كيف نزيل آثار الذنوب؟
الأخلاق والثقافة الإسلامية
وكان من دعائه عليه السلام:اللَّهُمَّ أَيُّما عَبْد تَابَ إلَيْكَ وَهُوَ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ فَاسِخٌ لِتَوْبَتِهِ وَعَائِدٌ فِي ذَنْبِهِ وَخَطِيئَتِهِ فَإنِّي أَعُوذُ بِكَ أنْ أَكُوْنَ كَذلِكَ، فَاجْعَلْ تَوْبَتِي هَذِهِ تَوْبَةً لا أَحْتَاجُ بَعْدَهَا إلَى تَوْبَة، تَوْبَةً مُوجِبَةً لِمَحْوِ مَا سَلَفَ، وَالسَّلاَمَةِ فِيمَـا بَقِيَ.
عدد الزوار: 123
وكان من دعائه عليه السلام:اللَّهُمَّ أَيُّما عَبْد تَابَ إلَيْكَ وَهُوَ فِي
عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ فَاسِخٌ لِتَوْبَتِهِ وَعَائِدٌ فِي ذَنْبِهِ
وَخَطِيئَتِهِ فَإنِّي أَعُوذُ بِكَ أنْ أَكُوْنَ كَذلِكَ، فَاجْعَلْ تَوْبَتِي
هَذِهِ تَوْبَةً لا أَحْتَاجُ بَعْدَهَا إلَى تَوْبَة، تَوْبَةً مُوجِبَةً لِمَحْوِ
مَا سَلَفَ، وَالسَّلاَمَةِ فِيمَـا بَقِيَ.
تمهيد:
أن يعود السارق لمن سُرق ماله ليقول له سامحني، ويدير ظهره ولا يُرجع له ما سرق منه
تصرّف لا يقبله أيّ منّ، بل يناقض كلّ الأعراف، فعلى السارق إن ندم أن يعيد ما
سرق. وكذا المسألة في التوبة، فصحيح أنّ التوبة كما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم : "التوبة تجبّ ما قبلها"1 ، وعنه صلى الله عليه وآله
وسلم: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"2 ، إلّا أنّ بعض الذنوب
ليس من هذا القبيل، فليس قول المرء (أستغفر الله تعالى) ماحٍ لكلّ الذنوب،
فكيف نعالج هذه المسألة؟
الذنوب نوعان:
1 - الذنوب الّتي هي من حقّ الله تعالى أن يستغفره المرء عليه، ومثال هذا ترك
الواجبات العباديّة، كالصلاة والصوم، فهذه الذنوب لا يستطيع أيّ من العباد أن يطالب
العاصي به، لأنّها لله تعالى. هذا النوع من الذنوب يكتفي فيه العبد بالأمور
التالية:
أ- الاعتراف بالذنب.
ب- الندم.
ج - العزم على عدم العودة وهو الثبات الّذي مرَّ معنا.
د - قضاء ما فات من الصلوات والصوم.
والله تعالى حينها إن علم صدق التائب في توبته يقبلها منه برحمته، فعن الإمام عليّ
عليه السلام: "التوبة تستنزل الرحمة"3.
2 - الذنوب الّتي تتضمّن حقّ الله وحقّ الناس، أمّا حقّ الله تعالى فقد تقدّم،
وأمّا حقّ الناس فعلى التائب أن يصلح ما بينه وبينهم. ومثال الذنوب المشتركة
الغيبة، فهي من الكبائر وفي نفس الوقت تتعلّق بذِمم الناس وكرامتهم، وكذا السرقة،
وإيذاء المؤمن، ومال السحت الّذي قال الفقهاء إنّه بحكم مجهول المالك، فعليه أن
يرجعه للوليّ الفقيه للتصرّف فيه، فقد جاء في الرواية عن عليّ بن أبي حمزة قال: "كان
لي صديق من كتّاب بني أميّة فقال لي: استأذن لي عند أبي عبد الله عليه السلام
فاستأذنت له عليه فأذن له فلمّا أن دخل سلّم وجلس ثمّ قال: جعلت فداك إنّي كنت في
ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالاً كثيراً وأغمضت في مطالبه. فقال أبو عبد
الله عليه السلام: لولا أنّ بني أميّة وجدوا من يكتب لهم ويجبي لهم الفيء ويقاتل
عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقّنا، ولو تركهم الناس وما في أيديهم ما وجدوا
شيئاً إلّا ما وقع في أيديهم، قال: فقال الفتى: جعلت فداك فهل لي مخرج منه؟ قال: إن
قلت لك تفعل؟ قال: أفعل، قال له: فاخرج من جميع ما اكتسبت في ديوانهم فمن عرفت منهم
رددت عليه ماله ومن لم تعرف تصدّقت به. وأنا أضمن لك على الله عزّ وجلّ الجنَّة،
قال: فأطرق الفتى رأسه طويلاً ثمّ قال: قد فعلت جعلت فداك، قال ابن أبي حمزة: فرجع
الفتى معنا إلى الكوفة فما ترك شيئاً على وجه الأرض إلّا خرج منه حتّى ثيابه الّتي
كانت على بدنه، قال: فقسمت له قسمة واشترينا له ثياباً وبعثنا إليه بنفقة قال: فما
أتى عليه إلّا أشهر قلائل حتّى مرض فكنَّا نعوده قال: فدخلت عليه يوماً وهو في
السوق قال: ففتح عينيه ثمّ قال لي: يا عليّ وفى لي والله صاحبك، قال ثمّ مات
فتولينا أمره فخرجت حتّى دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فلمّا نظر إليّ قال: يا
عليّ وفينا والله لصاحبك، قال: فقلت: صدقت جعلت فداك هكذا والله قال لي عند موته"4.
نوعا التوبة
وكما أنّ للاعتذار من الصديق أساليب تتناسب مع الخطأ الّذي ارتُكب بحقّه، فإنّ
الأمر كذلك مع الله تعالى. لهذا قُسمت التوبة إلى:
1- توبة العلن:
وهي الّتي تستدعي أن يعلن الإنسان توبته أمام الخلائق جميعاً، وتكون من الذنوب
الّتي جاهر بها في حياته كشرب الخمر علناً والعياذ بالله تعالى.
2- توبة السرّ:
من الذنوب الّتي فعلها الإنسان بينه وبين ربّه، كالنظر الحرام، وظنّ السوء، وسائر
المحرّمات، وقد جاء في الحديث عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:أحدث
لكلّ ذنبٍ توبة: "السرّ بالسرّ والعلانية بالعلانية"5.
أيّها التائب العائد
إنّك برجوعك إلى الله تعالى مشرف على مرحلة جديدة، ومستعدّ للدخول في مصافّ أهل
الورع. ولكي تزداد حماستك وأنت مسرعٌ إليهم أنصت لما قيل في الورع:"الورع
والتقوى عن الحرام أعظم المنجيات، وعمدة ما ينال به إلى السعادات ورفع الدرجات".
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "خير دينكم الورع". وقال صلى الله
عليه وآله وسلم: "من لقي الله سبحانه ورعاً، أعطاه الله ثواب الإسلام كلّه".
وفي بعض الكتب السماوية: "وأمّا الورعون، فإنّي أستحيي أن أحاسبهم". وقال الباقر
عليه السلام: "إنّ أشدّ العبادة الورع". وقال عليه السلام: "ما شيعتنا
إلّا من اتّقى الله وأطاعه، فاتّقوا الله وأعملوا لما عند الله. ليس بين الله وبين
أحد قرابة. أحبّ العباد إلى الله تعالى وأكرمهم عليه أبقاهم وأعملهم بطاعته".
وقال الصادق عليه السلام: "أوصيك بتقوى الله والورع والاجتهاد، واعلم أنّه لا
ينفع اجتهاد لا ورع فيه".
وقال عليه السلام: "اتّقوا الله وصونوا دينكم بالورع". وقال عليه السلام: "عليكم
بالورع، فإنّه لا يُنال ما عند الله إلّا بالورع". وقال عليه السلام: "إنّ
الله ضمن لمن اتّقاه أن يحوّله عمّا يكره إلى ما يحبّ، ويرزقه من حيث لا يحتسب".
وقال عليه السلام: "إنّ قليل العمل مع التقوى خير من كثير بلا تقوى". وقال
عليه السلام: "ما نقل الله عبداً من ذلّ المعاصي إلى عزّ التقوى، إلّا أغناه من
غير مال، وأعزّه من غير عشيرة، وآنسه من غير بشر".
وقال عليه السلام: "إنّما أصحابي من اشتدّ ورعه، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه: هؤلاء
أصحابي". وقال عليه السلام: "ألا وإنّ من أتباع أمرنا وإرادته الورع، فتزيّنوا
به يرحمكم الله، وكيدوا أعداءنا به ينعشكم الله". وقال عليه السلام: "أعينونا
بالورع، قال من لقي الله تعالى منكم بالورع، كان له عند الله فرجاً. إنّ الله عزّ
وجلّ يقول:
﴿وَمَن
يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم
مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ
أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾6
7 ".
أفلا يجدر بنا الحماس للدخول في عداد أهل الورع؟!
* حسن الماب ، سلسلة الدروس الثقافية ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- الميرزا النوري،
مستدرك الوسائل، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، بيروت، لبنان، ج12
ص129.
2- الريشهري، محمّد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، الحديث 2117.
3- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث،
بيروت، لبنان، ج12 ص129.
4- الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، الطبعة الخامسة، ج5 ص 106.
5- المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، مؤسّسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة، ج
77 ص 137.
6- سورة النساء: الآية 69.
7- محمّد مهدي النراقي، جامع السعادات، ج 2 ص 135.