حرية المعتقد
شبهات حول الدين
ما هي نظرة الدين الى الحرية الفكرية وهل يقبل الدين حرية المعتقد؟ وكيف نفسر الترهيب والرغيب في الخطاب الديني؟ وهل ينسجم ذلك الخطاب مع الحرية في اختيار المعتقد؟
عدد الزوار: 103
ما هي نظرة الدين الى الحرية الفكرية
وهل يقبل الدين حرية المعتقد؟ وكيف نفسر الترهيب والرغيب في الخطاب الديني؟ وهل
ينسجم ذلك الخطاب مع الحرية في اختيار المعتقد؟ كيف نفسر الأوامر الإلهية بمحاربة
الكافرين؟ وكيف نفسر العقوبات الأخروية على الكفر وغيره؟
ان التدين الواقعي هو انتماء حقيقي ولا يمكن أن يتم من دون قناعة وكما هو واضح فإن
القناعة أمر اختياري ولا يمكن ان تحصل في جو من الضغط سواء كان دنيويا او اخرويا
لذلك فان الله تعالى الخبير بحقيقة النفس الانسانية قال في كتابه الكريم
﴿لَا
إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ البقرة: 256 وقال
تعالى
﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ
فَلْيَكْفُرْ﴾ الكهف: 29 وطالب كل صاحب فكرة وعقيدة ان يقدم برهانه
﴿أإِلَٰهٌ مَّعَ
اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ النمل: 64 ووضع الدين
نفسه في موضع مساو للخصم قائلا
﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي
ضَلَالٍ مُّبِين﴾ سبأ: 24 اما قضية الترهيب والترغيب فلا علاقة لها بأصل الانتماء
الديني بل لها علاقة بقضايا أخرى نذكر منها على سبيل المثال:
الاول هو الشرك اي ان يتخذ الانسان انسانا ندا له او شيئا اقل منه ان يتخذه ربا
فيطيعه ويخضع له ويقيد حريته وهذا غير مقبول في العقل الانساني بغض النظر عن الدين
الذي ينتمي اليه الانسان او حتى لو لم يكن متدينا اصلا فهي فكرة مرفوضة ولا علاقة
لها بحرية الفكر والمعتقد ومؤداها ان يخضع فريق من البشر لشخص او لفريق اخر
ويستعبدوهم.
الثاني هو الكفر والذي يعني تغطية الحقائق البينة والواضحة والذي يؤدي إلى هدر
الطاقات والقدرات والموارد المالية والبشرية بسبب تزييف الحقائق وكما هو معلوم فإن
السلوك الانساني تابع للأفكار التي يعتقد بها فيصرف وقته وجهده وعمره في قضايا
يعتقد أنها مجدية والكفر يعني تصوير الحق على أنه باطل وتصوير الباطل على أنه حق
وهذا ما يؤدي الى صرف و حرف البشرية عن المسار الذي خلقت له لذلك عبر الاسلام بكلمة
الكفر لموقف الأشخاص الذين يرفضون الحقائق لانها تعني التغطية والتغطية تكون للشيء
الذي يكون بينا وواضحا.
الثالث هو الظلم وبالتحديد ظلم الناس والاعتداء على اموالهم واعراضهم وممتلكاتهم
وانفسهم كقوم شعيب ينقصون المكيال والميزان وقوم لوط يمارسون الشذوذ الذي لو انتشر
لقضى على الحياة البشرية برمتها وغيرهم من الاقوام الذين يمارسون الاجرام والفساد
والعلو والطغيان كما هو حال فرعون وقومه الذين كانوا يذبحون اطفال بني اسرائيل
ويستحيون نساءهم ...فهل يعقل أن يقف الدين مكتوف الأيدي أمام أمور تهدد مصير
البشرية أو أن لا يكترث لاستغاثات ونداءات المظلومين والمستضعفين من البشر؟
هذه بعض الأمثلة الأساسية من موارد استخدام الترهيب والترغيب فهي لا تتعلق بالخيار
الفكري والاعتقادي وهل يعتبر خضوع البشر لبعضهم حرية فكرية؟ أو تسلط فئة على فئة
حرية معتقد؟ أو أن اخفاء الحقائق والكذب والتدليس يعتبر كذلك؟ ثم إن الدين يحترم
الحرية الدينية لاهل الكتاب وقد سمح لهم بممارسة حريتهم الدينية في الدولة
الاسلامية حتى انه يحترم معتقد اي انسان حتى المشرك قبل ان يرى البينة الواضحة
والجلية على ما يقدمه ويطرحه الدين
﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ
اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ
مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ﴾ التوبة
ان حرية المعتقد تعني ان يلتزم الانسان قناعاته لا ان يخالفها كما فعل اعداء
الانبياء حين أخبر عنهم القرآم الكريم
﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا
أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾
النمل: 14 خصوصا أن الانبياء لم تكن أدلتهم ضعيفة بل جاؤوا بالبينات فهذ ابراهيم
عليه السلام حينما كسر الاصنام وعلق الفأس على الصنم الاكبر اعطى دليلا واضحا وقويا
لا يقبل الشك على تفاهة وسفاهة ما يقومون به من عبادة الأصنام وقد اذعنوا في انفسهم
لكلامه ولكنهم عادوا ونكسوا على رؤوسهم بعدما راوا الحق واضحا بينا جليا قال تعالى:
﴿قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ
فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا
إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا
عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ﴾ سورة الأنبياء
والخلاصة انه يمكن للانسان ان يفكر كيفما شاء لكنه لا يحق له ان يتخذ الها من صنعه
ويأكله حين يجوع آخر النهار او أن يعبد ندا له ولا يحق له ان يتسلط على الاخرين
ويظلمهم بحجة حرية الفكر ...والمنصف والمطلع يدرك ان الذين اضطهدوا وضربوا وسجنوا
وعذبوا وقتلوا هم الانبياء بسبب مناداتهم بحرية الفكر فكان جواب اقوامهم:
﴿قَالُوا َانا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ
وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ يس: 18
﴿...جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي
أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ... ﴾ ابراهيم: 9
ويحدثنا القرآن الكريم عن جواب قوم لوط له
﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا
أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾
الاعراف: 82
وعن جواب قوم شعيب
﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ
لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ
لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ﴾ الأعراف: 88
وغيرها من النماذج فمن المضحك ان يتهم قادة الدين بمنع الحرية الفكرية وهم اول
ضحايا منع تلك الحرية وهذا ما يجري اليوم حيث يتم الاستهزاء بالدين بحجة حرية الفكر
ومن يحترم الفكر يناقش الفكرة بالفكرة.