لماذا يوجد النقص في العالم؟
شبهات حول القرآن الكريم
الكمال الإلهي لا حدود له بمعنى أنه مطلق وغير متناه ولا يمكن أن يطرأ أي نقص الى الذات الإلهية المقدسة ولذلك كان الفعل الإلهي فعلا كاملا لا عيب فيه
عدد الزوار: 245يثبت القرآن الكريم الصفات الكمالية لله تعالى وينفي عنه كل عيب ونقص ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾(الصافات - الآية – 180) فالكمال الإلهي لا حدود له بمعنى أنه مطلق وغير متناه ولا يمكن أن يطرأ أي نقص الى الذات الإلهية المقدسة ولذلك كان الفعل الإلهي فعلا كاملا لا عيب فيه فالله تعالى أحسن الخالقين وبما أنه تعالى كذلك فلا بد أن يكون خلقه محكما ومتقنا وهذا ما نشاهده في الخلق من حولنا من جهة دقة النظام الذي يحكم العالم ومدى اتقانه من أصغر الذرات إلى أكبر المجرات! فالكامل لا تتعلق ارادته بالنقص بل تتعلق بكمال الأشياء وهذا ما يمكن أن نطلق عليه صفة الحكمة التي تنفي كل لغو وعبثية في عملية الخلق وتكون نتيجة تلك الصفة هي "وضع الأمور في مواضعها"!
وهنا قد يطرح سؤال وهو إذا كان
الله تعالى كاملا لا نقص فيه وارادته حكيمة لا تتعلق بالنقص والعيب فكيف نفسر وجود
النقص والخلل في الأمرين التاليين:
الأول: مما لا شك فيه بحسب القران الكريم أنه لن يدخل جميع البشر الى الجنة
فهناك قسم منهم سوف يدخل الى النار وقد صرح القران الكريم بذلك ووصف متا يجري عليهم
من العذاب ومما لا شك فيه أن كمال البشر وسعادتهم ليست في النار بل إن سعادتهم
وسرورهم وكمالهم هو الدخول الى الجنة وهذا يعني أن دخولهم الى النار هو نقص فكيف
نقول أن الارادة الالهية لا تتعلق بالنقص وقد أدخلهم الله تعالى الى النار بأمره؟
ونحن هنا لا نريد أن ننفي مسؤولية البشر عن أعمالهم وأن دخولهم الى النار كان بسبب
تقصيرهم وعصيانهم ولكن هذا الأمر لا يحل الاشكال حول تعلق الارادة الالهية بايجادهم
وادخالهم الى النار!
الثاني: اذا كان الله تعالى أحسن الخالقين وخلق الانسان في أحسن تقويم كيف
نفسر وجود الخلل والنقص في بعض المخلوقات من قبيل التشوه والجنون والشلل وغيرها
فمما لا شك فيه أن هذه الأمور ليست كمالا بل هي نقص واضح فإذا كانت ارادة الله
تعالى لا تتعلق الا بالكمال فكيف نفسر تعلق الارادة الالهية بايجادهم بهذا الشكل
الذي فيه خلل واضح وبين؟
الاجابة عن الاشكالين:
ان الله تعالى جميل ولا يصدر عن الجميل الا الجمال وهو خير لا شر فيه وكمال لا
نقص فيه لذلك فإن الارادة الإلهية لا تتعلق الا بالكمال كما ذكرنا أما بالنسبة الى
قضية النقص والخلل وتعلق الارادة الالهية به فيمكن تصوره بنحوين أحدهما يثبت
الاشكال والآخر ينفيه وسوف نستعرض كلا التصورين ثم نبين التصور الصحيح:
التصور الأول هو أن نعتقد بأن الإرادة الإلهية تعلقت بالأصل بدخول قسم من
البشر الى النار وبدخول القسم الآخر الى الجنة وبعبارة أخرى أن الارادة الإلهية
تعلقت بكمال بعض البشر وبنقص البعض الآخر كأن نقول مثلا إن الله تعالى خلق البشر
ليدخل قسم منهم الى الجنة وقسم منهم الى النار أو أن نقول فيما يتعلق بالاشكال
الثاني أن الله تعالى أراد أن يخلق قسما من البشر وهو الأغلب بأفضل هيئة وأحسن
تقويم وأن يخلق القسم الآخر وهو الأقل مع عيوب وتشوهات خلقية!!
التصور الثاني يختلف عن التصور الأول بشكل جذري من خلال الاعتقاد أن الارادة
الإلهية في الأصل قد تعلقت بكمال البشر وليس بالنقص والخلل ففي المثال الأول (دخول
قسم من البشر الى النار) نقول أن الله تعالى أراد أن يخلق البشر للسعادة والكمال
والجنة وليس من أجل الجنة أو النار كما هو في التصور الأول!كلا ليس الأمر على هذا
النحو،فحين يسأل شخص ما لماذا خلق الله البشر يكون الجواب أن الله خلقهم للسعادة
والكمال والجنة وليس هناك هدف آخر وراء خلق البشر غير السعادة فالبشر بحسب التصور
الثاني خلقوا للسعادة والسعادة فقط! وكذلك فيما يتعلق بالاشكال الثاني فإن الله
تعالى أراد أن يخلق كل البشر في أحسن تقويم دون خلل ونقص وليس كما ذكرنا في التصور
الأول أنه تعالى أراد أن يخلق قسما من البشر بحالة تشوه وشلل وجنون وعيوب خلقية!
كلا فالإرادة الإلهية الأصيلة تعلقت بوجود البشر كل البشر في أحسن تقويم!
محاكمة التصورين:
التصور الأول يعتبر أن الله تعالى قد صمم العالم بشكل يكون فيه الخلل والنقص
والعيب ويجيب عن اشكال تعلق الارادة الالهية بهذه الأمور على الشكل التالي : أن
الارادة الالهية تعلقت بتلك الأمور من أجل مصلحة معينة! ففي مجال التشوهات والعيوب
يقول أنه صحيح أن هؤلاء الأشخاص قد فقدوا كمالا معينا من الناحية الخلقية ولكن الله
تعالى فعل بهم ذلك لمصلحة معينة وفي حال تم قياس ما سوف يحصلون عليه من الأمور
المعنوية بما فقدوه من الأمور المادية فالنتيجة والحصيلة النهائية هي أن الارادة
الالهية تعلقت بكمالهم وليس بنقصهم فحالتهم تشبه من يحرم نفسه من الطعام والشراب من
خلال الصوم لأجل الحصول على ما هو أهم وأرقى منهما وهو التقوى فحين نقارن خسارة
الطعام والشراب بربح التقوى فإن النتيجة النهائية ستكون الربح لا الخسارة والكمال
وليس النقص! من الطبيعي أن هذا التصور يحمل العديد من الاشكالات من قبيل أنه لماذا
اختار الله هؤلاء الأشخاص من بين البشر دون سواهم؟ وكيف نحل اشكالية خسارة بعض
هؤلاء الأشخاص لآخرتهم فيكونوا قد خسروا الدنيا والآخرة؟ وإذا كانت تلك الخسارة
توجب الربح فلماذا حرم غيرهم من تامي الخلقة من هذه الفرصة؟!
التصور الثاني يعتبر أن الله تعالى أراد عالما دون خلل ودون نقص وعيب وقد
أوجد البشر للسعادة والكمال ويجيب عن اشكالية دخول بعض البشر الى النار على الشكل
التالي:
إن الرحمة الإلهية واسعة ومطلقة فهي تسع كل شيء دون أي استثناء بمعنى أن الرحمة
الإلهية لا تضيق على البشر أو الجن منذ بدء الخلق الى نهايته حتى لو كان هناك عوالم
أخرى وبشر آخرون فإن الرحمة الإلهية تسعهم ولا تضيق عليهم ذلك لأن الرحمة الإلهية
مطلقة غير متناهية وغير محدودة، و يقول أصحاب هذا التصور أنه في نفس الوقت الذي
تكون فيه الرحمة الإلهية مطلقة وتسع الجميع دون استثناء فإن تلك الرحمة ليست
بالإجبار بل هي بالاختيار بمعنى أن الله تعالى يرحم من يريد الرحمة ويغفر لمن يريد
المغفرة أما من لا يريد الرحمة والمغفرة فلن ينالهما رغم سعتهما لا لضيقهما بل لعدم
استحقاقه لتلك الرحمة وتلك المغفرة بسبب عدم رغبته بهما.