مجتمع الفطرة
عيد الفطر
الحمد لله الذي لا مقنوطٌ من رحمته، ولا مخلوٌّ من نعمته، ولا مُؤيَسٌ من روحه، ولا مستنكَفٌ عن عبادته، بكلمته قامت السماواتُ السبع، واستقرَّت الأرض المهاد،
عدد الزوار: 186
الحمد لله الذي لا مقنوطٌ من رحمته، ولا مخلوٌّ من نعمته، ولا مُؤيَسٌ من روحه، ولا
مستنكَفٌ عن عبادته، بكلمته قامت السماواتُ السبع، واستقرَّت الأرض المهاد، وثبتت
الجبال الرّواسي، وجرت الرياح اللواقح، وسار في جو السماء السحاب، وقامت على حدودها
البحار. نحمده كما حمد نفسه وكما هو أهله، ونستعينه ونستغفره ونصلي على أشرف خلقه
محمد وآله الأطهار.
من أعمال العيد زكاة الفطرة التي لا تعني زكاة الإفطار بل زكاة الخلقة، وبتعبير
أدقّ، وكما قلنا في معنى الفطر: زكاة الهيئة التي فطر الله تعالى الإنسان عليها.
وربط الفطرة بالزكاة هو ربط للفطرة بالمجتمع الإنسانيّ؛ لكون الفطرة التي تجذب
الإنسان نحو الكمال المطلق، تجذبه أيضاً نحو كلّ كمال.
من هنا نرى الإنسان مفطوراً على الانجذاب نحو الصدق والشجاعة والاستقامة والعدل
والإحسان وغيرها من الكمال، لذا نلاحظ أنّ القرآن الكريم لم يطرح الدعوة إلى
الكمالات في إطار تأسيسي، بل في قالب استفهامي ليُحرّك تلك الفطرة الكامنة،
- فقال تعالى وهو يتحدّث عن كمال العلم:
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ
وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾.
- وقال تعالى وهو يتحدّث عن الإحسان:
﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا
الْإِحْسَانُ ﴾.
- وقال تعالى وهو يتحدّث عن الإيمان والعمل الصالح والتقوى:
﴿أَمْ نَجْعَلُ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ
نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ﴾.
بناءًا عليه فإنّ الإنسان ينجذب إلى من يحمل هذه الكمالات حتى لو كان على غير دينه
وملّته، كما انجذب الشاعر المسيحي بولس سلامة إلى كمالات الإمام علي عليه السلام
فقال:
و لا تقل شيعة هواة عليّ***إنَّ في كل منصفٍ شيعيّا
هو فخر التاريخ لا فخر شعب***يدعيه ويصطفيه وليّا
جلجل الحق في المسيحي حتى***عاد من فرط حبّه علويّا
أنا من يعشق البطولة والإلهام***والعدل والخلق الرضيا
إنّ انجذاب الإنسان لكمالات الناس يدفعه لتأسيس مجتمع مبنيٌ على هذه الكمالات، لأنّ
الفطرة الجاذبة نحو الكمال كما تدفعه إلى تعزيز العلاقة مع الله تعالى وتزكية نفسه،
كذلك تدفعه إلى التعارف مع الناس بجاذبيّة كمالاتهم.
وهذا ما أشار إليه الله تعالى في قوله:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا
خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ
لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾.
وعيد الفطر والفطرة كما هو حفل تخرّج للناجحين في تزكية النفس كذلك هو حفل تخرّج
للناجحين في علاقاتهم الإنسانية على أساس الكمالات.
من هنا كان من مميّزات عيد الفطر:
1- أن نراعي فيه وضع الفقراء، من خلال عيديّة زكاة الفطرة.
2- أن يجتمع الناس فيه حامدين الله تعالى على نعمه، ففي الحديث: "إنّما جعل يوم
الفطر العيد؛ ليكون للمسلمين مجتمعاً يجتمعون فيه، فيحمدون الله على ما منّ عليهم".
والهدف هو وصول المجتمع إلى كماله، فإنّ لقافلة البشريّة مسار تكامل كما للإنسان
الفرد مسار كمال.
وكما حال الشيطان مع الإنسان السالك سبيل تزكية نفسه بوضع العراقيل أمامه فهو حاله
أيضاً مع المجتمع السالك نحو الكمال بوضع العراقيل في مسار تكامله.
والمجتمع المنطلق من الفطرة الجاذبة نحو الكمال لا تزيده محاولات الشيطان في منع
كماله إلاّ إصراراً في المسير، وازديادَ قوةٍ في الرقيّ، وهذا هُو السرُّ فيما قاله
الإمام الخميني سابقاً حينما حوصرت إيران حصاراً اقتصادياً: نحن قومٌ اعتدنا أن
نصوم في كلّ سنة شهرنا، ونحن على استعداد أن نصوم كلّ السنة، ولا نخضع لغير الله.
وفيما قاله وليّ الأمر الإمام الخامنئي دام ظله منذ فترة قليلة: إنّ إيران بسبب
الحصار الذي فرض عليها من أعداء الإسلام أصبحت أقوى مئة مرة ممّا كانت عليه.