يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي في صلاة الجمعة – طهران

2009

لا ضير على المعارضة ما لم تصطدم بركائز النظام أو مباديء الثورة

عدد الزوار: 60

كلمة الإمام الخامنئي في صلاة الجمعة – طهران_11-09-2009 الموافق لـ20-6-1388 ه.ش
لا ضير على المعارضة ما لم تصطدم بركائز النظام أو مباديء الثورة

الخطبة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعين به ونؤمن به ونستغفره ونتوكّل عليه ونصلّي ونسلّم على حبيبه ونجيبه سيّد خلقه بشير رحمته ونذير نقمته سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين؛ لا سيّما بقيّة الله في العالمين.

اللهم صلِّ على أئمّة المسلمين وحماة المستضعفين وهداة المؤمنين.

علي (ع) التقوى المتجسّدة
أوصي الإخوة والأخوات المصلّين الأعزّاء بتقوى الله. هذا الشهر هو شهر التقوى، واليوم وهو الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك يوم التقوى المتجسّدة. الإمام علي بن أبي طالب هو التقوى المتجسّدة. لنستلهم الدروس، ونجعل التقوى زادنا للدنيا والآخرة.

أذكر في الخطبة الأولى نقاطًا حول أمير المؤمنين الإمام علي؛ إنّه يوم الإمام علي1. في ليلة الحادي والعشرين خسرت البشريّة علي بن أبي طالب. خسرت جَسَد أمير المؤمنين، وصوت أمير المؤمنين، والأنفاس الدافئة لأمير المؤمنين. وفارقت العين الثاقبة لأمير المؤمنين فارقت عالم البشرية يومذاك. ولكن يمكن أن نحتفظ بـ"علي" (عليه السلام). يمكن أن نحتفظ به في مقدمة المسيرة شريطة أن نتمسّك بسيرته وسلوكه كمثالٍ ونبراس. سأذكر لكم اليوم أيّها الإخوة والأخوات الأعزاء جانبًا من هذه الحياة الزاخرة بالمفاخر والحكومة القصيرة الأمد لكن المتألّقة والمضيئة.

سياسة الإمام علي "ع" منبثقة عن معنويّته وأخلاقه
وإنّ الموضوع الذي سأتحدّث حوله بضع نقاطٍ يتعلّق بالسلوك السياسيّ لأمير المؤمنين. ينبغي الالتفات والأخذ بعين الاعتبار أنّ السلوك السياسي لأمير المؤمنين غير منفصل عن سلوكه المعنويّ والأخلاقيّ. إنّ سياسة الإمام علي ممتزجة بالمعنويّة والأخلاق، بل هي منبثقة أساسًا عن معنويّته وأخلاقه. إذا نبعت السياسة من الأخلاق، وارتوت من المعنويّة، فستكون أداة كمال بالنسبة للناس الذين يتعاملون مع تلك السياسة، وستكون طريقًا إلى الجنة. أما إذا انفصلت السياسة عن الأخلاق وعن المعنويّة فعندئذٍ ستكون لعبةً سياسيّة ووسيلةً لكسب السلطة بأيّ ثمنٍ، ولجمع الثروة الماليّة ولتحقيق الأهداف والمصالح الدنيويّة. وستكون هذه السياسة آفة على السائس نفسه وعلى الجماهير التي تمارس هذه السياسة في مجالاتها الحياتيّة.

لا قيمة للحكم لدى أمير المؤمنين إلا أن يقيم حقا أو يدفع باطلا
انظروا إلى الحكومة التي قادها الإمام علي والتي وقعت فيها ثلاث حروبٍ مفصليّة بآلاف القتلى – كما يصفها في نهج البلاغة – حيث يذكرها بتعابير تدلّ على استهانته بها. مرّة يصفها في خطابه لابن عباس، بأنّها أهون عنده من حذائه القديم المرقّع. ومرّة يقول عن هذه الحكومة: "لألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنـز". كم هي القيمة الحياتيّة للرطوبة النازلة من فم عنـز عند عطاسها؟ لا شيء. يقول عليه السلام: هذه الحكومة وهذه السلطة وهذا التربّع على أريكة الحكم هو عندي أقلّ شأنًا من هذا الشيء. وفي موضعٍ ما من تلك الخطبة نفسها يستدلّ على قبوله لهذه الحكومة بقوله: "لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر": رأيت الناس قد توافدت وأصرّت وعرضت نصرتها فقبلتُ. ويقول في معرض الاستدلال أيضًا: "وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم"2 يقول (عليه السلام): إنّ الله تعالى أوجب على العلماء أن لا يسكتوا على تخمة الظالم وجوع المظلوم. هذه هي الأمور التي تدفع الإمام علي نحو الحكومة أو تحضّه على المقاومة والثبات وحتى على الحرب العسكريّة ضدّ من يبغي عليه، وإلّا فالحكومة لا قيمة لها عند أمير المؤمنين(ع).

لا مكر ولا خداع في نهج علي"ع" السياسي
من خصائص الإمام علي في هذه السياسة أنّه بعيد عن المكر والخداع. رُويت عبارةٌ عنه عليه السلام: "لولا التقوى لكنت أدهى العرب"3. لولا أنّ التقوى تقيّدني لكنت أشد حيلة ومكرًا من كلّ دهاة العرب وماكريهم. وفي موضع آخر حين يقارن بينه وبين معاوية - لأنّ معاوية كان مشهورًا بالدهاء والمكر في الحكومة - يقول حسب ما يروى: "والله ما معاوية بأدهى منّي"4، ليس معاوية أكثر حنكة منّي، ولكن ما يفعل علي؟ وهو يريد مراعاة التقوى والأخلاق فيبقى لسانه ويده مغلولين؟ هذا هو منهج أمير المؤمنين. حين لا تكون هنالك تقوى يُطلق لسانُ المرءِ ويداه فيستطيع أن يقول أيّ شيء؛ يمكنه أن يقول أشياء على خلاف الواقع؛ يستطيع القذف، وتوجيه التهم، والكذب على الناس، ونقض العهود، والميل لأعداء الصراط المستقيم. هكذا سيكون الحال حينما لا يكون هنالك تقوى. يقول أمير المؤمنين: لقد اخترت السياسة بمعيّة التقوى. لذلك لا يوجد في منهج الإمام علي مكر وحيل وأعمال قذرة؛ فهو إنسانٌ طاهر.

فصل الدين عن السياسة فصل للسياسة عن الأخلاق
من أخطار فصل الدين عن السياسة الذي يروِّج له البعض دائمًا في العالم الإسلامي - وقد كان هذا الترويج موجودًا في بلادنا سابقًا واليوم أيضًا للأسف يطلق البعض معزوفات فصل الدين عن السياسة- هو أنّ السياسة إذا انفصلت عن الدين ستنفصل أيضًا عن الأخلاق وعن المعنويّة. نلاحظ في الأنظمة العلمانيّة وغير المرتبطة بالدين زوال الأخلاق في الأغلبيّة الساحقة من الحالات. قد يُشاهد من باب الاستثناء عملٌ أخلاقيٌّ هنا وهناك؛ فهذا شيء ممكن لكنّه استثناء. حينما ينفصل الدين عن السياسة، تغدو السياسة عاريةً من الأخلاق وقائمة كلّها على الحسابات الماديّة والمصلحيّة. يرتكز السلوك السياسي للإمام علي (ع) على المعنويّة ولا ينفصل عن سلوكه المعنويّ.

السلوكيّات السياسيّة لأمير المؤمنين:
أ ــ المداراة مع معارضيه وحتى مع أعدائه.

حيث تلاحظون وجود ثلاثة حروب اضطرّ لها الإمام علي وفُرضت عليه خلال زهاء خمسة أعوام من حكمه، وكان ذلك بعد عمله بكلّ ما يمكن من المداراة. لم يكن الإمام علي شخصًا يبادر إلى السيف ابتداءً ضدّ معارضيه من دون العمل بالمداراة اللازمة. والآن لنستمع إلى بعض عبارات الإمام أمير المؤمنين:

ذات مرّة، جاء عددٌ من الناس إلى أمير المؤمنين في بداية خلافته وأشاروا إلى بعض الأفراد طالبين منه أن يحسم أمرهم وينهيه، وقد أصرّوا عليه في ذلك. وكان جواب أمير المؤمنين أن نصحهم بالصبر. وكان من جملة ما قاله: هذا الرأي الذي أنتم عليه إنّما هو أحد الآراء: "فرقة ترى ما ترون". بعضهم يوافقونكم على رأيكم هذا؛ "وفرقة ترى ما لا ترون": وبعضٌ آخر يعتقدون بشيء غير الذي تعتقدون به؛ "وفرقة لا ترى هذا ولا ذاك": وبعضٌ آخر لا هم من هذا الفريق ولا من ذاك، بل لديهم رأي ثالث. "فاصبروا". اصبروا حتى يدير أمير المؤمنين الأمور بحكمته، "حتى تؤخذ الحقوق مسمحة".. دعونا نأخذ الحق لأصحابه ونحقّ الحقوق بالسماح واللطف واللين. "وإذا لم أجد بدًّا فآخر الدواء الكيّ"5؛ يجب أن نعيد الحقّ إلى صاحبه بالتسامح والسماح واللين والسلوك الطيّب ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا. وإذا وجدنا أنّه لم يعد ثمّة سبيل وأنّهم لا يرضخون للحق، عندئذٍ، "آخر الدواء الكيّ". هذا مثلٌ عربيّ معروف "آخر الدواء الكيّ"؛ بمعنى أنّه لا مفرّ من الحسم. نعالج الأمور بالأدوية والمراهم ما أمكن ذلك من أجل معالجة هذا الجرح وشفائه، وإذا لم ينفع نعمل بالكيّ لأنّه لم يبق سبيلٌ غيره.

في حرب صفين وقبل أن تبدأ الحرب، كان بعضهم يصر إصرارًا شديدًا على الإمام أمير المؤمنين بأن يبدأ القتال. وقال لهم الإمام: "فوالله ما دفعت الحرب يومًا إلّا وأنا أطمع أن تلحق بي طائفةٌ فتهتدي بي"6 أي إنّني لا أبتغي الحرب بل أنشد الهداية، ولا أؤخّر الحرب يومًا إلّا لأنّني أتمنّى أن تميل قلوب بعضهم إلى الحقيقة ويعودوا إلى الصراط المستقيم. وإذا يئسنا ووجدنا أنّه لا أحد يقدم علينا عندئذٍ نشهر السيوف ونبدأ الحرب.

وقال (عليه السلام) في قضيّة حرب الجمل وأهل الجمل -التي كانت من المحن الصعبة التي مرّ بها الإمام أمير المؤمنين: "إنّ هؤلاء قد تمالئوا على سخطة إمارتي".. لقد اجتمع هؤلاء واتّحدوا وتعاضدوا ليظهروا غضبهم من هذا الحكم الذي يمسك الإمام علي بزمامه. "وسأصبر"؛ قال إنّني سأصبر، ولكن إلى متى؟ "ما لم أخف على جماعتكم"7، إذا وجدت أنّ تحرّكاتهم تبثّ الشقاق والفرقة بين المسلمين وتضع الإخوة بعضهم في وجه بعض، عندئذٍ أبادر للعمل وأعالج الفتنة. إنّي أصبر وأعمل بالنصيحة في حدود الإمكان.

ب ــ تقديمه البراهين والأدلّة
من خصائص الإمام أمير المؤمنين في منهجه السياسيّ أنّه كان يتحدّث مع أعدائه ومعارضيه بالبراهين والأدلّة. حتّى في الرسائل التي كتبها لمعاوية -مع أنّ العداء بين معاوية وأمير المؤمنين كان شديدًا إلّا أنّ معاوية كان يكتب له الرسائل ويوجّه الإهانات ويكذب- كان يسوق له الأدلّة على خطأ منهجه. وطلحة والزبير اللذان جاءا وبايعا الإمام أمير المؤمنين، وخرجا من المدينة بذريعة أنّهما يريدون العمرة وسارا نحو مكة. وكان أمير المؤمنين حذرًا وقال منذ البداية أنّهما لا يريدان العمرة. ذهبا إلى هناك وعملا الكثير ممّا تطول تفاصيله. قال لهما الإمام علي: "لقد نقمتما يسيرًا وأرجأتما كثيرًا"8، أي لقد جعلتما شيئًا تافهًا سببًا للخلاف والنـزاع ولم تشاهدا كلّ هذه النقاط الإيجابيّة ورحتما تناديان بالعداء والمعارضة. كان يتكلّم الإمام معهما بتواضع ويوضح لهم الأمور، ويقول: إنّني لا أريد أن اختلق لنفسي الأعداء. هكذا كان يداريهم الإمام. ولكن حين لا تؤثّر هذه المداراة شيئًا، عندئذ يحين موعد الحسم العلويّ. هناك يثبت الإمام أمير المؤمنين أنّه يتصرّف مع أشخاصٍ كالخوارج بحيث يقول: "أنا فقأت عين الفتنة"9. أنا الذي فقأت عين الفتنة وأمتّها، وما كان أحد آخر غير عليّ بمقدوره - كما قال عليه السلام نفسه في نهج البلاغة - أن يقوم بذلك.

ج ــ عدم استعانته بالظلم والكذب
من خصائص سياسة الإمام أمير المؤمنين أنّه لم يكن يستعين بالظلم ولم يتوسّل الكذب ولا الممارسات الظالمة من أجل أن ينتصر. جاءت جماعةٌ في بداية خلافته وقالوا له حبّذا لو راعيت هؤلاء الأشخاص المتنفّذين في المجتمع وأعطيتهم نصيبًا أوفر من بيت المال حتى لا يعارضوك وتستطيع تأليف قلوبهم وكسبها، فقال: "أتأمروني أن أطلب النصر بالجور"، أتريدون أن أحقّق النصر لنفسي بالظلم؟ "والله لا أطور به ما سمر سمير وما أمّ نجم في السماء نجمًا"10، من المستحيل أن يكسب الإمام علي الأصدقاء بالظلم والسبل الخاطئة المغلوطة والأساليب غير الإسلاميّة.

د ــ عدم التملّق والمصانعة
ومن خصوصيّات الإمام أمير المؤمنين في منهجه السياسيّ أنّه كان يطلب من الناس بجدّ - وليس من باب المجاملة - أن لا يتحدّثوا معه بتملّق ومصانعة. قام شخص خلال إحدى خطبه (عليه السلام) - وهي من الخطب البليغة العجيبة - وراح يثني على الإمام ويمدحه؛ راح يثني على كلام الإمام وعلى أفكاره وعليه أيضًا. وحين انتهى كلامه التفت إليه الإمام وتحدّث معه ناصحًا بمقدار ما تحدّث هو - حسب ما يلاحظ المرء في نهج البلاغة وبمقدار ما اختاره السيد الرضيّ - وقال له: لا تخاطبوني بهذه الطريقة، ومن ذلك قوله المعروف: "فلا تكلمونّي بما تُكلّم به الجبابرة". لا تتحدّثوا معي بنفس الطريقة والألفاظ التي يتحدث الناس بها مع الجبابرة. "ولا تتحفّظوا مني بما يتحفّظ به عند أهل البادرة" ولا تتحفّظوا أمامي ولا تمتنعوا عن الكلام كما يفعل الناس أمام الجبابرة حيث يحذرون أن يسوأهم هذا الكلام أو لا يرتاحوا لهذا القول. "ولا تخالطوني بالمصانعة ولا تظنّوا بي استثقالًا في حقٍّ قيل لي"11، لا تظنّوا أنّكم إذا قلتم لي الحق فسوف يسوؤني ذلك وسيثقل عليَّ قول الحق؛ كلّا أبدًا. هذه أيضًا إحدى خصوصيّات أمير المؤمنين.

هـ ــ التفرقة في المعاملة مع المعارضين
ومن خصائصه الأخرى (عليه السلام) أنّ سلوكه وتعامله مع معارضيه لم يكن على شاكلة واحدة؛ لم يكن ينظر إليهم من زاويةٍ واحدة12. كان يفرّق بين بعض الأفراد والتيّارات وبين أفراد وتيّارات أخرى. فقد وقف أمام الخوارج، أي أمام انحرافهم وانحطاطهم واستعانتهم بالظواهر الدينيّة. ووقف أيضًا بوجه معاوية. وحينما رفعوا المصاحف على الرماح قال (عليه السلام): إنّ هذا والله لمكرٌ وخديعة، وهؤلاء لا يؤمنون بالقرآن. يوم وقف الخوارج بوجه الإمام بظواهرهم الدينيّة وأصواتهم الحزينة التي يتلون بها القرآن وقف الإمام بوجههم. أي، حينما يريد البعض العمل بواسطة الظواهر الدينيّة يقف الإمام علي بوجهه، سواء كانوا جماعة معاوية أم الخوارج. لكنّه في الوقت نفسه لا يعاملهم بطريقة واحدة. كانت له وقفته بوجههم؛ لكنّه كان في الوقت ذاته ينصح بعدم التعامل مع الجميع بطريقةٍ واحدة. لذلك قال: "لا تقاتلوا الخوارج بعدي، فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه"13. فالشخص الذي ينشد الحقّ لكنّه يخطئ في تشخيصه؛ إنّه يبحث عن الحقّ لكنّه لا يصل إليه بسبب جهله وسطحيّته، هذا الشخص يختلف عن شخص ينشد الباطل فيصل إليه؛ فهذان ليسا على شاكلةٍ واحدة.

هذا هو السلوك السياسي لأمير المؤمنين. حينما ننظر نجد أنّ هذا السلوك السياسي متطابق ومتجانس تمامًا مع سلوكه المعنويّ. والإمام عليّ هو الإمام علي المميّز الألمعيّ الذي لم تشهد الدنيا نظيرًا له في أيّ مكان.

مصيبة علي (ع)
اليوم هو يوم عزاء الإمام أمير المؤمنين. أذكر كلمات حول مصيبة ذلك الإمام الجليل. كليلة البارحة فارق الإمام أمير المؤمنين الدنيا. خلال هذين اليومين أو الليلتين - من سحر التاسع عشر حين ضُرب بيد ذلك الملعون إلى ليلة الحادي والعشرين- وقعت عدّة حوادث ذات عبر ودروس:

الحادثة الأولى كانت في تلك اللحظة الأولى نفسها. حينما ضرب عدوُّ الله أميرَ المؤمنين، جاء في الرواية أنّ الإمام لم يئنّ ولم يتأوّه أبدًا، ولم يبدِ ألمًا أو وجعًا. الشيء الوحيد الذي قاله هو: "بسم الله وبالله وفي سبيل الله، فزت ورب الكعبة"14. ثم جاء الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) وأخذ رأس الإمام علي ووضعه في حجره. جاء في الروايات أنّ الدم كان يتصبّب من رأسه المبارك ويخضّب لحيته. كان الإمام الحسن ينظر إلى وجه أبيه وعيناه تفيضان من الدمع. سقطت قطرات من دموعه على وجه أمير المؤمنين. فتح الإمام عينيه وقال: ولدي الحسن، أتبكي؟ لا تبكِ، إنّني الآن عند جماعةٍ يُسلّمون عليَّ. عندي هنا نفرٌ- منهم الرسول وفاطمة الزهراء- هذا ما رُوي عن الإمام عليّ أنّه قاله في اللّحظات الأولى. بعدها حملوا الإمام؛ بعد أن صلّى الإمام الحسن (عليه السلام) في المسجد، وصلّى الإمام علي جالسًا. يقول الراوي إنّ الإمام علي كان يميل أحيانًا إلى جانبه فيقع، وأحيانًا يمسك نفسه فلا يقع. وأخيرًا حملوه إلى المنـزل. سمع الأصحاب الصوت الذي قال: "تهدمت والله أركان الهدى.. قتل علي المرتضى"15. سمع كلّ أهل الكوفة هذا الصوت وهرعوا إلى المسجد فكانت ضجّة عظمى. يقول الراوي: علا الضجيج والبكاء في الكوفة كيوم وفاة الرسول. وكانت الكوفة؛ تلك المدينة الكبرى، قد امتلأت حزنًا ومصابًا وألمًا بتمامها. جاؤوا بالإمام علي فاقترب الإمام الحسين (عليه السلام). ورد في الرواية أنّ الإمام الحسين بكى خلال هذه المدة القصيرة إلى درجة أنّ جفونه تقرّحت وجرحت. وقعت عين أمير المؤمنين على الإمام الحسين فقال: ولدي حسين لا تبكِ، واصبر فما هذا بالشيء المهمّ، إنّما هي أحداثٌ تمرّ. كان يعزّي الإمام الحسين.

جاؤوا بالإمام علي إلى داخل الدار وأخذوه إلى مصلّاه حيث كان يصلي داخل الدار. وقد قال لهم: خذوني هناك، فأخذوه وفرشوا له فراشًا ومدّدوه عليه. هناك جاءت بنات أمير المؤمنين زينب وأم كلثوم، وجلسن عنده ورحن يبكين. حينما بكى الإمام الحسن نصحه الإمام علي وعزّاه وسلّاه. وحينما بكى الإمام الحسين سلّاه أميرُ المؤمنين وقال له: اصبر. لكنّه هنا لم يصبر على دموع بناته. يُقال إنّ الإمام علي راح يبكي هو الآخر. يا أمير المؤمنين لم تستطع الصبر على بكاء زينب هنا، فما كنت ستفعل لو رأيت زينب يوم عاشوراء تبكي وتنوح؟

يروي أبو حمزة الثمالي عن حبيب بن عمرو أنّه قال: في الساعات الأخيرة، أي في ليلة الحادي والعشرين ذهبت لزيارة أمير المؤمنين فرأيت إحدى بناته عنده، وكانت تبكي، فبكيتُ أيضًا. والناس في خارج الغرفة حينما سمعوا صوت بكاء هذه البنت راحوا يبكون هم أيضًا. فتح أمير المؤمنين عينيه وقال: لو كنتم ترون ما أرى لما بكيتم. فقلت له: وما ترى يا أمير المؤمنين؟ قال: أرى ملائكة الله في السماء وكلّ الأنبياء والمرسلين في صفٍّ يسلّمون عليَّ ويرحّبون بي. وأرى رسول الله جالسًا إلى جواري يقول لي تعال يا علي وأسرع إلينا. يقول: بكيتُ ثم قمتُ. ولم أكن قد خرجتُ من الدار بعد وإذا بي أسمع صراخ العائلة قد ارتفع، فشعرت أنّ الإمام علي قد فارق الدنيا.

صلّى الله عليك يا أمير المؤمنين، صلّى الله عليك يا أمير المؤمنين، صلّى الله عليك يا أمير المؤمنين. نسألك اللّهمّ وندعوك باسمك العظيم الأعظم الأعزّ الأجلّ الأكرم يا الله...

اللهمّ بحقّ أمير المؤمنين اجعلنا من الشيعة الحقيقيّين لهذا الإمام. ربّنا اجعل سلوكنا في الدنيا والآخرة سلوك أمير المؤمنين. اللهمّ اجعلنا من أتباعه والمقتدين به بالمعنى الحقيقيّ للكلمة. اللهمّ أصلح مشكلات العالم الإسلاميّ، وارفع معاناة الشعوب المسلمة في فلسطين، والعراق، ولبنان، وأفغانستان، وباكستان، وباقي الأقاليم الإسلاميّة. اللهمّ ارفع بفضلك وكرمك مشكلات الشعب الإيراني. ربّنا ضاعف يومًا بعد يوم من عزّة هذا الشعب وقدرته. اللهم احفظ لشعب إيران وحدته وهي رصيده الكبير. اللهم اقطع أيدي التفرقة. اللهمّ وفّقنا للالتزام بالحق في أيّ مقام أو مرتبة كنّا، واحفظنا اللهمّ من الظلم والاعتداء على حقوق الآخرين.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

{والعصر، إنّ الإنسان لفي خسر، إلّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصبر}16.

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، لا سيّما عليّ أمير المؤمنين، وفاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين، والحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنة، وعليّ بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعليّ بن موسى الرضا، ومحمد بن عليّ الجواد، وعليّ بن محمد الهادي، والحسن بن علي الزكي العسكري، والحجّة القائم المهديّ. اللهمّ صلّ عليهم وصلّ على أئمّة المسلمين وحماة المستضعفين وهداة المؤمنين.

أوصيكم عباد الله بتقوى الله.
في هذه الخطبة أيضًا، أوصي نفسي مرّةً أخرى وأوصيكم أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء وأدعوكم إلى تقوى الله، لنكن متّقين وَرِعِين في سلوكنا، وفي أقوالنا، وفي أعمالنا.

في الخطبة الثانية من الضروريّ أوّلًا أن نحيّي ذكرى المرحوم آية الله طالقاني، وكذلك ذكرى الشهيد آية الله مدني (رضوان الله عليهما). هذه الأيام لها مناسباتها مع كِلا هذين الشخصين الجليلين، وهذان الشخصان من الذين لا تنفصل ذكراهما عن تاريخ إمامة الجمعة في بلادنا. الحقّ والإنصاف أنّ لكلّ واحدٍ من هذين الرجلين الكبيرين حقوقه التي لا تُنسى، وستبقى ذكراهما في أذهاننا وتاريخنا.

استثمار الشهر المبارك
من النقاط التي أريد ذكرها اليوم في هذه الخطبة هي أن نستثمر فرصة شهر رمضان المبارك- وإنّ المخاطَب بهذا الكلام الذي أذكره أمامكم أيّها المصلّون الأعزّاء وجماهير الشعب العزيزة هو التيّارات السياسيّة، والشخصيّات السياسيّة، والمسؤولون السياسيّون السابقون واللّاحقون.

نذكر هنا بعض الأمور من باب بيان الحقائق وتقديم النصائح، عسى أن تكون مفيدة إن شاء الله للمعنيّين بهذا الكلام، ولنا آنفًا، وخصوصًا لشبابنا الأعزّاء، وجماهير شعبنا الأعزّاء المؤمنين.

المعنيّون بهذا الخطاب هم طبعًا أشخاصٌ كانت لهم مواقعهم داخل النظام الإسلاميّ إلى حدّ الآن؛ إنّهم شخصيّات من داخل النظام، وسيبقون داخل النظام في المستقبل إن شاء الله، ويعملون ويبذلون مساعيهم وجهودهم من أجل هذا النظام. وإنّ عبارات "داخل النظام" و"خارج النظام" هذه ليست مفاهيم دعائيّة وشعارات فارغة، وليست مجرّد يافطة؛ لها مؤشّراتها العقيديّة والعلميّة. هكذا كان الحال إلى حدّ الآن، وسيبقى كذلك بعد الآن أيضًا إن شاء الله.

من يصطدم بالنظام أو مباني الثورة سيعامل كعدو
النقطة الأولى، هي حصول انقسامات ونزاعات داخل تيّار الثورة والتيار الشعبيّ الأصيل منذ بداية الثورة وإلى حدّ الآن. وكانت لبعض هذه الانقسامات والمخاصمات خسائرها، وبعضها الآخر لم يكن كذلك، إنّما ذابت وتلاشت بفضل وعي الجماهير ووعي ومسؤوليّة العناصر الناشطة في هذه التيّارات ولم تكلّف الثورة والبلاد أعباءً باهظة. هذه الاختلافات في وجهات النظر والانقسامات التي تظهر ليست كلّها من سنخٍ واحد. فبعضها ناجم عن تباين في المباني وفي العقيدة. وبعضها ليس كذلك، بل بدافع المصالح، أي إنّ الصراع فيها بسبب المصالح، وبعض هذه الانقسامات لم يكن بسبب هذه ولا تلك، إنّما القضيّة فيها قضيّة أذواق. بمعنى وجود الاختلاف في رؤى والأذواق في تنفيذ الأصول. فقد يحدث اختلاف في الأساليب، في إطار الأصول والمباني. لذلك فهي ليست كلّها من سنخٍ واحد.

حسنًا، منذ مطلع الثورة، حدثت خلافات بين هذه الفئات التي كانت كلّها إلى جانب بعضها خلال فترة ما قبل الثورة وفي سنوات الجهاد والنضال. لم يتعامل الإمام الخمينيّ (رضوان الله تعالى عليه) بطريقةٍ واحدة مع جميع هذه الاختلافات. وكما ذكرنا بالنسبة إلى منهج أمير المؤمنين، كذلك كان الحال في منهج الإمام الخمينيّ (رضوان الله عليه). أي إنّه بدأ العمل بالمداراة والنصيحة، لكنّه تعامل بحسمٍ حينما اقتضت الضرورة ذلك.

إحدى هذه الفئات كانت الحكومة المؤقّتة وما رافقها من مشكلات. ومن تلك الفئات الأشخاص الذين فعلوا ما فعلوا حيال لائحة القصاص. وهناك فئات بلغ بها الأمر أن قاموا بالاغتيالات وافتعلوا الاضطرابات في الشوارع. تعامل الإمام مع كلّ واحدة من هذه الحالات بطريقةٍ مختلفة. وكان الأمر ممتدًّا إلى المستويات العليا من الحكم: فهناك رئيس الوزراء، ورئيس الجمهوريّة، بل وارتفع المستوى بعد ذلك وفي السنوات الأخيرة من عمر الإمام (رضوان الله عليه) إلى ما فوق رئيس الجمهوريّة. اصطدم الإمام مع الذين شعر أنّه لا يمكن مداراتهم أكثر من هذا. وقد كان لهم جميعًا سوابق ثوريّة، وسوابق دينيّة، وكان الكثيرون منهم في مستوياتٍ عالية، لكن حدث ما حدث على كلّ حال، وحصلت هذه الانقسامات. البعض اصطدم بالإمام حقًّا. وبعضهم لم يصطدم: كان له اختلاف في وجهات النظر، لكنّه اختلاف لم يؤدِّ إلى شجار ونـزاع وانشقاق. البعض اصطدم بالإمام ولم يأخذ مداراة الإمام بعين الاعتبار. بعث الإمام لزمرة المنافقين الذين أرادوا أن يأتوا ويلتقوه رسالةً قال لهم فيها: "إذا ما عملتم بالحقّ فسوف آتي أَنا إليكم". لقد عمل وتحدّث معهم الإمام بالمداراة إلى هذه الدرجة. ولكن حينما شعر بالخطر، خصوصًا حينما أصبحت القضيّة قضيّة ترسيخ المباني الخاطئة في جسد النظام والثورة، فقد كان ذلك أشبه بالسمّ المهلِك. عندئذٍ لم يعمل الإمام بالمداراة، وتصدّى وحسم الأمور. هذا فيما يتعلّق بتلك الاختلافات الجذريّة.

أمّا الذين لديهم اختلافات على المصالح، وكانوا يضفون عليها أحيانًا صبغة عقيديّة ومبنائيّة. أيٌّ يكن الفريق - سواء الذين لديهم اختلافات في المباني والعقيدة، أو من كانت اختلافاتهم بسبب المصالح- حينما يصل الأمر درجة الصدام بالنظام والثورة والإعراض عن مباني الثورة، فسيظهر ذلك الفريق كعدوّ.

صاحب العقيدة المختلفة لا حرج عليه ما لم يتعرض للنظام
طبعًا، إذا كان لشخصٍ عقيدة مختلفة، ولم يكن يبالِ بالنظام فلن تكون مشكلة معه. يشيع البعض عبارة: "أصحاب الفكر الآخر"؛ كيف يتعامل النظام مع أصحاب الفكر الآخر؟ ليس للنظام مشكلة مع أصحاب الفكر الآخر. فهناك الكثير من حملة الفكر الآخر. الفكر السياسيّ الآخر ليس أعلى من الفكر الدينيّ الآخر17. حسنًا، لدينا الأقليّات الدينيّة وهم أصحاب فكرٍ آخر، ولديهم نوّابهم في مجلس الشورى الإسلامي، ولهم حضورهم ومشاركتهم في المناصب المختلفة. إذن، القضية ليست قضية فكرٍ آخر، إنّما هي قضية معارضة ومخالفة وتوجيه الضربات، وإشهار السيوف بوجه النظام والثورة. هؤلاء هم الذين يتصدّى لهم النظام. أما إذا كان الاختلاف اختلافًا في الأذواق والأساليب فلا؛ هذه الاختلافات ليست مضرّة، بل هي نافعة أيضًا.

النظام لا يواجه المعارضة ما دامت في إطار المباديء والأصول
لا إشكال في أن يكون لمسؤولي البلاد ومدراء شؤونها من ينتقدهم ويشير لهم إلى نقاط ضعفهم. حينما يكون المرء في ساحة تنافس ويكون أمامه من ينتقده فسيعمل بصورةٍ أفضل. ليست المسألة أنّ وجود النقّاد والذين لا يوافقون هذا الأسلوب أو ذاك مضرّ بالنظام. ولكن يجب أن تتمّ هذه العملية ضمن إطار النظام. لا إشكال في هذا؛ هذه المعارضة ليست مخالَفةً مضرّة على الإطلاق. والنظام لا يجابه مثل هذه المعارضة أبدًا. طبعًا يجب أن يتمّ النقد ضمن إطار الأصول، وأصول الثورة معروفة. أصول الثورة ليست شؤونًا ذوقيّة حتى يخرج كلّ يوم شخص من هنا أو هناك ويرفع راية الأصول والمبادئ، ثم حين ننظر في هذه الأصول نراها أجنبيّةً على الثورة. إنّ أصول الثورة هي: الإسلام، والدستور، وتوجيهات الإمام، ووصيّة الإمام، والسياسات العامة للنظام المحدّدة في الدستور والتي يجب تدوينها. ليست اختلاف وجهات النظر، واختلاف المسالك والأذواق بالشيء المعيب ضمن هذا الإطار، بل هو شيءٌ حسن، وليس مضرًّا بل مفيدًا ونافعًا. في مثل هذه الساحة من الاختلافات ليس النظام في مواجهة أحد. عندما تكون تصرّفات الأفراد ضمن إطار الأصول والمبادئ، ولا ينحازون إلى العنف ولا يفكّرون في زعزعة أمن المجتمع ولا يبتغون إفساد هدوء المجتمع -من قبيل الأعمال الدينيّة أو السيّئة كالكذب والإشاعات– فليس هناك أيّ مشكلة للنظام. هناك مخالفون ولديهم آراؤهم التي يعبّرون عنها والنظام لا يجابههم. يعمل النظام هنا على أساس أقصى حدّ من الاستقطاب وأدنى حدّ من الإقصاء. هذا هو منهج النظام، وعلى الجميع التنبّه لذلك. والذين لديهم آراء معارضة وتصوّرات تختلف عن التصوّرات الرسميّة فلهم أن يقارنوا أوضاعهم وأنفسهم ضمن هذا الإطار. إذا عارض شخصٌ أُسس النظام، وعارض أمن المجتمع، فالنظام مضطرٌّ للوقوف بوجهه.

لكن النظام سيواجه بقوة من يهدد ركائزه
إنّنا نقول عن الأشخاص الذين تُوَجَّه لهم إهانات وتُهَم إنّ لهم حقّ الدفاع عن أنفسهم. حسنًا، النظام أيضًا له مثل هذا الحقّ؛ للنظام أيضًا حقّ الدفاع عن نفسه. من الخطأ أن يتصوّر البعض أنّ النظام ولأنّه يحكم ويمسك بالسلطة السياسيّة، فيجب أن لا يدافع ويبقى بلا أيّ دفاع. ومهما وقعت ضدّه من المعارضات والمخالفات وخرق القوانين وتجاوز الحدود، يجب عليه السكوت وأن لا يقوم بردّة فعل؛ هذا غير صحيح. هذا شيء غير موجود في أيّ مكانٍ من العالم. في الاختلافات المتعدّدة التي تقع بين الأحزاب في العالم - في هذه البلدان التي تعتبر نفسها رائدة الديمقراطيّة في العالم - لا يعمد أيٌّ من تلك الأحزاب المتعارضة المتنافسة إلى معارضة أصول ذلك النظام وركائزه، وإلّا سقطت تلك الأحزاب من أعين الجماهير. لديهم أجهزة اختصاصها مراعاة دستور البلاد أو محكمة مختصّة بالدستور - على غرار مجلس صيانة الدستور لدينا - سوف ترفض تلك الأحزاب. لا يوافقون أن يأتي شخصٌ في نظامٍ معيّن ويعمل ضدّ مباني ذلك النظام ويعارضها ويبقى النظام صامتًا قاعدًا أمامه. وحتّى في أقلّ من ذلك أحيانًا يُلاحظ في هذه الأنظمة الأوروبيّة أنّها تتعامل بعنفٍ وحدّة مع أمورٍ لا تُعدّ من الأصول والركائز. إذًا، مواجهة النظام وركائز النظام والوقوف بوجهه وإشهار السيف بوجهه تستتبعه ردودٌ حادّة. ولكن أن يكون للمرء رأيٌ آخر، رأيٌ مختلف، إذا لم ترافقه هذه الإشكالات وإشكالاتٌ أخرى من قبيل توجيه التهم وبثّ الإشاعات والأكاذيب، فإنّ النظام لن يردّ بأيّ شيء. لم يكن هذا أسلوب النظام وهو ليس أسلوبه اليوم أيضًا، ولن يكون هذا أسلوبه في المستقبل إن شاء الله. هذه نقطة.

ليحذر "المسؤولون" الإنحراف الشخصي
النقطة الأخرى التي يجب على الناشطين السياسيّين، والمسؤولين ورجال السلطة، وأصحاب المسؤوليّات المختلفة والمتنفّذين الحذر منها بشدّة هي مسألة الانحراف والفساد الشخصيّ. علينا جميعًا المراقبة والحذر من ذلك. الإنسان معرّضٌ للفساد والانحراف. أحيانًا الزلّات الصغيرة تأخذ الإنسان إلى زلّاتٍ أكبر وأكبر وقد تهوي به أحيانًا إلى السقوط في أعماق الهاوية. ينبغي الحذر بشدة. لقد حذّرَنا القرآن؛ هذا التحذير موجود في القرآن بخصوص حالاتٍ متعدّدة: يقول في آيةٍ من الآيات: {ثمّ كان عاقبة الذين أساءوا السوء أن كذّبوا بآيات الله}18، عاقبة بعض هذه الأعمال هي أن يصل الإنسان إلى الموضع الأسوأ ألا وهو تكذيب الآيات الإلهيّة. ويقول في آيةٍ أخرى: {فأعقبهم نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه}19، أخلفوا الله ما وعدوه، وهذا ما أدّى إلى تغلغل النفاق في قلوبهم. أي إنّ الإنسان يرتكب ذنبًا فيجرّه هذا الذنب إلى ساحة النفاق؛ والنفاق هو الكفر الباطنيّ. الكافرون والمنافقون في هذه الآية القرآنيّة إلى جانب بعضهم. ويقول عزّ وجلّ في آيةٍ أخرى: {إنّ الذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان إنّما استزلّهم الشيطان ببعض ما كسبوا}20. حين ترون بعض الناس ينهزمون أمام العدو ولا يطيقون القتال والصمود فما هذا إلّا بسبب شيءٍ ارتكبوه سابقًا. لقد أفسدوا باطنهم بالخطايا. الزلّات تفسد الإنسان. هذا الفساد يؤدّي إلى الانحراف في العمل وأحيانًا إلى الانحراف في العقيدة. وهو شيءٌ يحصل تدريجيًّا، ولا يحصل دفعةً واحدة حتّى نظنّ أنّ شخصًا ينام ليلته مؤمنًا ويستيقظ في الصباح منافقًا. لا، يحصل الأمر تدريجيًّا وقليلًا قليلًا. وعلاج هذه الحالة مراقبة الذات؛ ومراقبة الذات هي هذه التقوى. إذًا، علاجها التقوى. لنراقب أنفسنا. أقرباء الشخص أيضًا يجب أن يراقبوا. لتراقب النساء أزواجهنّ، والأزواج زوجاتهم. والأصدقاء أصدقاءهم؛ {وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصبر}21، لنراقب بعضنا حتى لا نُبتلى. ليعظَ أبناء الشعبِ المسؤولين، وينصحوهم، ويطلبوا لهم الخير، ويكتبوا لهم، ويتحدّثوا معهم، ويبعثوا لهم الرسائل حتّى لا يزلّوا. أخطار زلَل المسؤولين أكبر على النظام، وعلى البلاد، وعلى الشعب. يشعر الإنسان بهذا أحيانًا من بعض التصريحات، وبعض المبادرات والتحرّكات؛ يشاهد الإنسان علامات مثل هذا الانحراف؛ ينبغي الإستعاذة بالله، وطلب العون منه.

النقطة الأخرى هي أنّ الشيء ذاته الذي يمكن أن يقع به الشخص - وأعني به الفساد والانحراف- قد يقع النظام به أيضًا. قد يُصاب النظام الحكوميّ الإسلاميّ السليم بالداء نفسه الذي قد يصيب الأشخاص. إنّه داءٌ يمكن أن يصيب النظام الإسلاميّ والجمهوريّة الإسلاميّة. يبقى الاسم "الجمهوريّة الإسلاميّة"، ويبقى الظاهر ظاهرًا إسلاميًّا، والشكل شكلًا إسلاميًّا، بينما السيرة والسلوك والأداء والبرامج غير إسلاميّة. هي قضيّة صورة الثورة وسيرتها التي طرحتها على الطلبة الجامعيّين الأعزّاء في مكان ما خلال العام الماضي.

الجمهورية الإسلامية تتقدم ما تمسكت بمباديء الإمام وشعارات الثورة
تحرّك المجتمع والنظام على نحوين: تحرّك إيجابي وتحرّك سلبي. تحرّك نحو العروج والذرى، وتحرّك نحو الهبوط والسقوط.

التحرّك نحو الذرى هو أن يقترب المجتمع من طلب العدالة، ومن الدين، والسلوك الديني، والأخلاق الدينيّة. وأن ينمو داخل أجواء الحريّة، ينمو عمليًّا، وينمو علميًّا، وينمو صناعيًّا. وأن يكون في المجتمع ثمّة تواصٍ بالحقّ، وتواصٍ بالصبر. وأن يشعر المجتمع يومًا بعد يوم بمزيدٍ من الاقتدار أمام أعداء الله، وأعداء الدين، وأعداء استقلال البلاد، ويقف وقفة اقتدار أقوى وأرسخ. أن يضاعف يومًا بعد يوم من وقفته الصامدة أمام جبهة الظلم والفساد الدوليّ؛ هذا هو النموّ. هذه دلائل التحرّك الإيجابيّ للمجتمع. وهذا ما يعمِّر دنيا المجتمع وآخرته. علينا أن ننشد مثل هذا التحرّك الإيجابيّ.

أّمّا النقطة المعاكسة لكلّ هذا فهو التحرّك نحو الهبوط والسير نحو الفواصل الاقتصاديّة والاجتماعيّة الهائلة بذرائع شتّى بدل السير نحو العدالة. واستخدام الحريّة من أجل الفساد، والفحشاء، وإشاعة المعاصي والمخالفات واللاأباليّة بدل استخدامها من أجل النمو العلميّ والعمليّ والأخلاقيّ. والانفعال والشعور بالضعف والتراجع أمام المستكبرين والمعتدين والناهبين الدوليّين بدل إظهار الاقتدار أمامهم. التبسّم لهم حينما يجب التقطيب في وجوههم. وغضّ الطرف عن الحقوق الخاصّة حينما يجب الثبات والإصرار عليها، سواء الحقوق النوويّة أو غير النوويّة؛ هذه علامات الانحطاط. يجب أن يكون تحرّك المجتمع نحو التعالي والقيم والرفعة ويجب أن يكون تحرّكًا إيجابيًّا. هذه التحرّكات نحو الأسفل هي تلك الأمراض التي قد يُصاب النظام الإسلاميّ بها. وهذا خطر على النظام الإسلامي؛ على الجماهير أن يكونوا يقظين. لا تكون الجمهوريّة الإسلاميّة جمهوريةً إسلاميّةً حقًّا إلّا حينما تتقدّم وفق مباني [أصول] الإمام الخمينيّ الرصينة نفسها، وبتلك الأمور نفسها التي كانت مطروحة خلال فترة حياة الإمام المباركة، وبالشعارات نفسها التي كانت تتابع حين ذاك. أينما تقدّمنا إلى الإمام بتلك الشعارات -إنّني أقول ذلك عن بصيرةٍ وقد اختبرت أوضاع هذه الأعوام الثلاثين عن كثب- حقّقنا التقدّم وكان النصر حليفنا. وكانت العِزّة في معسكرنا، وحصلنا على [مكاسب] المصالح أيضًا. وأينما تراجعنا عن تلك الشعارات وتنازلنا عنها فسحنا المجال للأعداء وأصابنا الضعف وتراجعنا إلى الوراء، لم نُصِب العزّة، وتجرّأ الأعداء علينا أكثر وتقدّموا نحونا أكثر، وخسرنا أيضًا من الناحية الماديّة. من الخطأ أن يتصوّر بعضهم أنّ علاج مشكلات البلاد -سواء المشكلات الاقتصاديّة، أو الاجتماعيّة، أو السياسيّة- هو أن يضع الإنسان سلاحه أمام العدوّ المستكبر. هذا ما يريده العدو المستكبر.

إضطرابات ما بعد "إنتخابات الرئاسة" إستهدفت ثقة الشعب بالنظام
كلّ هذه الاضطرابات التي شاهدتموها بعد الانتخابات والتي أوجدوها هم ودعموها، كانت من أجل ضرب الرصيد الشعبي للثورة وسلبها هذا الرصيد. لقد قلتُ إنّ مؤشّرَ ثقة الشعب بهذا النظام هو مشاركته بنحو أربعين مليون نسمة في الانتخابات. ومع ذلك تكرّر الإذاعات الأجنبيّة ويجاريهم البعض في الداخل للأسف، وتصرّ على أنّ ثقة الشعب بالنظام قد سُلبت! هذا جواب ذلك الكلام. قلنا هناك إنّ تصويت خمسة وثمانين بالمئة من الشعب وما يعادل أربعين مليون، ومجيأهم إلى صناديق الاقتراع، مهما كان الشخص الذي يصوّتون له -مجيؤهم في حدّ ذاته للاقتراع- دليلُ ثقة الشعب بالنظام؛ وهذه هي حقيقة القضية، وهم من أجل أن يُظهروا هذا الكلام على أنّه كذب كرّروا وكرّروا في إعلامهم أنّ ثقة الشعب قد زالت، فماذا نفعل؟ وقال بعض المتلبّسين بلباس الإخلاص: ماذا نفعل لإعادة الثقة؟

الشعب يثق بالنظام، والنظام أيضًا واثق من الشعب. وسترون إن شاء الله في الانتخابات المقبلة -التي ستقام بعد سنتين أو ثلاث - كيف سيُسجّل هذا الشعب نفسه مشاركته القويّة في الانتخابات رغم هذه الألاعيب التي مارسها المعارضون والأعداء والغافلون الداخليّون.

التصدي لمحاولات تحويل النظام إلى نظام باطنه علماني وظاهره ديني
إذًا، النقطة هي أنّنا يجب علينا جميعًا، لئلّا يتحوّل نظام الجمهوريّة الإسلاميّة - وهو نظام إسلاميّ ودينيّ ويفخر بأنّه يروم التحرّك في إطار أحكام الدين والإسلام والقرآن - إلى نظامٍ لا يؤمن بالدين، أو نظام علماني على حدّ تعبير السادة؛ باطنه علمانيّ وظاهره دينيّ؛ باطنه منجذب للثقافة الغربيّة والقوى المهيمنة على تلك الثقافة، وظاهره لا يخلو من الشعائر الدينيّة والشؤون الدينيّة البسيطة. يجب أن لا يحدث هذا. يجب أن يكون النظام الإسلاميّ إسلاميًّا بالمعنى الواقي للكملة، وأن يصبح يومًا بعد يوم أكثر قربًا من المباني الإسلاميّة. هذا ما يحلّ العقد المغلقة ويعالج المشكلات، وما يمنح المجتمع العزّة والاقتدار، ويضاعف من أنصار الجمهوريّة الإسلاميّة في كلّ مكان.

بعضهم ترتعد فرائسهم عندما ينظرون إلى الأعداء وعدائهم. يرتعبون حين يشاهدون الأفواه المفتوحة الغاضبة تسيئ للجمهوريّة الإسلاميّة وتتحدّث ضدّها. لكلّ الأنظمة في العالم ولكلّ الحكومات في العالم أعداؤها وأصدقاؤها. وكذا الحال اليوم وقد كان كذلك على مرّ التاريخ. لن تجدوا حكومة تكون علاقة جميع الناس معها في داخلها أو خارجها طيّبة معها أو سيّئة معها. لا، لها مؤيّدوها ولها معارضوها. هكذا كانت حكومة الرسول أيضًا. وكذا كانت حكومة الإمام أمير المؤمنين. وكذلك حكومة معاوية ويزيد. بعضهم يؤيّد وبعضٌ آخر يعارض. وكذا الحال بالنسبة إلى الجمهوريّة الإسلاميّة؛ البعض يؤيّدها وبعضٌ آخر يعارضها. لكن القضيّة هي أن نعرف من هم مؤيّدو الحكومة ومن هم معارضوها؛ هذا هو المؤشر.

لا خوف من عداء الإستكبار لنا ولا انهزام أمامهم
ثمّة حكومة يعارضها كلّ الناهبين الدوليّين، ويخالفها كلّ العتاة والجبابرة الدوليّين. تعارضها جميع الدول ذات السوابق الاستعماريّة السوداء. ويعارضها كلّ الرأسماليّين الصهاينة الخبثاء. هذه المعارضات مبعث فخرٍ لها، ويجب أن لا تخيف أحدًا. ومن هم أنصارها ومؤيّدوها؟ تؤيّدها الشعوب المؤمنة في كلّ أنحاء العالم: الشعوب المسلمة غير الإيرانيّة في أفريقيا، وفي بلدان أفريقيا الشماليّة، في المناطق المسلمة من أفريقيا، وفي آسيا حتى إندونيسيا، وماليزيا، وفي البلدان العربيّة، وغير العربيّة، وفي أوروبا، وبين الجماعات المسلمة والشعوب المسلمة.. لها أصدقاؤها ومناصروها.

في مباراة كرة القدم قبل عدّة سنوات، فاز الفريق الإيراني على الفريق المقابل. صفّق الشباب الجالسون في مقهى في أحد بلدان شمال أفريقيا حينما سجّل اللّاعب الإيرانيّ هدفًا. فقال لهم شخص: لكن هذا ليس بلدكم، وكيف لكم أن تصفّقوا للاعبٍ إيرانيّ سجّل هدفًا في مرمى الفريق المقابل وهو بدوره ليس عدوّكم؟ وكانوا يقولون له إنّ انتصار إيران هو انتصارنا حتّى في ساحة كرة القدم. هذا شيء له قيمته.

في اضطرابات ما بعد الانتخابات أصاب القلقُ المسلمين في مختلف البلدان الإسلاميّة. كانوا يسألون أصدقاءهم هنا: ماذا حلَّ بإيران؟ وكان هؤلاء يقولون لهم: لا تقلقوا ولا تخافوا؛ الجمهوريّة الإسلاميّة أقوى من هذه الأشياء. مثل هذه الدولة: هؤلاء أعداؤها وهؤلاء أصدقاؤها. يعاديها كلّ الأشرار والشمريّون22 في العالم، ويؤيّدها كلّ المظلومين في العالم؛ يؤيّدها الشعب الفلسطينيّ، والشعوب العربيّة المقاومة. نعم، تعارضها الحكومة الأمريكيّة، وتعارضها الحكومة البريطانيّة بسوابق خبثها التي تمتدّ لمئتي سنة في إيران. هذه المعارضات لا تخيف أحدًا. لكن دولةً، على العكس من ذلك، أنصارها لصوص العالم وناهبوه ومستكبروه وعتاته؛ ومعارضوها هم شعبها أو الشعوب المؤمنة والمظلومة؛ فهذا عارٌ عليها. كان للجمهوريّة الإسلاميّة إلى حدّ هذا اليوم معارضوها من قبيل أولئك المعارضين: لصوص العالم، ناهبي العالم، مستكبري العالم؛ هؤلاء هم الذين يعارضون الجمهوريّة الإسلاميّة؛ وهم الذين يحاولون مواجهة الجمهوريّة الإسلاميّة ومعارضتها في المحافل العالميّة؛ لكن أنصارها هم: الشعوب [في العالم]، والمجاميع الشعبيّة، والحكومات المستقلّة، ورجال السياسة المتحرّرين من السلطات، والشعوب المظلومة، هؤلاء أنصار الجمهوريّة الإسلاميّة. يجب عدم الاستسلام بسبب الخوف من مثل هذه المعارضات. على كلّ حال يجب على جيلنا الشاب أن يكون يقظًا.

للشباب: إحذروا أن يصنعوا لكم نظام إسلامي مزيف
أيّها الشباب الأعزّاء، هذا البلد بلدكم، والغد لكم. النظام المقتدر - سواء الاقتدار العلميّ، أو الاقتدار السياسيّ، أو الاقتدار الاقتصاديّ، أو الاقتدار المعلوماتيّ، أو القدرة على التحرّك في المناطق والمساحات العالميّة والدوليّة المختلفة - هو مبعث عزّةٍ لكم، مبعث فخرٍ لكم، وينبغي لكم السعي والشعور بالمسؤوليّة في سبيل استكمال مثل هذا النظام وإتمام أشواطه.

الجمهوريّة الإسلاميّة -أي هذه الجمهوريّة الإسلاميّة- التي أسّسها الإمام الخمينيّ (رضوان الله تعالى عليه) لنا وأهداها لبلادنا، بوسعها تأمين هذه الخصائص بالمعنى الحقيقيّ للكلمة: الاقتدار الدوليّ، والاقتدار السياسيّ، والعزّة، ورفاه الدنيا وعمارة الآخرة معنويًّا. ولكن احذروا من أن يصنعوا لكم نظام جمهوريّة إسلاميّة مزيّف، وهذا ما قد لاح من بعض التحرّكات التي جرت قبل عشرة أعوام، لكنّ الله تعالى دفع ذلك. وكان الشعب يقظًا ولم يسمح به. أرادوا القيام بأعمال، وإيداع شعارات الإمام في المتاحف، وكانوا يقولون صراحةً إنّها قد بليت وصارت قديمة! لا، إنّ شعارات الثورة لا تَبلى، فهي جديدة دومًا وجذّابة لأبناء الشعب. وإنّ الشعار الذي يكون لصالح المستضعفين، ولصالح العزّة الوطنيّة، والشعار الذي تكون فيه مقاومة وصمود، هو من الشعارات التي لا تبلى أبدًا، بالنسبة لأيّ شعب من الشعوب، وهي لا تبلى بالنسبة لنظامنا أيضًا.

إحذروا في يوم القدس من إستغلال الحشود للتفرقة
في الأسبوع القادم - الجمعة - هناك يوم القدس. هذه من أبرز ذكريات إمامنا العزيز، ومؤشّر انشداد ثورتنا وشعبنا لقضيّة القدس الشريف وقضيّة فلسطين. استطعنا ببركة يوم القدس إحياء هذا الاسم في العالم كلّ سنة. كانت الكثير من الحكومات والكثير من السياسات ترغب وتريد أن يُنسى اسم فلسطين وقد سعت وأنفقت الأموال من أجل ذلك. ولولا مساعي الجمهوريّة الإسلاميّة ووقوفها بكلّ قواها لمواجهة هذه السياسة الخبيثة لما كان مستبعدًا أن يستطيعوا عزل قضيّة فلسطين تدريجيًّا، وأن يجعلوها في مطاوي النسيان. والآن تعترف أجهزة الاستكبار نفسها والصهاينة الخبثاء أنفسهم ويعتقدون وينـزعجون من رفع الجمهوريّة الإسلاميّة لراية فلسطين وكونها لا تسمح بإخراج قضيّة فلسطين من الميدان عن طريق العمليّات الاستسلاميّة التي يمارسونها.

يوم القدس يوم إحياء هذه الذكرى وهذا الاسم. والسنة أيضًا سيُحيي شعبنا العظيم يوم القدس في طهران وفي كلّ المدن بتوفيق وهدي من الله عزّ وجلّ، وسيخرج في مظاهراته. وفي بلدان أخرى أيضًا يتبع الكثير من المسلمين الشعب الإيراني في يوم القدس. إنّ يوم القدس يومٌ لقضيّة القدس، وهو هنا مظهر وحدة الشعب الإيراني. احذروا من أن يحاول البعض في يوم القدس استخدام هذه الحشود [المظاهرات] للتفرقة؛ ينبغي الحذر من التفرقة. يجب مواجهة التفرقة ومعارضتها. يجب أن لا تحدث التفرقة. يستطيع الشعب الإيراني رفع راية القدس حينما يكون متلاحمًا. حاولوا طوال هذه السنوات إفساد حتى هذا الشيء، لكنّهم لم يستطيعوا والحمد لله، ولن يستطيعوا بعد ذلك أيضًا إن شاء الله.

اللهم بمحمّد وآل محمّد، اجعل شعبنا متوثّبًا، يقظًا، قويًّا، مقتدرًا، ونشيطًا أكثر فأكثر على الدوام.

بسم الله الرحمن الرحيم
{والعاديات ضبحًا، فالموريات قدحًا، فالمغيرات صبحًا، فأثرن به نقعًا، فوسطن به جمعًا، إنّ الإنسان لربه لكنود، وإنّه على ذلك لشهيد، وإنّه لحب الخير لشديد، أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور، وحُصّل ما في الصدور، إنّ ربّهم بهم يومئذٍ لخبير}23.

و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


1- في مثل ليلة البارحة - وكانت ليلة جمعة وهي لذلك شبيهة أكثر بليلتنا هذه السنة
2- نهج البلاغة، الخطبة رقم 3.
3- الكافي، ج8، ص22.
4- نهج البلاغة، الخطبة رقم 200.
5- نهج البلاغة، الخطبة رقم 168.
6- نهج البلاغة، الخطبة رقم 55.
7- نهج البلاغة، الخطبة رقم 169.
8- نهج البلاغة، الخطبة رقم 205.
9- نهج البلاغة، الخطبة رقم 92.
10- نهج البلاغة، الخطبة رقم 126.
11- نهج البلاغة، الخطبة رقم 216.
12- العبارة الحرفيّة: لم يكن يسوقهم بعصا واحدة.
13- نهج البلاغة، الخطبة رقم 61.
14- مناقب آل أبي طالب، ج2، ص 119.
15- بحار الأنوار، ج42، ص 280.
16- سورة العصر،الآيات 1-3
17- قد يكون المقصود: أنّ أصحاب الفكر السياسيّ الآخر ليسوا بأكثر من أصحاب الفكر الدينيّ الآخر.
18- سورة الروم، الآية: 10
19- سورة التوبة، الآية: 77
20- سورة آل عمران، الآية 155
21- سورة العصر، الآية 3
22- كناية عن شمر بن ذي الجوشن لعنه الله
23- سورة العاديات

2017-02-14