يتم التحميل...

خلق الانسان بين العلوم التجريبية والقرآن الكريم (1)

شبهات حول القرآن الكريم

تعرضنا في المقالة السابقة الى مجموعة من العناوين المتعلقة بدعوى وجود تناقض بين القرآن الكريم وبين العلوم التجريبية وبينا استحالة وجود تناقض بين القرآن

عدد الزوار: 61

دعوى التناقض بين القرآن الكريم والعلم

تعرضنا في المقالة السابقة الى مجموعة من العناوين المتعلقة بدعوى وجود تناقض بين القرآن الكريم وبين العلوم التجريبية وبينا استحالة وجود تناقض بين القرآن باعتباره كتاب الحق وبين الحقائق الكونية أو التاريخية أو مطلق أي حقيقة وتحدثنا عن محاولة البعض الباس القرآن الكريم لباس المادة وميزنا بين ما يقوله نفس القرآن الكريم وبين ما يتبرع به لعض المفسرين الغير مختصين بالقضايا العلمية وسوف نتعرض الى مجموعة من الايات الكريمة في عدة مقالات يدعي الملحدون وجود تناقض صريح بينها وبين نتائج العلوم التجريبية وسنتحدث في هذه المقالة عن خلق الإنسان:

- خلق الانسان:
قال الله تعالى متحدثا عن خلق الانسان ﴿خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ( الطارق: 6-7) ثم يقول في آية أخرى ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً (سورة المؤمنون، الآية:14) الى أن يقول في نفس السورة ﴿فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمً وقد تحدث القرآن الكريم في آية أخرى عن المرحلة التي تسبق هذه المراحل في قوله تعالى ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (السجدة، الآية:7) وقد وردت جملة من الاعتراضات حول مخالفة هذه الآيات الكريمة لما توصلت اليه العلوم منها:
- ماء الرجل لا يخرج من بين الصلب والأضلاع
- وصف الانسان بالعلقة والعلقة هي الدم المتجمد
- كسوة العظام باللحم مع أن الانسان يكون لحما قبل أن يكون عظما
- خلق الانسان من طين حيث أن الطين فيه مادة السيليكا يصنع منها الزجاج بينما المادة العضوية في الإنسان من الكربون وهو يأتي من النباتات التي تأخذه من الهواء وبعد موت الإنسان تتحول المادة العضوية إلى غاز ثاني أكسيد الكربون من خلال البكتيريا.

وسوف نتناول كل واحد من الاعتراضات ونتحدث عنها بشيء من التفصيل ونبدأ بالاعتراض الأول هو خروج ماء الرجل من بين الصلب والترائب: قال تعالى ﴿خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (الطارق: 6 – 7)

- تفصيل الاشكال:
بحسب التفاسير فإن الآية نسبت خلق الانسان الى الرجل (ماء الرجل) وهذا يعني أنه لا يخلق من ماء المرآة مع أن المعروف طبيّاً أن اتحّاد البويضة داخل الرحم مع نطفة واحدة من الرجل هو من يكوّن الجنين هذا أولا!

ثانياً تقول الآية أن ذلك الماءيخرج من الترائب ومن المعروف أنه لا ماء الرجل ولا ماء المرأة يتكوّن من المنطقة الصدرية أي الأضلاع (الترائب )!!

جواب الإشكال:
بداية نذكر بعض الآراء الكثيرة للمفسّرين بخصوص المراد من "الصلب والترائب" الواردة في الآية المباركة.

1- "الصلب" إشارة إلى الرجال، و"الترائب" إشارة إلى النساء، لأنّ في الرجال مظهر الصلابة، وفي النساء مظهر الرقة واللطافة. وعليه، فالآية بصدد ذكر حيمن الرجل وبويضة المرأة، ومنهما تتشكل نطفة خلق الإنسان.

2- "الصلب" إشارة إلى ظهر الرجل، و"الترائب" إشارة إلى صدره، فيكون مراد الآية نطفة الرجل التي تقع ما بين ظهره وصدره.

3- إرادة، خروج الجنين من رحم اُمّه، لأنّه يكون بين ظهرها والجزء الأمامي لبدنها.

4- إنّ في الآيتين سرّاً من أسرار التنزيل، ووجهاً من وجوه الأعجاز، إذ فيهما معرفة حقائق علميّة لم تكن معروفة حينذاك وقد كشف عنها العلم أخيراً.
وإذا رجعنا إلى علم الأجنة وجدنا في منشأ خصيّة الرجل ومبيض المرأة ما يفسر لنا هذه الآيات، التي حيرت الألباب، فقد ثبت أن خصيّة الرجل ومبيض المرأة في بداية ظهورهما في الجنين يقعان في مجاورة كلية الجنين، أي بين وسط الفقرات (الصلب) والاضلاع السفلى للصدر (الترائب) ثمّ مع نمو الجنين ينتقلان تدريجياً إلى الأسفل، وبما أن تكون الإنسان يمثل تركيباً من نطفة الرجل والمرأة والمحل الأصلي لجهاز توليد النطفة فيهما هو بين الصلب والترائب، أختار القرآن لذلك هذا التعبير. وهذا ما لم يكن معروفاً حينذاك.
وبعبارة اُخرى: إنّ كلّ من الخصيّة والمبيض في بدء تكوينهما يجاور الكلي ويقع بين الصلب والترائب، أي ما بين منتصف العمود الفقري تقريباً ومقابل أسفل الضلوع تفسير المراغي، ج30، ص113.
ويشكل على هذا التّفسير بـ: إنّ القرآن إنّما يقول: (ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب)، فهو يمرّ من بينهما حال الخروج، في حين لا يقول التّفسير المذكور ذلك، ويشير إلى محل توليده بينهما أثناء النمو الجنيني، بالإضافة إلى أنّ تفسير "الترائب" بأسفل الضلوع لا يخلو من نقاش.

5- مراد الآية، هو المني، لأنّه في الحقيقة مأخوذ من جميع أجزاء البدن، ولذا عندما يقذف إلى الخارج فإنّه يقترن مع انفعال وهيجان البدن كلّه وبعده فتور البدن بأجمعه، فيكون مقصود "الصلب" و"الترائب" في هذه الحال تمام قسمي بدن الإنسان، الإمامي والخلفي.

6- وقيل أيضاً: إنّ المصدر الأساس لتكوين المني هو النخاع الشوكي الواقع في ظهر الإنسان، ثمّ القلب والكبد، فالأوّل يقع تحت أضلاع الصدر، والآخر بين المكانين المذكورين، وعلى هذا الأساس قالت الآية).: من بين الصلب والترائب(
ويكفينا الرجوع إلى الآيات المبحوثة لدفع الغموض الحاصل، فالآيات تشير إلى ماء الرجل دون المرأة ، بقرينة "ماء دافق"، وهذا لا يصدق إلاّ على الرجل، وعليه يعود الضمير في "يخرج".

وعليه، فينبغي إخراج المرأة من هذه الدائرة - وهذا لا يعني بتاتا عدم وجود أي دور للمرأة كما ذكر في الإشكال فحين يشير القرآن الكريم الى تأثير عامل معين في شيء لا يعني إنكار دور بقية العوامل- ، ليكون البحث منصباً على الرجل فقط، وهو المشار إليه في الآية.

و"الصلب والترائب" هما ظهر الرجل وقسمه الأمامي - وليس بالضرورة الأضلاع تحديدا كما ذكر في الاشكال- ، لأنّ ماء الرجل إنّما يخرج من هاتين المنطقتين.

وهذا التّفسير واضح، خال من أيّ تكلف، ينسجم مع ما ورد في كتب اللغة بخصوص المصطلحين.

ولا يوجد أي اختلاف بين ما يقرره العلم وما تتحدث عنه الآية المباركة كما يحاول البعض إيهام القارئ بذلك.

كما ويمكن أن تكون الآية قد أشارت إلى حقيقة علمية مهمّة لم يتوصل إلى اكتشافها بعد، وربّما المستقبل سيكشف ما لم يكن بالحسبان.


* تفسير الأمثل، آية الله ناصر مكارم الشيرتزي بتصرف.

2016-11-17