يتم التحميل...

حرية المعتقد في الاسلام-2

شبهات حول الدين

ذكرنا سابقا الفرق بين الاعتقاد وبين اظهار الاعتقاد وقلنا أنه لا يمكن التدخل في نفس اعتقاد الانسان لأنه أمر باطني بخلاف التدخل في المنع من اظهار ونشر العقيدة.

عدد الزوار: 194

هل يقبل الاسلام بالحرية الفكرية؟

ذكرنا سابقا الفرق بين الاعتقاد وبين اظهار الاعتقاد وقلنا أنه لا يمكن التدخل في نفس اعتقاد الانسان لأنه أمر باطني بخلاف التدخل في المنع من اظهار ونشر العقيدة. ونضيف هنا أنه الاسلام ورغم أنه لم يمنع من حرية الفكر لكنه وضع مجموعة من الضوابط التي تساعد على التفكير الصحيح من خلال ايجاد المناخات الملائمة للحرية الفكرية نبينها فيما يلي:

* الإسلام يدعو الناس على اختلاف أفهامهم إلى دين الفطرة بدعوى أنّه الحقّ الصريح الّذي لا مرية فيه ووجوب اتباع الحق مورد اجماع بين البشر على اختلافهم.

* الاسلام يعذّر من لم تقم عليه البيّنة ولم تتّضح له المحجّة قال تعالى: (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ ويَحْيى‏ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) وهذا يعطي الحرّيّة التامّة لكلّ متفكّر يرى نفسه صالحة للتفكّر مستعدّة للبحث أن يتفكّر فيما يتعلّق بمعارف الدين ويتعمّق في تفهّمها والنظر فيها. على أنّ الآيات القرآنيّة مشحونة بالحثّ والترغيب في التفكّر والتعقّل والتذكّر.

* الاسلام يقبل الاختلاف الناتج عن التفاوت في الأفهام بين الناس الناتج عن اختلاف الصفات النفسية كالانصاف والتعصب أو اختلاف الأفعال كالمعصية والطاعة أو اختلاف العوامل الخارجية كبعد الدار وقصور الفهم ولكنه في نفس الوقت يتخذ مجموعة من الاجراءات لتقريب تلك الأفهام من الحق من خلال تأكيده على التفكير الجماعي. ومنه يظهر أنّ هذا الدين كما يعتمد بأساسه على التحفّظ على معارفه الخاصّة الإلهيّة كذلك يسمح للناس بالحرّيّة التامّة في الفكر، ويرجع محصّله إلى أنّ من الواجب على المسلمين أن يتفكّروا في حقائق الدين ويجتهدوا في معارفه تفكّراً واجتهاداً بالاجتماع، وإن حصلت لهم شبهة في شي‏ء من حقائقه ومعارفه أو لاح لهم ما يخالفها فلا بأس به وإنّما يجب على صاحب الشبهة أو النظر المخالف أن يعرض ما عنده على كتاب الله بالتدبّر في بحث اجتماعيّ، فإن لم يداو داءه عرضه على الرسول أو من أقامه مقامه حتّى تنحلّ شبهته أو يظهر بطلان ما لاح له إن كان باطلاً، قال تعالى: (الّذينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيتّبعونَ أَحسنهُ أُولئِكَ الّذينَ هَداهُمُ الله وأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) الزمر:18.

و الحرّيّة في العقيدة والفكر على النحو الّذي بيّناه يختلف عن الدعوة الى حرية المعتقد المطروح من قبل القوانين المدنية والذي تؤدي إشاعته بين الناس إلى الاختلاف المفسد لأساس المجتمع القويم.

هذا أحسن ما يمكن أن يدبّر به أمر المجتمع في فتح باب الارتقاء الفكريّ على وجهه مع الحفظ على حياته الشخصيّة، وأمّا تحميل الاعتقاد على النفوس والختم على القلوب وإماتة غريزة الفكرة في الإنسان عنوةً وقهراً والتوسّل في ذلك بالسوط أو السيف أو بالتكفير والهجرة وترك المخالطة فحاشا ساحة الحقّ والدين القويم أن يرضى به أو يشرّع ما يؤيّده، ولكن من الأسف أنّا معاشر المسلمين سلبنا هذه النعمة وما لزمها (الاجتماع الفكريّ وحرّيّة العقيدة) كما سلبنا كثيراً من النعم العظام الّتي كان الله سبحانه أنعم علينا بها لما فرّطنا في جنب الله واستتبع ذلك أن تفرّقت القلوب وظهر الفتور وتشتّت المذاهب والمسالك (وإِنَّ الله لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ).


* تفسير الميزان ج 4 بتصرف.

2016-11-15