أطراف الشفاعة
الشفاعة
لا بد للشفاعة من أطراف ثلاثة: مشفوع لديه، ومشفوع له، وشفيع هو واسطة بين الاثنين يتوسل لدى الأول أن يعين الثاني، سواء أأذن المشفوع لديه بالشفاعة، أو لم يأذن به..
عدد الزوار: 191
لا بد للشفاعة من أطراف ثلاثة: مشفوع لديه، ومشفوع له، وشفيع هو واسطة بين
الاثنين يتوسل لدى الأول أن يعين الثاني، سواء أأذن المشفوع لديه بالشفاعة، أو لم
يأذن به.. هذا في الشفاعة لدى المخلوق، أما الشفاعة لدى الخالق تعالى فان
معناها العفو والغفران للمذنب، ولن تكون الشفاعة عند اللَّه إلا بإذن من اللَّه.
وقال صاحب مجمع البيان: « الشفاعة عندنا مختصة بدفع الضار، وإسقاط العقاب عن
مذنبي المؤمنين ».
وأنكر المعتزلة والخوارج شفاعة محمد ( صلى الله عليه واله ) في أهل الكبائر من أمته
بهذا المعنى الذي نقلناه عن صاحب مجمع البيان.. وأثبتها الإمامية والأشاعرة.
والعقل لا يحكم بالشفاعة من حيث الوقوع، لا سلب، ولا إيجاب، أما من حيث
الإمكان فان العقل لا يرى أي محذور من وجود الشفاعة، وعليه يتوقف وقوعها وثبوتها
على صحة النقل عن اللَّه ورسوله، فمن ثبت لديه هذا النقل وجب عليه أن يؤمن
بالشفاعة، وإلا فهو معذور.. وبهذا يتبين معنا ان الشفاعة ليست أصلا من أصول
الدين، وان من أنكرها مؤمنا باللَّه ورسوله واليوم الآخر فهو مسلم بلا ريب.
وإذا رجعنا إلى الآيات القرآنية وجدنا ان منها ما ينفي الشفاعة بوجه عام، كقوله
تعالى: في الآية 254 من سورة البقرة:
﴿أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ
وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ﴾ [البقرة: 254].. والنكرة في سياق النفي تفيد
العموم، ومنها ما أثبتت الشفاعة بشرط، كقوله تعالى:
﴿لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ
شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾
[النجم: 26].
وإذا عطفنا هذه الآية على الآية السابقة، وجمعناهما في كلام واحد تكون النتيجة
هكذ: ان اللَّه يقبل الشفاعة من الشفيع بعد أن يأذن هو به.. وليس من الضروري
أن يصدر إذنا خاصا من اللَّه إلى نبيه باسم كل واحد واحد لمن يرتضي الشفاعة له، بل
يكفي ان يعلم النبي بأن الشفاعة تحل ولا تحرم إذا لم يكن المشفوع له من أهل الإلحاد
والكفر باللَّه، ولا من مثيري الحروب وسفاكي الدماء، ولا من مضطهدي العباد
السالبين الناهبين للأقوات والمقدرات، وانما هو - أي المشفوع له - فرد من الأكثرية
الغالبة الذين يرتكبون الذنوب العادية المتفشية.. وبكلمة ان المراد بإذن اللَّه
بالشفاعة أن يوحي إلى نبيه باني قد أبحت لك أن تشفع لمن شئت من أفراد أمتك الذين
اقترفوا نوعا خاصا من الذنوب..
وعندها يكون أمر هؤلاء بيد الرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله ).. وهذا أقل ما
يمنحه اللَّه لمحمد ( صلى الله عليه واله ) غد.. وهو بدوره يشفع لمن هو أهل
للشفاعة، فقد ثبت انه قال: « ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ».
ونحن على يقين من ثبوت الشفاعة في الإسلام من حيث هي، ولكنا نجهل التفاصيل ولا
نقطع فيها برأي، وفي الوقت نفسه نؤمن ايمانا جازما بأن أفضل شفيع للإنسان هو عمله
، وان أنجح ما يستشفع به المذنبون هو التوبة.. ان اللَّه سبحانه لا يعطي حجرا لمن
استجار مخلصا برحمته، ولاذ منكسرا بجوده وكرمه.