من خلق الله؟
شبهات حول الدين
إذن العقل يحتم علينا أن يكون هناك مبدأ للوجود كنقطة بداية ورأس هرم للوجود دون أن يكون وجوده متعلق ومفتقر إلى موجود آخر!
عدد الزوار: 399
تدور في ذهن الانسان الكثير من
الأسئلة حول العديد من القضايا من قبيل الأسئلة المتعلقة بالعالم والانسان وسائر
المخلوقات وتتكفل العلوم المختلفة بإيجاد أجوبة مناسبة لتلك التساؤلات. ومن بين هذه
الأسئلة يهتم الانسان بالأسئلة ذات الطابع الديني والتي تتعلق بقضايا المصير والتي
يحتاج الانسان لإيجاد إجابات شافية حولها ليتخلص من القلق والاضطراب المتعلق
بمصيره، وقد يظن البعض أن بعض تلك الأسئلة لا يوجد إجابات حولها أو أن الإجابات
المطروحة غير مقنعة في الكثير من الحالات فيتخذ موقفا سلبيا من مجمل القضايا
الدينية، وبغض النظر عن أن الانسان مطالب بالبحث عن تلك الاجابات المقنعة والواضحة
ولا مبرر له للاعراض عن مجمل الدين بسبب عدم تحصيله لبعض الإجابات خصوصا أنه لا
يتصرف بهذا الشكل مع بقية العلوم الطبيعية وغيرها، إلا أن الدين قد ابتلي ببعض
الأشخاص والفرق التي تقدم إجابات أقل ما يقال عنها أنها لا تتسم بالطابع العلمي.
ومن بين تلك الأسئلة المطروحة السؤال حول علة وجود الله والشائع على ألسنة الناس ب
"من خلق الله" ويقدم هذا السؤال من قبل الملحدين على أنه من الأسئلة التي لا يوجد
إجابة عنها ويستفيدون من هذا الإدعاء ليقولوا أنه بما أنكم تقبلون وجود خالق غير
مخلوق فلتكن المادة هي الخالق الغير مخلوق وبعبارة أخرى كيف تريدون منا أن نقبل أن
الله لا خالق له ولا تقبلون منا أن المادة لا خالق لها وإذا كان لا بد من وجود شيء
غير مخلوق فليكن المادة وليس الله!
فهل صحيح أن سؤال "من خلق الله" لا جواب له ؟وعلى هذا الفرض فما الفرق بين القول أن
المادة لا خالق لها وبين القول أن الله لا خالق له؟وهل يمكن أن تكون المادة هي
المبدأ لوجود العالم؟
إن الاجابة عن الأسئلة الدينية تختلف بحسب مستوى المخاطب فتارة يتم الاجابة عن
السؤال بطريقة تناسب العوام من الناس وتارة يطرح السؤال من قبل بعض اهل التخصص في
العلوم المختلفة وبما أن سؤال "من خلق الله" مطروح من قبل مختلف المستويات فسنقدم
الاجابات المبسطة ومن ثم نتبعها بالاجابات المعمقة (في هذه المقالة وفي مقالات
لاحقة) لارضاء كافة الأذواق العلمية بحسب المستطاع.
إجابة خاطئة: إحدى الاجابات الخاطئة على السؤال هي "أن الله خلق نفسه بنفسه" وهذه
الاجابة اضافة الى انها اجابة ساذجة فهي تعتبر أن الله مخلوق كغيره من المخلوقات
ولكن الله خلق نفسه بنفسه!
الاجابة على السؤال: إن سؤال من خلق الله يتضمن فرضية أن الله مخلوق ليكون له خالق
وإلا كيف يكون له خالق إن لم يكن مخلوقا وكما سوف نوضح بعد قليل أنه ليس كل موجود
مخلوق! فالله موجود ولكنه غير مخلوق حتى نسأل عن علة خلقه. على كل فلو فرضنا أن
الله له خالق فسوف ينتقل السؤال الى خالقه فنقول من خلق خالقه ثم ينتقل السؤال الى
خالقه وهكذا دواليك،فكلما وجدنا اجابة طرح سؤال من خلق ذاك الخالق و... وهذه
العملية تسمى التسلسل وهي مرفوضة بمنطق العقل ونتيجتها العملية هي عدم وجود العالم
وبتاقي الموجودات لأن وجود العالم متوقف على وجود خالق ووجود خالق متوقف على وجود
خالق وهكذا ف‘ذا لم يكن هناك رأس هرم للوجود فلن يكون هناك وجود لأي موجود على
الإطلاق والأمر يشبه قولنا لطلاب الصف اخرجوا من غرفة الصف الى الملعب شرط أن لا
يخرج أخد قبل أن يخرج قبله أحد آخر!
إذن العقل يحتم علينا أن يكون هناك مبدأ للوجود كنقطة بداية ورأس هرم للوجود دون أن
يكون وجوده متعلق ومفتقر إلى موجود آخر!
وهنا يطرح البعض اشكالا وهو أننا سلمنا بضرورة وجود خالق غير مخلوق وغير مفتقر الى
موجود آخر ولكن العقل لا يحتم علينا أن يكون هذا الموجود هو الله فلنقل أنه المادة
بدلا من أن نقول أنه الله!فتكون المادة هي نقطة البداية ورأس الهرم ويصبح جوابنا
على سؤال من خلق المادة أنه لو فرضنا أن لها خالقا ولخالقها خالق يوقعنا في مشكلة
التسلسل!
للاجابة عن هذا الاشكال ينبغي أن نتصور المسألة تصورا صحيحا بمعنى هل أن نقطة
البداية ورأس الهرم الذي نحتاجه لفهم وتفسير الوجود هو مجرد رقم لا خصائص له من
قبيل البحث عن شخص للقيام بمهمة ما ويسد الفراغ بغض النظر عن ذلك الشخص كمن يريد أن
يملأ منصبا شاغرا لوظيفة في الشركة ولا يهمه أي شيء سوى أن يتم سد هذا الفراغ بغض
النظر عمن يسده وعن صفاته وخصائصه؟ إن هذا التصور في غاية السذاجة فالقول بالعلة
الأولى ونقظة البداية ورأس الهرم يحل لغز الوجود وهذا ما لا يمكن أن يتحقق من خلال
اعتبار أن المادة هي رأس الهرم فالمادة لا تصلح لتلك المرتبة!
وبعبارة أخرى أن العلة الأولى ينبغي أن تتصف بصفات معينة كالعلم والحياة والقدرة
لنتمكن من أن ننسب اليها خلق العالم وكذلك لا بد أن لا تكون خاضعة لقيد الزمان
والمكان لأن وجودها أعلى وأشرف وسابق على وجود المكان والزمان وكذلك لا بد أن لا
تكون قابلة للتجزئة والانقسام والزوال وغيرها من الصفات كالأزلية والأبدية ومعلوم
أن المادة لا ترقى لشيء من هذه الصفات. فالخلاف ليس حول أننا نسمي العلة الأولى
الله وهم يسمونها المادة بل الخلاف في جوهر الصفات التي ينبغي أن تتصف بها تلك
العلة.