يتم التحميل...

هل يوجد تناقض بين القرآن الكريم والتجارب العلمية؟

شبهات حول القرآن الكريم

فهل صحيح ما يقال عن وجود هذا التعارض ؟ أم أنه لا يوجد هكذا تعارض مطلقا ؟

عدد الزوار: 285

يطرح البعض قضية الاختلاف بين الآيات القرآنية والنظريات العلمية باعتبار أن ما وصل إليه العلم في بعض المجالات يخالف ما يقوله القرآن الكريم كنظرية التطور وخلق الجنين وإخراج الحي من الميت وغيرها من الأمور التي تعرض لا القرآن الكريم.

فهل صحيح ما يقال عن وجود هذا التعارض ؟ أم أنه لا يوجد هكذا تعارض مطلقا ؟

من الواضح أن الغاية من طرح هذا الموضوع هي إبطال قيمة القرآن الكريم باعتباره كتابا من عند الله تعالى وعمدة هذا الإبطال هو إثبات وجود التناقض فيه تارة بإثبات التناقض بين آياته ومرة بإثبات التناقض بينه وبين الحقائق التاريخية ومرة بإثبات التناقض بينه وبين الحقائق العلمية والمفترض أن لا يكون هناك أي تناقض بين القرآن ونفسه وبينه وبين العلم والتاريخ ....

في البداية لا بد أن نعترف أن تعامل بعض علماء الطبيعة المسلمين مع القرآن الكريم باعتباره كتابا علمياً وكتابا تاريخياً أو فيزيائياً أو ....أوقعهم في مشكلة التناقض بين تفسيرهم للقرآن (وليس بين القرآن) وبين النظريات العلمية فالنهج المعتمد عند البعض هو إلباس القرآن لباس العلم التجريبي وهذا تحريف للقرآن على مستوى الغاية والهدف فالقرآن يعرف نفسه بأنه كتاب هداية وليس شيئاً آخر.

ولاتضاح المطلب أكثر لا بد من الالتفات إلى أن القرآن الكريم يستعرض نوعين من الحقائق الأول هو الحقائق المادية والآخر هو الحقائق الغيبية فكما يعترف القرآن بعالم المادة فإنه يبين لنا أن الوجود لا يقتصر على عالم المادة بل هناك عالم الغيب وهناك موجودات غيبية وقوانين غيبية فالملائكة والوحي والجنة والنار والمعجزات والكثير من القضايا الأخرى تعتبر من عالم الغيب كما أن السماء والأرض والنجوم وغيرها من عالم المادة أو بحسب تعبير القرآن من عالم الشهادة.

والمشكلة التي نشأت بين مجموعة من علماء الطبيعة المسلمين نتيجة للثورة العلمية هي إلباس عالم الغيب لباس المادة لينسجم مع العلم لإبعاده عن الخرافة وقد أساؤوا إلى القرآن أيما إساءة ففسروا الملائكة بقوى الخير عند الإنسان والشيطان بقوى الشر وفسروا الوحي بالنبوغ والمعجزات بالمجاز وغيرها وبالتالي حرفوا المفاهيم القرآنية عن معانيها الأصيلة، والمشكلة الأخرى هي مسارعتهم عند ظهور أي نظرية علمية جديدة إلى العلن للقول أنها موجودة في القرآن الكريم فإن تحدث العلم عن الانفجار الكوني قالوا هذه النظرية موجودة في القرآن وان قال العلم أن الأرض كروية سارعوا لإثبات كرويتها من القرآن الكريم...

وقد يعترض البعض أنه ما هي المشكلة في هذه المسألة؟
وبأدنى تأمل تتضح المشكلة حيث أن النظريات العلمية لا تتسم دوما بالثبات فهناك الكثير من النظريات العلمية التي تبدلت وتغيرت نتيجة لتكثيف الأبحاث فهل من المنطقي المسارعة إلى تصديق النظريات من القرآن ليتبين بعد ذلك بطلانها فإذا أثبت العلم مثلا إن الأرض مسطحة كما أثبت ذلك سابقا نقول أن القرآن يؤيد ذلك من خلال قوله ﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَ وحين يثبت العلم أنها كروية نقول أن الآية تعني ذلك!!

حل المشكلة
- القرآن الكريم كتاب هداية وليس كتابا علميا وليست الغاية منه عرض النظريات العلمية المختلفة بل يتناول القرآن الكريم من العلم ما ينسجم مع هدفه في هداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور فحين يستعرض القرآن الكريم كيفية خلق الإنسان من نطفة أو من تراب أو المراحل التي يمر بها خلقه فالغاية هداية الإنسان إلى أن لا يتكبر ولا يتجبر في الأرض فالإنسان خلق من تراب وأنى للتراب أن يتكبر ويذكره الله تعالى أنه ﴿ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى ويذكره أيضاً ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا فالغاية هي أن لا ينسى الإنسان مما خلق حتى لا ينحرف عن العبودية لله تعالى.

- من المستحيل أن يوجد في القرآن الكريم باعتباره الكتاب الذي أنزله الله تعالى أي اختلاف بينه وبين الحق باعتباره لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه نعم يمكن أن يوجد اختلاف بين بعض التفاسير التي تبرع بها البعض في عدة آيات وهذا يختلف كليا عن وجود اختلاف بين نفس القرآن وبين العلم.

- لا يصح عرض كل الحقائق القرآنية على العلم التجريبي وذلك لأن العالم بنظر القرآن الكريم أوسع من العالم المادي ولا تطال شباك التجربة الموجودات الغيبية كما ذكرنا سابقا وكمثال على ذلك فإن الله تعالى يقول: ﴿..وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ.. فالبعض قد يتصور أن القرآن الكريم يتحدث عن نظرية علمية مادية حول نزول الحديد من السماء إلى الأرض محاولاً أن يوجد التوافق بين العلم والقرآن ولكن الخبير بالآيات الكريمة يفهم معنى النزول على نحو آخر فالقرآن الكريم يتحدث عن نزول من خزائن الغيب إلى عالم الدنيا فكل شيء من الحقائق التي نراها في هذا العالم تنزلت من تلك الخزائن فالله تعالى أنزل القرآن وأنزل الأنعام وأنزل الحديد و... ولا علاقة للآية الكريمة بالنزول بالمعنى الذي يتحدث عنه العلم وإلا فهل يصح أن يقال أن الأنعام نزلت من السماء إلى الأرض.

الخلاصة:
أننا يجب أن نتعامل مع القرآن الكريم باعتباره كتاب هداية والآيات التي تشير إلى بعض الحقائق العلمية تصب في هذا الهدف وبالتالي فليس من السليم أن نسارع إلى إثبات صحة القرآن من خلال احتوائه على تلك النظريات ويكفي في إثبات أحقية القرآن الكريم عدم وجود أي اختلاف بين القرآن الكريم وبين أي حقيقة علمية أو تاريخية أو غيرها من الحقائق كما أن وجود اختلاف بين النظرية العلمية وبين تفسير معين لا يعني الاختلاف مع نفس القرآن الكريم.

2016-11-17