يتم التحميل...

نظرة الإسلام الى اتباع الدين على أساس الجغرافيا

شبهات حول الدين

إن نظرة سريعة حول العالم تبين أن اتباع كل دين يتجمعون في منطقة جغرافية معينة. فكيف ينسجم هذا الأمر مع الاختيار الواعي من قبل الانسان لدينه؟ وهل يعترف الدين بالأتباع الذين اتبعوه لمجرد صدفة جغرافية؟

عدد الزوار: 134

إن نظرة سريعة حول العالم تبين أن اتباع كل دين يتجمعون في منطقة جغرافية معينة.

فكيف ينسجم هذا الأمر مع الاختيار الواعي من قبل الانسان لدينه؟ وهل يعترف الدين بالأتباع الذين اتبعوه لمجرد صدفة جغرافية؟

صحيح أن غالبية الناس يتبعون الدين والمذهب الذي ولدوا عليه وأن قلة منهم يبحثون عن خيارات أخرى دينية أو غير دينية وهذا ما نشهده أيضا في المجتمعات غير الدينية فالالحاد والكفر والشرك ينتشر في دول وبقع معينة.

وقد كانت المهمة الأولى للأنبياء والرسل كسر حاجز التقليد والتبعية العمياء للآباء وللبيئة التي تتبع الخرافات والأباطيل باعتبارها العائق الأول أمام وصول صوت الحق إلى مسامع الناس وقد كان تمسك المجتمعات بعقيدة الآباء بغض النظر عن كونها عقيدة دينية أو غيرها قوياً وراسخاً مما احتاج أن يقوم الأنبياء بتضحيات كبرى لكسر هذا الحجاب ويحدثنا القرآن الكريم في بعض آياته عن هذا العائق بقوله عن لسان تلك المجتمعات: ﴿إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ[1] وفي آية أخرى يقول تعالى: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَ[2].

إذن فالتحدي الأساس أمام الأنبياء كان هو القضاء على التقليد سواء كانت البيئة ملحدة أو مشركة أو متدينة فهذا صوت أنبياء الله يصدح ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ[3]

فالأنبياء وأتباعهم هم المتمردون الأوائل على البيئة والمحطمون للقيود والأغلال ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ[4] وذلك لتفجير القابليات الإنسانية "وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ"[5].

إضافة إلى ذلك فإن الدين يدعو أتباعه للتفكر والتعقل والتدبر والدين الذي يطلب من أتباعه الاتباع الأعمى ليس مقبولاً: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي.[6]

والدين الذي لا يقبل محاججة الآخرين ليس مقبولاً: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ؛[7] من هنا كانت الحجة الأساسية لقبول الأفكار الدينية هي العقل. إذن لا بد أن يكون الإيمان مبنياً على الوعي العقلي وعلى الاقتناع.
وقد يسأل البعض عن الأشخاص الذين ينتمون إلى الأديان دون وعي واختيار فمن دون شك فإن الدين يعتبرهم أتباعا له؛ فكيف ينسجم هذا الأمر مع أن تكون عملية اختيار الدين واعية؟

والجواب صحيح، أن الدين يشترط الوعي لاعطاء التدين قيمة عند الله تعالى ولكن هذا لا يعني طرد الأشخاص الذين ينتمون إليه انتماء غير واعٍ وذلك بسبب تفاوت مستويات الناس العقلية والأسلم والأجدى أن يتم ابقاؤهم ضمن بيئة المتدينين لاعطائهم فرصة في أن يتحول إيمانهم إلى إيمان واعٍ.

ولا يجوز استغلال حقيقة أن بعض الناس يتبعون ديناً معيناً دون تحر وبحث وتعقل فهذا أمر موجود في كل الايديولجيات والرؤى الكونية حتى المادية والإلحادية فهل كل الملحدين اتخذوا خيارهم عن معرفة ووعي.

من هنا فإن كل انسان مطالب أن يمتلك الدليل على ما يعتقد به وعليه أن يتفكر ويعيد النظر في معتقداته وانتمائه الديني والمذهبي ليتحول إيمانه إلى إيمان واقعي وواع وليس المطلوب التمرد لأجل التمرد من هنا أباح الدين السؤال عن المعتقدات حتى لو كان منطلقاً من وجود الشك واعترف الاسلام بحجية العقل بمعنى أن من أوصله عقله إلى نتيجة معينة مبنية على الدليل فهو غير ملام في تبنيه لتلك النتيجة طالما أنها مبنية على الدليل، فالمهم أن يقدم الانسان برهانه ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ[8]

والخلاصة أن الدين لم يعترف بالدين التقليدي او الجغرافي حتى لو كان صحيحا طالما ان صاحبه لم يميز صحته من عدمها والحساب يوم القيامة مبني على العقل وبعبارة أدق على قدر ما أوتي كل انسان من عقل من هنا تتفاوت درجات الوعي الديني بين شخص وآخر ولكن هناك حد أدنى من الوعي يجب أن يكون متوفراً عند كل متدين ومن يعمي عقله عن الادلة والبراهين فسوف يكون أعمى في ذلك العالم بحسب المنطق الديني.

من هنا كان للانسان كل إنسان الحق في مطالبة من يدعوه إلى تبني ايديولوجية معينة بالبينة ولا يحق للدين أي دين أن يفرض على الناس اتباعه دون بينة أو دليل ويمكن أن نلاحظ الفرق بين تعاطي الدين مع الانسان قبل أن يتبين له وتعاطيه معه من بعد ما تبين له فالشخص الذي لم تظهر له البينة يعتبر باحثاً عن الحق إلى أن يتبين له الحق فان لم يقبل صار متكبراً وجاحداً وغيرها من الصفات التي لا تتماشى مع الطبيعة الانسانية الفطرية التي تطلب وتتبع الحق وقد يتحول الانسان المتكبر من منكر للحق إلى شخص يخفي الحقائق عن الآخرين بل ويصدهم عن الحق بمختلف الأساليب والطرق بل إلى فتنتهم عن دينهم تهديداً وترغيباً من خلال التعذيب والحصار والتهجير أو الاغراء وهذا ما قد يؤدي إلى دخول قسم من الذين استضعفوا إلى النار بسبب تبعبتهم وتقليدهم للذين استكبروا وذلك لأنهم كفروا أي غطوا واخفوا؛ وواضح أن الإخفاء يكون بعد الظهور وهو ما اشرنا اليه اعلاه.


[1]  الزخرف 23
[2]  الأعراف 70
[3]  البقرة 170
[4]  الأعراف 157
[5]  نهج البلاغة
[6]  يوسف 108
[7]  سبأ 24
[8]  النمل 64

2016-10-31