يتم التحميل...

أقسام الرياء

تهذيب النفس

الرياء اما في العبادات او في غيرها (و الاول) حرام مطلقا وصاحبه ممقوت عند الله وهو يبطل اصل العبادة ولان الاعمال بالنيات، والمرائى بالعبادة لم يقصد امتثال امر الله بل قصد ادراك مال او جاه او غرض آخر من الاغراض

عدد الزوار: 105

الرياء اما في العبادات او في غيرها (و الاول) حرام مطلقا وصاحبه ممقوت عند الله وهو يبطل اصل العبادة ولان الاعمال بالنيات، والمرائى بالعبادة لم يقصد امتثال امر الله بل قصد ادراك مال او جاه او غرض آخر من الاغراض فلا يكون ممتثلا لامر الله خارجا عن عهدة التكليف، ثم مع بطلان عبادته وعدم خروجه عن عهدة التكليف يكون له اثم على حدة لاجل الرياء، كما دلت عليه الآيات والاخبار، فيكون اسوا حالا ممن ترك العبادة راسا، كيف لا والمرائي بالعبادة جمع بين الاستهزاء بالله والتلبيس والمكر لانه خيل الى الناس انه مطيع لله من اهل الدين وليس كذلك.

و اما الرياء بغير العبادات، فقد يكون مذموما، وقد يكون مباحا، وقد يكون مستحبا، وقد يكون واجبا، اذ يجب على المؤمن صيانة عرضه والا يفعل ما يعاب عليه، فلا يليق بذوى المروات ان يرتكبوا الامور الخسيسة بانفسهم عند مشاهدة الناس وان جاز لهم ذلك في الخلوة، ومن زين نفسه باللباس او غيره في اعين الناس حذرا من لومهم واستثقالهم او استقذارهم اياه كان ذلك مباحا له، اذ الحذر من الم الذم غير مذموم الا ان ذلك يختلف باختلاف الازمنة والبلاد والاشخاص من العباد، فربما كان بعض اقسام الرياء بغير العبادات مذموما بالنظر الى وقت او شخص او بلد غير مذموم بالنظر الى آخر. روى: "ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اراد يوما ان يخرج على اصحابه، فكان ينظر في حب من الماء ويسوى عمامته وشعره، فقيل له: او تفعل ذلك يا رسول الله؟ فقال: نعم، ان الله تعالى يحب من العبد ان يتزين لاخوانه اذا خرج اليهم‏". وقال امير المؤمنين عليه السلام: "يتزين احدكم لاخيه المسلم كما يتزين للغريب الذي يحب ان يراه في احسن الهيئة‏"، وقال الصادق عليه السلام: "الثوب النقي يكبت العدو". وروى: "انه عليه السلام نظر الى رجل من اهل المدينة قد اشترى لعياله شيئا وهو يحمله، فلما رآه الرجل استحى منه، فقال عليه السلام: اشتريته لعيالك وحملته اليهم، اما والله لو لا اهل المدينة لا حببت ان اشتري لعيالى الشي‏ء ثم احمله اليهم‏" اراد عليه السلام لو لا مخافة ان يعيبوه على ذلك لفعل مثل فعله، الا انه لما كان في زمان يعاب عليه بمثله لم يجز له ان يرتكبه، ولما لم يكن ذلك مما يعاب عليه في زمن امير المؤمنين عليه السلام كان يرتكبه وكان ذلك منقبة له وتعليما. فظهر ان ارتكاب بعض الامور وعدم ارتكاب بعض الافعال قد يكون رياء محبوبا وقد يكون رياء مذموما.

تاثير الرياء على العبادة

الرياء اما ان يكون مجردا عن قصد القربة والثواب بحيث لو لاه والفرد صاحبه لترك العمل وهو اشد درجات الرياء واعظمها اثما، او يكون مع قصدهما فان كان قصدا ضعيفا مرجوحا بحيث لو كان خاليا عن قصد الرياء لم يبعثاه على العمل، ولو كان قصد الرياء خاليا عنهما بعثه عليه، كان قريبا من سابقه وان كان مساويا لقصد الرياء بحيث لو كان كل واحد خاليا عن الآخر لم يبعثه على العمل، فالحق كونه مفسدا للعمل ايضا لظواهر الاخبار. وان كان راجحا على قصد الرياء غالبا عليه بان يكون قصد الرياء واطلاع الناس مرجحا ومقويا لنشاطه بحيث لو لم يكن لم يترك العمل، ولو كان قصد الرياء وحده لما اقدم على العمل، (فبعض العلماء) على انه لا يحبط اصل العمل والثواب بل ينقص من الثواب او يعاقب صاحبه على مقدار قصد الرياء، ويثاب على مقدار قصد الثواب و(فيه نظر) اذ ظواهر الاخبار تفيد ابطاله اصل العمل والثواب لصدق الرياء عليه وصدق المرائى على صاحبه، لقول امير المؤمنين عليه السلام "ثلاث علامات للمرائي: ينشط اذا راى الناس، ويكسل اذا كان وحده ويحب ان يحمد في كل اموره‏" وما تقدم من الاخبار الدالة على ان كل عمل اشرك مع الله تعالى غيره كان الله منه بريئا ولم يقبله، صريح في المطلوب. وحملها على ما اذا تساوى القصد او كان قصد الرياء ارجح خلاف الظاهر. ثم الظاهر ان البطلان في هذه الصورة انما هو اذا رجع قصده الى حبه اطلاع الناس عليه لتقع منزلة له في قلوبهم، ليتوسل بها الى نيل غرض من الاغراض الدنيوية، واما اذا كان سروره وقصده من اطلاع الناس لاحد المقاصد الصحيحة الآتية فلا باس به ولا يبطل العمل.

السرور بالاطلاع على العبادة

من كان قصده اخفاء الطاعة والاخلاص لله، فاذا اتفق اطلاع الناس على طاعته فلا باس بالسرور به، من حيث علمه بان الله اطلعهم عليه واظهر الجميل من حاله، فيستدل به على حسن صنع الله به من حيث انه ستر الطاعه والمعصية، والله تعالى ابقى معصيته على الستر واظهر طاعته، فيكون فرحه بجميل نظر الله وفضله له لا بمدح الناس وقيام المنزلة في قلوبهم، وقد قال الله تعالى: "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا".

و كانه ظهر له بظهور طاعته انه عند الله مقبول ففرح به او من حيث استدلاله باظهار الله الجميل وستره القبيح في الدنيا انه كذلك يفعل به في الآخرة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "ما ستر الله على عبد في الدنيا الا ستر الله عليه في الاخرة‏". فالاول فرح بالقبول في الحال من غير ملاحظة المستقبل، وهذا التفات الى المستقبل. او من حيث ظنه رغبة المطلعين في الاقتداء في الطاعة، فيتضاعف بذلك اجره.

اذ يكون له اجره السر بما قصده اولا، واجر العلانية بما اظهره آخرا ومن اقتدى الناس به في طاعة فله اجر اعمال المقتدين به من غير ان ينقص من اجورهم شي‏ء. او من حيث فرحه بطاعة المطلعين لله في مدحهم وحبهم للمطيع، وميل قلوبهم الى الطاعة، اذ من الناس من يمقت اهل الطاعة ويحسدهم او يستهزئ بهم وينسبهم الى الرياء، فهذا فرح بحسن ايمان عباد الله، وعلامة الاخلاص فيه: ان يكون سروره بمدحهم غيره مثل سروره بمدحهم اياه.

و يدل على عدم الباس بالسرور فيما ذكر ما روى: "ان رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وآله: اني اسر العمل لا احب ان يطلع عليه احد فيطلع عليه فيسرني! قال: لك اجران: اجر السر واجر العلانية‏" وما روي: "انه سئل الباقر عليه السلام عن الرجل يعمل الشي‏ء من الخير فيراه انسان فيسره ذلك، قال: لا باس، ما من احد الا وهو يحب ان يظهر الله له في الناس الخير اذا لم يكن صنع ذلك‏". وهذان الخبران باطلاقهما يدلان على نفي الباس بالسرور لاجل المقاصد المذكورة ويخصص منهما ما هو المذوم من الفرح الحاصل من اطلاع الناس، وان كان قصده الاخفاء اولا، وهو ان يكون فرحه لقيام منزلته في قلوب الناس حتى يمدحوه ويعظموه ويقوموا بحوائجه، وانما يخصص ذلك منهما مع شمول اطلاقهما له ايضا لمعارض اقوى.

هذا وقد تقدم ان قصده اولا-اى في حال عقد الطاعة-اطلاع الناس عليه وارتياحه به لاحد المقاصد المذكورة لا باس به ايضا، فعدم الباس لا يختص بطرو القصد والارتياح بعد العقد او بعد تمام العمل.

ثم كما لا باس بالسرور من ظهور الطاعات للمقاصد المذكورة، فكذلك لا باس بكتمان المعاصي واغتمامه باطلاع الناس عليها لاسباب نذكرها، بل الحق رجحان الكتمان ومزيته بعد ارتكابها، وان كان الاصل في الاخلاص استواء السريرة والعلانية. ولذا قال بعض الاكابر: "عليك بعمل العلانية وهو ما اذا ظهر لم تستح منه‏". وقال بعضهم: "ما عملت عملا ابالي ان يطلع الناس عليه الا اتياني اهلي والبول والغائط‏". الا ان ذلك درجة عظيمة ليست‏شرعة لكل وارد، ولا يصل اليها الا واحد بعد واحد. اذ كل انسان-الا من عصمه الله-لا يخلو من ذنوب باطنة، (لا) سيما ما ختلج‏بباله من الاماني الباطلة والامور الشهوية، والله مطلع عليها وهي مخفية عن الناس، والسعي في اخفائها وكراهة ظهورها جائز بل راجح، بشرط الا يكون باعث اخفائها قصد ان يعتقدوا فيه الورع والصلاح، بل كان الباعث:

1- اما كون السر مامورا به.

2- او كون الهتك واظهار المعاصى منهيا عنه. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "من ارتكب شيئا من هذه القاذورات فليستره بستر الله تعالى‏". ويعرف صدق ذلك بكراهة ظهورها عن الغير، او كون ستر الله عليه في الدنيا دليلا على ستره في الآخرة، لما ورد في الخبر: "ان من ستر الله عليه في الدنيا ستر الله عليه في الآخرة‏".

3- او كون ظهور المعاصي موجبا لذم الناس، والذم يؤلم القلب ويشغله عن طاعة الله، ويصده عن الاشتغال بتحصيل ما خلق لاجله، ولكون التالم بالذم جبليا غير ممكن الدفع بسهولة يكون اخفاء ما ظهوره يؤدى الى حدوثه جائزا. نعم، كمال الصدق استواء المدح والذم، الا ان ذلك قليل جدا، واكثر الطباع تالم بالذم، لما فيه من الشعور بالنقصان وربما كان التالم بالذم ممدوحا اذا كان الذام من اهل البصيرة في الدين، فان ذمه يدل على وجود نقصان فيه، فينبغي ان يتالم منه ويتشمر لدفعه.

4- او كون الناس شهداءه يوم القيامة، كما ورد فيجوز الاخفاء لئلا يشهدوا عليه يوم القيامة.

5- او خوف ان يقصد بشر او سوء اذا عرف ذنبه.

6- او خوف صيرورة الذام عاصيا بذمه، وهذا من كمال الايمان ويعرف بتسوية ذمه وذم غيره.

7- او خوف سقوط وقع المعاصي من نفسه او اقتداء الغير به فيها وهذه العلة هي المبيحة لاظهار الطاعة، ويختص ذلك بمن يقتدى به من الائمة وامثالهم، ولهذه العلة ينبغي ان يخفى العاصي معصيته من اهله وولده ايضا، لئلا يقتدوا به فيها.

8- او حبه محبة الناس له لا للتوسل بها الى الاغراض الدنيوية، بل ليستدل بها على محبة الله تعالى له، لان من احبه الله تعالى جعله محبوبا في قلوب الناس.

9- او مجرد الحياء من ظهور قبائحه، وهو غير خوف الذم والقصد بالشر، اذ هو من فضائل الاخلاق ومن كريم الطبع، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "الحياء خير كله‏". وقال الصادق عليه السلام: "الحياء شعبة من الايمان‏". وقال صلى الله عليه وآله: "ان الله تعالى يحب الحيي الحليم‏". ومن صدر عنه فسق ولم يبال بظهوره للناس، فقد جمع الى الفسق الهتك وعدم الحياء اعني الوقاحة، فهو اسوا حالا ممن يفسق ويستحى فيستره.

ثم كثيرا ما يشتبه الحياء بالرياء، فيدعى من يرائى بانه يستحى، وان تركه السيئات او اخفاءها او تحسينه للعبادات انما هو لاجل الحياء من الناس دون الرياء، وذلك كذب، وبيان ذلك: ان الحياء خلق ينبعث من الطبع الكريم، ويمكن ان يهيج عقيبه داعية الرياء فيرائى معه ويمكن ان يهيج داعية الاخلاص فيجمعه اليه. مثلا من طلب صديقه قرضا، فان رده صريحا من غير مبالاة ومن دون ان يتعلل ارتكب الوقاحة وعدم الحياء. وان اعطاه بمجرد انقباض نفسه من استشعار قبح رده مشافهة من دون رغبة في الثواب ولا خوف من ذمه او حب الى مدحه حتى لو طلبه مراسلة او بتوسط غيره من الاجانب لرده، فاعطاؤه هذا صادر عن مجرد الحياء من دون ترتب رياء او اخلاص عليه. وان تعسر عليه الرد للحياء وكان ما في نفسه من البخل مانعا من الاعطاء فحدث خاطر الرياء، ويخاطب نفسه بانه ينبغي ان تعطيه حتى يمدحك بالسخاء ولا يذمك بالبخل فاعطاه لذلك فهو مزج الرياء بالحياء، والمحرك للرياء هو هيجان الحياء. وان تعسر عليه الرد للحياء والاعطاء للبخل، فهيج‏باعث الاخلاص، ويقول له: ان الصدقة بواحدة والقرض بثمانية، ففيه اجر عظيم، وادخال السرور على قلب مسلم صديق من اقرب القربات، فسخت نفسه بالاعطاء، فهو جمع بين الحياء والاخلاص ثم الحياء لا يكون الا في القبائح الشرعية او العقلية او العرفية، كالبخل ومقارفة الذنوب والظلم وصدور بعض الحركات القبيحة عرفا في المحافل، والرياء يكون في المباحات ايضا، حتى انه لوعاد الضاحك الى الانقباض والمستعجل في المشي الى الهدوء بعد اطلاع الناس كان مرائيا، وربما ظن ان باعث ذلك هو الحياء وهو الجهل، اذ باعثه مجرد الرياء. وما قيل: ان بعض الحياء ضعف، فالمراد ان الحياء مما ليس بقبيح ناش من ضعف النفس، كالحياء من وعظ الناس واقامة الصلاة ومن الامر بالمعروف والنهى عن المنكر، الا اذا وجد عذر يحسن الحياء معه، كان يشاهد معصية من شيخ فيستحى من شيبته ان ينكر عليه، لان من اجلال الله اجلال ذى الشيبة المسلم، ولو استحيى من الله ولا يضيع الامر بالمعروف لكان احسن. واقوياء النفوس من اهل الايمان يؤثرون الحياء من الله على الحياء من الخلق، واما ضعفاء النفوس منهم فقد لا يقدرون على ذلك.

متعلقات الرياء

الرياء اما باصل الايمان، وهو اظهار الشهادتين مع التكذيب باطنا وهذا هو كفر النفاق، وقد كان في صدر الاسلام كثيرا، وقل ما يوجد في امثال زماننا، وان كثر فيه انكار بعض ضروريات الدين، كالجنة والنار والثواب والعقاب واعتقاد طى بساط احكام الشرع باطنا، ميلا الى قول الملاحدة واهل الاباحة، مع اظهار الخلاف ظاهرا، وهذا ايضا معدود من كفر النفاق، وصاحبه ينسل عن الدين مخلد بالنار. وصاحب كفر النفاق مطلقا اسوا حالا من الكافر المحارب، لانه جمع بين الكفر الباطن والنفاق الظاهر. او باصول العبادات مع التصديق باصل الدين، كان يصلي في الملا دون الخلوة، ويصوم مع اطلاع الناس عليه ويفطر بدونه، ومثله وان لم ينسل من اصل الدين، الا انه شر المسلمين، لترجيحه الخلق على الخالق، وكون التقرب اليهم احب من التقرب لديه وكون خوفه من ذمهم اشد من خوفه من عقابه سبحانه. او بالنوافل والسنن، وهذا ايضا مذموم مهلك، ولكنه دون ما قبله، لان صاحبه وان قدم مدح الخلق على مدح الخالق، الا انه لم يقدم خوف ذمهم على خوف عقابه، لعدم ترتب عقاب على ترك النافلة. او باوصاف العبادة الواجبة او المستحبة، كفعل ما في تركه نقصان او كراهة او ترك ما في فعله احدهما او بزيادات خارجة عن نفس النوافل، كحضوره الجماعة قبل القوم وقصده الصف الاول، وامثال ذلك. وكل ذلك مذموم، الا ان بعضه اشد من بعض.


* جامع السعادات / العلامة النراقي فصل الرياء.

2016-04-04