الشفاعة عند المسلمين
السيد الخوئي
تدل الايات المباركة على أن الله سبحانه هو الكافل بامور عبيده، وأنه الذي بيده الامر، يدبر شؤون عبده ويوجهه إلى كماله برحمته، وهو قريب منه، يسمع نداءه ويجيب دعاءه:
عدد الزوار: 234
تدل الايات المباركة على أن الله سبحانه هو الكافل بامور عبيده، وأنه الذي بيده
الامر، يدبر شؤون عبده ويوجهه إلى كماله برحمته، وهو قريب منه، يسمع نداءه ويجيب
دعاءه: « أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ٣٩: ٣٦. وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي
عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ
فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ٢: ١٨٦ ».
وعلى هذا فليس لمخلوق أن يستشفع بمخلوق مثله، ويجعله واسطة بينه وبين ربه، ففي ذلك
تبعيد للمسافة، بل وفيه إظهار للحاجة إلى غير الله وماذا يصنع محتاج بمحتاج مثله؟
وماذا ينتفع العاصي بشفاعة من لا ولاية له ولا سلطان؟ بل: « لِلَّهِ الْأَمْرُ
مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ٣٠: ٤. قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ٣٩: ٤٤ ».
هذا كله إذا لم تكن الشفاعة بإذن من الله سبحانه، وأما إذا أذن الله بالشفاعة لاحد
فإن الاستشفاع به يكون نحوا من الخضوع لله والتعبد له، ويستفاد من القرآن الكريم أن
الله تعالى قد أذن لبعض عباده بالشفاعة، إلا أنه لم ينوه بذكرهم عدا الرسول الاكرم
صلى الله عليه وآله وسلم، فقد قال الله تعالى: « لَا يَمْلِكُونَ
الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ١٩: ٨٧. يَوْمَئِذٍ
لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ ٢٠: ١٠٩. وَلَا
تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ٣٤: ٢٣. وَلَوْ أَنَّهُمْ
إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ
الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ٤: ٦٤ ».
والروايات الواردة عن النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم وعن أوصيائه الكرام
(عليهم السلام) في هذا الموضوع متواترة.
أحاديث الشفاعة عند الامامية:
أما الروايات من طريق الشيعة الامامية فهي أكثر من أن تحصى، وأمر الشفاعة عندهم
أوضح من أن يخفى، ونكتفي بذكر رواية واحدة منها: روى البرقي في المحاسن بإسناده عن
معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالى: «
لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ٧٨: ٣٨ ».
قال: نحن والله المأذون لهم في ذلك، والقائلون صوابا، قلت: جعلت فداك وما تقولون
إذا كلمتم؟ قال نمجد ربنا، ونصلي على نبينا، ونشفع لشيعتنا فلا يردنا ربنا. وروى
محمد بن يعقوب في الكافي بإسناده عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي عليه
السلام مثله1.
أحاديث الشفاعة عند العامة:
وأما الروايات من طرق أهل السنة فهي أيضا كثيرة متواترة2
نتعرض لذكر بعضها:
١ روى يزيد الفقير، قال: أخبرنا جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم قال: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الارض
مسجدا وطهورا.. وأحلت لي الغنائم ولم تحل لاحد قبلي، وأعطيت الشفاعة.. 3.
٢ روى أنس بن مالك، قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنا أول شفيع في
الجنة4.
٣ روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكل نبي دعوة
وأردت إن شاء الله أن أختبئ دعوتي شفاعة لامتي يوم القيامة5.
٤ وروى أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا سيد ولد آدم عليه
السلام يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع6.
٥ وروى أيضا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الشفعاء خمسة: القرآن،
والرحم، والامانة، ونبيكم، وأهل بيته7.
٦ روى عبد الله بن أبي الجدعاء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم ورواه الترمذي والحاكم8.
ومن هذه الروايات يستكشف أن الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبأهل
بيته الكرام (عليهم السلام) أمر ندب إليه الشرع، فكيف يعد ذلك من الشرك؟ عصمنا الله
من متابعة الهوى وزلل الاقدام والاقلام.
* تفسير البيان / الامام الخوئي قدة.
1- البحار باب
الشفاعة ] ٣ ص ٣٠١.
2- في المجلد السابع من كنز العمال ص ٢١٥، ٢٧٠ من هذه الروايات ما يزيد على ثمانين
رواية.
3- صحيح البخاري كتاب التيمم باب ١ ج ١ ص ٨٦.
4- صحيح مسلم باب أن النبي أول من يشفع في الجنة ج ١ ص ١٣٠.
5- انظر التعليقة رقم (٢٦) لاستقصاء مصادر هذه الرواية في قسم التعليقات.
6- صحيح مسلم باب تفضيل نبينا على جميع الخلائق ج ٧ ص ٥٩.
7- كنز العمال: الشفاعة ج ٧ ص ٢١٤.
8- نفس المصدر السابق ص ٢١٥.