المقدسات
شبهات حول الدين
غالبا ما يعتقد الإنسان أن دينه هو الدين الصحيح ويقوم بتقديسه بل وتصل درجة التقديس إلى الاستعداد التام للتضحية فداء لدينه ومعتقده وهذا يعني ان درجة تمسك أتباع الديانات بما يقدسونه لا تختلف عن بعضها البعض إجمالا
عدد الزوار: 85
غالبا ما يعتقد الإنسان أن دينه هو الدين الصحيح ويقوم بتقديسه بل وتصل درجة
التقديس إلى الاستعداد التام للتضحية فداء لدينه ومعتقده وهذا يعني ان درجة تمسك
أتباع الديانات بما يقدسونه لا تختلف عن بعضها البعض إجمالا, فحين يغتسل الهندوسي
في نهر الغانج[1] فانه يعتقد أن قداسة ماء النهر تغسل عنه الذنوب
والخطايا ولا يختلف في هذه المسألة عن ذاك المسلم الذي يشرب ماء زمزم لتحقيق
أمنياته! وقد يقال أنه في نفس الوقت الذي ينظر فيه المسلم الى طقوس باقي الأديان
بنوع من الاستهزاء ويعتبرها بعيدة عن العقل والمنطق فكذلك هم ينظرون إلى قيامه برمي
صخرة بالحصيات (رجم الشيطان في موسم الحج) بنفس النظرة! وقد يستنتج البعض أن
الأديان تقدس أمورا فارغة لا قداسة واقعية لها ولا شيء اسمه مقدس وبالتالي لا شيء
يستحق التضحية وهل يحتاج الوهم إلى تقديس وتضحية ؟!.
لكل إنسان أفكاره ولكل إنسان مقدساته سواء كان متدينا أم لا فالإنسان يقدس بيته
وعائلته وعرضه وامنه و... بمعنى أنه لا يسمح لأحد أن يمس بها وتقديسي لبيتي لا
يتنافى مع تقديسك لبيتك وعائلتك وعرضك والخ وكما نلاحظ فهي أمور مشتركة بين الجميع
وفي نفس الوقت قد يقدس انسانا شجرة في حديقة بيته الخلفية لكنها لا تعني شيئا لسائر
أفراد العائلة فضلا عن باقي الناس.
وكذلك الأمر في الدين فلو تاملنا قليلا لوجدنا اشتراكا واختلافا بين الأديان فجميع
الأديان تقدس الله ولا اختلاف بينها في هذه القضية باعتبارها حقيقة ثابتة لا تقبل
التغيير أما الحقائق التي يمكن ان تبلى وتتغير وتتبدل بمعنى انها تحت تاثير الزمان
والمكان فلا قداسة لها رغم انها قد تكون حقائق فلا تلازم بين الحقيقة والقداسة.
على هذا الأساس ليس المهم ان تقول عن فكرتك إنها صحيحة بل المهم ان تكون فكرتك
صحيحة وذلك من خلال عرض الأدلة والبراهين التي تقنع العقل البشري ومن ثم يمكنك ان
تتحدث عن قداستها والتضحية من أجلها وتقديس شيء قبل التحقق من صحته ليس له أي قيمة
حتى لو تفانى من اجله البشر كما أنه ليست كل حقيقة تستحق التضحية خصوصا القشور التي
تغلف الحقائق.
إن تقديس الأديان لله تعالى جاء منسجماً مع البديهيات العقلية والتوجهات الفطرية
والأحاسيس العاطفية والقلبية باعتباره القضية التي يعد الشك فيها مستنكرا لأنه يشبه
الشك في النور في قلب النهار وتقديس الأديان لاي شيء آخر إنما يكون بتيعية تقديسه
لله وبعبارة أخرى بسبب قربه من الله تعالى فهناك أشخاص مقدسون وأمكنة مقدسة وأزمنة
مقدسة كلها ترجع الى نوع ارتباط خاص بالله تعالى وإلا فلا قداسة لها.
إذن نحن نتحدث عن محور للقداسة متفق عليه بين جميع الأديان وهو الله تعالى ثم ان
الأصول الدينية هي أصول مشتركة بين كافة الأديان وهي الاعتقاد بالله تعالى وبالمرسل
من قبله وبيوم يجمع فيه الناس ويعبر عنها بالتوحيد والنبوة والمعاد فلا يوجد أي دين
ينكر إحدى هذه الحقائق الثلاث.
اما الأمور التي اختلفت فيها الأديان فيجب ارجاعها إلى القاعدة التي تقول أن
القداسة التي لا تتصل بنبع القداسة وهو الله تعالى ليست بقداسة ولا تعارض بين
تقديس شيء وشيء اخر وهل هناك تناف بين تقديس ماء زمزم وبين تقديس نهر الغانج! صحيح
أن البشر قدسوا أموراً لا قداسة لها ولكن تقديس شيء بتوهم انتسابه لله تعالى ليس
بخارج عن هذه القاعدة ويختلف عن تقديس شيء دون انتسابه إلى الله تعالى بمعنى أنه
يدخل في إطار الشرك وما شاكل.
على كل فإن الاختلاف في العناوين المقدسة هو أمر تفصيلي لا يضر بالاتفاق بين جميع
الأديان على صحة الأفكار الرئيسية المشتركة بينها وعلى قداستها وعلى الاستعداد
للتضحية من أجلها.
اما الاختلاف بين الأديان والذي يؤدي إلى الاقتتال أحياناً فيرجع في الكثير من
الحالات إلى استغلال الدافع الديني باعتباره اقوى الدوافع لمصالح سياسية وغيرها
فالقضية ليست قضية أديان فقط بل قضية حق وباطل وقد يقف دين مع الحق وآخر مع الباطل
وهذا الأمر لا يرجع إلى نفس الدين بل إلى الأشخاص الذين يستغلون مناصبهم الدينية
لتغطية جرائم بعض الحكام وقد ذم القران الكريم هذه المسألة حين قال
{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا
مِّن دُونِ اللَّهِ}[2] فالدين الذي يقف مع الباطل ليس ديناً
صحيحاً ورسالة كل الأديان المشتركة هي الوقوف بوجه أهل الباطل والتضحية من أجله وكل
ما عدا ذلك هو تحريف لتلك الأديان.
1- الغانج (بالهندية:
गंगा، وتنطق "غانغا"، بالبنغالية:গঙ্গা، وتنطق "غونغا"، بالإنجليزية: The Ganges)
هو أحد أكبر أنهار شبه القارة الهندية. يجري باتجاه الشرق مخترقاً السهل الغانغي
(بالإنجليزية: Gangetic Plain) في شمال الهند وينتهي في بنغلاديش. يبلغ طوله 2510
كيلومتراً (1560 ميلاً) وينبع من جبال الهيمالايا الغربية في ولاية أوتاراخند
الهندية وينتهي بدلتا مليئة بالغابات قرب مصبه في خليج البنغال. تبلغ مساحة حوض
النهر حوالي 907.000 كم². وينظر الهندوس إلى نهر الغانغ باعتباره نهراً مقدساً ..
2- سورة التوبة، الآية:31.