوناً منذ بدايته وحتى نهايته بذكره(ص) وقد تحشّدت الجهود في التعرّف على أبعاد شخصيته بشكل أكثر ومعرفة خصوصيات حياته، والعبر والدروس التي يمكن استخلاصها في سيرته(ص)، وطبعاً لا يزال هناك متّسع كبير للتعرّف على النبي(ص)، وأنّ جميع سنيّنا في الحقيقة هي سنين النبي الأعظم (ص).

إنّ عام 85 كسائر الأعوام التي يعيشها الناس، كان مفعماً بالحوادث المتنوّعة، مرّها وحلوها، وأفراحها وأتراحها، ولكن بنظرة اجمالية يمكنني القول قاطعاً، وأزفّ البشرى للشعب الإيراني العزيز: أنّ انجازاته ونجاحاته كانت أكثر من الإخفاقات، وأنّ التقدم الذي حققناه كان أكثر من التوقّف والسكون، وأن الحوادث السارّة كانت أكثر من الحوادث المرّة.

وقد لوحظت على الصعيد الداخلي جهود حثيثة لتطوير البلاد، وكانت قرارات المسؤولين صائبة، وأنّ النشاط في هذا المجال كان جيداً ومقبولاً، وسأوضح ذلك لشعبنا العزيز بتفصيل أكثر في خطابي إن شاء الله تعالى.

وعلى صعيد السياسة العالمية كان تقدم نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية ملحوظاً أيضاً، فقد غدا شعبنا مرفوع الرأس، وغدت بلادنا شامخة ببركة نظام الجمهورية الإسلامية.

وقد اتّضحت رفعتنا الوطنية والنظرة العطوفة التي يحملها أبناء شعبنا لأمم العالم والشعوب الإسلامية في كافة الحوادث، كما اتّضح عزمنا الوطني الثابت في المجالات العلمية، والنشاط الاقتصادي إلى مستويات كبيرة، فكان نجاحنا على الصعيدي الداخلي والخارجي كبيراً والحمد لله.

العام الجديد: فرصة لتجديد العزم الوطني على طريق تحقيق الأهداف
وفي عام 86 يجب مواصلة حركتنا الوطنية بما يتناسب وحاجة شعبنا.

هناك حقيقة، وهي أن الشعب الإيراني بفعل سيطرة القوى الطاغوتية والفاسدة أو الحكومات العميلة أو غير الكفوءة، قد عانى لعقود طويلة ـ وربما قرابة قرنين ـ من تخلّف كبير على مختلف المجالات، وحالياً حيث بلغ الشعب الإيراني ببركة الإسلام ونظام الجمهورية الإسلامية مستوىً عالياً في الوعي والثقة بالنفس، علينا تقليص هذه المسافة الطويلة، فهناك شرخ واسع يفصلنا عما يتناسب وشأن إيران الرفيع والشامخ، ولا يمكن ردم هذا الشرخ إلا بتظافر الهمم والجهود الوطنية.

إنّ هدف شعبنا واضح، فهدفنا الوطني الكبير هو (الاستقلال والعزة الوطنية والرفاه لعموم الشعب) وهي أهداف سهلة المنال ببركة الإسلام والإيمان الإسلامي، وقد ثبت لنا ذلك بالتجربة، فإن شعبنا يتمتع بإرادة كبيرة لتجاوز الصعاب نحو الآفاق المستقبلية الأوسع والأرحب، وإذا تمّ توظيف هذه الإرادة على نحو كامل وشامل، فسوف يحصل الشعب الإيراني من دون شك على جميع مطالبه وأهدافه.

لقد بدأت حركة الشعب الإيراني بفضل الإسلام، وقد كان هذا الوعي والأمل والثقة بالنفس في تزايدٍ إلى يومنا هذا، وعلينا في كل عام جديد أن نجدد من عزمنا, وأن نفتح لأنفسنا آفاقاً جديدة، لاغروَ أنّ الشعب الحي يواجه العقبات، فالعقبات من لوازم الحياة، وعلى كل حيٍّ أن يدفع ضريبة حياته ليصل إلى غاياته.

فلابد من تجاوز العقبات، وأحياناً تكون هناك عداوات، فعلينا أن نمتلك تدبيراً ومنهجاً ثابتاً حيال هذه العداوات، ولابد من التمسك بالعزم المتين في هذا المجال.

إنّ الشعب الإيراني بحاجة إلى العزم الوطني، وقد أثبت حتى الآن تمتعه بهذا العزم، ويجب ترسيخ قواعد هذا العزم وأسسه بشكل متواصل.

لتمتين الوحدة الداخلية والسعي لتوحيد الأمة الإسلامية
من خلال نظرة إلى الأحداث العالمية ندرك بوضوح أنّ أعداء الشعب الإيراني يحاولون توظيف عداوتهم في اتجاهين؛ الأول: بثّ الفرقة في صفوف الشعب الإيراني وتمزيق وحدته، واختطاف مصدر قوّته، وإشغاله بالخلافات الداخلية.

الثاني: خلق المشاكل الاقتصادية، والسعي إلى كبح الشعب الإيراني في مختلف مجالات إعمار البلاد والرفاه العام، وقد دخل هذان الأسلوبان في حسابات أعدائنا على الأمد القصير والمتوسط، ويمكن الحدس بهذين الأسلوبين حتى مع عدم التصريح بهما، ومع ذلك فإن أعداءنا قد اعترفوا بذلك.

في عام 86، يجب أيضاً تظافر كافة القوى الوطنية والقوى المؤمنة بأهداف الشعب الإيراني السامية في المجالات الاقتصادية، وعلى المسؤولين والشباب الناشط توحيد جهودهم في هذا المجال.

إنّ ساحة العمل الاقتصادي واسعة، خصوصاً بعد الإعلان عن سياسة الأصل الرابع والأربعين من الدستور، وما أوصينا به المسؤولين، وما أظهروه من عزم تجاه هذه القضية.

فإن الباب مفتوح على مصراعيه أمام الجميع للخوض في النشاط الاقتصادي، وعلى المسؤولين تبيين الفرص المتاحة للناس، وعلى الناس بدورهم أن يبذلوا جهودهم.

إنّ بلادنا مرتع اقتصادي خصب يؤهّلها لبناء مجتمع ينعم بالرخاء والرفاه.

المسألة الأخرى: مسألة الاتحاد الشامل، إذ يسعى الأعداء من خلال إعلامهم وحروبهم النفسية ومختلف المساعي العدوانية إلى بثّ الخلاف بين أبناء الشعب الإيراني تحت ذرائع القومية أو المذهبية أو الانتماءات الطبقية.

ومضافاً إلى ذلك هناك على مستوى العالم الإسلامي جهود كبيرة تبذل من قِبَل الأعداء لإيجاد هوّة بين الشعب الإيراني وسائر المجتمعات الإسلامية الأخرى، وذلك من خلال تضخيم الخلافات المذهبية، وإذكاء الحروب بين الشيعة والسنة في أي رقعة ممكنة من العالم، والقضاء على شموخ الشعب الإيراني ـ الآخذ في التصاعد بحمد الله ـ لدى الشعوب الأخرى.

على شعبنا الحفاظ على يقظته. وعليه أن يواصل جهوده في بناء البلاد، والأهم من ذلك السعي إلى وحدة الكلمة والانسجام الوطني وتوحيد الأمة الإسلامية. ولابد من الحفاظ على هذه الوحدة بتعقّل وذكاء وحكمة وتدبير، وتقويتها باستمرار، وأنا شخصياً أولي أهمية خاصة لوحدة كلمة شعبنا، وأرى أنّ هذا العام هو عام (الاتحاد الوطني والانسجام الإسلامي)، أي على المستوى الداخلي لابد من اتحاد كلمة جميع أبناء الشعب على اختلاف قومياتهم وتنوّع مذاهبهم وطبقاتهم الوطنية.

وعلى المستوى العالمي لابد من الحفاظ على انسجام جميع المسلمين، والعلاقات الأخوية بين آحاد أبناء الأمة الإسلامية على اختلاف انتماءاتهم المذهبية.

إنّ عظمة الإسلام حالياً رهن باستقلال الشعوب وتمتعها بالعزم الراسخ، وإنّ الشعب الإيراني المسلم كان حتى الآن ـ وبحمد الله ـ رائداً في هذا المجال، وسيبقى كذلك.

نسأل الله تعالى المغفرة لروح إمامنا العظيم الذي فتح لنا هذا الطريق، ونسأله تعالى أن يرفع درجاته، وأتمنّى للشعب الإيراني الموفقية والنجاح في هذا المجال.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

2017-02-14