الخمر والمخدرات فساد
زاد عاشوراء
وفي المقابل وبطريقة عكسيّة إذا استقام النّاس على المنهج الإلهيّ في حياتهم ولم يتجاوزوا حدود الله تعالى لاستقامت الأمور التكوينيّة
عدد الزوار: 100
قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي
وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾1.
الفساد والاستقامة:
قال الله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ
أَيْدِي النَّاسِ﴾2 إنّ هذه الآية تلفتنا معاشر النّاس إلى خطورة الخروج عن الحدود
الشرعيّة في أعمالنا ولا سيّما في تعاطينا مع الثروات التي أعطانا الله إيّاها بل
التي سخّرها لنا - إذ تقول بلسان فصيح صريح إنّ مجاوزة الحدود التي رسمها لها الله
تعالى وعدم الاعتدال تارة بالإفراط وأخرى بالتفريط يؤدّي إلى تسرّب الخلل إلى
الأمور التكوينيّة حيث قال بعض المفسّرين إنّ معنى الفساد المذكور في الآية هو
الجدب في البرّ والقحط في البحر3.
وفي المقابل وبطريقة عكسيّة إذا استقام النّاس على المنهج الإلهيّ في حياتهم ولم
يتجاوزوا حدود الله تعالى لاستقامت الأمور التكوينيّة بل لزادت بركتها وهذا بارز
جليّ في قوله تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم
مَّاء غَدَقً﴾4 فالمطلوب من الإنسان الذي كرّمه الله تعالى وجعل له الخلافة على
الأرض ونعمها، أن يحسن استثمار هذه النعم ويقدّرها، أي عليه عمارة الأرض كما صرّح
بذلك في قوله تعالى: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَ﴾5.
وبعبارة أوضح إنّ كلّ النّعم المسخّرة للإنسان والموضوعة تحت سلطان قدرته هي أمانات
عليه أوّلاً أن يقدِّرها، ويعرف قيمتها والحكمة منها، وأن يضعها موضعها ويحسن
الصحبة لها بالتأدّب بالآداب الإلهيّة في العلاقة بها.
مجالات وميادين الإفساد:
إنّ الميادين والمجالات التي يمكن أن يفسد فيها الإنسان كثيرة ومتنوّعة بتنوّع جهات
الإنسان وعلاقاته، فثمّة فساد في الأبعاد التكوينيّة يتّصل بسوء العلاقة بالثروات
الطبيعيّة، من ماء وهواء وشجر وحيوانات وغير ذلك، ومنها ما له علاقة بعلاقات
الإنسان ببني جنسه، فقد يعتدي على أجسادهم فيقتل أو يجرح أو يصادر الحرّيّات أو
يعذّب كما كان قد صدر عن فرعون وهذا ما جاء به التنزيل: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا
فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ
يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ
الْمُفْسِدِينَ﴾6.
وقد يكون بحرف النّفس والآخرين عن الحقّ في المعتقد والفكر وغيرهما كالكفر ومواجهة
الهداة ومنع النّاس من الاهتداء بهم كما في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُواْ
وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا
كَانُواْ يُفْسِدُونَ﴾7 ومن النماذج الأخطر في الإفساد المنافقون الذين أنبأ عنهم
الكتاب الكريم قائلاً: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ
قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ
وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ﴾8.
ومن وجوه الإفساد وألوانه الفساد الاقتصاديّ كالتلاعب بالموازين والغشّ وقد قال
تعالى في ذلك على لسان النبيّ شعيب: ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ
وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ
تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾9 ومنه الاحتكار.
ومنها الفساد الأخلاقيّ كالزنا واللواط والغيبة والنميمة والبهتان وإشاعة الفاحشة
ومن الفساد الفساد الاجتماعيّ والقضائيّ والأمنيّ وغير ذلك كثير.
آفّة العصر المسكرات والمخدّرات
وهي من بلاءات الأجيال هذه الأيّام ومن شرّ المفسدات التي أمر الحقّ تعالى بعدم
مقاربتها سواء في تعاطيها أو في ترويجها، فالمسكر والمخدّر هو كلّ مادّة تؤثّر في
الإنسان من خلال تخدير العقل وتؤثّر في الجهاز العصبيّ بدرجة تضعف وظيفته أو تجعل
الإنسان يفقدها ولو لمدّة مؤقّتة.
وقد أجمع الفقهاء على تحريم الخمر والمخدّرات قولاً واحداً، ومن نماذج فتاواهم ما
جاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ومذهب أهل البيت، يحرم تعاطي كلّ ما يضرّ
بالبدن والعقل حرمة شديدة كالأفيون والحشيش والكوكايين وجميع أنواع المخدّرات
الضارّة والسموم10.
وفي هذا الزمان يبتكرون أصنافاً جديدة ويسمّونها بأسماء لم تكن معروفة، فكلّ ما
يكون له نفس تأثير المسكر والمخدّر له نفس حكمه وإن أعطي تسميات أخرى.
لماذا حرمة المسكر والمخدّر؟
يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ
فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾11.
فقد أمر الله تعالى ليس فقط بعدم تناول المسكر وإنّما أمر بالاجتناب، وهو أبلغ في
التحريم، وذلك لجملة من الحكم هدفها حماية الإنسان منها، وقد نسبت الآية هذا العمل
إلى الشيطان ووصفته بأنّه رجس وقد عرف بنو آدم عداوة الشيطان لهم وكيده ومكره بهم.
ولأنّ آثار المسكر كثيرة وهي باب للكثير من الشرور جاء عن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: "الخمر جماع الإثم، وأمّ الخبائث، ومفتاح الشرّ"12.
ويمكن لنا أن نعدّ من أضرار الخمر ما يلي:
1- على الصعيد الدينيّ: الخمر تصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة بالخصوص.
2- تجاوز حدود الله: حيث تعبث بعقل الإنسان فيصبح جاهزاً لارتكاب أيّ محرّم حيث لا
يقدّر عواقب كلامه ولا أفعاله، فيقذف المحصنات، ويتلفّظ بأفحش العبارات، ويتجاوز
على المقدّسات حتّى الذّات المقدّسة لله تعالى ولأنبيائه وأوليائه.
3- يسيء معاملة النّاس ويلجأ إلى العنف بسرعة، وأكثر من يتأذّى بذلك أسرته
والأقربون منه ممّا يفقده أوّلاً الهيبة والاحترام، ويؤدّي ثانياً إلى أن تسود
أجواء التوتّر والشقاق والخلافات داخل الأسرة، وهذا يوصل إلى تفكّكها.
4- يفقد الإنسان اتّزانه وتقديره لنفسه ويصبح دنيئاً مهاناً ويؤدّي إلى حقارة
النّفس.
5- من يدمن الخمر والمخدّر تسقط عنده الحرمات فيعقّ الوالدين ويفقد الحسّ بالغيرة
على حريمه بل ربّما عندما تعوزه الأمور لا يتوانى عن بيع عرضه للحصول على جرعة
مخدّر أو كأس من خمر، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من شرب الخمر
بعد ما حرّمها الله على لساني فليس بأهل أن يزوّج إذا خطب، ولا يشفّع إذا شفع، ولا
يصدّق إذا حدَّث ولا يؤتمن على أمانة"13.
6- وللخمر والمخدّرات أضرار صحيّة من الإصابة بالأمراض الخطيرة، وبما يؤدّي إلى
تشوّه المواليد.
7- ولهما كذلك أضرار اقتصاديّة إذ تنتشر جرائم السرقة وتضعف من القدرة الإنتاجيّة
للمدمنين، وأيضاً فإنّها سبب في ذهاب بركة الأموال وتعريض النعم للزوال.
خاتمة:
إنّ على المجتمع مواجهة هذه الآفّة يحسن تربية الأبناء والسهر على حمايتهم منها
وتحذيرهم من المخدّرات والخمر، ومن صحبة السوء.
ولا بدّ من الإشارة أخيراً إلى أنّ المشكلة العظمى هي في من يروّج أمثال هذه السموم
القاتلة للأفراد وللمجتمعات، فالبعض ليبني ثروة وبسرعة يعمد إلى مثل هذه التجارة
فيسمم مجتمعاً بأكمله ليجمع ثروة ويتنعّم بها في الدنيا، وليعلم هؤلاء أنّ أموالهم
كلّها سحت أي حرام وعلى المجتمع كما علّمنا رسول الله أن يقاطع هؤلاء المروّجين،
ويسقطهم اجتماعيّاً ولو ملكوا الدّنيا، وهذا أقلّ الإيمان.
* كتاب زاد عاشوراء، إعداد معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة الأعراف، الآية 142.
2- سورة الروم، الآية 41.
3- تاج العروس، الزبيدي، ج5، ص164 - 165.
4- سورة الجنّ، الآية: 16.
5- سورة هود، الآية 61.
6- سورة القصص، الآية 4.
7- سورة النحل، الآية 88.
8- سورة البقرة، الآيتان 11 - 12.
9- سورة هود، الآية 85.
10- الفقه على المذاهب الأربعة ومذهب أهل البيت عليهم السلام، محمّد الغروي، ص19.
11- سورة المائدة، الآية 90.
12- بحار الأنوار، ج76، ص146.
13- فروع الكافي، ج6، ص396.