كلمة الإمام الخامنئي في عوائل الشهداء
2009
ينضح هذا الاجتماع بفيض المعنويّات العظيمة. وإنّه حقًّا، لمبعث فخرٍ لشعبٍ أن يقدّمَ آباؤه وأمهاته فلذاتِ أكبادهم، ويبعثوهم بهذه الكيفيّة، في سبيل الله، فيستشهدوا؛
عدد الزوار: 276كلمة الإمام الخامنئي في عوائل الشهداء 24-05-2009
بسم الله الرحمن الرحيم
ينضح هذا الاجتماع بفيض المعنويّات
العظيمة. وإنّه حقًّا، لمبعث فخرٍ لشعبٍ أن يقدّمَ آباؤه وأمهاته فلذاتِ أكبادهم،
ويبعثوهم بهذه الكيفيّة، في سبيل الله، فيستشهدوا؛ ويتذوّقون طعم هذه اللوعة
الكبيرة والألم الثقيل بعذوبة وحلاوة، من أجل رضا الله. خصوصًا الآباء والأمّهات
الذين قدّموا شهيدين أو ثلاثة شهداء أو أربعة شهداء. إنّ هذا ليس بالشيء القليل،
ولا يختصّ بناحيةٍ من بلادنا وفئة من شعبنا. أنتم الجمع الحاضر هنا، ممّن تمتازون
بهذه الخصوصيّة العظيمة جدًا؛ فأنتم آباء وأمهات مثل هؤلاء الشباب تنتمون إلى مناطق
مختلفة من البلاد، من مدن البلاد المختلفة، ومن قوميّات البلاد المتنوّعة: فرس،
وعرب، وترك، وكرد، وتركمان، وبلوش؛ فأيّ شعب يحوز على مثل هذه التركيبة المذهلة؟
ذوو شهدائنا أعظم صبرا من نظرائهم في صدر الإسلام
لقد التقيتُ في زيارتي كردستان بعائلة قدّمت ستّة من أبنائها، شهداء في سبيل الله.
وكنت قد التقيتُ هذه العائلة في السابق أيضًا. وفي زيارتي هذه وجدتُ أنّ الوالدين
قد قضيا نحبيهما. ستبقى ذكرى هؤلاء العظماء؛ هؤلاء الرجال والنساء الأبطال -وأعني
بهم آباء الشهداء وأمّهاتهم- حيّة دومًا كذكرى الشهداء أنفسهم. لن يُمحى هذا الشيء
إطلاقًا من ذاكرة الشعب والتاريخ. كنّا نقرأ عن أشياء في التاريخ تعود إلى حقبة صدر
الإسلام، ولم نكن ندرك أعماقها وتبدو لنا كالأقاصيص، لكنّنا نرى اليوم في شعبنا
وإلى جوارنا أفرادًا أسمى، من حيث التضحية، من أولئك النساء والرجال الذين بقيت
ذكراهم في تاريخ الإسلام منذ ألف وأربعمئة سنة؛ فهؤلاء صبرهم أكبر من أولئك. كان
أولئك يتزوّدون من الأنفاس الدافئة لرسول الله، ويرونه بأعينهم، ويقاتلون معه وفي
ركابه؛ أمّا هؤلاء فتفصلهم عن أولئك ألف وأربعمئة سنة: "وآمنّا به و لم نره صدقًا
وعدلًا"؛ العبارة الواردة في دعاء السمات. هكذا وقفوا صامدين بإيمانهم المتين. هل
هذا بالشيء القليل؟ هكذا انتصر الشعب الإيراني أيّها الأعزاء!
إيثار وتضحيات عوائل الشهداء جذرت أركان " الجمورية
الإسلامية"
هذا الإيمان المتين، وهذه الإرادات الفولاذيّة، وهذا الإيثار والتضحيات الكبرى التي
أظهرها الآباء والأمّهات وعوائل الشهداء قد جذّرت أركان هذا الصرح القويّ، إلى درجة
أنّه لم يستطع أيّ طوفان- ولن يستطيع بعد اليوم، أيضًا بإذن الله- زعزعة هذا البناء
السامق وهدمه.
وإنّ أساس هذا الصرح المتين للجمهوريّة الإسلاميّة، هو صبركم وإيمانكم واستقامتكم.
وهذا ما جعل شبابنا اليوم رغم مرور ثلاثين سنة على الثورة، ثوريّين مخلصين، حيث
ترون نماذج لهؤلاء الشباب المؤمنين الثوريّين. وهذا كلّه ببركة الإسلام والقرآن.
نظام الجمهورية الإسلامية قام وسيبقى بالإسلام
لقد أرسلتم أبناءكم إلى الجبهات في سبيل الله، و صبرتم على مصيبة فقدهم من أجل
الله؛ فإذا ما انحرف النظام الإسلامي، ولو قليلًا، عن الإسلام وعن طريق الإسلام
والأهداف الإسلاميّة، فلا مراء أنّه سيفقد هذه الذخيرة الهائلة. حينما كان إمامنا
الجليل يؤكّد، في كلّ كلماته وخطاباته، على الإسلام، فذلك بسبب هذه الحقيقة:
الإسلام هو الذي حفظنا، والإسلام هو الذي منحنا القوة، وهو الذي بثّ فينا أمل
الانتصار، ودفعنا لخوض هذه الميادين الصعبة. الإسلام هو الذي حضَّ أولئك الشباب
الغرباء، والقوّات المسلّحة المفتقرة للإمكانات على الصبر، في عمليات "بيت المقدس"،
أمام العدو البعثي وفضحه وهزيمته واستعادة مدينة خرمشهر، وطرده من الأرض
الإسلاميّة. لقد تأسّس هذا النظام بالإسلام، وسيبقى حيًّا بالإسلام.
الأعداء يعملون على سلبنا مبعث قوتنا،إيماننا
على كافّة مسؤولي النظام الالتفات إلى هذه النقطة، و الفخر والاعتزاز بالإسلام
وأحكامه وقيمه. صحيح أنّ أعداء الإسلام - أي أعداء الشعب الإيراني - لا يرتاحون
لذلك، و لكن من البديهي أنّكم حينما تقفون بوجه عدوّ، وتكون لكم إرادة قويّة،
وتحملون سلاحًا ماضيًا فاعلًا، فمن البديهي أن لا يرتاح العدوّ إلى قوّتكم هذه، وأن
يعمل على سلبكم إرادتكم، وأن يُضعِفكم وينتزع أسلحتكم من أيديكم. يعلم أعداء إيران
والإيرانيّين، أنّ مبعث صمود هذا الشعب واقتداره وإرادته الصلبة، هو هذا الإيمان
الإسلامي؛ ويريدون سلبه هذا الذخر. إنّهم ينظّمون الإعلام العالمي بهذا الاتّجاه؛
علينا التحلّي باليقظة والحذر، وعلى مسؤولينا التّنبه والتفطّن، وعلى المرشّحين
للانتخابات، كذلك، التحلّي بالوعي والدّقة. حذار أن يتكلّم مرشحو انتخابات رئاسة
الجمهوريّة في إعلامهم ودعاياتهم بشيء من أجل إسعاد الأعداء1. ينبغي أخذ
رضا الله بعين الاعتبار، وأخذ رضا الأولياء بعين الاعتبار. يجب أن نجعل معيار
الأحكام ما يكرِّس صمود الشعب و قوّته و صلابته و يزيده صبرًا و استقامة؛ وهو
الالتزام القوي بالإسلام.
عزتنا وتقدمنا رهن دماء شهدائنا
شكرًا لله؛ لأنّه لم يسمح - وببركة الإسلام- أن تضيعَ دماء شهدائنا. لم تذهب دماء
شهدائنا هدرًا. إنّ العزّة التي يتمتّع بها نظام الجمهوريّة الإسلاميّة وشعب إيران
في الوقت الحاضر، إنّما تحقّقت بفضل تلك الدماء. حينما تجدون الشعوب الإسلاميّة
وعموم أطياف الناس، في كافّة الأقطار الإسلاميّة، معجبة بشعب إيران، وتنظر إلى نظام
الجمهوريّة الإسلاميّة بعين العظمة- فما هذا إلّا ببركة هذه الدماء. وإنّ الأمن
المستتبّ حاليًّا في بلادنا، والحركة العظيمة نحو البناء، والأعمال الكبيرة
المنجزة، والتقدّم العلميّ والتقنيّ، وزيادة أعداد العلماء والطلبة الجامعيّين و
الباحثين- هذا كلّه إنّما هو ببركة دماء الشهداء. هذه الصحوة العامّة التي يتمتّع
بها بلدنا وشعبنا في الوقت الراهن، إنّما هي بفضل دماء الشهداء. استطاعت دماء
شهدائكم تغيير هذا البلد وتنميته كما يفعل الإكسير، والفخر في ذلك يعود إلى شهدائكم
وإليكم.
سيبقى شعبنا أبدا مدينا للشهداء وعوائلهم
سيبقى الشعب الإيراني مدينًا للشهداء وعوائل الشهداء إلى الأبد. على كلّ شعبنا أن
يعلم هذا. كلّ ما نكسبه من عزّة ومن تقدّم، هو رهنٌ بدماء شهدائكم الأبرار وفلذات
أكبادكم. هؤلاء هم الذين منحونا، ومنحوا بلادهم وشعبهم وإسلامهم، العزّة. ليعرف
الجميع قدر ذلك، وعلى المسؤولين- أيضًا- معرفة قدر ذلك. وعليكم أنتم أيضًا -عوائل
الشهداء- معرفة قدر ذلك، وأنتم تعرفونه طبعًا.
قلّما رأيت عائلة شهيد لا تفخر باستشهاد ابنها، ولا تشعر بالشموخ والرفعة لذلك.
أبدًا. وربّما لم أرَ أبدًا عائلة شهيد [كهذه].
تفخر عوائل الشهداء بشهدائها، وهذا هو الحقّ والموضع المناسب للفخر والاعتزاز. و
ليس أنتم و حسب، بل نحن جميعًا وكلّ الشعب الإيراني وكافّة المسؤولين، يجب أن
يفخروا بهؤلاء الرجال الشجعان والشباب الباسل.
ذكرى الدفاع المقدس وذكرى الشهداء يجب أن تبقى حية
كما يتحتّم أن تبقى ملحمة الدفاع المقدّس وذكراها حيّة خالدة في بلادنا. حاول بعضهم
التقليل تدريجيًّا من عظمة ذكرى الدفاع المقدّس وما تضمّنته من بطولات كبرى؛ إذا
كان هؤلاء يفعلون ذلك عن جهل، فهم في غفلة كبيرة، وإذا ما كانوا يفعلون ذلك عن وعي
-لا سمح الله- فهي خيانة.
يجب أن تبقى ذكرى الدفاع المقدّس وذكرى الشهداء، حيةً دومًا بين شعبنا ومجتمعنا. لا
يزال الكثير من الكلام غير مطروح، و الكثير من ذكريات وخواطر أبنائكم لم تُدوّن
بعد. وإنّ المقدار المنشور يدلّ على عظمةٍ لا حدود لها؛ وليس بمقدور الذهن البشري
العادي، ولا الفكر والعقل الماديّين- أن يحيط بها. وكم احتوت الأشياء التي كُتبت عن
عمليّات "بيت المقدس" و"الفتح المبين" وباقي الفتوحات والعمليّات- من الشأن العظمة.
هذا ما قام به شبابكم أنفسهم.
إنّنا نسأل الله تعالى علوّ الدرجات لشهدائنا الأعزّة، ونسأله أن يحشرنا معهم، وأن
يشملنا -خصوصًا أنتم الآباء والأمّهات- بشفاعتهم، ونتمنّى أن يبقى هذا الفخر العظيم
للشعب الإيراني، دومًا، مبعث شموخ ومصدر تقدّم. وجعل الله قلوبكم مفعمةً بفضله
ورحمته وصبره وسكينته.
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
1- جعل الأعداء سعداء.
2017-02-14