من هو مؤمن آل فرعون؟
مؤمن آل فرعون
نستفيد من الآيات القرآنية أنّ «مؤمن آل فرعون» هو رجل من قوم فرعون آمن بموسى (عليه السلام)، وظلّ يتكتم على إيمانه، ويعتبر نفسه مكلفاً بالدفاع عنه (عليه السلام).
عدد الزوار: 817
أوّلا: من هو مؤمن آل فرعون؟
نستفيد من الآيات القرآنية أنّ «مؤمن آل فرعون» هو رجل من قوم فرعون آمن بموسى (عليه
السلام)، وظلّ يتكتم على إيمانه، ويعتبر نفسه مكلفاً بالدفاع عنه (عليه السلام).
لقد كان الرجل ـ كما يدل عليه السياق ـ ذكياً ولبقاً، يقدّر قيمة الوقت، ذا منطق
قوي، حيث قام في اللحظات الحسّاسة بالدّفاع عن موسى (عليه السلام) وإنقاذه من
مؤامرة كانت تستهدف حياته.
تتضمن الرّوايات الإسلامية وتفاسير المفسّرين أوصافاً اُخرى لهذا الرجل سنتعرض لها
بالتدريج.
البعض مثلا يعتقد أنّه كان ابن عم ـ أو ابن خالة ـ فرعون، ويستدل هذا الفريق على
رأيه بعبارة (آل فرعون) إذ يرى أنّها تطلق على الأقرباء، بالرغم من أنّها تستخدم
أيضاً للأصدقاء والمقربين.
والبعض قال: إنّه أحد أنبياء بني إسرائيل كان يعرف اسم «حزبيل» أو «حزقيل».
فيما قال البعض الآخر: إنّه خازن خزائن فرعون، والمسؤول عن الشؤون المالية.
وينقل عن ابن عباس أنّه قال: إنّ هناك ثلاثة رجال من بين الفراعنة آمنوا بموسى (عليه
السلام)، وهم آل فرعون، وزوجة فرعون، والرجل الذي أخبر موسى قبل نبوته بتصميم
الفراعنة على قتله، حينما أقدم موسى على قتل القبطي، ونصحه بالخروج من مصر بأسرع
وقت:
﴿وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ
الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ
النَّاصِحِينَ﴾.
لكن القرائن تفيد أن ثمّة مجموعة قد آمنت بموسى (عليه السلام) بعد مواجهة موسى مع
السحرة، ويظهر من السياق أنّ قصة مؤمن آل فرعون كانت بعد حادثة السحرة.
والبعض يحتمل أنّ الرجل كان من بني إسرائيل، لكنّه كان يعيش بين الفراعنة ويعتمدون
عليه، إلاّ أنّ هذا الإحتمال ضعيف جداً، ولا يتلاءم مع عبارة «آل فرعون» وأيضاً
نداء «يا قوم».
ولكن يبقى دوره مؤثراً في تأريخ موسى (عليه السلام) وبني إسرائيل حتى مع عدم وضوح
كلّ خصوصيات حياته بالنسبة لنا.
ثانياً: التقية أداة مؤثّرة في الصراع
(التقية) أو (كتمان الإعتقاد) ليست من الضعيف أو الخوف كما يظن البعض، بل غالباً ما
توظّف كأسلوب مؤثّر في إدارة مع الظالمين والجبارين والطغاة، إذ أن كشف أسرار العدو
لا يمكن أن يتمّ إلاّ عن طريق الأشخاص الذين يعملون بأسلوب التقية.
وكذلك الضربات الموجعة والمباغتة للعدو، لا تتمّ إلاّ عن طريق التقية وكتمان الخطط
وأساليب الصراع.
لقد كانت «تقية» مؤمن آل فرعون من أجل خدمة دين موسى (عليه السلام)، والدفاع عنه في
اللحظات الصعبة. ثمّ هل هناك أفضل من أن يحظى الإنسان بشخص مؤمن بقضيته ودعوته
يزرعه في جهاز عدوه بحيث يستطيع من موقعه أن ينفذ إلى أعماق تنظيمات العدو، ويحصل
على المعلومات والأسرار ليفيد بها قضيته ودعوته، ويخبر بها أصحابه وقد تقضي الضرورة
النفوذ في ذهينة العدو أيضاً وتغييرها لمصالح قضيته ودعوته ما أستطاع إلى ذلك سبيلا.
الآن نسأل: هل كان بوسع مؤمن آل فرعون إسداء كلّ هذه الخدمات لدعوة موسى (عليه
السلام) لو لم يستخدم أُسلوب التقية؟
لذلك كلّه ورد في حديث عن الإمام الصادق قوله (عليه السلام): "التقية ديني ودين
آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية ترس الله في الأرض، لأنّ مؤمن آل فرعون لو
أظهر الإسلام لقتل".
إنّ فاعلية هذا المبدأ تكتسب أهمية استثنائية في الوقت الذي يكون فيه المؤمنون قلّة
خاضعة للأكثرية التي لا ترحم ولا تتعامل وفق المنطق، فالعقل لا يسمح بإظهار الإيمان
(باستثناء الضرورات) والتفريط بالطاقات الفعّالة، بل الواجب يقضي بكتمان العقيدة
والتخفي على المعتقد في مثل هذا الوضع لكي يصار إلى تجميع الطاقات والقوى والإفادة
منها لتسديد الضربة النهائية والقاصمة في الوقت والظرف المناسبين.
إنّ الرّسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلتزم بنفسه هذا المبدأ، حينما أبقى
دعوته سريّة لبضع سنوات، وحينما ازداد أتباعه وتشكّلت النواة الإيمانية القادرة
للحفاظ على الدعوة الجديدة صدع (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمره تعالى أمام القوم.
ومن بين الأنبياء الآخرين نرى إبراهيم (عليه السلام) الذي استخدم أُسلوب التقية،
ووظّف هذا المبدأ في عمله الشجاع الذي حطّم فيه الأصنام، وإلاّ فلولا التقية لم يكن
بوسعه أن ينجح في عمله أبداً.
كذلك استفاد أبو طالب عم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من أسلوب التقية في
حماية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعوته الناشئة، إذ لم يعلن عن صريح
إيمانه برسول الله وبالإسلام إلاّ في فترات ومواقف خاصّة، كي يستطيع من خلال ذلك
لنهوض بأعباء دوره المؤثر في حفظ حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيال
مكائد وطغيان الشرك القرشي.
من هنا يتبيّن خطأ رأي من يعتقد بأنّ «التقية» كمبدأ وكأُسلوب، تختص بالشيعة دون
غيرهم، أو أنّها كدليل على الضعف والجبن، فيما هي موجودة في جميع المذاهب دون
استثناء.
ثالثاً: من هم
الصدّيقون؟
في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «الصديقون ثلاثة: (حبيب
النجار) مؤمن آل يس الذي يقول:
﴿اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن
لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْر﴾ و (حزقيل) مؤمن آل فرعون وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم».
والملاحظ في هذا الحديث أنّه يروى في مصادر الفريقين.
إنّ تأريخ النبوات يظهر مكانة هؤلاء في دعوات الرسل، إذ صدّقوهم في أحرج اللحظات،
وكانوا في المقدمة، فاستحقوا لقب «الصدّيق» خاصة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
(عليه السلام)، الذي وقف منذ مطلع عمره الشريف وحتى نهايته مناصراً لرسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) في حياته وبعد رحلته وذاباً عن الدعوة الجديدة، واستمرّ في
كلّ المراحل والأشواط في تقديم التضحيات بمنتهى الاخلاص.