كلمة الإمام الخامنئي في حشود أهالي محافظة كردستان
2009
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الطيّبين الطّاهرين وصحبه المنتجبين سيّما بقيّة الله في الأرضين.
عدد الزوار: 111كلمة الإمام الخامنئي في حشود أهالي محافظة كردستان ــ 12-05-2009
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة
والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الطيّبين الطّاهرين
وصحبه المنتجبين سيّما بقيّة الله في الأرضين.
كردستان أرض التضحية والوفاء
أنا مسرور جدًّا، وأشكر الله تعالى على عنايته وتوفيقه لحضوري مرّة أخرى -وإن كانت
الفاصلة الزمنيّة بعيدة- في هذه المحافظة الشامخة، وبينكم أيّها الأهالي الأعزّاء
الأوفياء. كردستان أرض التضحيات الكبرى، أرض الفنّ والثقافة؛ أرض الإخلاص والوفاء؛
أرض الناس الأوفياء الذين أحبطوا، برجولتهم وشجاعتهم، مؤامرات كبرى في أكثر سنوات
هذا النظام وهذا البلد حساسيّةً. إنّها أرضُ الناس الشجعان ذوي الوعي والنضج
العقليّ، الذين شخّصوا مؤامرة العدُوّ في اللحظات الحسّاسة، وأخمدوا بتضحياتهم
فتنةً كبرى قبل أن تستطيع بلوغ أهدافها المشؤومة. هذا شيء لن ينساه الشعب الإيراني.
تحمل كردستان في تاريخ الثورة الإسلاميّة وسامَ فخرٍ قلّما يُشاهد نظير له في
المحافظات الأخرى.
كردستان تحبط مؤامرة "فتنة قومية" مع بزوغ فجر الثورة
أعزّائي، إخوتي وأخواتي: مع بزوغ فجر انتصار الثورة الإسلاميّة، أراد بعضهم إشعال
حرب داخليّة وإثارة الاقتتال بين الإخوة في البلاد. لقد خاف الظالمون العالميّون،
واضطربوا من ظهور قوّة مستقلّة تعتمد على الدين والإيمان الديني في هذه المنطقة.
لذلك جلبوا كلّ قواهم وقدراتهم "الخشنة" و"الناعمة"؛
علّهم يتمكّنوا من القضاء على هذا الوليد الخارج إلى الوجود توًّا، وهو في المراحل
الأولی من حياته. وقد خرج الأهالي الكرد، في هذه المحافظة من الامتحان ومن هذه
المواجهة الكبرى، مرفوعي الرأس. لقد شهدتُ كردستان عن قرب وشاهدت بأمّ عيني، عظمة
صمود هؤلاء الأهالي في أيّام المحنة والشدّة. وإنّ الكثير ممّا أقوله عن كردستان
مصدره معلوماتي، ومعرفتي الشخصيّة التي أحرزتها بمشاهداتي القريبة. طبعًا، ذاعت
سمعة مقاومة الأهالي في محافظتكم في العهود المختلف، بين كلّ أبناء الشعب الإيراني،
سواء كانت في مطلع الثورة أم في مرحلة الحرب المفروضة.
السياسة الخبيثة في التفريق بين القوميّات
أعزّائي، ثمّة سياسة خبيثة حاولت، منذ بداية الثورة بذرائع مختلفة، أن تفصل
القوميّات الإيرانيّة بعضها عن بعضٍ وأن تمزّق الجسد العظيم للشعب الإيراني. كانوا
يلقّنون كلّ جماعة من القوميّات الإيرانيّة المتنوّعة: الفرس، والترك، والكرد،
والعرب، والبلوش، والتركمان1، واللُّور؛ على حدة، تلقينات شيطانيّة كي ينفّروا
القلوب ويفسدوها غلَّا؛ بعضها ضد بعضًا. يقولون للطهراني والإصفهاني شيئًا، ويقولون
للبلوشي - وقد قضيت مع البلوش مدّة من الزمن قبل الثورة - شيئًا، ويتحدّثون في
كردستان بأشياء أخرى. كان لا بدّ من درجة عالية من الوعي كي يستطيع الشعب الإيراني
النهوض لأداء رسالته الكبرى، التي ألقيت على عاتقه ببركة رفعه راية الإسلام. خاض
الشعب الإيراني جهادًا طويلًا في مختلف أرجاء هذا البلد الكبير، وقد أدّيتم -أنتم
أهالي كردستان- نصيبكم من هذا الجهاد العام الكبير على أحسن وجه. هذه من الأمور
التي ستبقى في ذاكرة التاريخ الإيراني.
كردستان محافظة ثقافيّة
محافظة كردستان محافظة ثقافيّة. انظروا إلى الطبيعة الخلّابة الخضراء في هذه
المحافظة، وإلى الروح العطوفة المخلصة لأهالي هذه المحافظة، وإلى تاريخها الحافل
بالعلماء والشعراء، والمثقّفين والفنّانين، وهم كثر في تاريخها القريب. كلّ هذه
الحقائق تنمُّ عن أنّ هذه المحافظة محافظة ثقافيّة.
حاول معارضو إيران وأعداء الإسلام في بداية الثورة أن يجعلوا هذه المحافظة محافظة
أمنيّة. لم تكن معالجة هذه المشكلة الكبرى بالأمر اليسير، بيد أنّ النظام الإسلامي
المقتدر -وبتعاونكم أيّها الأهالي- تغلّب على هذه المشكلة. لقد سعوا لفصل أجزاء
الشعب الإيراني بعضها عن بعض، والتفريق بين الأهالي الكرد والفرس والترك، لكنّهم لم
ينجحوا. ﴿وما يمكرون إلّا بأنفسهم وما يشعرون﴾2؛
عاد مكرهم وكيدهم إلى نحورهم. اعلموا، أيّها الإخوة والأخوات الكرد، أنّ كلّ من جاء
في تلك السنوات الأولى إلى هنا- من أولئك الشباب الذين جاءوا من أقصى أنحاء البلد
للجهاد في هذه المنطقة- وبقي لفترة من الزمن، بقي قلبه متعلِّقًا بأهالي محافظة
كردستان. فالشبّان المتحمِّسون المتوثّبون الذين حضروا من خراسان، وإصفهان، وفارس،
وطهران، وباقي محافظات البلاد، ومكثوا مدّة قصيرة في سنندج، وسقز، ومريوان، وسائر
مدن هذه المحافظة، حملوا عندما عادوا رسالة المحبّة فقد طفحت قلوبهم بمحبّة الأهالي
الكرد. حين نقول: إنّ هذه محافظة ثقافيّة؛ فذلك لانعكاس السلوك العطوف للأهالي
الكرد. وعكس القضيّة صادق أيضًا؛ إذ لا تزال ذكرى الشباب المتحمّس، الذي جاء من
الأنحاء الأخرى وضحّى هنا ،حاضرة متفاعلة في القلوب والأذهان. أنا أعرف أنّ ذكريات
الشهيد كاوه، والشهيد صيّاد، ومتوسِّليان، وناصر كاظمي، وأحمد كاظمي، والشهيد
بروجردي والشبَّان الذين قضوا عمرهم هنا وقدّموا أرواحهم، حيّة حاضرة في قلوب أهالي
المحافظة. نشكر الله على أنّ العدُوّ لم يستطع بلوغ مقاصده.
كردستان تقاسي الإهمال والحرمان في العهد البائد
وأقول لكم: إنّ العدُوّ طبعًا لا يقرُّ له قرار أبدًا؛ فقد سادت البلاد سياسة خبيثة
منذ عهد الطاغوت3 وهي اعتبار أبناء القوميّات المتنوّعة أجانبَ. الكرد كانوا بنظرهم
أجانب، والبلوش أجانب، والترك أجانب، والعرب والتركمان أجانب. كانوا يعتبرون هؤلاء
أجانب، وكان هذا المعنى مشهودًا في أدائهم. لاحظوا أنّه لم يجر في هذه المحافظة
خلال عهد الطاغوت عمل عمراني يذكر، ولا عمل ثقافي مهمّ. لم يكونوا يهتمّون بهذه
المحافظة ويعملون لها. كانت الأعمال العمرانيّة فيها، خلال عهد الطاغوت بحدود
الصفر؛ وكذلك المشاريع الثقافيّة. إن كنتم تلاحظون، فإنّ في محافظة كردستان اليوم
قرابة خمسين ألف طالب جامعي، يدرسون في أكثر من عشرين مركزًا للتعليم العالي؛ وقد
كان هذا الرقم في عصر الطاغوت 360 طالبًا فقط! وكانت نسبة الأميّة في هذه المحافظة
خلال عهد الطاغوت مخيفة هي الأخرى. كان 29 بالمئة فقط من أهالي المحافظة متعلّمين!
لم يكن الطاغوت يريد للأهالي الكرد أن يتعلّموا، وهم على ما هم عليه من الموهبة
والذكاء والقدرة. كان 29 بالمئة منهم فقط يقرؤون ويكتبون! هذا فيما يتّصل بأدائهم
العمراني وأدائهم الثقافي!
نظرتهم إلى هذه المحافظة كانت نظرة خداع وشيطنة خاطئة. جاء النظام الإسلامي وصحّح
هذه النظرة، لا على مستوى المسؤولين وحسب؛ بل على مستوى كلّ أبناء الشعب.
النظام الإسلامي يعتبر التنوع الثقافي نعمة
أعزّائي، ليعلم الجميع أنّ النظام الإسلامي يرى التنوّع القومي، في بلادنا الكبيرة
الشامخة، فرصة سانحة. فالتقاليد المختلفة والأعراف والعادات والمواهب المتنوّعة، هي
فرصة تتيح لمكوّنات الشعب تكميل بعضها بعضًا، عبر المعاملة الحسنة والصحيحة،
والتعايش والاتّحاد التامّ. إنّه لفخر لشعبنا أن ينظر إلى تنوّعه القومي من هذه
الزاوية. والسبب هو أنّ الإسلام مصدر إلهام هذا النظام. ولا فرق في النظرة
الإسلاميّة بين الأعراق واللغات المختلفة ،حتّى لو كانوا من أممٍ وشعوبٍ شتّى؛
ناهيك عن القوميّات المتنوّعة داخل الشعب الواحد. هذه هي نظرة الإسلام، وهي أيضًا
نظرة النظام الإسلامي. لذا، نحن ننظر إلى المنطقة الكرديّة - محافظة كردستان -
ومناطق القوميّات الأخرى نظرة إسلاميّة، مضمونها الأخوّة والاتحّاد والتعاطف
والرحمة. وكلّ من يعارض هذه النظرة ويختار أسلوبًا آخر -يكون قد سلك مسلكًا معارضًا
لسياسة النظام الإسلامي.
أهالي
كردستان أهل النظام الإسلامي الأوفياء للثورة
أدرك الجميع –حقيقةً- أنّ النظام الإسلامي يعتبر أهالي هذه المحافظة أهله، وهم
الأوفياء للثورة وجنودها. لذلك حينما تحدّثَ بعض عملاء الأجنبي، هنا وفي أماكن
أخرى، باسم الأهالي الكرد وأطلق بعض الكلام، الذي لم يكن الأهالي الكرد على أيّة
صلة به؛ ويوم همَّت أصابع الأعداء الشيطانيّة بافتعال الفتنة وخطّطت لاقتتال الإخوة
في هذه المحافظة والمحافظات المجاورة، تقدّم أهالي المحافظة أنفسهم إلى الخطوط
الأماميّة، فكانت هناك جماعة مجيدة ورشيدة من البيشمركة الأكراد الإسلاميّين؛ لن
تُمحى هذه الصورة من ذاكرة الذين شهدوا ذلك الجهاد أبدًا. نحيّي أرواحهم حيث استشهد
من أبناء هذه المحافظة 5400 شهيد، كما نحيّي من بقي منهم ونحيّي عوائلهم. نسأل الله
تعالى لهم جميعًا الرحمة والمغفرة.
الأعداء يسلبون فرصة الإعمار في كردستان لبضع سنوات
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أيّها الشباب؛ أقول لكم: أنتم أيّها الشباب، يجب
أن تطّلعوا على تاريخ هذه المنطقة والمناطق الأخرى الزاخر بالعِبر. هذه أمور لم
يشهدها جيل الشباب ويجب أن يطّلع عليها. أراد بعض الناس تنفيذ مخطّطات الأعداء في
هذه المحافظة، والإيقاع بين الأهالي المؤمنين العطوفين الرحماء وبين الثورة. لقد
ألحق - أولئك الذين أرادوا التحدّث باسم الأهالي الكرد أنفسهم- الضرر بهؤلاء
الأهالي. ونحن اليوم أمام عوائل استشهد أبناؤها في سبيل هذا الجهاد المقدّس، وكذلك
أمام عوائل أخرى انطلت حيل الأعداء على أبنائها. هي أيضًا عوائل مفجوعة وهي موضع
تعاطفنا. وإنّ العوائل التي استطاع العدُوّ خداع أبنائها، واستخدام دمائهم في سبيل
الأغراض الأمريكيّة والصهيونيّة الفاسدة، هي أيضًا عوائل بريئة وقد فجعت بأبنائها.
والكثيرون لا يذكرونهم لكنّنا نحرص ونعطف عليهم. وهذه بدورها من الخسائر التي
ألحقها أعداء الثورة بهذه المحافظة.
وقد سلبوا فرصة العمل العمراني من هذه المحافظة لفترة من الزمن. محافظتكم محافظة
موهوبة جدًّا من جهات مختلفة. كان بالإمكان الاستثمار هنا بشكل جيّد. وكان المقرّر
القيام بأعمال تأسيسيّة، وبنى تحتيّة كبيرة في الأعوام الأولى. وصل أوّل وفد عمراني
إلى كردستان من قبل شورى الثورة، وقبل تشكيل جهاد البناء. يومها، كان المرحوم
الشهيد بهشتي[4](رضوان الله عليه) رئيسًا لشورى الثورة، وقد بعث وفدًا لعمران منطقة
كردستان، ولم يكن جهاد البناء قد تشكّل بعد. يعرف النظام ما الذي فعله نظام الطاغوت
البائد بالمحافظات النائية، والمختلفة في لغاتها ولهجاتها وقوميّاتها. لذلك أراد
النظام الجديد تعويض ذلك، لكنّ أعداء الثورة مع الأسف سلبوا نظام الجمهوريّة
الإسلاميّة هذه الفرصة بضع سنوات.
مشاريع عمرانيّة أنجزت وأخرى ينبغي أن تنجز
إنّني على اطّلاع وأعلم أنّه تمّ خلال هذه الأعوام، والحمد لله، تقديم خدمات كثيرة
جدًّا وكبيرة في هذه المحافظة، وهي خدمات لم تكن تخطر ببال أحد في تلك الأيّام.
أنجزت في هذه المحافظة وعلى امتداد هذه الأعوام مشاريع عمرانيّة، تشكّل لائحة
طويلة: الطرق، والسدود، وعمليّات توزيع الطاقة، وعمليّات توزيع المياه، والاتّصالات
وسائر مؤشِّرات التنمية على اختلافها وتنوّعها. يجري حاليًّا بناء نحو 19 سدًّا في
هذه المحافظة. حتى أنّه لم يكن ليخطر ببال أحد في تلك الأيّام أنّ مثل هذه المشاريع
ستُنجز؛ لكنّها أُنجزت. ولكن مع ذلك، ما كان يمكن أن يتمّ وما يجب أن يتمّ أكثر من
هذا بكثير.
لم تنجز الكثير من الأعمال في هذه المحافظة وينبغي أن تنصبّ همم المسؤولين على هذه
الجوانب.
مشكلات كردستان الإنمائية
للمحافظة مشكلاتها. وحسب ما أشعر به وقد درسته وبحثته، فإنّ المشكلة الأولى في
المحافظة هي مشكلة العمالة [البطالة] وعدم توفّر فرص عمل، والمشكلة الثانية: هي
قضيّة الاستثمار. العمالة قضيّة مهمّة. نسبة البطالة في هذه المحافظة عالية حاليًّا
وفيها شباب مستعدّون للعمل. أنجزت أعمال كثيرة وجيّدة جدًّا ولكن يجب إنجاز أعمال
أخرى وأكثر. نشكر الله على أنّ أعضاء الحكومات اليوم وخلافًا لعهد الطاغوت يزورون
الجماهير ويقصدونهم. ذات يوم، كان على النّاس تحمّل المشاقّ وبذل المساعي للوصول
إلى الحكومات، واليوم وببركة الإسلام تتوجّه الحكومات بنفسها وتزور المحافظات
المختلفة والمدن المختلفة وأبعد مناطق البلاد، يقصدها رئيس الجمهوريّة، والوزراء
ومختلف المسؤولين. يقول الناس في بعض المناطق التي زارها رئيس الجمهوريّة: إنّنا لم
نشاهد في العهد السابق5 هنا حتّى مديرًا عامًّا؛ وهم على حقّ. هذه من بركات
الإسلام. يفرض الإسلام على الحكومات الخوضَ في أصعبِ الأعمال قبل الخوض في الأعمال
السهلة، وخدمةَ أكثرِ النّاس حرمانًا وفقرًا. ونشكر الله، هذا ما يحصل اليوم لحسن
الحظّ.
مواصلة اليقظة والحذر إزاء مؤامرات لأعداء
و أقول في خاتمة هذا الجانب من كلامي: ليعلم الشباب الأعزّاء أنّ مؤامرات الاستكبار
قد أُحبطت، لكنّها لم تَنْته، وأنَّ يقظة الجماهير المؤمنة واستعداد مسؤولي البلاد
قد أحبطت إلى اليوم مؤامرات الأعداء في هذه المحافظة وما يخصّ الأحداث المشابهة
لها. ولكن ينبغي أن لا نتصوّر أنّ العدُوّ قد كفّ وسكت وأقلع عن متابعة أهدافه
المشؤومة. كلّا؛ ينبغي مواصلة اليقظة والحذر. اعلموا أنّ أعداء إيران الإسلاميّة
يريدون لإيران أن لا تبقى موحّدة وأن لا يحكمها الإسلام. لم يستطع الجبابرة
المستكبرون الذين استطاعوا إخضاع غالبيّة البلدان والحكومات في العالم لنفوذ
سياساتهم، إلى اليوم، إخضاع وتركيع نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، المعتمد على
الجماهير الشجاعة، المؤمنة؛ لذلك هم غاضبون. يغيّرون الأساليب، إلّا أنّ الأهدافَ
هي الأهداف الدنيئة نفسها التي كانت لهم. ليكن الشباب واعين، ولتكن العوائل واعية،
وليكن المسؤولون واعين. إننّا ندافع عن كيان بلادنا ووحدتها؛ إنّنا ندافع بكلّ
قدراتنا عن الإسلام العزيز. لم نَرْهب إلى حدّ الآن الرعود والبروق الاستكباريّة
الجوفاء ولم نتراجع، ولن نخافهم بعد اليوم أيضًا ولن نتراجع.
روحية العزّة الوطنيّة تصون الشعب من هيمنة الأجانب
وأذكر بهذه المناسبة نقطة أساسيّة عامّة.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء: لقد رسمَ الإسلام من أجل بناء مجتمع شامخ متوثّب
خصوصيّات معيّنة، وقدّم للمسلمين والأمّة الإسلاميّة على مرّ التاريخ سبيل الوصول
إليها. من هذه الخصوصيّات والمؤشّرات: العزّة الوطنيّة؛ كما أنّ الفرد لا يريد أن
يكون ذليلًا بل عزيزًا، فإنّ من الآمال الكبری لأيّ شعب أن يكون عزيزًا ولا يكون
ذليلًا. ما هي العزّة الوطنيّة؟ العزّة الوطنيّة: هي أن لا يشعر الشعب بالمهانة في
نفسه ومن نفسه. النقطة المقابلة للشعور بالعزّة هي الشعور بالمَهَانة، والدونيّة.
حينما ينظر الشعب إلى ذاته، إلى رأسماله، وتاريخه، وتراثه التاريخي، وكنوزه
البشريّة والفكريّة؛ ثمّ يشعر بالعزّة والكبرياء ولا تنتابه المهانة والذلّة؛ فهذه
من الأمور الضروريّة للشعب. وقد أشار القرآن في مواطن عديدة إلى هذا المعنى:
﴿يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها
الأذلّ * ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنّ المنافقين لا يعلمون﴾6.
كان المنافقون يتحدّثون فيما بينهم ويقولون: إنّنا أعزّاء وسوف نخرج المسلمين - وهم
الأذلّة - من المدينة. أوحى الله إلى الرسول أنّهم يقولون ذلك لكنّهم لا يفقهون ولا
يعلمون. فالأعزّة هم المؤمنون، والعزّة لله ولرسول الله وللمؤمنين بالله. هذه لوحة
مشرقة يجب أن تنتصب دومًا أمام أنظار الأمّة الإسلاميّة: "العزّة الوطنيّة". إذا لم
يشعر الشعب بالعزّة، أيْ: إذا نظر بعين الصغر والاحتقار إلى ما لديه -من تقاليد
وأعراف ولغة وأبجديّة وتاريخ ومفاخر وشخصيّات كبرى- واستصغر شأنها وأنّه لا يمتلك
شيئًا فسيقع هذا الشعب بسهولة في قبضة هيمنة الأجانب.
منذ أن دخل المستعمرون بلدان الشرق - ومنها البلدان الإسلاميّة - في القرنين السادس
عشر والسابع عشر، ولأجل أن يستطيعوا تكبيل أيدي هذه الشعوب وأرجلها بقوّة، وجعلها
أسيرة لهم؛ راحوا يبثّون فيهم سوء الظنّ تجاه ماضيهم، وما لديهم؛ وتجاه دينهم
وأعرافهم وأزيائهم. هذه أمور فيها عِبَر. وقد وصل الأمر في بداية ثورة الدستور في
إيران إلى أن يقول أحد المستنيرين: يجب على الإيراني أن يصبح أجنبيًّا من قمّة رأسه
إلى أخمص قدميه! أيْ: أن ينبذ دينه، وأخلاقه، وأزياءه، وخطّه، وماضيه، ومفاخره
وينساها؛ ويتبنّى مكانها الثقافة الغربيّة، والأعراف الغربيّة، والتقاليد الغربيّة،
والتفكير الغربي، والمناهج والأساليب الغربيّة.. هكذا أعلنوا. هذا الهتاف المذلّ
رفعه في بلادنا الذين أداروا ظهورهم للدين، وواضح أنّ البلاد إذا فقدت كلّ ما تملك
وتمّ تفريغها من الداخل، فسيتمكّن الاستعمار الإنجليزي، حينها، من السيطرة على كلّ
ما لديها من نفط، وجيش، وممتلكات، وأجهزة سياسيّة. بلغت الأمور في العهد البهلويّ
إلى درجة أنّ الشاه الخائن ولأجل أن يعيّن فلانًا رئيسًا للوزراء كان مضطرًّا إلى
مناقشة الموضوع مع السفير البريطاني، ثمّ السفير الأمريكي بعد ذلك، ويحصل منه في
الواقع على إذن لذلك التعيين؛ هذا هو تاريخ بلاطنا في الماضي، وهذا مناقض للعزّة
الوطنيّة. فقد أنزلت الحكومات الدكتاتوريّة، التابعة الفاسدة، شعب إيران عن أريكة
العزّة؛ فلا هي وسَّعت علومه ونمّتها ولا دنياه بنَتْ، بل سلبته آخرته وألبسته ثياب
الأسر والاستعباد. قامت الثورة الإسلاميّة لمواجهة مثل هذا الوضع، ووقفت الثورة
الإسلاميّة والإمام الجليل مقابل مثل هذه المصيبة الكبرى وأهدى الشعب الإيراني دمه
في هذا السبيل وانتصر.
النظام البهلوي البائد يسلب الشعب عزته الوطنية
حينما تَسود مثل هذه الروحيّة لدى شعب، فسيظهر الجهاز السياسي في ذلك البلد، بنحوٍ
طبيعي، بطباع الخَدَم: فيكون مقابل شعبه كالكلب المفترس والذئب السفَّاح وأمام
الأعداء كالحَمَل الوديع المروّض "أسدٌ عَليَّ وفي الحروب
نعامة". فهذا رضا خان7 الذي تعامل بكلّ قسوة وشدَّة مع شعبه، خصوصًا في
النصف الثاني من فترة حكمه -حيث لم يكن لدى الناس الجرأة حتّى على التنفّس8، فكان
الأب لا يثق بابنه والابن لا يثق بأبيه حتّى في داخل المنـزل- قد زال عن السلطة
الملكيّة كالفأرة الميتة برسالة بسيطة من الإنجليز قالوا له فيها
"يجب أن تعتزل السلطة". وكذا الحال بالنسبة إلى
محمّد رضا بهلوي الذي مارس خلال عقدَي الستينيّات والسبعينيّات من الميلاد أشدّ
الضغوط على هذا الشعب وعلى المناضلين والتحرّريّين - بعنف ودون اعتبار أيّ شيء
للشعب - لكنّه كان نفسه خاضعًا خاشعًا أمام سفير أمريكا وسفير بريطانيا يسمع
كلامهما ويطبّقه. وكان مستاءً من هذا الوضع لكنّه مضطرّ إليه. كانت هذه حكومة شعبٍ
محرومٍ من العزّة الوطنيّة.
الثور ة الإسلامية أعادت العزة لشعبنا
من أهمّ الأمور التي منحتها الثورة الإسلاميّة لنا نحن الشعب الإيراني هو الشعور
بالعزّة. كان إمامنا الجليل مظهرَ العزّة. عندما قال الإمام علنًا:
"لا تستطيع أمريكا ارتكاب أيّ حماقة"، كانت
أمريكا حينها في ذروة اقتدارها السياسي والعسكري في العالم. أعاد الإمام الشعور
بالعزّة إلى هذا الشعب وأعادت الثورة الشعور بالعزّة إلى شعب إيران؛ والإيرانيّ
اليوم يفخر بإيرانيّته وبإسلامه. يعترف أقوياء العالم اليوم أنّ تهديداتهم وقدراتهم
العسكريّة وإعلامهم السياسي لا تأثير له إطلاقًا مقابل الشعب الإيراني. وإنّ الشعب
الإيراني سيواصل طريقه الذي اختاره، نحو الهدف الذي اختاره بكلّ قوّة وسيبلغ ذلك
الهدف.
الإيمان والوحدة يحفظان العزة الوطنية
المهمّ هو الحفاظ على هذه العزّة الوطنيّة. إخوتي وأخواتي، أيّتها الجماهير العزيزة
في كردستان ويا شعب إيران العظيم: علينا جميعًا التنبّه والحفاظ على هذه العزّة
الوطنيّة. لا يمكن صيانة العزّة الوطنيّة فقط باللسان والادّعاء وإطلاق الشعارات.
إذا كان الشعب الإيراني اليوم عزيزًا وله نفوذه في السياسات العالميّة الكبرى
فالسبب يكمن في إيمانه وأدائه وإبداعاته ومبادراته الشجاعة وفي وحدته وتلاحمه. ولو
فقدنا واحدة من هذه العناصر تعرّضتْ عزّتُنا للخطر. إذا فقدنا وحدتنا، أو إذا فقدنا
إيماننا، وإذا خسرنا روح الجدّ والسعي والعمل-والتي نشاهدها اليوم، والحمد لله، لدى
الشعب الإيراني الكبير ولا سيّما الجيل الشاب- فسوف نخسر عزّتنا. هذه نقطة أساسيّة
لتحليل الأحداث السياسيّة، خصوصًا بالنسبة إلى الشباب.
عملاء العدُوّ من بيننا يسعَون إلى إفساد الوحدة
انظروا ولاحظوا من هم الذين يريدون إفساد وحدة الشعب الإيراني، اعلموا أنّهم عملاء
الأعداء؛ إمّا أنّهم من الأعداء ويتحدّثون حديثهم، أو أنّهم من أصابع العدُوّ؛ لا
شكّ في ذلك. الذي يرفع نداء التفرقة بين الشيعة والسنّة ويريد إرباك الوحدة
الوطنيّة بذريعة الطائفيّة، إنّما هو مرتزق للعدوّ سواء كان شيعيًّا أو سنيًّا،
وسواء علم بذلك أم لم يعلم. فالبعض أحيانًا يُعَدُّون مرتزقة للعدُوّ وهم لا
يعلمون. إنّ الكثير من هؤلاء النّاس المساكين الجهلة السلفيّين والوهابيّين الذين
تغذّيهم دولارت النفط؛ كي يذهبوا ويمارسوا العمليّات الإرهابيّة هنا وهناك - في
العراق بشكل، وفي أفغانستان بشكل، وفي باكستان بشكل، وفي الأنحاء الأخرى بأشكال
أخرى- لا يعلمون أنّهم مرتزقة. والشخص الشيعي الذي يهين مقدّسات أهل السنّة ويسبّها
هو أيضًا من مرتزقة الأعداء وإن لم يشعر. وأنا أقول: هؤلاء هم العملاء الرئيسيّون
للأعداء. بعض هؤلاء الأصابع - سواء بين أهل السنّة أو بين الشيعة- غافلون ولا
يعلمون ولا يفهمون ما الذي يفعلونه، لا يدرون أنّهم يعملون للأعداء.
قبل سنوات تحدّث عالم متنوّر من المنطقة الكرديّة في صلاة الجمعة، وأظنّ أنّه أقسم-
هكذا أظنّ، لأنّ الأمر مضت عليه سنوات - وقال: والله، إنّ الذين يأتون إلى الشيعة
ويزرعون في قلوبهم الضغينة والحقد على أهل السنّة، ويقصدون السنّة ويزرعون الأحقاد
والإحن في أفئدتهم ضدّ الشيعة، هؤلاء ليسوا شيعة ولا سنّة، لا يحبّون الشيعة ولا
السنّة؛ إنّما يعادون الإسلام؛ طبعًا لا يعلمون. الكثيرون منهم لا يفهمون وهذا ما
يدعو للأسف أنهّم لا يفهمون. الجماعة الوهّابية والسلفيّة اليوم تعتبر الشيعة كفرة،
وتعتبر السنّي المحبّ لأهل البيت كافرًا أيضًا، وتعتبر السنّي من أتباع الطرق
العرفانيّة والقادريّة9 كافرًا أيضًا! من أين ينبع هذا الفكر الخاطئ؟ كلّ الشيعة في
مختلف أنحاء العالم، وأهل السنّة الشافعيّة في شمال أفريقيا، أو المالكيّة في بلدان
أفريقيا المركزيّة -وهم محبّون لأهل البيت، فالطرق العرفانيّة لهؤلاء تنتهي إلى أهل
البيت هم كفّار؛ لماذا؟ لأنّهم يحترمون مرقد الحسين بن عليّ في القاهرة ويقدّسون
مسجد رأس الحسين، لذلك فهم كفّار؟! الشيعة كفّار، والسنّة في سقز وسنندج ومريوان10
إذا كانوا على اتّصال بالطريقة القادريّة أو النقشبنديّة 11 كفّار أيضًا! أيّ فكر
هذا؟ لماذ يبثّون الخلاف بين الإخوة المسلمين من خلال هذا الفكر الخاطئ المشؤوم.
وأقول للشيعيّ الذي يهين مقدّسات السنّة عن جهل وغفلة أو عن غرض في نفسه أحيانًا -
ونحن نعرف مثل هؤلاء، فهناك بين الشيعة من لا يدفعهم الجهل وحسب؛ إنّما هم مكلّفون
ببثّ الخلافات -أقول له: إنّ سلوك كلا الفريقين حرام شرعًا ومخالف للقانون.
أعزّائي، يا كلّ الشعب الإيرانيّ: اعرفوا قدر وحدتكم. هذا الاتّحاد عظيم ومبارك
جدًّا لهذا البلد. اعرفوا قدر الاتّحاد، واعرفوا قدر التعاطف، واعرفوا قدر التعاون،
واعرفوا قدر التناغم بين الحكومة والشعب، واعرفوا قدر حبِّ الحكومة للجماهير. وعلى
الحكومة بدورها أن تعرف قدر إيمان الشعب وحماسه، وتشوّق وتوثّب الشباب وروح
الابتكار والنشاط والعمل لدى الأجيال الصاعدة في البلاد، وعليها الانتفاع من هذه
الطاقات، وهذا ما سيحصل إن شاء الله.
إعلام العدُوّ يعمل لجعل الإنتخابات باردة باهتة
وأذكر بعض الأمور حول قضيّة الانتخابات. أعزّائي: الانتخابات على الأبواب؛ بقي شهر
على موعد الانتخابات. الانتخابات من الاختبارات الكبرى للشعب الإيراني أمام أنظار
العدوّ؛ لذلك قلوبهم حسّاسة تجاهها. بدأت الأجهزة الإعلاميّة لأعداء الشعب
الإيراني، منذ نحو سنة، كلامها وعملها واصطناعها المواد الإعلاميّة ضدّ هذه
الانتخابات بوتيرة هادئة. وبدأت الأجهزة الأمنيّة أيضًا عملها في تصيّد الأخبار
والتحرّي وطرح الاقتراحات. إنّهم حسّاسون تجاه هذه الانتخابات. وحين تنظرون اليوم
لأخبار وسائل الإعلام الأجنبيّة على اختلافها - والكثير منها مملوء حقدًا وعداءً
للشعب الإيراني- سترون أنّها ليست عديمة الاكتراث تجاه انتخاباتنا، وتحاول العمل
لأغراضها وأهدافها. ما هي هذه الأغراض؟ هدفهم بالدرجة الأولى تعطيل الانتخابات
وإلغاؤها. في إحدى الدورات حاولوا إلغاء انتخابات مجلس الشورى الإسلامي بمختلف
الحيل. لكنّ الله تعالى لم يشأ ذلك وإرادة المؤمنين لم تسمح به، فلم ينجح الأعداء.
إنّهم يائسون من تعطيل الانتخابات جذريًّا. وهدفهم بالدرجة الثانية أن تكون
الانتخابات باهتة وباردة، وأن لا يكون للشعب الإيراني مشاركة فاعلة فيها.
القضية الأولى في الانتخابات المشاركة الواسعة
أيّها الشعب الإيراني العزيز، أقول لكم: علينا جميعًا وعلى العكس تمامًا من إرادة
الأعداء أن تكون لنا مشاركة فاعلة في الانتخابات. الانتخابات سمعتنا الوطنيّة.
الانتخابات من مؤشرات نموّنا الوطنيّ. الانتخابات وسيلة للعزّة الوطنيّة. حينما
يرون الشعب الإيراني يحضر بحماس وشعور وإدراك تامّ ووعي عند صناديق الاقتراع، فما
معنى ذلك؟ معناه: أنّ الشعب يرى لنفسه حقّ اتّخاذ القرار والقدرة عليه. ويريد أن
يؤثِّر في مستقبل البلد ويختار مسؤولي البلاد ومدراءها الكبار. انتخاب رئيس
الجمهوريّة يعني: انتخاب رئيس السلطة التنفيذيّة، والشخص الذي تقع غالبيّة
إمكانيّات البلد تحت تصرّفه. وترون أنّه لو كان رئيس الجمهوريّة متحلّيًا بالحماس
والتوثّب والحيويّة والرغبة والميل والإرادة، فأيّ خدمات كبيرة سيقدّمها للبلد؛ هم
لا يريدون هذا الشيء. وأقول: إنّكم جميعًا يجب أن تصرّوا على المشاركة في
الانتخابات. أعتقد أنّ القضيّة الأولى في الانتخابات ليست انتخاب هذا الشخص أو ذاك،
إنّما القضيّة الأولى هي مشاركتكم. وجودكم [حضوركم] هو الذي يعزّز النظام ويقوّي
أركانه، ويزيد من ماء وجه الشعب الإيراني وسمعته، ويضاعف استقامة البلد حيال
الأعداء ويصرف الأعداء، عن الطمع في البلاد وعن التفكير في توجيه ضربة لها وإفشاء
الفساد والفتن فيها. هذه قضيّة على جانب كبير من الأهميّة. إذن القضيّة الأولى هي
المشاركة في الانتخابات.
إنتخاب الرئيس البعيد عن الأرستقراطيّة والإسراف
القضيّة الثانية المتعلّقة بالانتخابات هي أن يحاول الناس انتخاب من هو الأكثر
صلاحًا. الذين يترشّحون لرئاسة الجمهوريّة، وتخضع صلاحيّتهم للنظر تحت مجهر مجلس
صيانة الدستور الذي يعلن صلاحيّتهم بعد ذلك هؤلاء كلّهم صالحون. لكن المهمّ هو أن
تبحثوا بين هؤلاء الأفراد الصالحين وتشخِّصوا الأصلح. هذا ليس مقامًا نستطيع فيه
أنا وأنتم الاكتفاء بالحدّ الأدنى. اطلبوا الحدّ الأعلى وانتخبوا من هو أفضل.
من هو الأفضل. إنّني لا أبدي أي رأي حول الأشخاص ولكن ثمّة مؤشّرات وسمات. الأفضل
هو الذي يفهم آلام البلد ويعلم أوجاع النّاس ويكون متّحدًا وقريبًا من النّاس
ومحبًّا لهم. ويكون بعيدًا عن الفساد ولا يطلب الأرستقراطيّة لنفسه. آفتنا الكبيرة
هي الأرستقراطيّة والبذخ. فإذا كان المسؤول الفلاني من أهل البذخ والأرستقراطيّة،
سيدفع النّاس باتّجاه الأرستقراطيّة والإسراف.
حين قلنا: إنّ هذا العام هو عام المضِيّ نحو إصلاح نموذج الاستهلاك، فمعنى ذلك أنّ
هذا العام هو العام الذي يقرّر فيه الشعب الإيراني مكافحة الإسراف. لا نقول: بنحو
قاطع ودفعي، وخلال سنة واحدة سوف ينتهي الإسراف؛ لا، نحن أكثر واقعيّة من هذا ونعلم
أنّ هذه العمليّة تتطلّب سنوات متعاقبة وينبغي العمل حتّى نصل إلى هذه الثقافة. يجب
البدء بهذه العمليّة.
من الأعمال المهمّة جدًّا للحؤول دون الإسراف، هو أن لا يكون مسؤولو البلاد أنفسهم
والمحيطون بهم وأقرباؤهم والمرتبطون بهم، أن لا يكونوا من أهل الإسراف والبذخ. إذا
كنّا من أهل الإسراف كيف يُمكن أن نقول للناس: لا تسرفوا؛
﴿أتأمرون النّاس بالبر وتنسون أنفسكم﴾12.
﴿يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما
لا تفعلون﴾13.
المهمّة الأولى: هي أن نختار مسؤولي البلاد من
بين الأفراد ذوي بساطة العيش والذين يعرفون آلام النّاس ويتألمّون لألم النّاس. هذه
برأيي علامة مهمّة أيضًا. ابحثوا بوعي وتوصّلوا إلى النتيجة؛ وبادروا إلى ما توصلتم
له وشخّصتموه بقصد القربة؛ اقصدوا صناديق الاقتراع بقصد القربة وسوف يوفيكم الله
أجوركم؛ هذه نقطة أيضًا.
على المرشّحين أن يكونوا منصفين
النقطة الأخيرة حول الانتخابات: هي أن يحاول
المرشّحون المحترمون الذين سجّلوا أسماءهم إلى حدّ الآن، ويعملون إعلاميًّا
ويصرّحون -مع أنّ الوقت القانوني للدعاية لم يحن بعد، لكنّهم يعملون إعلاميًّا ولا
إشكال في ذلك- أن يحاولوا أن يكونوا منصفين. لتكن تأييداتهم ومعارضاتهم من منطق
الحقّ والصدق. يسمع الإنسان أشياءً لا يصدّق أنّها صدرت عن المرشّحين، ممّن يطلبون
هذه المسؤوليّات عن صدق وإخلاص. أحيانًا، يسمع المرء كلامًا عجيبًا وأمورًا غريبة
تنسب إلى هذا وذاك؛ هذا الكلام يقلق الناس. وهو كلام لا يجذبُ قلبَ أحدٍ لقائله.
ليتنبّه المرشَّحون المحترمون ولا يكدّروا الرأي العام والأذهان. كلّ الأمور غير
الصحيحة التي تُنسب إلى هذا وذاك، تكدّر ذهنيّات الجماهير، بالتأكيد؛ وهي أمور غير
واقعيّة وبخلاف الواقع. إنّني على علم بشؤون البلاد أكثر من كلّ هؤلاء السادة، وعلى
اطّلاع أوفى، وأعرف أنّ كثيرًا من هذه الأمور التي تُطرح، كنقد لأوضاع البلاد ووضع
الاقتصاد وما إلى ذلك، هي خلاف الواقع؛ إنّهم مخطئون؛ هم مخطئون وعن غير قصدٍ إن
شاء الله. نأمل أن يُقدّر الله تعالى لهذا الشعب الخير والصلاح والعمران الكامل.
سيادة الإسلام فيها عمارة الدنيا والآخرة
المسألة الأخيرة التي أطرحها هي، يا أعزّائي: اعلموا أنّنا واقفون وصامدون من أجل
سيادة الإسلام في هذا البلد -وسيادة الإسلام فيها عمارة دنيا الناس وآخرتهم وصلاح
حياتهم الماديّة والمعنويّة -حتّى النهاية، وما من ضغوط ولا قوى بوسعها التأثير على
إرادتنا المعتمدة على إرادة الشعب.
اللهمّ أنزل رحمتك ولطفك على هذا الشعب. اللهمّ مُنَّ بفضلك على أذهان هذا الشعب
العزيز وفكره، وقلبه، وعمله. أيّها الأهالي الأعزّاء، إنّني أتقدّم بالشكر من
الصميم لوفائكم ومودّتكم لاجتماعكم المهيب الذي عقدتموه هنا واستقبالكم الذي قمتم
به. أتمنّى أن يوفّقنا الله تعالى أنا وأنتم، لنخطو خطوات واسعة في سبيل أداء
واجباتنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1- التركمان: قبيلة تركيّة أخضعها
التتر، عرفت منذ القرن 12 باسم تركمان. يقطن التركمان في تركستان الغربيّة وإيران
وما وراء القفقاس. (المنجد في الأعلام).
2- سورة الأنعام، الآية 123.
3- يطلق الشعب الإيراني على العهد البائد (حكم الشاه) تسمية "عهد الطاغوت".
4- الشهيد محمد حسين بهشتي (ت. 1401 هـ / 1981 م) هو عالم مجاهد ثوري فذّ، من قادة
الثورة الكبار، ومن مؤسسي حزب الجمهورية الإسلامية في إيران. استشهد في تفجير مقرّ
الحزب الجمهوري من قبل جماعة المنافقين عام 1401ه
5- أي عهد الطاغوت الملكي البائد.
6- سورة المنافقون، الآية 8.
7- رضا خان- رضا بهلوي، شاه ايران، أقام جكومة ملكيّة ديكتاتوريّة، حكم بين عامي
1925 و1941م، خلفه ابنه محمد رضا، الذي أطاحت الثورة الاسلامية الايرانية بحكمه.
8- كما يقال: أحصى على الناس أنفاسهم.
9- القادرية: طريقة صوفية مشهورة لدى المسلمين في شمال افريقيا.
10- مدن إيرانية في محافظة كردستان
11- الطريقة النقشبندية هي واحد من أكبر الطوائف الصوفية والتي تنتسب إلى محمد بهاء
الدين شاه نقشبند واشتق اسمها منه، ومن ثم عرفت به
12- سورة البقرة، الآية 44.
13- سورة الصف، الآية 2-3.