خلق الانسان بين العلوم التجريبية والقرآن الكريم (3)
شبهات حول القرآن الكريم
تعرضنا في المقالة السابقة الى مقطع من هذه الآية المباركة حول خلق النطفة علقة وبينا المعاني اللغوية لكلمة علقة وكذلك عدم وجود تعارض بين تلك المعاني وبين ما توصل اليه العلم وسوف نتعرض في هذه المقالة الى المقطع الثاني
عدد الزوار: 207
﴿فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَام﴾(سورة
المؤمنون،الآية:14) تعرضنا في المقالة السابقة الى مقطع من هذه الآية المباركة حول
خلق النطفة علقة وبينا المعاني اللغوية لكلمة علقة وكذلك عدم وجود تعارض بين تلك
المعاني وبين ما توصل اليه العلم وسوف نتعرض في هذه المقالة الى المقطع الثاني من
الآية المباركة وهو حول خلق العلقة مضغة وخلق المضغة عظاما حيث طرحت عدة إشكالات
حول الآية من قبيل الاعتراض على بعض التفاسير التي فسرت كلمة مضغة بطريقة لا تنسجم
مع ما توصل اليه العلم فما هو معنى كلمة مضغة ؟ وهل هناك أي اختلاف بين نتائج
العلوم ومضمون الآية المباركة؟
ذكرنا سابقا هو أن الغرض من هذه المقالات ليس الخوض في غمار البحث العلمي التخصصي
وليس الغاية أيضا أن نستخرج النظريات العلمية من الآيات المباركة بل الغاية هي
اثبات عدم وجود أي اختلاف أو تعارض وتناقض بين نتائج العلوم وبين مضامين الآيات
الكريمة.
معنى كلمة مضغة
تستخدم كلمة مضغة في لغة العرب بعدة استخدامات:
- قطعة لحم صغيرة بقدر لقمة
- قطعة لحم ممضوغة
- الشيء الحقير أو صغار الأمور
- الجراح التي لا دية لها
- القلب
- الانسان اذا صار موضع انتقاد وسوء
- الشيء المهيء للمضغ
- كما أن كلمة مضيغة تستخدم للدلالة على كل لحم على عظم كالعظم الناتىء في الحنك
وأصل الأضراس في اللحي
يمكن ملاحظة القاسم المشترك بين العديد من هذه المعاني وهو الصغر والحقارة وهذا
يشمل الجراح التي لا دية لها فإنما لا دية لها بسبب صغرها وكذلك بالنسبة للقلب فهو
نسبة الى الجسم قطعة صغيرة تشكل 0،5% من وزن الجسم وقد ورد استخدام كلمة مضغة بمعنى
القلب في رواية للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله (أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ
مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ
الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ) وواضح أن المراد الاشارة الى أهمية
القلب رغم صغره ولذلك استخدم كلمة مضغة وكذلك الانسان الذي يصير موضعا للانتقاد
والسوء فذلك بسبب هوانه على الناس وصغره في أعينهم فإحدى الاستفادات التي نستفيدها
من تعبير القران الكريم بكلمة مضغة هو أن الغاية من استخدام كلمة مضغة هي تذكير
الانسان بالمادة التي نشأ منها وبالكيفية التي خلق فيها وهذا ديدن الكتاب الكريم
حيث يركز القرآن في إطار تربيته للإنسان على هذه القضية لمنعه من التكبروالخروج عن
دائرة العبودية لله تعالى من قبيل قوله تعالى:
﴿أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ
أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئً﴾(مريم:67) وقوله تعالى:
﴿أولم
ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين﴾(يس:77) وكذلك قوله تعالى:
﴿هَلْ
أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا
مَذْكُورً﴾(الإنسان:1) وفي سورة القيامة يقول تعالى:
﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن
مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ﴾ القيامة وكذلك الآية مورد حديثنا أيضا حيث تذكر الإنسان
بالمراحل التي مر فيها من نطفة الى علقة الى مضغة قبل أن ينشؤه الله تعالى خلقا
آخر.
واستفادة هذا المعنى لا تمنع من استفادة معنى آخر من كلمة مضغة فيما لو أثبت العلم
ذلك كالقول أن الشكل الذي يتخذه تكوين الجنين في مرحلة من مراحله يشبه اللقمة التي
مضغت وكذلك يمكن أن تكون الآية اشارة الى بدء مرحلة تكون العظام حيث يبدأ تشكل
العظام لدى الجنين وهو ما يناسب المعنى الأخير الذي أشرنا اليه من معاني كلمة مضغة
أو مضيغة... أو استفادة أنه كما أن الطعام الممضوغ يوصل الغذاء الى الانسان فيتحول
إلى دم يجري في جسده ويؤدي الى النمو وتغذية الأعضاء فإن الجنين يمر في مرحلة من
مراحله بمرحلة المضغة وهي مرحلة أساسية تتكون فيها عظام الجنين ومختلف الأجهزة
كجهاز الدورة الدموي وغيره وبقية الأعضاء الأساسية كما أنه يمكن تفسير المضغة
بالقلب حيث يبدأ قلب الجنين بالنبض في مراحله الأولى وقد عرفت أن أحد معاني المضغة
هو القلب اضافة الى استفادات أخرى لم نذكرها بسبب كون هذا البحث ليس بحثا علميا في
موضوع الجنين ولذلك ابتعدنا عن التفاصيل العلمية والطبية المتعلقة بهذا الموضوع
واكتفينا بالغاية من هذه المقالة وهي اثبات عدم وجود اختلاف بين القرآن الكريم
والعلم كما عرفت ولا نريد أن نفرض على العلم تفسيرا معينا لكلمة مضغة بل ننتظر ما
تقرره الأبحاث العلمية كما أنه لا يحق لأرباب العلوم أن يأخذوا أحد معاني كلمة مضغة
ويهملوا سائر المعاني لاثبات وجود اختلاف بين القران الكريم وما يقرره العلم.