توفيق الدين بين الإيمان بالله تعالى وبين مسؤولية الإنسان
شبهات حول الدين
الإنسان بحسب النظرة القرآنية هو خليفة الله سبحانه وتعالى الذي أوكل إليه أمر إصلاح العالم ومحاربة الفساد والمفسدين وايجاد المناخ
عدد الزوار: 203
الإنسان بحسب النظرة القرآنية هو خليفة الله سبحانه وتعالى الذي أوكل إليه أمر
إصلاح العالم ومحاربة الفساد والمفسدين وايجاد المناخ والبيئة الملائمة لنمو
القدرات الانسانية الفكرية والعقلية والوجدانية وتربية كافة الأبعاد الانسانية
الأخرى! وهداية الله تعالى للبشر لا تتم من خلال موجود آخر غيرهم فالمربي والمعلم
والمرشد والقدوة يجب أن يكون منهم وهذا هو معنى النبوة فالنبي لا يمكن أن يكون من
غير البشر لأنه لا يوجد أي موجود يمكن أن يكون أقرب الى الله منهم ! كذلك فإن دفع
الظلم والفساد والإجرام بحسب النظرة القرآنية هو بالبشر أيضا أي أن الله يدفع
المفسدين بالصالحين ولن تأتي قوة أخرى من خارج البشر لتحل مكانهم في دفع الظلم
والفساد وحين يتقاعس قريق يستبدل الله تعالى بهم فريقا آخر! هذا هو أحد معاني
الخلافة الإلهية التي يتحملها الإنسان! والسؤال هو هل يوجد مسؤولية أكبر وأعظم من
هذه المسؤولية وهل هناك دور أكبر من هذا الدور وهل هناك كرامة وشرف أعلى من أن يكون
الانسان خليفة لله تعالى ؟!
والسؤال المطروح كيف يوفق الدين بين اعتبار الانسان خليفة لله تعالى ومسؤولا عن
اصلاح الكون وبين ضرورة العبودية لله تعالى ؟ألا يوجد تناف بين الأمرين؟ فمن جهة
فإن العبودية لله تعني التقييد ووضع الحدود ومن جهة أخرى فإن الخلافة تعبر عن دور
هام وقد يستنتج البعض أن خلافة الإنسان لله تعالى هي كخلافة العبد لسيده في حال
غيابه وبعبارة أخرى فإن الخلافة أمر شكلي لا أكثر وحقيقة الأمر أن على الإنسان أن
ينفذ أمر سيده في أدق التفاصيل وكل ما في الأمر أننا نطلق عليه صفة الخليفة ولكنه
الخليفة العبد لا الخليفة السيد وهذا لا يحل أصل المشكلة!
إن حل المشكلة يقتضي أن نفهم العبودية لله التي يطرحها الدين بشكل صحيح بعيدا عن
التأثيرات الناتجة من سوء النوايا تجاه الدين والتي تفسر العبودية لله بشكل يلغي
دور الإنسان بشكل شبه كامل! ونحن ندعي أن العبودية لله هي من أهم أسباب التكامل
والرقي على مختلف المستويات فالعبودية لله تعالى تعني عدم الخضوع لأي موجود أرضي أو
سماوي وتعني أن الجهة الوحيدة التي يخضع لها الانسان هي خالق الوجود فنظرة الدين
الى الإنسان أنه الموجود الأرقى والأشرف والأكرم على الله تعالى تقتضي أن يتحرر
الإنسان من الخضوع لأي موجود آخر فمشكلة البشرية هي في الخضوع لموجودات أخرى تعتبر
من ناحية الرتبة أقل وأدنى من رتبة البشر كالخضوع للشمس أو القمر أو الكواكب أو
الأرواح أو الجن والشياطين أو الملائكة أو الأصنام التي تعبر عن تلك الأرواح
والموجودات أو الخضوع للمساوي كخضوع البشر بعضهم لبعض إن العبودية لله تعالى تعني
عدم المحدودية وعدم التقييد للإنسان من خلال منعه من الخضوع لمن هو في رتبته أو من
هو أقل رتبة منه إن العبودية لله تعالى تخرج الإنسان من عبادة العبيد الى عبادة
خالقهم ومن الخضوع للمحدود الى الخضوع للمطلق فهي تحرر الإنسان من كل قيد وخضوع
وعبادة حتى من عبادة نفسه من خلال الخضوع لرغباته المتدنية وشهواته أو حتى أن يكون
أسيرا لأفكاره الغير ناضجة فالدين يريد تحرير الانسان من الداخل والخارج من عبادة
الطاغوت ومن عبادة الهوى هذا هو معنى العبودية لله تعالى.
وقد يقال أنه ما الفرق بين الخضوع لله والخضوع لغيره فالخضوع خضوع والعبودية عبودية
سواء كانت لله تعالى أم كانت لغيره ؟
والجواب أن العبودية لمن ليس له أي حاجة وأي نفع وأي غرض تختلف عن العبودية لغيره
ولو كان النفع يصل الى الله تعالى من عبادتنا لما استحق تلك العبادة لأنه سيكون
حينها محتاجا والإنسان بطبيعته الصافية الأصيلة لا يعبد المحتاج لذلك فإن العبودية
هي لنفع الإنسان وليست لنفع الله تعالى وبالتالي فإنها تعتبر من أهم العوامل التي
تساعد الإنسان على أداء دور الخلافة بشكل نزيه بعيد عن الخضوع لقوى الداخل والخارج.
والخلاصة فإن العبودية لله تعالى لا تقيد القدرات الفكرية والإبداعية عند الإنسان
بل إن المدعى هو أن أعلى مستوى من الإبداع لدى البشر على كافة المستويات سيتم في
الأجواء التي توفرها الدولة الدينية من خلال المصلح العالمي الديني .
وكذلك فإنها تمنع الانسان من التسلط على أخيه الإنسان كما تمنعه عن الخضوع له,
وكذلك فإنها تمنع الإنسان أن يكون أسيرا لشهواته ومطلق العنان في حريته بشكل يؤدي
إلى تقييد حرية الآخرين واستعبادهم .وبعبارة مختصرة العبودية لله توجه الإنسان نحو
المطلق حتى لا يغرق في ظلمات المادة المحدودة فهو خليفة لله ولأنه خليفة لله كان لا
بد أن لا يخضع لمن هو دون الله تعالى وأن يخضع لله تعالى دون سواه.