كلمة الإمام الخامنئي في مراسم تخرّج جامعة الإمام الحسين (عليه السلام)
2009
الثورةُ الإسلاميّة نهضة إنسانيّة ضد نظام الظلم العالمي والحرس حصنها
عدد الزوار: 120
كلمة
الإمام الخامنئي في مراسم تخرّج جامعة الإمام الحسين (عليه السلام)-15-4-2009.
الثورةُ الإسلاميّة نهضة إنسانيّة ضد نظام الظلم العالمي والحرس حصنها
بسم الله الرحمن الرحيم
جامعة
الضباط مركز علمي وجهادي
أبارك لكم -أيّها الشباب الأعزّاء وأبناء هذا الشعب وقرّة عينه الأعزّاء- التحاقكم
بميدان حراسة قيم الثورة الإسلاميّة. جامعة الضبّاط هي مركز علمي وقطب لفوران
الجهاد في آن واحد. وهي كذلك موقع لتربية رجال أصحاب عزم وإرادة فولاذيّة. حينما
يجتمع العلم والجهاد والإيمان، والإرادة المتينة معًا، فإنّها تخرِّج أناسًا يمكن
للعالم ببركة وجودهم، أن يتفاءل بمستقبله.
العلم اليوم في خدمة الطغيان والعدوان
المشكلة الرئيسيّة لدنيا العلم الحديث والمعاصر، هو أنّ العلم جُعل فيه لخدمة
الفساد، والطغيان، والاعتداء. العلم موهبة إلهيّة؛ وإنّ أكبر جحود لهذه الموهبة
الكبيرة هو أن يقوم جيلٌ أو شعبٌ أو جماعةٌ معينةٌ، بتوظيف هذا العلم في زمن من
الأزمان لخدمة الظلم، والطغيان، والاعتداء، وتدمير القيم الإنسانيّة. وهذا ما حدث
في العالم خلال القرنين أو القرون الثلاثة الأخيرة، وخصوصًا في العقود القريبة.
نتائج تسخير العلم
1-قمع الشعوب واستعبادها
حصلت بعض الشعوب علی العلم وهذا طبيعي؛ والعلم يُتداول بين الشعوب علی مدی التاريخ.
ذات يوم كانت مناطق الشرق قطب العلم في العالم، وفي زمن آخر كانت مناطق الغرب مركز
العلم. حينما تمكّنت هذه الشعوب من العلم، استخدمته لمصالح الاستعمار وقمع الشعوب؛
وقد قُمعت الكثير من البلدان وكثير من الشعوب، في شرق العالم وغربه وسُحقت
واستُعمرت بواسطة "عِلْم" البلدان الغربيّة، وجری أسر الأجيال البشريّة واستعبادها؛
وإنّ السود في أمريكا اليوم هم أبناء أولئك المساكين، الذين سيقوا من بلدانهم
الأفريقيّة عبيدًا علی يد المستعمرين الغربيّين، اصطادوهم من بيوتهم، وحياتهم،
ومزارعهم، وبيئتهم؛ كما تصطاد الحيوانات، وشرّدوهم، وأجبروهم علی الأعمال الشاقّة.
وقد وقع هذا الأمر في جميع أنحاء العالم، في شبه القارّة الهنديّة، وفي آسيا القصوی
خلال العهود السوداء. أذلّوا عباد الله وخلقه، وظلموهم، وأفسدوا حياتهم فتراتٍ
طويلة بواسطة العلم الذي اكتسبوه وكان موهبة إلهيّة.
2-القنبلة النوويّة والأسلحة الفتّاكة
و بعد ذلك، صُنعت القنبلة الذريّة من خلال الصعود في سلّم العلم وبفضل
المعارف التي أحرزوها. وكلّ علم هو بمثابة درجة في سُلّم. حينما يصعد الإنسان علی
درجة من الدرجات، ستتوفّر له الفرصة والإمكانيّة لصعود الدرجة والدرجات اللّاحقة،
وهذا طبيعي أيضًا. وأُنتِجت الأسلحة الكيميائيّة، ودُمرت الأجيال، وفُجع النّاس
بأحبابهم، وصارت الدنيا ما تشاهدونه في الجغرافيا السياسيّة في العالم: تقسيم
العالم إلی طيفين، طيف جائر وآخر خاضع للجور، ظالم وخاضع للظلم، مع فوارق كبيرة
جدًّا. هذا ما وصلت إليه الجغرافيا السياسيّة في العالم، وكذلك الجغرافيا الثقافيّة
خلال العصور المظلمة الأخيرة.
الثورةُ الإسلاميّة نهضة إنسانيّة كبرى ضد نظام الظلم
العالمي
أعزّائي: كانت الثورة الإسلاميّة العظيمة لشعب إيران ثورة إنسانيّة كبيرة، ضدّ هذا
الواقع . كانت ثورتنا صرخة الإسلام. صرخة التوحيد، صرخة العدالة، نداء كرامة
الإنسان في هذا العالم الطافح بالظلم، الذي تتحوّل فيه النعم الإلهيّة والهدايا
الإلهيّة للإنسان إلی وسائل لقمع البشر. لقد قامت الثورة لمواجهة مثل هذا الواقع.
وإنّ الذين يوصون الشعب الإيراني ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، اليوم،
بالعودة إلى النظام العالمي، هم أنفسهم الذين أزعجهم وأقلقهم وجود مثل هذه الحركة
العظيمة، لدی هذا الشعب، وخصوصًا في مثل هذا الموقع الحسّاس. عودوا إلى النظام
العالمي وكونوا جزءًا منه، معناها: الاستسلام لهذا النظام اللاعادل. هذا ما يريدونه
من شعب إيران.
منذ ثلاثين عامًا، والشعب الإيراني يردّ علی هذا الطلب الجاهل، المجنون وغير
المنطقي، بكلمة "لا"، وبكلّ اقتدار وثقة بالنفس، واعتقاد صادق عميق بجذوره
الإيمانيّة. إنّ الضغوط التي فرضوها علی الشعب الإيراني، ونظام الجمهوريّة
الإسلاميّة، طوال الثلاثين سنة الماضية- هي من أجل الهبوط بهذه الثورة عن مكانتها
الرفيعة؛ وأصولها المعنويّة، والملكوتيّة، والإنسانيّة. طبعًا، من البديهي أنّهم لم
يستطيعوا ذلك ولن يستطيعوا. ﴿يريدون ليطفئوا نور الله
بأفواههم والله متمّ نوره ولو كره الكافرون﴾
1 . حينما يشرق نور الله؛ نور التوحيد والعدالة، والإحساس بشرف العبوديّة لله في
قلب شعب وأمَّة- فلن تستطيع أيّة يد إطفاءه.
الشباب حرّاس الثورة والهوية
أيّها الشباب الأعزّاء: أنتم حراس مثل هذه الحقيقة المقدّسة والهويّة السامقة،
فافخروا بها. وقد انبثق حرس الثورة الإسلاميّة، من صميم أطهر شباب هذا البلد، في
الأيّام الأولی للثورة. أنتم يا أعزّائي لم تدركوا تلك الأيّام. أولئك الشباب كانوا
في مثل أعماركم؛ شباب في العشرين والثامنة عشرة والثانية والعشرين من العمر، قد
أوجدوا حرس الثورة الإسلاميّة بعزيمة راسخة، وإرادة فولاذيّة، وإيمان شامخ فذّ.
وحضروا في ميادين الجهاد منذ الأيّام الأولى.
شنّ الأعداء الحرب المفروضة لإطفاء شعلة الثورة، لكنّ هذه الحرب نفسها، أدّت إلی
تصاعد أوار قوّة الثورة والروح الثوريّة. لقد استعاد هؤلاء الشباب الأعزّاء عظمتهم
في سوح الحرب، وقد انبجست ينابيع مواهبهم الداخليّة في قلوبهم الطاهرة النيّرة،
وخلقت منهم في فترة الشباب قادةً كبارًا ومجاهدين لا يعرفون التعب ورجالًا أصحاب
تدبير وتفكير؛ وإنَّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة مدينٌ لهم، ولسلوكهم إلی الأبد.
وأنتم أتباع طريق أولئك الأعزّاء، وأبدال أولئك السائرين الأوائل. حين يقال:
"كلّ يوم عاشوراء وكلّ أرض كربلاء"2
فمعنی ذلك أنّ الزمن يمضي، لكنّ الأحداث الجارية في حياة البشر وحقائق الخلقة، تبقی
كما هي. للبشر في كلّ عصر دور إذا ما مارسوه بشكلٍ صحيح، وفي اللحظة والزمن
المناسبين، فسوف يصلح كلّ شيء، وسوف تتقدَّم الأمم وتنتشر [القيم] الإنسانيّة.
الشعب الإيراني يتقدم بفضلكم وفضل من سبقوكم
هكذا فعل أولئك الشباب ومارسوا دورهم. وكانت النتيجة أنّكم ترون الشعب الإيراني
اليوم، وبعد مضي عقود علی تلك الأيّام، وبما جنته يداه وبفضل الجهود التي كانت
تتراكم وتتوالى، وبفضل توجيهات الإمام الخميني، التي ماثلت إرشادات وتوصيات
الأنبياء بحقّ، ترونه يفتح القمم الواحدة تلو الأخری، ويتقدّم إلی الأمام. تصوّروا
أيّام الحرب، لا سيّما السنين الأولی لها، وقلّة التجهيز العسكري، والسلاح، والشحّ
المالي والتجارب المتواضعة بين شباب الحرس والتعبئة؛ وقارنوها بالتقدّم الذي تحقّق
اليوم.. التقدّم العلمي والبحثي وتراكم التجارب.
إنّكم تتعلّمون في الجامعة، وتبنون أنفسكم فكريًّا وعمليًّا، وكذلك باللحاظ المعنوي
والروحي والإرادي، وتسيرون في طريق جدّ عظيم ومجيد؛ والجامعة هي هكذا مكان. فافخروا
بانتمائكم لهذه الجامعة وتخرّجكم منها. واحتسبوا هذا الأمر نعمة كبری من الله، وهي
كذلك فعلًا، وحافظوا عليها وتقدّموا إلی الأمام.
البلاد اليوم بحاجة إلى الشباب المؤمن أمثالكم
بلادكم بحاجة إلى الشباب المؤمنين. وشبابنا اليوم- بلطف الله وفضله، وعلى الرّغم من
مساعي الأعداء الدائمة التي تتركّز على الشباب غالبًا – قد يمّمُوا وجوههم إلى الله
والهداية الإلهيّة. شبابنا هم- رغمًا عن أنف العدوّ- شباب مؤمنون متديّنون. والشباب
المؤمن اليوم إن لم يكن متقدّمًا علی الشباب المؤمن في صدر الثورة - قبل ثلاثين
عامًا - فإنّه ليس بمتخلّف عنه. ذلك النور المتّقدم وتجربة الحرب المفروضة، التي
كانت فرصة لتفجّر المواهب، لو وُضِعت أمام أيّ جيل مميّز وموهوب فسيصنع المعجزات.
الأعداء يهابون روحيتكم الجهادية فلا تهابونهم
إنّكم اليوم في ساحة مختلفة. إنّكم في ميدان التّقدم العلمي، والروحي، والمعنوي،
وبناء الذات والبلاد، والاستعداد للدفاع. غالبًا ما يعيش الأعداء، أيْ: القوی
الاستكباريّة الكبری في العالم- وهم أعداء الشعوب والإنسانيّة والفضيلة وليسوا
أعداء الشعب الإيرانيّ فقط - بالتهديدات، ويمرّرون مشاريعهم باستعراض القوّة،
ويفرضون هيبتهم علی الشعوب، ويُقصونهم عن الساحة بهيبتهم. لا تخافوا هيبة القوی
الكبری. وإنّ هيبتكم المعنويّة في قلوبهم، لهي أكبر من هيبتهم الماديّة في قلوب
الشعوب. حينما تعتمدون علی إيمانكم واستعدادكم، وعلمكم، وحسن تدبيركم، وحساباتكم
الدقيقة وإدارتكم؛ وعندما تقدِّرون القيم العظيمة المنبعثة من صميم الثورة،
وتهتمّون بها، وتحافظون على إيمانكم بها- فسوف تتكوّن لكم في قلوب جميع الشعوب
]عظمة[ أبّهة، أكبر من أبّهتهم في قلوب الشعوب الغافلة. يعلم الأعداء اليوم أنّ
الشعب الإيراني، بهذا الشباب المؤمن، وهؤلاء الرجال الأشدّاء، والمسؤولين والساسة
الذين يفخرون بالتزامهم بالقيم، وهذا الرأسمال القيِّم- لا يهاب أيّ تهديد ولا أيّة
هيبة؛ هم يعلمون هذا.
كرسوا هيبتكم في نفوسهم بمضاعفة عبوديتكم لله
كرّسوا، بانتمائكم لمؤسّسة الحرس المهيبة الشريفة، هذه القناعة في قلوب الأعداء
أكثر فأكثر؛ ابنوا أنفسكم معنويًّا. وإنّ العبوديّة لله والخشوع أمام الله يوجبان
أن لا يخضع الإنسان لأيّ متعسِّف ومتغطرس. القلب الذي أدرك المهابة والعزّة
الإلهيّة يشعر في قرارة نفسه بعزّة، لا تستطيع مقاومتها حتّی أعتی القوی. ضاعفوا من
عبوديّتكم لله يومًا بعد يوم.
اللّهم، إنّي استودعك هؤلاء الشباب الأعزّاء، ومنظومة جنود الإسلام والقوّات
المسلّحة في الجيش، والحرس، والشرطة، والتعبئة، وهذه المجاميع المؤمنة. اللّهم أنزل
ألطافك وبركاتك عليهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1- سورة
الصف، الآية 8.
2- شعار انبثق من حركة الإمام الحسين (ع) وواقعة كربلاء؛
يعكس ديمومة حالة الصراع بين الحق والباطل على مدى الزمان وفي كلّ مكان، ويبدو أن
كربلاء وعاشوراء هي أبرز حلقات هذه السلسلة الطويلة. وإنّ الحق والباطل في مواجهة
مستمرة. وتقع على عاتق جميع الأحرار مهمة حراسة الحق ومجابهة الباطل.