قصة ذو القرنين
قصص قرآنية
إن مجموعة من قريش قررت اختبار الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وقامت هذه المجموعة بالتنسيق مع اليهود واستشارتهم بطرح ثلاث قضايا هي: تأريخ الفتية من أصحاب الكهف. السؤال عن ماهية الروح، أما القضية الثالثة فقد كانت حول "ذو القرنين".
عدد الزوار: 164
قصة "ذو القرني" العجيبة:
إن مجموعة من قريش قررت اختبار الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وقامت هذه
المجموعة بالتنسيق مع اليهود واستشارتهم بطرح ثلاث قضايا هي: تأريخ الفتية من أصحاب
الكهف.
السؤال عن ماهية الروح، أما القضية الثالثة فقد كانت حول "ذو القرنين".
إن قصة "ذو القرنين" تدور حول شخصية أثارت اهتمامات الفلاسفة والباحثين منذ القدم.
وقد بذلت جهود ومساعي كثيرة للتعرف على هذه الشخصية.
وسنقوم أولاً بذكر قصة ذي القرنين حيث أن حياته مع قطع النظر عن جوانبها التاريخية
بمثابة درس كبير ومليء بالعبر، ثم ننتقل إلى بحوث لمعرفة شخصية ذي القرنين نفسه
مستفيدين في ذلك من الروايات الإسلامية، ومما أشار إليه المؤرخون في هذا الصدد.
بتعبير آخر: إن ما يهمنا أولاً هو الحديث عن شخصية ذي القرنين، وهو ما فعله القرآن،
حيث يقول تعالى:
﴿قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا﴾.
إن بداية الآية تبين لنا قصة "ذو القرنين" كانت متداولة ومعروفة بين الناس، ولكنها
كانت محاطة بالغموض والإبهام، لهذا السبب طالبوا الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)
الإدلاء حولها بالتوضيحات اللازمة.
وفي إستئناف الحديث عن ذي القرنين يقول الله تعالى:
﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي
الْأَرْضِ﴾. أي منحناه سبل القوة والقدرة والحكم.
﴿ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا، فَأَتْبَعَ سَبَبًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَ
مَغْرِبَ الشَّمْسِ﴾ فرأي أنها تغرب في بحر غامق أو عين ذات ماء آجن:
﴿ وَجَدَهَا
تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾.
(حمئة): تعني في الأصل الطين الأسود ذا الرائحة الكريهة، أو الماء الآسن الموجود في
المستنقعات. وهذا الوصف يبين لنا بأن الأرض التي بلغها "ذو القرنين" كانت مليئة
بالمستنقعات، بشكل كان ذو القرنين يشعر معه بأن الشمس كانت تغرب في هذه المستنقعات،
تماماً كما يشعر بذلك مسافر البحر، وسكان السواحل الذين يشعرون بأن الشمس قد غابت
في البحر أو خرجت منه!.
﴿ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمً﴾ أي مجموعة من الناس فيهم الصالح والطالح، هؤلاء القوم
هم الذين خاطب الله ذا القرنين في شأنهم:
﴿ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا
أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنً﴾
بعد ذلك يحكي القرآن جواب "ذى القرنين" الذي قال:
﴿ قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ
فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرً﴾.
أي إن الظالمين سينالون العذاب الدنيوي والأخروي معاً.
﴿وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى﴾...
﴿وَسَنَقُولُ
لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرً﴾.
أي أننا سنتعامل معه بالقول الحسن، فضلا عن أننا سنخفف عنه ولا نجعله يواجه المشاكل
والصعاب، بالإضافة إلى أننا سوف لن نجبي منه ضرائب كثيرة.
والظاهر أن ذا القرنين أراد من ذلك أن الناس سينقسمون مقابل دعوتي إلى التوحيد
والإيمان والنهي عن الظلم والفساد إلى مجموعتين، الأولى: هي المجموعة التي سترحب
ببرنامجه الإلهي ودعوته للتوحيد والإيمان وهذه ستجزى بالحسنى وستعيش حياة آمنة
ومطمئنة. أما الثانية: فستتخذ موقفاً عدائياً من دعوة ذي القرنين وتقف في الجبهة
المناوئة، وتستمر في شركها وظلمها، وتواصل فسادها. وهي لذلك ستعاقب نتيجة موقفها
هذا أشد العقاب.
وعندما إنتهى "ذو القرنين" من سفره إلى الغرب توجه إلى الشرق حيث يقول القرآن في
ذلك:
﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبً﴾ أي استخدم الوسائل والإمكانات التي كانت بحوزته.
﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ﴾. وهنا رأى أنها:
﴿ وَجَدَهَا تَطْلُعُ
عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرً﴾. وفي اللفظ كناية عن
أحياء هؤلاء الناس بدائية جداً، ولا يملكون سوى القليل من الملابس التي لا تكفي
لتغطية أبدانهم من الشمس.
﴿كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرً﴾. هكذا كانت أعمال "ذو القرنين"
ونحن نعلم جيداً بإمكاناته.
كيف تم بناء سد ذي القرنين؟
القرآن الكريم يشير إلى سفرة أخرى من أسفار ذي القرنين حيث يقول:
﴿ثُمَّ أَتْبَعَ
سَبَبً﴾. أي بعد هذه الحادثة استفاد من الوسائل المهمة التي كانت تحت تصرفه ومضى
في سفره حتى وصل إلى موضع بين جبلين:
﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ
وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلً﴾.
إشارة إلى أنه وصل إلى منطقة جبلية، وهناك وجد أناساً (غير المجموعتين اللتين عثر
عليهما في الشرق والغرب) كانوا على مستوى دانٍ من المدينة، لأن الكلام أحد أوضح
علائم التمدن لدى البشر.
في هذه الأثناء اغتنم هؤلاء القوم مجيء ذي القرنين، لأنهم كانوا في عذاب شديد من
قبل أعدائهم يأجوج ومأجوج، لذا فقد طلبوا العون منه قائلين:
﴿قَالُوا يَا ذَا
الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ
نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّ﴾.
قد يكون كلامهم هذا تم عن طريق تبادل العلامات والإشارات، لأنهم لا يفهمون لغة ذي
القرنين، أو أنهم تحدثوا معه بعبارات ناقصة لا يمكن الإعتداد بها.
يمكن أن نستفيد أن تلك المجموعة من الناس كانت ذات وضع جيد من حيث الإمكانات
الإقتصادية، إلا أنهم كانوا ضعفاء في المجال الصناعي والفكري والتخطيطي، لذا فقد
تقبلوا بتكاليف بناء هذا السد المهم، بشرط أن يتكفل ذو القرنين ببنائه وهندسته.
أما ذو القرنين فقال:
﴿آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ﴾.
وعندما تهيأت قطع الحديد أعطى أمراً بوضع بعضها فوق البعض الآخر حتى غطّي بين
الجبلين بشكل كامل:
﴿ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ﴾.
الأمر الثالث لذي القرنين هو طلبه منهم أن يجلبوا الحطب وما شابهه، ووضعه على جانبي
هذا السد، وأشعل النار فيه ثم أمرهم بالنفخ فيه حتى احمرَّ الحديد من شدة النار:
﴿قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارً﴾.
لقد كان يهدف ذو القرنين من ذلك ربط قطع الحديد بعضها ببعض ليضع منها سداً من قطعة
واحدة، وعن طريق ذلك، قام ذو القرنين بنفس عمل (اللحام) الذي يقام به اليوم في ربط
أجزاء الحديد بعضها ببعض.
أخيراً أصدر لهم الأمر الأخير فقال: اجلبوا لي النحاس المذاب حتى أضعه فوق هذا
السد:
﴿قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرً﴾.
وبهذا الشكل قام بتغطية هذا السد الحديدي بطبقة النحاس حتى لا ينفذ فيه الهواء
ويحفظ من التآكل.
بعض المفسرين قالوا: إن علوم اليوم أثبتت أنه عند إضافة مقدار من النحاس إلى الحديد
فإن ذلك سيزيد من مقدار مقاومته، ولأن "ذا القرنين" كان عالماً بهذه الحقيقة فقد
أقدم على تنفيذه.
وأخيراً، أصبح هذا السد بقدر من القوة والإحكام بحيث:
﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَن
يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبً﴾.
لقد كان عمل ذي القرنين عظيماً ومهماً، وكان له وفقاً لمنطق المستكبرين ونهجهم أن
يتباهى به أو يمن به، إلا أنه قال بأدب كامل:
﴿قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي﴾
لأن أخلاقه كانت أخلاقاً إلهية.
إنه أراد أن يقول: إذا كنت أملك العلم والمعرفة وأستطيع بواسطتها أن أخطو خطوات
مهمة، فإن كل ذلك إنما كان من قبل الخالق جل وعلا، وإذا كنت أملك قابلية الكلام
والحديث المؤثر فذلك أيضاً من الخالق جل وعلا.
وإذا كانت مثل هذه الوسائل والأفكار في اختياري فإن ذلك من بركة الله ورحمته الخالق
الواسعة.
أراد ذو القرنين أن يقول: إنني لا أملك شيئاً من عندي كي أفتخر به، ولم أعمل عملاً
مهماً كي أمُنَّ على عباد الله.
ثم استطرد قائلاً: لا تظنوا أن هذا السد سيكون أبدياً وخالداً:
﴿فَإِذَا جَاء
وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء﴾.
﴿وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّ﴾
لقد أشار ذو القرنين في كلامه هذا إلى قضية فناء الدنيا وتحطم هيكل نظام الوجود
فيها عند البعث.
من هو ذو القرنين؟
ذكر المفسرون كلاماً كثيراً عن شخصية ذي القرنين الوارد في القرآن الكريم، فمن هو؟
وعلى أي واحد من الشخصيات التأريخية المعروفة تنطبق أوصافه ويمكن أن نرجع الآراء
إلى ثلاث نظريات أساسية: وأخذت النظريات في هذا المجال وردت عن المفكر الإسلامي
المعروف (أبو الكلام آزاد) الذي شغل يوماً منصب وزير الثقافة في الهند. وقد أورد
رأيه في كتاب حققه في هذا المجال. وطبقاً لهذه النظرية فإن ذا القرنين هو نفسه
(كورش الكبير) الملك الأخميني.