اغتنام فرصة الشباب
فكر الإمام الخميني
إنّكم الآن في ريعان الشباب، وقادرين على التحكّم بقواكم ولم يدبّ الضعف بعد إلى أبدانكم، فإذا لم تُفكّروا الآن بتزكية أنفسكم وبناء ذواتكم فكيف ستتمكّنون من ذلك غداً عندما يتغلّب الضعف عليكم ويُسيطر الوهن،
عدد الزوار: 92
إنّكم الآن في ريعان الشباب، وقادرين على التحكّم بقواكم ولم يدبّ الضعف بعد إلى
أبدانكم، فإذا لم تُفكّروا الآن بتزكية أنفسكم وبناء ذواتكم فكيف ستتمكّنون من ذلك
غداً عندما يتغلّب الضعف عليكم ويُسيطر الوهن، وتفقدون العزم وتضمحل فيكم الإرادة،
فيكون ثقل الذنوب قد زاد من ظلمة القلب، عندها كيف يتسنّى لكم بناء أنفسكم
وتهذيبها؟
إنّ كلّ نَفَسٍ تتنفّسونه، وكلّ خطوة تخطونها، وكلّ لحظة تنصرم من أعماركم، تزيد من
صعوبة إصلاحكم أنفسكم، وربّما زاد أيضاً من ظلمة القلب والتباهي والغرور.
فكلّما تقدّم العمر بالإنسان ازدادت هذه الأمور التي تتعارض مع سعادة الإنسان،
وضعفت القدرة على الإصلاح. فإذا بلغتم مرحلة الشيخوخة فمن الصعب أن تُوفّقوا
لاكتساب الفضيلة والتقوى.
ليس بمقدوركم أن تتوبوا، لأنّ التوبة لا تتحقّق بمجرّد لفظة أتوب إلى الله، بل
تتوقّف على الندم والعزم على ترك الذنوب.
وإنّ الندم والعزم على ترك الذنوب لن يحصلا للذين أمضوا عمراً في الغيبة والكذب
وابيضّت لحاهم على المعصية والذنوب. فمثل هؤلاء يظلّون أسارى ذنوبهم إلى آخر
أعمارهم.
فليتحرّك الشباب قبل أن يداهمهم المشيب. لقد بلغنا هذه المرحلة ونحن أعلم بمعاناتها
ومصائبها.. إنّكم ما دمتم في مرحلة الشباب تستطيعون أن تفعلوا كلّ شيء.
فما دمتم تملكون عزيمة الشباب وإرادة الشباب، باستطاعتكم أن تتخلّصوا من أهواء
النفس ورغباتها الحيوانية.
ولكن إذا لم تُبادروا إلى ذلك، ولم تُفكروا بإصلاح أنفسكم وبنائها، فسوف يكون ذلك
ضرباً من المحال عندما تبلغون مرحلة الهرم.. فكِّروا بأنفسكم ما دمتم شباباً ولا
تنتظروا إلى أن تُصبحوا شيبة ضعافاً عاجزين.
إنّ قلب الشباب رقيق وملكوتي، ودوافع الفساد فيه ضعيفة. ولكن كلّما كبر الإنسان
استحكمت في قلبه جذور المعصية إلى أن يُصبح استئصالها من القلب أمراً مستحيلاً. كما
ورد في الحديث الشريف عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: “ما من عبد إلّا وفي قلبه
نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء فإن تاب ذهب ذلك السواد، وإن
تمادى في الذنوب، زاد ذلك السواد حتى يُغطّي البيضاء، فإذا تغطّى البياض لم يرجع
صاحبه إلى خير أبداً”1.
إنّ إنساناً من هذا النوع قد لا يمرّ عليه يوم أو ليلة دون أن يعصي الله تعالى،
وحينها يكون من الصعب أن يرجع قلبه في سنّ الشيخوخة إلى حالته الأولى.
فإذا لم تُصلحوا أنفسكم - لا سمح الله - وخرجتم من الدنيا بقلوب سوداء وعيون وآذان
وألسنة ملوّثة بالذنوب، فكيف ستُقابلون الله تعالى؟ كيف ستردّون هذه الأمانات
الإلهية التي استودعكم الله إيّاها بمنتهى الطهارة والبراءة، مدنّسة بالقذارة
والرذالة؟
هذه العين وهذه الأذن اللتان هما تحت تصرّفكم، وهذه اليد وهذا اللسان اللذان تحت
سلطتكم. وهذه الأعضاء والجوارح التي تعيشون معها، كلّها أمانات الله سبحانه وتعالى،
وقد منحكم الله إيّاها في غاية السلامة والطهارة. فإذا ابتُليَتْ بالمعاصي فسوف
تتلوّث، وإذا تلوّثت بالمحرّمات فسوف تجد طريقها إلى الرذالة.
وآنذاك عندما تُريدون إعادة هذه الأمانة فقد تُسألون: أهكذا تُحفظ الأمانة؟! أهكذا
كان القلب عندما أُعطي إليكم؟! العين التي استودعناكم إيّاها أهكذا كانت؟! وسائر
الأعضاء والجوارح التي جعلناها تحت تصرّفكم، هل كانت هكذا ملوّثة وقذرة؟! بماذا
ستُجيبون على هذه الأسئلة؟ وكيف ستواجهون الله الذي خنتم أماناته إلى هذا الحدّ من
الخيانة؟
إنّكم الآن شباب، وقد قرّرتم أن تفنوا شبابكم في هذا الطريق الذي لن ينفعكم دنيوياً
بما يستحقّ الذكر. فإذا أمضيتم أوقاتكم الثمينة هذه وقضيتم ربيع شبابكم في طريق
الله ومن أجل هدف مقدّس، فإنّكم ليس فقط لم تخسروا شيئاً بل ستربحون الدنيا
والآخرة.
ولكن إذا ما استمرّت أوضاعكم على هذا المنوال التي هي عليه الآن، فإنّكم تُتلفون
شبابكم وتهدرون خيرة سنوات عمركم، وستكونون مسؤولين أعظم مسؤولية عند الله تعالى في
العالَم الآخرة.
علماً أنّ جزاء أعمالكم الفاسدة والمفسدة هذه لا ينحصر بالعالَم الآخر، بل إنّكم
سترون أنفسكم في هذه الدنيا وقد أحاط بكم البلاء من كلّ جانب، وسُدّت عليكم الآفاق
وضُيِّق الخناق.
ففكّروا قبل أن تضيع الفرصة، وقبل أن يستولي الأعداء على جميع شؤونكم.. فكّروا
وانتبهوا وتحرّكوا...
ففي المرحلة الأولى اهتمّوا بتهذيب النفس وتزكيتها، وإصلاح ذات بينكم. خذوا بوسائل
العصر.. نظّموا أموركم، وابسطوا النظام والانضباط..
هذّبوا أنفسكم، وتجهّزوا واستعدّوا للحيلولة دون وقوع المفاسد التي يُمكن أن
تعترضكم2.
1- الشيخ الكليني، الكافي، ج2،
ص273.
2- مقتبس من كتاب جهاد النفس: الإمام الخميني، ص6، مؤسسة نشر تراث الإمام الخميني.