يتم التحميل...

الأخلاق والحبّ

فكر الشهيد مطهري

هناك فصلاً في الإسلام يوجب الإقلال من الاهتمام بالماديّات، وهو فصل التربية والأخلاق، فإنّ سائر المدارس التربويّة تقول أيضاً: إنّ التربية الاجتماعيّة، ولغرض إعداد البشر لحياة اجتماعيّة،

عدد الزوار: 193

هناك فصلاً في الإسلام يوجب الإقلال من الاهتمام بالماديّات، وهو فصل التربية والأخلاق، فإنّ سائر المدارس التربويّة تقول أيضاً: إنّ التربية الاجتماعيّة، ولغرض إعداد البشر لحياة اجتماعيّة، ينبغي العمل على أن تكون للأفراد أهداف معنويّة يتوجّهون إليها بأكثر ممّا يتوجّهون نحو الماديّات، إذ إنّ نار الحرص والطمع إذا اشتدّ لهيبها فهي فضلاً عن كونها لا تستطيع أن تكون سبباً في العمران الاجتماعي، فإنّها، على العكس من ذلك تُسبّب الفساد الاجتماعي وخرابه.

ومن حيث بلوغ السعادة، على الفرد ألا يكون مفرطاً، كما هي حال بعض الفلاسفة فيقول: إنّ السعادة والهناء في الزهد في كلّ شيء وتركه، بالرغم من أنّ طبيعة الاستغناء وعدم الاهتمام واحدة من الشروط الأولى للسعادة.

هنا ترانا بحاجة إلى توضيح آخر، لعلّ الذي ذكرناه عن الحيلولة دون حصر العلائق البشريّة بالماديّات، يحمل بعض الناس على الظنّ الواهم بأنّ علينا أن نُحبّ الله وأن نُحبّ الدّنيا، أن نجعل المادّة هي المطلوب الأكمل وكذلك المعنى، وهذا ضرب من الشرك، كلّا، ليس هذا هو المقصود، المقصود هو أنّ الإنسان يملك عدداً من الميول والنزعات الطبيعيّة نحو بعض الأشياء، وهي ما أوجده الله بحكمته في الإنسان قاطبة بما فيهم الأنبياء والأولياء الذين كانوا يشكرون الله ويحمدونه عليها، وهي ما لا يُمكن إزالتها، وحتى لو أمكن أن تُزال، فليس ذلك من صلاح البشر.

إنّ للإنسان تطلّعاً آخر وراء هذا الميول والعواطف، إنّه يتطلّع إلى الكمال وإلى المثال، غير أنّ الدنيا والماديّات ينبغي ألّا تظهر بصورة المثال والكمال المطلوب. فالحبّ المذموم هو هذا الحبّ، إنّ الميول والعواطف إنْ هي إلّا لون من ألوان الاستعداد في البشر، وهي له بمنزلة وسائل للعيش. أمّا الاستعداد لبلوغ الكمال المطلوب فهو استعداد خاص ينبع من العمق الإنساني وجوهره ويختصّ بالإنسان. لم يأت الرسل لإزالة الميول والعواطف ولردم منابعها، بل جاؤوا ليُزيلوا عن الدنيا والماديّات صورة الكمال المطلوب، وليُظهروا الله والآخرة في صورة الكمال المطلوب.

يريد الأنبياء أن يحولوا دون الدنيا والماديّات، والخروج من مكانتها الطبيعي، أي منع هذه الميول والعواطف - وهي نوع من رابط طبيعي بين الإنسان والأشياء - من أن تُغيّر مكانها لتنتقل إلى ذلك المكان المقدّس، القلب، مركز وجود الإنسان وكيانه، وموضع انجذابه نحو اللامتناهي، بحيث تمنعه من التحليق نحو الكمال اللامتناهي.

إنّ قول القرآن الكريم: ﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ1 ليوحي إلى أنّ المرء إمّا أن يتعلّق بالله، أو بغير الله من زوج وبنين ومال وغير ذلك، إنّ على الناس أن يكون لهم هدف أعلى واحد. إنّ الهدفين اللذين لا يُمكن الجمع بينهما هما الله والماديّات الدنيويّة، وإلّا فإنّ التعلُّق الصرف بعدد الأمور في وقت واحد أمر متيسّر وواقع.

* الكتاب: الإنسان والحياة، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- سورة الأحزاب، الآية 4.

2016-12-27