الملائكة الأقل مرتبة
الدعاء الثالث
( وعلى الملائكة الذين من دونهم ) أي من دون إسرافيل، وميكائيل، وجبريل.
عدد الزوار: 346
( وعلى الملائكة الذين من دونهم ) أي من دون إسرافيل، وميكائيل، وجبريل.
( وأهل الأمانة على رسالاتك ) فيه إيماء إلى أن هناك ملائكة غير جبريل أمناء على
وحي الله لأنبيائه، وأن جبريل سيد الملائكة يحمل الوحي إلى محمد سيد الأنبياء، وأن
من دونه من الأنبياء يحمل إليه الوحي من هو دون جبريل من الملائكة، فكل ملك يبعث
إلى نظيره منزلة، وقدراً ( لا تدخلهم سامة من دؤب ) من استمرار وملازمة، وهذا
اقتباس من قوله تعالى: « يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسئمون » ( ولا إعياء من
لغوب ) التعب الشديد ( ولا فتور ) ولا تقصير ( الخشع الأبصار ) لا يرفعون الأبصار
إلى فوق، ولا يلتفتون يميناً، وشمالاً ( فلا يرومون النظر إليك ) ؛ لأنهم على علم
اليقين بأنه تعالى: « لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير »،
وأيضاً لا يتوهمونه بالتصور ؛ لأن ذاته فوق العقول، وفي الحديث: « تفكروا في خلق
الله، ولا تفكروا في الله فتهلكوا ». ( النواكس الأذقان ) من نكس بمعنى طأطأ (
المستهترون بذكر آلائك ) المولعون بذكر نعمه تعالى ( والذين يقولون إذا نظروا إلى
جهنم تزفر ) تصيح. وفي نهج البلاغة: « وَنَارٍ شَدِيدٍ كَلَبُهَا عَالٍ لَجَبُهَا
سَاطِعٍ لَهَبُهَا، متغيظ زفيرها، متأجج سعيرها، بعيد خمودها، ذلك وقودها... »
واضطرابه، إذا نظر الملائكة إلى جهنم على هذا الكلب، واللجب حمدوا الله على النجاة
منها، وشعروا بالتقصير في شكره تعالى على هذه السعادة العظمى، والنعمة الكبرى.
وعلى الروحانيين من ملائكتك، وأهل الزلفة عندك، وحمال الغيب إلى رسلك ؛ والمؤتمنين
على وحيك، وقبائل الملائكة الذين اختصصتهم لنفسك، وأغنيتهم عن الطعام، والشراب
بتقديسك، وأسكنتهم بطون أطباق سماواتك ؛ والذين على أرجائها إذا نزل الأمر بتمام
وعدك.
وخزان المطر، وزواجر السحاب ؛ والذي بصوت زجره يسمع زجل الرعود ؛ وإذا سبحت به
خفيفة السحاب... التمعت صواعق البروق، ومشيعي الثلج، والبرد، والهابطين مع قطر
المطر إذا نزل ؛ والقوام على خزائن الرياح، والموكلين بالجبال فلا تزول ؛ والذين
عرفتهم مثاقيل المياه، وكيل ما تحويه لواعج الأمطار، وعوالجها.
ورسلك من الملائكة إلى أهل الأرض بمكروه ما ينزل من البلاء، ومحبوب الرخاء ؛
والسفرة الكرام البررة ؛ والحفظة الكرام الكاتبين ؛ وملك الموت، وأعوانه ؛ ومنكر،
ونكير، ورومان فتان القبور.
( وعلى الروحانيين من ملائكتك ) كل الملائكة روحيون نسبة إلى الروح والمراد
بالروحانيين هنا الملائكة الذين هم أعلم بالله من غيرهم ( وأهل الزلفة ) المنزلة
القريبة عند الله ( وحمال الغيب إلى رسلك ؛ والمؤتمنين على وحيك ) اقتباس من الآية:
« الله يصطفى من الملائكة رسلاً » ( وقبائل الملائكة الذين اختصصتهم لنفسك ) قربتهم
منك، وأوكلت إليهم المهمات (وأسكنتهم بطون أطباق سماواتك ) في إحدى خطب النهج: « من
ملائكة أسكنتهم سمواتك، ورفعتهم عن أرضك ». وفي ثانية « وليس في أطباق السماء موضع
إهاب إلا وعليه ملك ساجد، أو ساع حافد » أي خفيف سريع.
وإن قال قائل: لقد صعد الإنسان إلى القمر، وطاف آفاق السماء بالطائرة، وسفينة
الفضاء، وما رأى ملكاً ساجداً، أو ساعياً.
قلنا في جوابه: لقد أقر العلم القديم، والحديث وجود العديد من كائنات لا تقع تحت
الحواس وعليه فليس من الضروري لنؤمن بشيء أن نراه رأي العين، بل قد نؤمن إيماناً
صادقاً بما لا تراه الأعين، وقد لا نؤمن بما تراه العين
خداع الحواس. هذا إلى أن الذي يخلق الشيء من لا شيء قادر على أن يخلق أشياء لا ترى
بالبصر، بل ولا بالبصيرة، أيضاً، ونحن المسلمين نؤمن، ونوقن بأن ما من إنسان مكلف
إلا وعلى يمينه، ويساره ملكين يسجلان كل ما يقول، ويفعل، والمصدر الوحيد لإيماننا
هذا، الوحي، ومنه قوله تعالى: « وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون
».
الإنسان، والملائكة
تكلم القدامى عن حقيقة الملائكة، وعصمتهم، وشؤونهم، وأطوارهم، وقارنوا بينهم، وبين
الإنسان، ومضوا فيما قالوا، وأثبتوا مع الرجم بالغيب ؛ لأنهم ما رأوا ملكاً واحداً،
ولا أثراً يختص بالملائكة دون غيرهم، إضافة إلى أن هذا الموضوع لا يتصل بالحياة من
قريب، أو بعيد، والله لا يسألنا عنه غداً. فعلام الفضول فيما قالوا، وأقول ؟.
وفي شتى الأحوال فإن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يستطيع أن يملك نفسه، ويعلو
فوق ميوله، وأهوائه بدافع من أعماقه لا من الخارج، أما عصمة الملائكة، أو نزاهتهم ؛
فإنها من الخارج لا من الداخل، إن صح التعبير، حيث لا شهوات، ومتطلبات للجنس،
والمعدة، ولا حرب، وضرب، ولا حزن، وألم، ولا فقر، ومرض، ولا مضاهاة، ومباهاة...
أبداً لا شيء إلا الهدوء، والسكينة، والأمان.
ولا أدري: هل حياة الملائكة هذه هي الأفضل أم حياتنا نحن البشر التي لابد معها من
الكدح، والشقاء، والشجاعة في الصبر على البلاء ؟.
وبعد، فقد ترددت في شرح هذا الدعاء أول الأمر ؛ لأن موضوعه مشكل، وشائك، فهو غير
نظري يعتمد على الفكر، والتأمل، ولا عملي يتصل بالحياة، وإنما هو غيب في غيب لا
مصدر له الا التعبد بالوحي، والجمود على نصوصه، والوحي، أجمل، ولم يفصل، وأوجز، ولم
يطنب... ثم غلبني سلطان العقيدة، والولاء للنبي وآله الأطهار، عليهم أفضل الصلوات
بعد أن شعرت بالخوف، والقلق لو تركت ما دعا به من أدين بإمامته، وعصمته، فشرحته بما
سجلت، وأنا على يقين أني ما بينت كل ما غمض، واستعجم. وألف الصلاة على من قال: « إن
الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب، الإقرار
بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ».